تاريخ مسجد الخميس عشر حلقات

1 خنشرت صحيفة الوسط عشر حلقات حول تاريخ مسجد الخميس بقلم الباحث حسين محمد حسن الجمري و الحلقات تحوي معلومات قيمة جدا وربما لاول مرة تنشر لذا تابعها الكثير من الناس ولذا سننشر الحلقات العشر على مرحلتين ونتمنى ان تستفيدوا منها.

الجزء الاول (خمس الحلقات: 1-2-3-4-5)

الحلقة الأولى
مسجد الخميس الحوزة الاولى وأول مسمار في نعش القرامطة
مسجد الخميس أحد المعالم التاريخية الشهيرة في البحرين, و تاريخ بناءه 1 خقديم, لم يبنى في فترة واحدة بل على فترات, و قد تغيرت ادواره عبر التاريخ, ففي فترة بني ليكون مركزا دينيا و سياسيا حيث انطلقت منه ثورة عارمة ضد القرامطة, و لم تهدأ إلا بزوال القرامطة كليا من البحرين, و بذلك يتحول المسجد لرمز فهو المسمار الأول الذي دق في نعش قرامطة البحرين. و تمر السنون و يعاد بناء المسجد بصورة أضخم ليتحول بعدها لما يشبه مقر حكم و مدرسة تعليمية. و هكذا لا يمكننا ان نتناول “مسجد الخميس” على أنه بناء له تاريخ بناء محدد, و نفصله عن الأحداث التاريخية التي مرت عليه, و الأدوار التي لعبها هذا البناء, و هذا ما سنحاول أن نغطيه في سلسلة المواضيع هذه.
موقع مسجد الخميس
يقع مسجد الخميس في شمال جزيرة البحرين على يمين شارع الشيخ سلمان الذي يؤدي للمنامة. و يبعد المسجد قرابة 4 كم من مركز مدينة المنامة. الحي الذي يوجد فيه هذا المسجد يعرف باسم “الخميس” نسبة إلى السوق التي كانت تقام هناك كل خميس حتى عهد قريب و التي عرفت باسم “سوق الخميس”. و هذا الحي الذي يوجد فيه هذا المسجد يعرف باسم الخميس نسبة إلى السوق التي كانت تقام هناك كل خميس حتى عهد قريب. و هذا الحي أي الخميس ما هو إلا جزء من المنطقة التي كانت و لازالت تعرف بالبلاد القديم.
و قد فقد هذا المسجد الكثير من جماله عندما أحيط بالمباني المدنية و الشوارع و كذلك السور الذي أحاط به و فصله عن حوض الماء الذي كان تابعا له و هو المكان الذي يتوضأ فيه المصلين. و الناظر لهذا المسجد عن كثب لا يمكنه أن يتصور أنه بني في زمن واحد و فترة واحدة, فبناءه خليط بين أجزاء مدمرة و أخرى مرممة.
الأسماء التي عرف بها المسجد
من خلال المراجع و النقوشات التي عثر عليه في مسجد الخميس (سنناقشها في موضعها لاحقا) فإننا لا نعلم لهذا المسجد قبل عام 1582م أي اسم و إنما نعلم أنه كان يشار إليه بسم المسجد حتى عام 1374م. و في عام 1582م أشير للمسجد في إحدى النقوشات باسم “المشهد الشريف ذي المنارتين”, و ذكر في مخطوط ديوان أبي البحر الخطي (توفي عام 1618م) باسم “المشهد ذو المنارتين”, و قد بقي هذا الأسم حتى عهد قريب فذكره النبهاني في بداية القرن العشرين باسم “المشهد” و عرف أيضا بالمسجد ذو المنارتين (أبو منارتين). و يرى الباحث علي أكبر بوشهري أن المنطقة التي يوجد فيها المسجد (أي الخميس) عرفت باسم مشهد و ذلك في حدود عام 1316م. و للاسم “مشهد” دلالات تاريخية سنتناولها مفصلة في موضوع منفصل.
و على الرغم من شياع هذه الاسماء إلا أن المستشرقين اخطأوا في تسميته, فنظرا لوجوده بالقرب من عين “أبي زيدان” فقد قرن هذا الاسم الأخير باسمه, فيذكر لنا الكابتن ديوراند في القرن التاسع عشر اسم المسجد “مسجد مشهد أبو زيدان” و يليه بنت بالاسم “مدرسة أبو زيدان” ثم لوريمر في دليل الخليج يسميه “مسجد مدرسة أبو زيدان”. و قد يضن البعض أنهم قصدوا المسجد الصغير الموجود بالقرب عين أبي زيدان, فليس الأمر كذلك, فقد وصفوا العين و المسجد الموجود بالقرب منها و من بعد ذلك وصفوا مسجد الخميس و أعطوه الأسماء السابقة.
ذكر مسجد الخميس في المراجع المختلفة:
إن أول من صرح بوجود جامع آهل في جزيرة أوال هو الأدريسي (توفي عام 1165م) في كتابه “نزهة المشتاق في أختراق الأفاق” حيث قال “جزيرة أوال و بها أيضا مدينة و جامع آهل”. و هناك إجماع على أن الجامع هنا هو مسجد الخميس حيث لا يوجد مسجد في البحرين بهذا القدم. و عليه تكون المدينة المقصودة هي “البلاد القديم”
أما ثاني أقدم ذكر للمسجد فقد ورد في مخطوط ديوان ابن مقرب العيوني (توفي عام 1233م), فقد لعب المسجد دورا محوريا في الأحداث التاريخية التي وثقت في مخطوط الديوان, و سنعود لها لاحقا و نذكرها مفصلة. و ثالث ذكر له كان في مخطوط ديوان ابي البحر الخطي (توفي عام 1618م) حيث ذكر في أكثر من موضع باسم “المشهد ذو المنارتين”.
أما أوائل التقارير التي وصفت “مسجد الخميس” فقد جاءت في أواخر القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين. و كا أولها تقرير الكابتن ديوراند عن جزر البحرين عام 1878م حيث وصف المسجد بقوله: “و أخذت إلى ذلك (المسجد) ذو الجدران المزينة بالنقوش العربية القديمة, (أخذت) إلى أطلال مسجد مشهد أبو زيدان قرب البلاد القديم” و قد يعتقد البعض أنه قصد مسجد عين ابي زيدان, إلا أن كابتن ديوراند يذكر عين ابي زيدان و المسجد الصغير المبني عليها.
و بعد ست سنوات من تقرير ديوراند أي عام 1884م مرت بالبحرين “جين ديلافوي” و ذلك اثناء رحلتها الإستكشافية إلى سوس في جنوب إيران, و قد زارت مسجد الخميس ووصفته بقولها: “وصلنا أمام مسجد قديم ذو منارتين لازالتا منتصبتين و قد تعرض هذا المبنى للعديد من الترميمات… (و المسجد) مزين بالعديد من النقوشات و الكتابات الصخرية التي تحمل الكتابات الجنائزية موضوعة هنا و هناك و كلها تحكي تاريخ هذا المبنى”.
