«اشياء مضت لكنها بقيت راسخة في صفحة الخاطر رسوخ الصخرة في الارض الصلبة يثبتها حفظ الصغر، واحاديث الوالد والوالدة، وجدنا كان يرددها في المناسبات الخاصة او في غير مناسبة، ومتى ما خطرت الاشياء على بالنا ذهبنا او تحدثنا شوقاً للماضي لنرى البصمات القديمة»
بهذه الكلمات بادرنا في البحرين السيد حسين يوسف السماك احد المهتمين بالماضي البحريني اثناء تجولنا بين السكيك والاحياء القديمة في المنامة عاصمة المملكة..
في بداية حديثه، اشار الى بيت مضى عليه الزمن، وتداولت سيرته الالسن خلفاً عن سلف حتى يومنا هذا، اشار الى الواجهة الامامية لبيت احمد بن خلف تسمى «الاكاسي»، واجهة مصنوعة ومبنية من الخشب الساج الهندي الاصلي، قائلاً: البيت البحريني له حكاية طويلة مع مواد البناء كالجص، والاحجار البحرية، والطين، وجذوع النخيل والدنجل (الجندل) والباسجيل والمنقرور، والبادكير (ملاقف الهواء)، والحوش المفروش بالقواقع البحرية، مثل الصبان، ليخفف حرارة الشمس، ويضفي على البيت شعورا بالنقاء والنظافة.
وتذكر مكونات البيت البحريني، فقال: اوله مجلس للضيوف المفروش بالمداد والسجاد الفارسي، وجلسة خاصة مكونة من مفرش مطرز بزخارف جميلة وبسيطة، والمدبسة هي قنوات مبنية من الحجارة الممسوحة بالجص، وتوضع عليها اكياس التمر (القلة) فوق بعضها يتسرب الدبس الى عدة قنوات، ومن ثم يتجمع في اناء فخاري، وذكر ايضاً حكاية البرستي ويستخدم في فصل الشتاء خالياً من النوافذ، تتغطى الجدران بسعف النخيل من الاعلى غرفة لها حكايات من جدنا إلى والدتنا ليالي الباردة.
أضاف السماك: العريش كان يستخدم بكثرة في أماكن المقيظ التي عرفها أهل البحرين في الماضي، والعريش يختلف عن البرسيتي لما له من فتحات ونوافذ صغيرة لكي يتناسب بشكل أكثر مع الجو الحار، والبيت البحريني من الداخل له حكايات مع البشتختة، وسراي فنر، وكبت بومنظرة، والميز، والبالوعة، والزريبة الخارجية، والسماور، والمنقلة، والسرير، والعسو، والنملية، وكاب بوأسد، والمرفاعة (ملالة)، ودبة الدهن، جولة أم فتابل، والكاروكة، والكيصرية، وكرسي بورماتة، السحارة (الجرامفون).
وعن المجالس تذكر أبويوسف السماك هذه الأبيات (رباعيات):
«إذا حضرت المجالس صير متهيد
واكليل من الناس اللي محضره جيد
وابعد عن الواش لنه الواش متصيد
جم فرق الواش بين أحباب ويعيد»
مواسم السنة
وعن الأجواء وتغيرات الطقوس التي كنا نترقبها في الماضي، لنا حكايات بين المزارع والبحار والرعاة، كان الآباء يتساءلون عن مواسم السنة لأخذ الحيطة، يسأل أحدهم عن:
الغفر: موسم يزداد فيه البرد وهطول الأمطار.
الزبان: نهاية الخريف، وارتفاع البرودة، وتكثر فيه العواصف البحرية.
القلب: بداية شدة البرد، باكورة الطلع في النخل.
الحية: ابتداء صرم النخيل، وتخزين التمور، ومخافة الرطوبة الزائدة.
سعد السعود: موسم تزهر فيه الأعشاب وتخضر الأشجار،وتكثر فيه العواصف.
سعد الأخبية: بداية فصل الربيع، يتساوى الليل والنهار.
سعد الذابح: يسري الماء في فروع الشجر، وتكثر الأعشاب، ثلثه من الشتاء وبقيته من الربيع.
الهقعة: يشتد الحر، يكثر فيه الرطب.
الطرفة: تحرث الأرض، ويكثر السقي، وتزرع البقول.الزبرة: يكون الطقس حاراً في النهار.
الرشا: تهب الرياح في هذا الموسم، وينعقد فيه اللؤلؤ في الأصداف.
المقدم: ينتشر في هذا الموسم الصداع والزكام.
الحرف اليدوية
وتذكر أبو يوسف أبياتاً للشاعر محمد علي الناصري البحريني:
«هذي هي البحرين ثر عطاؤها
من كل نادرة تقيم تراثا
من سالف الأحقاب أو في عصرنا
تعطيك صنعة أو تريك أثاثا»
بهذه الأبيات أتذكر الحرف التي كانت تصدر وتصنع في البحرين منها: البادلة، فن التطريز من الخيوط الذهبية والفضية، البادلة البحرينية عبارة عن الكرسي الذي توضع عليه الوسادة الكبيرة، كانت تصدر إلى الخارج.
