السيد عدنان بن علوي الموسوي
نسبه وأسرته ومولده: هو العلامة السيد عدنان بن علوي آل عبد الجبار القاروني الموسوي ويتصل نسبه الرفيع بالسيد إبراهيم المجاب ابن الإمام موسى الكاظم (ع)، وأصل أسرته العلمية (القاروني) من توبلي إحدى القرى الشهيرة، ولكنه من مواليد البلاد القديم سنة 1302هـ-1884م على أقرب وجه.
أحواله الدراسية والعلمية :
أساتذته:
(( قرأ المقدمات على فضلاء عصره والعلماء الكبار، منهم خاله العلامة السيد علوي السيد حسين، ثم هاجر إلى النجف الأشرف في سن مبكرة ولشدة ذكائه وحضور ذهنه تقدم في دراسته سريعا، فتلمذ على يدي الشيخ هادي الشيخ عباس كاشف الغطاء، والشيخ ضياء الدين العراقي والفيلسوف العالم الكبير الشيخ عبد الكريم الزنجاني، بعد ذلك حضر أبحاث الشيخ ميرزا حسين النائيني والسيد أبي الحسن الأصفهاني المرجع الأعلى في عصره والشيخ محـمد رضا آل يس (وهؤلاء الأعلام هم خيرة مراجع النجف في النصف الأول من القرن الرابع عشر).
وصار له نبوغ في علم القواعد والمنطق والأصول والفقه والرياضيات وعلم الفلك، وفاقت محاضراته نشاطات من عاصره وباحثه وناظره في جو علمي مزدهر، وفي ظل استقرار الحوزات العلمية آنذاك وصار بعد ذلك من كبار المدرسين وكثر حوله الطلاب والمريدون.
عودته الأولى إلى البحرين:
رجع من هجرته العلمية إلى موطنه وسكن في دار مولده (البلاد القديم) فالتحق به جملة من الطلاب ليستقوا من منهله، منهم الشيخ العلامة محمد علي المدني الذي كان صديقا وصاحبا له وتربطه به علاقة نسب، وكان سبب عودته إلى البحرين هو تجديد العهد بوالدته العابدة الزاهدة بعد اقترانه بالمحمرة بابنة خاله السيد علوي السيد حسين القاروني سنة 1327هـ.
هجرته للنجف مرة أخرى:
استأنف الرحلة إلى النجف بالعراق مرة أخرى للمزيد من التحصيل ولحضور الأبحاث الخارجية مع أساطين العلماء في تلك الحقبة التاريخية في حدود سنة 1329هـ – 1911م.
ورافقه صاحبه وصديقه الشيخ محمد علي المدني، وأقاما في النجف حتى نهاية عام 1334هـ، في السنة التي احتلت بريطانيا العراق بعد انتصارها على الدولة العثمانية، والظاهر أن سبب عودتهما هو سوء الأوضاع السياسية وتوتر الأوضاع من جراء تصاعد الحرب العالمية الأولى، ومع ذلك فقد عادا بعد أن نالا من الإجازات والشهادات ما يثبت الفقاهة والأهلية لتولي كافة المناصب الشرعية .. وقد أقبل السيد عدنان وحظي بسمعة كبيرة وأحبه الناس فصار الموجه والمفضل والمرشد، لكثير من أهل بلده وغيرهم.