و في عام 1889م أعطى ثيودرت بنت و صفا جديدا لأطلا مسجد الخميس: “هذه العاصمة القديمة (أي البلاد القديم) لازالت تضم بعض الأطلال المهمة, المسجد القديم مدرسة أبو زيدان بمنارتيه الرائعتين و اللتين تختلفان عن مباني الوهابية الرهيبة في هذه الأيام. و يمثل هذا المسجد معلما للسفن التي تقترب من السواحل المنخفضة لهذه الجزر. و على جدران المسجد تمتد نقوش جميلة كتبت بخط كوفي واضح , و من حقيقة أقتران اسم (الأمام) علي (عليه السلام) باسم النبي (ص) يمكننا أستنتاج أنه مسجد شيعي ربما بني في إحدى فترات السيطرة الفارسية”. ما يحز في النفس أن عبد الرحمن مسامح في ترجمته لتقرير بنت التي نشرها عام 2001م في البحرين الثقافية العدد 27, يطمس حقيقة هوية المسجد الشيعية, و يستبدل كلمة “الوهابية” بكلمة “الأعراب”.
و في بداية القرن العشرين في حدود عام 1908م ذكر لوريمر في دليله الجغرافي عن الخليج العربي “البلاد القديم” و سوق الخميس ثم قال: “و على بعد قرابة نصف ميل من المنازل الموجودة هناك يوجد مسجد مدرسة أبو زيدان بمنارتيه المنتصبتين”.
و في عام 1914م و صل الشيخ النبهاني إلى البحرين و زار البلاد القديم فوصف “سوق الخميس” و عين ابي زيدان ثم تحدث عن مسجد الخميس :”و شماليه (أي سوق الخميس) على مسافة 100 ذراع آثار مسجد آخر و في جانبه أطلال مدرسة قديمة لم يبقى منها سوى بعض جدرانها و بعض أسطوانات مدورة منحوتة في صخور عظام و مكتوب على الجدران نقرا في الحجارة بخط كوفي. و عندها منارتان متقابلتان شرقا و غربا طول كل واحدة منها نحو 70 ذراعا. و تسمى هذه الأطلال (المشهد)”. الغريب في قول النبهاني أنه قال أنه عجز عن قراءة النقوشات الموجودة فيه و بعد ذلك ساق لنا استنتاج غريب حيث قال “و هذا المسجد و المدرسة مع المنارتين الجميع من بناء عمر بن عبد العزيز الأموي”. و هذا الكلام عاري من الصحة فالنقوشات التي زعم النبهاني أنه عجز عن قرائتها توثق بناء كل جزء من أجزاء المسجد بالتواريخ و أسماء البناة و المرممين و هذا ما سنناقشه في الحلقات القادمة حيث سنتناول كل جزء بالتفصيل. و يبدو أن النبهاني حاول أن يطمس جزءا من الحقائق و ان يخلق لنا أسطورة عاشت حتى أيامنا هذه. و ما يثبت هذا هو زيارة باحث متخصص في نفس العام أي عام 1914م. كانت تلك الزيارة هي الأولى التي تحمل فضولا علميا ألا و هي زيارة “إيرنست دياز” و قام دياز بإلتقاط الصور للمسجد و للنقوشات الموجودة فيه, و حتى و إن أخطأ دياز في قراءة بعض النقوشات إلا أن عمله بقي هو المرجع الأساسي الذي أعتمد عليه اللاحقون. و قد كتب البحث باللغة الألمانية و كان عنوان البحث كافيا ليخبرنا بهوية المسجد, فالعنوان بالألماني هو:
Ernst DIEZ (1925) “Eine Schiitische moscheeruine auf der insel Bahrein”. in Jahrbuch der Asiatischen kunst, t. II,.
و ترجمة العنوان “أطلال مسجد شيعي في جزيرة البحرين”.
2خ
و قد أكدت البعثة الفرنسية نتائج دياز, حيث بدأت البعثة الفرنسية في التنقيب في موقع مسجد الخميس و ماحوله عام 1984م بقيادة مونيك كيرفاران. و قد نشرت نتائج التنقيبات في ثلاثة بحوث نشرت في إحدى الدوريات المتخصصة المحكمة, بالإضافة لكتاب للباحث لدفيك كالوس يناقش النقوشات الإسلامية التي عثروا عليها في المسجد و المقبرة القريبة منه. و قد كشفت البعثة الفرنسية في مسجد الخميس عن نتائج مهمة و لكنهم خلفوا وراءهم أسئلة كثيرة يشوبها الغموض, و ثغرات عدة يجب إعادة النظر فيها.
في هذه السلسلة من المواضيع سنعالج موضوع تاريخ بناء مسجد الخميس و الأحداث المصاحبة أثناء بنائه بصورة علمية بحته حيث سنعتمد فيها على أوثق المراجع و نرفض أي معلومة لا تعتمد على أي حقائق مدعمة لها, و سنقوم بعرض كافة النظريات و الإحتمالات. و سنلاحظ أن مروجي أسطورة أن أول من بنى مسجد الخميس هم الأمويين بقوا متمسكين برأيهم و لكنهم أنتقلوا من ترويج الأسطورة إلى ترقيع الأسطورة. فهل تصمد الأسطورة أمام النتائج العلمية؟ أو أن النتائج تعزز موقف الأسطورة؟.
الحلقة الثانية
أطوار بناء مسجد الخميس
كشفت نتائج البعثة الفرنسية في مسجد الخميس بقيادة مونيك كيرفاران أن المسجد اعيد بنائه مرتين على الأقل, فقد عثروا على دلائل تشير لوجود ثلاث طبقات من البناء متتتبعة واحدة تتلو الأخرى, و أن كل واحدة تبعد عن الأخرى قرابة 15 سم. و عليه استنتجت البعثة الفرنسية أن هناك ثلاثة مساجد على الأقل بنيت في هذا المكان, أزيل المسجد الأول و بني مكانه الثاني, و أزيل الثاني و بني مكانه الثالث. و لا نعلم بالتحديد بناء تلك المساجد بإستثناء المسجد الأخير الثالث فكل جزء فيه نقش عليه تاريخ بنائه و ترميمه. أما عن المسجدين الآخرين فلا توجد إلا نظريات.
المسجد الأول
لم يتبقى من أثار المسجد الأول إلا بقايا جدار القبلة. يوجد جدار القبلة أمام جدار السور المحيط بالمسجد حاليا و موازي له, و يبعد عنه بمقدار 2.3 م إلى الداخل. و يبلغ سمك الجدار 60 سم, و توجد في وسط الجدار ثنية محفورة فيه على شكل نصف دائرة يبلغ طولها 70 سم و عمقها 35 سم. و تمثل هذه الحفرة المحراب الذي لم يكن في الماضي يبنى بحيث يكون له بروز إلى الخارج بحيث يرى من خارج المسجد بل كان يحفر في نفس الجدار من الداخل حيث يجعل جدار القبلة سميكا ليستوعب بناء المحراب داخله.