وقال السماك: المعاريس في الخليج كانوا يأتون لشراء الغتر للزفاف، او تقديم هدايا، والبحرين له حكايات مع «تهذيب الغتر»، حيث يقوم الخياط البحريني بعمل جدايل صغيرة بأشكال مختلفة حول حواشي الغترة لتزينها، وكل من شاهدها من المهنئين قال: إنها تهذيب بحريني، وأين دراعة (أم رسغ) بشريطها الزري؟، وأين دراعة (أم كتف) المنقشة؟
وذكر حسين السماك، الملفع من الحرف اليدوية النادرة منها في المنطقة بلونه الأسود، وملبس للمناسبات، والملبس العربي كان يلبس عادة في البيت، والعباءة (الدفة) كانت فيها مميزات تستر الجسم كله من الرأس حتى أخمص القدمين.
وتذكر أبو يوسف النقدة الذهبية والفضية المخاطة من الحرير والتور والويل، وكانت العروس الخليجية تطلب السروال ذا الألوان الزاهية والنقوش الجميلة من البرسيم، تطلب السروال البحريني لكونه يمثل أرقى الأنواع السائدة من السراويل، وصباغة الملابس، وصناعة الفخار في أقدم منطقة في البحرين (عالي)، صناعة لها حكايات مع المطابع والمزارع والسفن. ومن قديم البحرين بياعة المكابس، وصناعة السفر، والدلال، والسيف البحريني المشهور له حكايات مع الهدايا والحروب، وشبك صيد السمك من الأشياء الكثيرة التي صدرت إلى الخارج بكل الأحجام.
التوبلاني.. والقضيبية
وعن القضيبية، وهي قرية لها حكايات مع تجار اللؤلؤ من اهل المحرق، وصيادي السمك، تحدث لنا محمود التوبلاني المهتم بالتراث القديم قائلا: «قضيبية» اقضبت الارض، صارت مقضابا.
و«القضب» كل شجرة طالت وبسطت اغصانها.
و«القضبة» القطعة من الابل والغنم، ومن النوق والرجال الخفيف الطيف الدقيق، ولو امعنا النظر في خارطة القضيبية لوجدناها طويلة، والقضب تعني كل شجرة طالت وبسطت اغصانها، وبالتالي فان كلمة قضيبية تدل على امتداد المنطقة وتوسعها طوليا.
السقية والماحوز
وقال التوبلاني عن السقية: قرية فيها جملة من دواليب النخيل، والمخضرات التي تسقى بالغدافة، واهلها يشتغلون بفلاحتها، السقية غنية بالعيون التي كانت تعتمد في السقي، كما يستفاد منها في الشرب، وكذلك اهالي المنامة كانوا يستفيدون من هذه العيون، خصوصا «عين الطويلة»، وعين ام الشرع، وتستخدم الزاجرة التي تجرها الحمير او الثيران لسقي المزارع.
اضاف: اصل التسمية «السقية» جاءت من كثرة العيون، وفي المعجم الوسيط: (السقيُ): ما يسقى من ارض زرع، (السقيَّ): المسقّى ــ ما يحتاج للسّقي، واحدته سقية ــ والسحابة العظيمة.
وتحدث عن الماحوز فقال: لقد اخترت هذه القرى لتواجد اهالينا من الكويت بين اخوانهم في هذه المناطق، ولكي يصرفوا تاريخها ومعانيها، فهذه الماحوز جاء اسمها نسبة الى مؤسسيها من الخوارج (الماحوز بن الزبير بن الماحوز) في القرن 2 الهجري، لان الخوارج وصلوا الى البحرين القديمة، ومعنى كلمة «ماحوز»: اهل الشام يسمون المكان الذي بينهم وبين العدو ماحوزا.
واهل البصرة المحجوز بين فرعي النهر «حوز».
وهناك رأي يذهب الى ان سبب التسمية يعود لكثرة حوزاتها الدينية.
قال: عين ام شعوم من اهم معالم الماحوز لوجود هذا النوع من السمك (الشعوم)، وعين هلنا (هرته) وهذه العذبة ردمت لما لها من حكايات لنضوب مائها، الماحوز قرية تأسس فيها اقدم الاندية في عام 1935 تحت اسم نادي «جم خانه» بلغ عدد اعضاء الناس حوالي 1500 عضو.
بلاد القديم
وتحدث التوبلاني عن بلدة كبيرة لا يعرف لها اسم غير «بلاد القديم» قال: كانت زاهرة بالعلماء، عامرة بالبنيان، وهي ذات بساتين نظرة، وعيون كثيرة، ذات مياه غزيرة، كان اهل بلاد القديم يتاجرون في اللؤلؤ وبيع الاقمشة، ويزاولون مهنة الفلاحة وكانت عاصمة البحرين في القرون الوسطى، فيها قلعة بناها الملك «دقيانوس» ملك اصحاب الكهف الذي له حكايات في التاريخ، وموقعها جنوب مدرسة الخميس، ولنا حكاية وقصص مع عبدالملك بن مروان نحن اهل البحرين، وفي بلاد القديم اقدم المجمعات السكنية في البحرين، كما يقع بالجوار «مسجد الخميس» الذي بناه عمر بن عبدالعزيز على اطلال مدينة اسلامية وسمي مسجد الخميس لقربه من سوق لا يفتح الا يوم الخميس من كل اسبوع على مر التاريخ، وسوق كان يباع فيه لقاح النخيل (الطلع)، بلاد القديم فيها اكثر من ثلاثين عينا وكوكبا.
السماور
الميز
الأكاسي (واجهة خارجية لبيت بحريني)
صباغة الملابس
عين عذاري
بقلم: جاسم عباس – البحرين- صحيفة القبس الكويتية