و كل ما تبقى من هذا الجدار القديم لا يتجاوز أرتفاعه نصف متر أما طوله فيبلغ 8.5 متر. و قد عثر أيضا بالقرب من هذا الجدار مجموعة من القبور الإسلامية. و قد بني هذا الجدار من قطع صغيرة من كسارة الحجارة مغموسة في كلس. و الجدار مطلي من الخارج بطبقة سميكة من الجص, و قد عززت المنطقة المقابلة لتجويف المحراب بدعامة بالإضافة للجص و تظهر هذه الدعامة في الرسم على شكل حرف (L) خلف الجدار.
و قد علق وايتهاوس في عام 2003م على الدعامة التي تظهر على شكل حرف (L) خلف الجدار, و رجح أن هذا الشكل ليس دعامة و إنما هو بقايا من غرفة قبر. و يضيف وايتهاوس أن هناك العديد من المساجد التي تبنى مباشرة لجدار غرفة القبر.
تاريخ بناء المسجد الأول
لا نعلم بالتحديد متى بني هذا المسجد و من هو بانيه, و لكن وجود ثلاثة مساجد بنيت في هذا المكان يلغي الأسطورة التي أطلقها النبهاني بقوله ” و هذا المسجد و المدرسة مع المنارتين الجميع من بناء عمر بن عبد العزيز الأموي”, فبعد الترويج لهذه الأسطورة كره البعض أن تزاح فكرة أن الأمويين هم من بنوا هذا المسجد و عليه آثر البعض على ترقيع الأسطورة. فالثابت أن أول ظهور لمحراب بشكل حفرة في جدار القبلة كان في زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز عندما أعاد بناء مسجد المدينة, و عليه رجحت منيك كيرفاران في بحثها أن يكون هذا البناء بني في عهد عمر بن عبد العزيز 99 – 101 هجرية (قرابة 718 ميلادي).
بالرجوع لملاحظة وايتهاوس أن المسجد بني في الأساس مجاور لجدار قبر, و أن هذا الشكل من المساجد و القبور عرف في مناطق مختلفة في الخليج العربي يبدأ التشكيك في أن المسجد بني في عهد عمر بن عبد العزيز و بأمر منه. لا سيما ل أنه لا يوجد دليل واحد تاريخي أن هذا المسجد الأول بني في ذلك العهد, فجزيرة أوال منذ فترة الخلفاء الراشدين و بها مجموعات مسلمة و لهم مساجد, و قد بنيت تلك المساجد على فترات مختلفة من تاريخ الجزيرة, و كان الأجدر بالبعثة الفرنسية أن ترجع لتحديد التاريخ عن طريق (كربون 14) أو غيرها من الطرق, و ذلك للحصول على تاريخ تقريبي فذلك اقرب للعلمية و أفضل من الرجوع لأسطورة صيغت بدون أي دليل تاريخي.
المسجد الثاني:
بعد تقادم المسجد الأول تم هدمه, و تم بناء مسجد آخر فوقه, فأقيم جدار فوق جدارالقبلة للمسجد الأول, و بني به محراب فوق المحراب القديم تماما باستثناء أن المحراب الجديد اصغر من سابقه بقليل. و أقيمت ثلاثة جدران أخرى من الحجارة الكبيرة و على الجوانب الثلاثة, و تم إضافة فناء. و هكذا أصبح هذا المسجد الجديد يتكون من غرفة هي غرفة الصلاة و تبلغ مساحتها 8.2 م X 6.7 م. و تابع لهذه الغرفة فناء أكبر من غرفة الصلاة بقليل حيث تبلغ مساحته 8.2 م X 9.5 م. و في وسط غرفة الصلاة بنيت قاعدتان من الحجارة متباعدتين عن بعضهما و ذلك لدعم الأعمدة الخشبية التي كانت تدعم هيكل البناء. و يوجد لغرفة الصلاة مدخلان.
و ماتبقى من هذا المسجد هي جدران لا ترتفع ابدا أكثر من 60 سم و لا تتجاوز 25 سم تحت سطح الأرض. و قد حفظت الجدران على الجهات الشمالية و الجنوبية و الشرقية لغرفة الصلاة بصورة ممتازة. أما بالنسبة لجدران الفناء فالجدار الوحيد المتماسك الصخور هو الجدار الشمالي أما الجدار الشرقي فلم تبقى صخوره متماسكه بل متزعزعة و مقتلعة, أما الجدار الجنوبي فقد أختفى تماما. kham3
تاريخ بناء المسجد الثاني
يمكننا استنتاج الفترة التي بني فيها هذا المسجد من خلال ما يلي:
1 – من ملاحظات وايتهاوس على المسجد الثاني أن هذا الوصف للمسجد يتفق مع نموذج للمساجد التي ظهرت منذ القرن التاسع الميلادي حتى يوما هذا. و بالفعل فإن غالبية المساجد القديمة في البحرين تبنى على نفس هذا النمط. و قد ععد وايتهاوس عددا من المساجد في الخليج العربي لها نفس هذا الوصف يعود تاريخ بنائها للنصف الثاني من القرن التاسع الميلادي.
2 – أثناء فترة سيطرة القرامطة على البحرين منذ نهاية القرن التاسع الميلادي و حتى بداية القرن الحادي عشر الميلادي لم يكن هناك مسجد جامع للناس. (سنأتي على تفصيله لاحقا)
3 – هناك ذكر مؤكد لبناء مسجد جامع في وسط العاصمة القديمة حيث السوق و مركز التجارة و ذلك في بداية القرن الحادي عشر الميلادي.
مما سبق نستنتج أن المسجد الجامع الذي ذكر بناؤه, قد تم بناؤه في موقع مسجد الخميس نظرا للموقع الموصوف و كذلك أنه لا يوجد أثر لمسجد آخر أقدم من موقع مسجد الخميس. و ترجح منيك كيرفاران أن هذا المسجد الثاني هو الذي بني في بداية القرن الحادي عشر لأن المسجد الثالث تاريخ بنائه معروف في القرن الثاني عشر.
لكن لازال هناك إحتمال أن تكون المساجد الثلاثة بنيت فيما بين القرنين الحدادي عشر و الثاني عشر, بحيث يكون هذا المسجد المذكور هنا بناؤه في القرن الحادي عشر هو المسجد الأول, ثم أعيد بناءه لاحقا أي بناء المسجد الثاني, و بعدها بني المسجد الثالث في القرن الثاني عشر.
و هكذا لا يمكننا الجزم في تحديد تاريخ المسجد الأول و المسجد الثاني, إلا أن المرجح بحسب المعطيات الحالية أن المسجد المذكور بنائه في بداية القرن الحادي عشر قد بني في موقع مسجد الخميس, سواء كان الأول أو الثاني.
و لبناء هذا المسجد قصة, فقد جاء بنائه ضمن خطة محكمة لإسقاط القرامطة في جزيرة أوال. سنتناول هذه القصة في الحلقة القادمة.
 
الحلقة الثالثة
أبو البهلول يبني المسجد و يطيح بالقرامطة
أنتشر التشيع في العديد من القبائل التي سكنت شرق الجزيرة العربية بما في ذلك جزيرة أوال, و قد استغل القرامطة هذه النقطة فقد تغلغلت في المنطقة متسترة بستار التشيع و دخلت مع صراع مع الشيعة الأثنيعشرية فطاردت قبيلة عبد القيس و قتلت من رجالاتها ماقتلت. جزيرة أوال و إن كانت بعيدة بعض الشيء عن مركز قرامطة البحرين في شرق الجزيرة العربية إلا أن حالها لا يختلف, فلا يوجد جامع للصلاة, و رجالات عبد القيس التي بها لم تنخرط في ملة القرامطة و لكنهم سايروا سياستهم, و كانوا يجمعون الخراج لهم. و عندما ضعف القرامطة بسبب الحروب الكثيرة أستغل رجالات عبد قيس في جزيرة أوال ليخططوا في التخلص منهم. و خاصة عندما وخضعت الدولة العباسية لسيطرة بنو بويه الشيعة الأثنيعشرية. و قد كان أبو البهلول هو العقل المدبر للتخلص من القرامطة في جزيرة أوال, و قد ذكرت القصة مفصلة في مخطوط ديوان أبن مقرب العيوني.
و قد بدأ أبو البهلول مخططه ببناء مسجد جامع, و لا نعلم بالتحديد متى تم البدء في بناء هذا الجامع, و لكن يمكننا وضع فترة معينة لبنائه, فقد ورد في قصة بناء الجامع اسم الخليفة القائم بأمر الله تولى الخلافة فيما بين سنتي (422/ 467 هجرية), و تمت الإشارة إلى الخطبة للمستنصر بالله العبيدي وهذا تولى الحكم سنة 427 إلى سنة 478 هجرية, و تم التلميح لحركة البساسيري التي حدثت 450 هجرية. و قد بني الجامع قبل حركة البساسيري أي قبل 450 هجرية (1058م).
ملخص القصة كما وردت في نخطوط ديوان أبن مقرب العيوني
أبو البهلول هو العوام بن محمد بن يوسف الزجاج، من عبد القيس، وكان ضامناً لخراج (أوال) من والي القرامطة في البحرين جعفر بن ابي محمد بن عرهم. وكان لأبي البهلول أخ يقال له مسلم يكني بأبي الوليد، وكان خطيب (أوال) وهو من أهل الدين والمتظاهرين بالسنن. و لم يكن بجزيرة أوال جامع يصلى فيه, فبذل أبو البهلول للقرامطة ثلاثة آلاف دينار على تمكينهم أن يبنوا جامعاً ليجتمع إليه العجم والمسافرون إليهم، فإنهم نافرون من خلو البلد من جامع تصلى فيه الجمعة، وهم خائفون من انقطاعهم لذالك عنهم بالجملة. و هكذا أذن القرامطة ببناء الجامع, و كان خيارهم على موقع قريب من المركز التجاري للجزيرة لكي يجلب التجار.
فلما تم بناؤه صعد أبو الوليد علي بن الزجاج المنبر وخطب للخليفة القائم بأمر الله، وصلى الجمعة, فقال من يهوى القرامطة: هذه بدعة قد أحدثها بنو الزجاج، بالحيلة والخداع. و يبدو جليا خطة ابو البهلول الذي جعل من هذا الجامع منطلق لثورة مذهبية على القرامطة يكون هو جناحها العسكري و أخوه الجناح الديني. و في هذه الفترة كانت الدولة العباسية تحت سيطرة دولة بني بويه الشيعية, إلا أن سياسة بنو بويه أقتضت أن تكون خطب الصلاة للخليفة العباسي القائم بأمر الله. لم تنتبه بعد القرامطة لذلك بل و عززوا موقف أبي البهلول لأنه يبذل لهم المال فنقرأ في مخطوط ديوان أبن مقرب “فأجابوا بأن لايعترضوا في مذهبهم، ولايمنعوا عن خطبتهم, فجروا على سنتهم، وصار لهم بما فعلوه السوق الكبيرة والفائدة الكثيرة، لأن أكثر تلك النواحي إلى ذالك مائلون، وبه متدينون”. و يتضح لنا من هذه العبارة أن الغالبية ليسوا على مذهب القرامطة, بل كانوا يتحينون الفرصة ليظهروا معتقدهم.
و في عام 1058م حدثت حركة البساسيري في بغداد الذي غير خطبة الجمعة للخليفة الفاطمي للمستنصر بالله, فحاول من يتبع القرامطة أن يغير أبو الوليد كذلك خطبه باسم المستنصر بالله, إلا أن أبو البهلول أنفذ إلى القرامطة هدية قرنها بالمسألة لهم في إجرائهم على رسمهم من غير تغيير لعادتهم، فرجع الجواب بأن لا يغير لأبي البهلول رسم، ولايفسخ له شرط وليخطب أخوه لمن شاء وأحب.
و هكذا تمكن أبو البهلول من إحكام سيطرته على ابن عرهم ناظر القرامطة في جزيرة أوال, و حدث نوع من التخاذل بين أبي البهلول وأبي عرهم و ذلك في التكاسل لدفع الأموال للقرامطة, فعزلت القرامطة ابن عرهم وولوا غيره و أمروه بالقبض على أبو البهلول و اصحابه. أستجار أبو البهلول و أصحابه بأحد رجالات عبد القيس وهو أبو القاسم بن أبي العريان الذي كان متقدماً في) أوال) ومن ذوي العشائر والأصحاب, و كان المطلوب الإمتناع عن إعطاء الخراج للقرامطة حتى عودة الناظر السابق للقرامطة ابن عرهم. وأخذ أبي العريان وأبي البهلول في استدعاء متقدمي الضياع والسواد، واظهارهم على مافعلاه، وادخالهم فيما اعتزما عليه، فما منهم مخالف لهما ولاممتنع عليهما إيثاراً لعودة ابن عرهم, وحصل معهما نحو ثلاثين ألف رجل. و عندما علم ناظر القرامطة الجديد بذلك حاول القبض على أبن العريان و ابو البهلول إلا أن الرجال باغتته و طردته من الجزيرة.
عندما علم القرامطة بذلك أنفذ أبوعبدالله بن سنبر وزير القرامطة بعض أولاده إلى (عُمَان) لحمل مال وسلاح من عمان، فعرف أبو البهلول وابن أبي العريان ذالك، فكمنا له في عودته من (عُمَان) وقتلاه، وقتلا معه اربعين رجلاً معه صبراً بين أيديهما، وأخذا ما صحبه، وكان خمسة آلاف دينار وثلاثة آلاف رمح، ففرقاها في رجالهما. و هكذا لم يبقى أمام القرامطة إلا الحيلة, فراسلوا ابي العريان ووعدوه بالعطاء و أن يولى جزيرة أوال و ذلك مقابل مساعدته في القضاء على أبي البهلول, و أنهم سيرسلون جيشا ليقبضوا على أبي البهلول و أعوانه.
لكن أبو البهلول فطن للمكيدة, و تربص بأبي العريان حتى قتله و هو يغتسل مع غلامه في عين (أبو زيدان). لم تعلم القرامطة بالأمر, فجاؤوا محملين بالسلاح على أن يدخلوا البلد دون مقاومة إلا أن ابو البهلول قد أطاح بهم في كمين, و أخذ سلاحهم. و بذلك أحكم أبو البهلول سيطرته على (أوال) و جعل أخيه أبو الوليد وزيرا له.
رجالات عبد القيس تطيح بالقرامطة
إن النجاح الذي حققه أبو البهلول في جزيرة أوال دفع زعامات أخرى من عبد القيس للتحرك, فكانت القطيف المحطة الثانية التي شهدت ثورة على الحكم القرمطي فيها, لقد ثار يحيى بن عياش الجذمي و تمكن من إخراج القرامطة من القطيف و الإستيلاء عليها و لم يتمكن القرامطة من التصدي له فاضطروا إلى التقهقر إلى الإحساء و الإحتماء داخل أسوارها, فتحرك لها زعيم ثالث من عبد القيس و هو عبدالله بن علي العيوني, نسبة إلى العيون و هي محلة تقع شمال الإحساء.
و لا يعرف تاريخ خروج كل من ابن عياش و عبدالله العيوني على القرامطة إلا أن المرجح هو سبعينيات القرن الحادي عشر و ذلك أن المصادر أجمعت أن عبدالله بن علي أستولى على الإحساء عام 1076م.
رجالات عبد القيس تتصارع فيما بينها طمعا في السلطة
راسل أبو البهلول الدولة العباسية لطلب المساعدة للقضاء على باقي القرامطة و توحيد النطقة تحت رايته, و كذلك فعل عبدالله العيوني, أما بن عياش فحاول توحيد المنطقة تحت رايته و بدأ بالحروب مع ابو البهلول, إلا أن المنية عاجلته فخلفه أبنه زكريا بن يحيى بن العياش الذي أستطاع دخول جزيرة أوال و القضاء على ابو البهلول. بعدها قام زكريا بن العياش بمراسلة الدولة العباسية لطلب المساعدة في القضاء على باقي القرامطة, إلا أن الدولة العباسية طمعت هي الأخرى في الإستيلاء على البحرين, و حدثت مناوشات بينها و بين بن العياش و لكن لم تفلح. و هكذا وجدت الدولة العباسية خيار واحد و هي مساعدة عبدالله العيوني. و هكذا تمكن عبد الله العيوني من القضاء على القرامطة. اما بن العياش ففر هاربا إلى جزيرة أوال, و بقي يتحين الفرص للقضاء على عبدالله العيوني. و ما أن انسحب الجيش العباسي إلى البصرة حتى أرسل بن عياش سرية للإغارة على الإحساء فوقعت الهزيمة على جيش بن عياش و أضطر إلى الإنسحاب للقطيف و لكنه لم يتمكن من الصمود فيها فعبر إلى جزيرة اوال فتبعه الفضل بن عبدالله العيوني و هزمه هناك ففر هاربا إلى العقير حيث جمع له من الأعراب حوله و ألتقى بعبدالله العيوني الذي أوقع به و قتله. و بذلك تم لعبدالله العيوني توحيد شرق الجزيرة العربية و جزيرة أوال تحت راية واحدة مؤسسا بذلك الدولة العيونية.
جزيرة أوال و الإنفراج الديني
أيا كانت الأحداث السياسية و الصراعات فيما بين أفراد الأسرة العيونية أنفسهم أو الدولة العيونية و ماجاورها, حدث هناك إنفراج ديني, فالأسرة العيونية أسرة شيعية أعطت مساحة كبيرة للزعامات الدينية, فبنيت الجوامع الكبيرة التي أصبح لها دور يختلف عن الأدوار السابقة. سنرى في الحلقة القادمة كيف أن هناك بالإضافة للزعامة السياسية التي تسيطر عليها الأسرة العيونية كان هناك زعامة دينية ايضا مقرها “مسجد الخميس”, أوالمسجد الثالث الذي بني في موقع مسجد الخميس.

 

الحلقة الرابعة
المسجد الثالث “مسجد الخميس”: وصفه والهدف من بنائه
بعد ان دخل العيونيون (أوال) أصبحت الهوية المذهبية لها هي الهوية الشيعية, إلا أن بعض الباحثين يعتقدون أن هويتها كانت سنية. لن أطيل في هذه القضية فهناك كم من البحوث و الدراسات المستفيضة في ذلك, و لكن سأكتفي بذكر واحدة منها و هي دراسة نايف الشرعان التي أصدرت ككتاب من قبل مركز الملك فيصل للبحوث و الدراسات الإسلامية, و قد تناول الباحث في هذه الدراسة نقود الدولة العيونية و التي نقش عليها “لا آله إلا الله محمد رسول الله علي و لي الله”. العملة تعكس هوية الدولة و هي واضحة هنا.
لقد حصل شعب (اوال) على انفراج مذهبي, ويبدو من المعطيات و الدلائل أنهم أقتبسوا إما في فتراتهم الأولى أو الفترات المتأخرة أنظمة معينة من المناطق الشيعية, و خاصة فكرة وجود سلطة دينية لها مركز تجتمع فيه, و يكون هذا المركز قريب من المركز التجاري في البلد. و في مثل هذه الأنظمة تكون رئاسة المركز وراثية نوعا ما. و هذا يعني أن المركز أو المكان يكون ملك لسلالة تتسلم الزعامة. من خلال النقوشات الموجودة في المسجد أو المنقوشة على القبور التي عثر عليها في حدود المسجد و التي سنتناولها بالتفصيل على حلقات يمكننا أن نستنتج مثل هذا النظام, و سنقارن بينه و بين نظام السادة العلويين في حضرموت, و هل أن هناك علاقة بينهم. تشير الدراسات المتأخرة على أن السادة العلويين سنة شافعيين بينما توضح دراسات المستشرقين من أنهم كانوا شيعة قبل التحول للتصوف, من هؤلاء المستشرقين سيرجنت الذي عاش في حضرموت و هو متخصص في دراسة تاريخ الحوطات في الجزيرة العربية, كذلك السيد الأمين في دائرة المعارف الشيعية يأتي بدلائل على تشيعهم.
يبدو من المعطيات أن المسجد سيلعب دور أكبر من كونه مكان للصلاة, ربما مركز لقيادة دينية أو مركز أو مدرسة لتعليم الفقه.kham4
وصف بناء المسجد الثالث
لقد تم تغير المسجد تماما في هذه المرحة فقد زادت مساحته من 132 متر مربع و هي مساحة المسجد الثاني إلى 632 متر مربع, و لم تتم التغييرات في سنة واحدة بل على مدى سنوات من التجديد و الترميم و الإضافة, و كل جزء أضيف أو رمم وثق تاريخ بنائه أو ترميمه. هنا سنصف المسجد بصورته النهائية كما وصفته البعثة الفرنسية و بعدها سنبدأ بتفصيل تواريخ بناء الأجزاء. أول تلك الإضافات, بناء سور رباعي الأضلاع تبلغ أطوال جداريه الممتدان من الشمال إلى الجنوب 59.5 م أما الجداران الممتدان من الشرق إلى الغرب فيبلغ طول أحدهما 23.7 م و 25 م. و يبلغ أرتفاع الجدار 1.5 م. و توجد في هذا السور فتحتان تمثل بابان أحدهما في لجهة الغربية و الآخر في الجهة الجنوبية.
و من داخل السور يمكن مشاهدة غرفتين ممتدتين جنبا إلى جنب من الغرب إلى الشرق و تملأ عرض المسجد بأسره تقريبا. هاتان الغرفتان في الواقع بنيتا فوق غرفتي المسجد الثاني تقريبا. 
kham6الغرفة الشرقية (وكانت تمثل الفناء في المسجد الثاني) كانت ترسم حدودها بأعمدة تدعم أقواسا لازال بعضها باقي ليومنا هذا, و هذه الأعمدة و الأقواس تمثل مداخل متعددة للغرفة. و في وسط الغرفة توجد أربع قواعد صخرية غير منتظمة الشكل. و تمثل هذه القواعد دعامة لأعمدة تدعم سقف لهذه الغرف.
أما الغرفة الغربية (و كانت تمثل غرفة الصلاة في المسجد الثاني) فقد كانت محاطة من ثلاث جهات و لم يكن لها حدود من الجهة الغربية, أي جدار القبلة الذي لم يعثر إلا على بقاياه مبنية kham7على بقايا جدار القبلة للمسجد الثاني, و التي هي بدورها مبنية على جدار القبلة للمسجد الأول. و لهذا السبب أعتقد دياز الذي زار المسجد في عام 1914م أن جدار السور هو جدار القبلة و رسم للمسجد مخطط على هذا الأساس. و يوجد في و سط هذه الغرفة قاعدتان حجريتان صغيرتان, كان يرتكز عليها أعمدة تسند السقف. و أثناء زيارة دياز عام 1914م كان السقف لازال قائما و مرتكزا على أعمدة من الساج أرتفاعها 4 م و سمكها 24 سم X 15 سم.
و الجدار الفاصل بين الغرفتين به ثلاثة أبواب, و قد زين هذا الجدار بمحرابين و هما عبارة kham8عن صخرتين مصفحتين منقوشتين.
و يوجد على شمال و جنوب الغرفتين جناحان ممتدان من الشرق إلى الغرب, و يوجد في كل جناح صفان من الأعمدة و الممتدة من الشرق إلى الغرب مقسمة بذلك كل جناح لثلاثة صحون. و ربما كانت هذه الأعمدة تدعم سقفا في الماضي.
و يوجد داخل المبنى بالإضافة للغرفتين منارتان يبلغ علو كل واحدة منهما قرابة 22 م. المنارتان أسطوانيتي الشكل و ترتكز كل واحدة منهما على قاعدة رباعية الشكل مرتفعة, أما الجزء العلوي لكل منارة فهو سداسي الشكل و مزين بقلنسوة مضلعة الشكل.
مصادر المياه
لا يوجد داخل المسجد أي مصدر للماء, و إنما يوجد حوض ماء يبعد عن المسجد مسافة 30 أو 40 متر, و قد تم حفر ممر ضيق بعرض 0.6 إلى 0.7 م, و يصل إرتفاعة لأعلى من قامة رجل, و يبدء بسلم مكون من ست درجات تنزل من المسجد إلى داخل الممر.
في الحلقة القادمة سنتناول تاريخ واسم من أمر ببناء المسجد و الهدف من بناء المسجد بالتفصيل.

 

الحلقة الخامسة
“معالي بن الحسن” يبني مسجد الخميس ويؤسس سلالة قيادية
kham9تنتشر في أرجاء المسجد نقوشات توثق تاريخ بنائه و من بناه, و تاريخ ترميمه و من رممه, و تاريخ بناء أجزاء أخرى فيه, و يوضح الرسم السابق أماكن تلك النقوشات التي سنتناولها بالتفصيل في الحلقات القادمة. و هناك ملاحظة أحببت ذكرها و هي أن عبدالرحمن مسامح في كتابة “مقدمة في تاريخ البحرين” (1997م) تناول مسجد الخميس بشيء من التفصيل و نقل عن مونيك كيرفاران, لكنه لم يذكر شيء عن أهم النقوشات و هي نقش تأسيس المسجد, و النقوشات التي تثبت هوية المسجد كشهادة “لا آله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله” و كذلك نقوشات اسماء أهل البيت. إلا أنها موثقة منذ سنين طويلة فقد نشرها دياز عام 1925م وكذلك نشرت في كتاب جيمز بلجرايف عام 1957م, و نشرت عام 1990م من قبل لدفيك كالوس و مونيك كيرفران.
نص نقش بناء مسجد الخميس (أي المسجد الثالث)
عثر على نص التأسيس في المنارة الغربية و هو منقوش على الصخر و محاط بإطار خشبي, و يتكون النص من 7 أسطر هي:
(1) بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله محمد رسول الله
(2) علي ولي الله هذا من فضل ربي ليبلوني ءأشكر أم اكفر مما أمر ببناءه
(3) معالي بن الحسن بن علي بن حماد العبد المطيع الفقير إلى الله سبح الله
(4) و علي ومحمد و علي و الحسن و الحجة المنتظر صلوات الله و جعفر و موسى
(5) و علي ومحمد وعلي و الحسن و الحجة المنتظر صلوات الله عليهم إبتغاء ……
(6) …… الله و راجيا ثوابه في أيام الملك الفاضل أبو عبد الله محمد بن الفضل أعزه الله سنة ثمان عشر و خمس مائة.
(7) ………. و صلى الله (؟) ……….
تاريخ بناء المسجد
من النقش أنه بني عام 518 هجرية (1124م – 1125م) في أيام الملك العيوني أبو سنان محمد بن الفضل, و بحسب المراجع هو ثالث أمراء الدولة العيونية تولى الحكم عام 520 هجرية (1126 م)( و في رواية 526هجرية) حتى 538 هجرية (1143م). هذا النقش مهم من الناحية التاريخية فالمصادر التي حاولت تناول تسلسل أمراء الدولة العيونية و تحديد فترات حكمهم مملوءة بالأخطاء و التداخل, و ربما تولى محمد بن الفضل الحكم قبل 520 هجرية و هذا النقش يثبت ذلك. و القضية الثانية هو تغير كنيته من أبو عبدالله لأبي سنان.
“معالي بن الحسن” و سلالة “بني معالي”
إن صح ما افترضناه في الحلقة السابقة من وجود سلالة تتوارث مركز مرموق في مسجد الخميس باعتباره مركز لنوع من القيادة الدينية, فهذا يعني أن معالي بن الحسن ليس فقط مؤسس للمسجد بل ايضا مؤسس لسلالة تتوارث القيادة. المعطيات و الأدلة التي سأسردها بعد قليل تؤكد أحتمالية وجود هذه السلالة, و أن هذه السلالة بدأت بالشيوخ كقيادة دينية أبان فترة الحكم العيوني, و بعد انتهاء الحكم العيوني و خضوع جزيرة أول للحكم الهرمزي, تم إسناد السلطة السياسية لهذه السلالة لكونها تنال ثقة الشعب. هذه الأدلة سنسردها هنا سردا و لكننا سنعود لها في حلقات أخرى للتوسع فيها, و هي كالتالي:
أولا : عثر على محراب في غرفة الحارس نقش عليه “محراب بني المعالي”, و قد أختلف على قراءة هذه العبارة الفريق العربي الذي أسندت له قراءة النقوش و كذلك الفريق الفرنسي الذي يمثله لدفيك كالوس, فيرى الفريق العربي أنها “بني المعلى”, و يرجحون أن أحد أفراد المعلى و هم من قبيلة عبد القيس ولهم شأن كبير في السلطة على البحرين. إلا ان الفريق الفرنسي يقول أن الشطر الأول من الكلمة “معا” واضح و لاخلاف عليه و كذلك الحرف الأخير و هو “ي” بنقطتين واضحتين, و الخلاف على اللام كونها “لام” أو “نون” أي “بني المعاني” أو “بني المعالي”, و احتمال آخر هو “نبي المعاني”.
ثانيا: عثر على نقوشات لتأسيس مساجد و كذلك نقوشات لقبور وردت فيها أسماء لحكام البحرين تحت قيادة الهرمزين و هم كالتالي:
1 – الشيخ …….. بن الشيخ سعيد بن معالي (توفي 1249 م)
2 – الشريف المولى الصاحب المعظم ملك الوزراء في العالمين محمد بن أحمد بن سعيد بن معالي (بنى أحد المساجد عام 1329 م)
3 – الصدر المعظم علي بن المولى المعظم محمد بن أحمد (بن سعيد) بن معالي (توفي عام 1368م), و قد كان عمره 24 سنة أي أنه لم يكن له خلف, و لذلك و في هذا العام أسندت إدارة الجزيرة لأفراد هرمزيين.
بالطبع هناك احتمال أن كل هذا مجرد تشابه في الأسماء “فبنو المعالي” قد تختلف عن سلسلة الأمراء من “معالي” و هذا الأخير “معالي” هو شخص آخر عن “معالي بن الحسن”,إلا أن احتمال أن يكون هذا التشابه مجرد صدف و التشابه بينها و بين الأنظمة الشيعية في دول الجوار أيضا صدف هو احتمال ضعيف, و الإحتمال الأقوى أن “معالي” هو شخص واحد و هو مؤسس المسجد و السلالة.
“علي بن حماد” جد من بنى مسجد الخميس
يقول لدفيك كالوس عن معالي بن الحسن أنه ربما كان مجرد تاجر أراد أن يتصدق ببناء مسجد, و لكن لنركز في الاسم جيدا فهو معالي بن الحسن بن علي بن حماد, و هذه مصادفات أخرى سنضيفها لما سبق, فعلي بن حماد الشاعر الذي له العديد من الشعر الحسيني و الوارد ذكره في المنتخب الطريحي اسم مشهور في الوسط البحريني و له مسجد في قرية باربار, إلا أن من حقق اسم علي بن حماد من البحرينيين يرده للقرن السادس عشر الميلادي فهناك شاعر يعرف بهذا الاسم عاش في هذا القرن, و لكن الحقائق الأخرى تقول غير هذا و باختصار شديد هي كالتالي:
1 – السيد الأمين في أعيان الشيعة يعرف بن حماد الشاعر المشهور بأنه “أبو الحسن علي بن حماد العبدي نسبة لقبيلة عبد القيس” من رجال القرن الرابع الهجري, و ربما توفي في نهاية القرن الرابع الهجري (أي الحادي عشر الميلادي), كان ابوه فقيها و شاعرا و كذلك كان هو.
2 – باني مسجد علي بن حماد في باربار بحسب نقش التأسيس الذي عثر فيه هو “الشريف المولى الصاحب المعظم محمد بن أحمد بن سعيد بن معالي” عام 1329م.
هنا أيضا سنفترض احتمال أن كل ماورد مجرد تشابهات و صدف, و لكن يبقى وجود سلالة عريقة أسست مركز فقهي يتم توارثه ثم أستلمت بعد ذلك السلطة السياسية فتحولت من سلالة شيوخ لسلالة وزراء هو الاحتمال الأقوى.
لا زالت هناك دلائل أخرى و مفاجئات نتناولها في الحلقات القادمة و نحن نتتبع بناء أجزاء أخرى من المسجد بالإضافة إلى ترميمه.

3 أفكار عن “تاريخ مسجد الخميس عشر حلقات”

  1. مسجد الخميس بقي على وضع متأرجح ويبدوا ان كذبة بناءه في عهد عمر بن عبدالعزيز شفعت له ان يظل صادحاً سامقاً اذرمم على فترات ولكن لا نغض الطرف عن اهماله وكأن من ابتدع الكذبة وألفها في بطون الكتب لم يكن يقنع بما كذب به اي لم يصدق كذبته ودليل ذلك ان المسجد لا زال اطلال لا يعنى به حتى يأتي عليه الهدم والتدمير بعد أن تدمر طائفة منتسبيه وهذا ما يبدوا انه يلوح في الافق

  2. مجهود رائع تشكر عليه

    وأنا شخصياً أول مره أقرأ عن تاريخ المسجد

    كل ما أعرفه أننا عندما كنا صغاراً كان يقولون أن المسجد شيعي ويوجد به نقش بالشهادة لعلي ( ع)

    بإنتظار بقية الحلقات على أحر من الجمر

  3. نشكرك اخ جاسم على هذا المجهوذ في نقل خلاصة التاريخ لهذا المسجد المبارك الذي هو من اعمدة صروح التاريخ و التراث في مملكة البحرين نتمنى جديدك

    ابن العباس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*