يقول ابنه السيد محمد صالح الخطيب الشهير أنه لما عاد والده مع صاحبه الشيخ محمد علي إلي البحرين سنة 1335 هـ ـ 1916 م، نشرت لقدومه أعلام الفرح والزينة، وأنشدت القصائد في حقه، وفي مقدمتهم صاحبه وتلميذه الشيخ محمد علي المدني، القائل في حقه قصيدة طويلة بمناسبة قدومه، من بينها هذه الأبيات:
فخرت أوال بطلعة البدر********من آل طه السادة الغرِّ
عدنان من بلغ الكمال ومن********قد جر أذيالا على النسرِ
من راع كل الناس سؤدده********متجددا بتجدد الدهرِ
مـن سـار للعليـاء يخـطـبها********حتى سرى بالنـجـم في القفرِ
ومنها يقول أيضا :
من معشر كانوا الهداة لنا********في عالم الأرواح والذّرِ
فشريعة المختــار من شـغف********ألقـت إليـه مقــالد الأمــرِ
إنسان أعينها الوحيد وعين********أناسها أغلوطة العصرِ
قد بذ شمس نهارها بسنا********منه اضمحلت ظلمة الكفرِ
وفي آخرها هذين البيتين :
خذها عروس الشعر في حلل********الشعرى لقطب الشرع تستقري
قـد عـاد مثل البـدء آخـرها********فخرت أوال بطـلـعة البدرِ
مقامه العلمي بين فقهاء عصره في الخليج:للأمانة التاريخية فإن السيد الجليل رحمه الله يعتبر عالم القرن الرابع عشر الهجري الأول في الخليج، ولا أقول هذا جزافا، فالشواهد على ذلك واقع الاعتراف به من قبل مراجع الدين وأساطين الحوزة في النجف (تلك الجامعة الإسلامية المشهورة). فلا يوجد عالم بحراني في بداية هذا القرن وبعد منتصفه اعترفت به النجف وأجيز من قبل علمائها واعترف بفضله وبتقدمه وذكائه مثل السيد . قال عنه المؤرخ الكبير الشيخ (أغابزرك الطهراني) في كتاب (نقباء البشر في القرن الرابع عشر):
((كان من أهل العلم البارعين، ورجال الفضل الكاملين درس على علماء عصره ومشاهيره، حتى حاز قسطا وافرا من المعرفة، وحظي بسمعة في بلاده، وأحبه الناس وصار موجها مبجّلا )).
وقال في حقه الشيخ سلمان بن عبد المحسن الخاقاني في مقدمة كتاب مشارق الشموس الدرية والمؤرخة في ربيع الأول عام 1390 هـ (( والمرحوم السيد عدنان سمعنا به كثيرا لأنه من علماء البحرين المبرزين في النصف الأول من هذا القرن ولكنا لم نعرف منزلته العلمية إلا من خلال كتابه هذا ـ فكتابه خير دليل على جليل منزلته في العلم وهو بالإضافة إلى الأدلة المنطقية التي يسوقها في مقام الاستدلال يمتاز بحسن الأسلوب ولعل حسن الأسلوب من مميزات علماء البحرين الذين يكتبون للتفهيم لا لبيان الأفضلية كما نشاهده في كتاب الحدائق الناضرة وغيرها )).
والسيد الكريم في حضوره الأبحاث مع أساطين عصره من الفقهاء الأعلام لفت نظرهم إلى تقدمه وتفوقه حتى قال فيه الفقيه الكبير الشيخ عبد الكريم الزنجاني في ضمن إجازته للسيد ما لفظه: (( حتى فاق السيد عدنان جملة الأمثال والأقران فهو بحمد الله ممن يشار إليه بالبنـان )).
وهذه مقتطفات من إجازات الفقهاء الواردة في كتاب مشارق الشموس الدرية للسيد المترجم:
الإجازة الأولى: من "الشيخ ميرزا محمد حسين النائيني الغروي" والتي أصدرها بتاريـخ 5 رجب 1332 هـ وفيها يقول ما لفظه في فقرة من إجازته: ((وبعد: فإن ولدنا العامل وقرة عيننا الفاضل المسدد … جناب السيد الجليل والشريف النبيل السيد عدنان السيد علوي آل عبد الجبار الموسـوي البحراني … قد أقام في النجف عدة سنين باذلا جهده في الاستفادة من الأساطين وقد حضر أبحاثي الفقهية والأصولية حضور تفهم وتحقيق وتعمق وتدقيق حتى بلغ رتبة الاجتهاد مقرونة بالصلاح والسداد فلجنابه العمل بما يستنبطه من الأحكام على النهج الجاري بين الأعـلام … )).
الإجازة الثانية : من "السيد أبي الحسن الأصفهاني"، وهذه فقرة من إجازته: ((وأن من أولئك الأعلام والأساطين البررة العظام الورع الثقة العدل جناب السيد عدنان بن السيد علوي بن عبد الجبار الموسوي البحراني فإنه أعزه الله وصانه ورعاه ممن جدّ وتعب فاجتهد وسما إلى أقصى معاني الكمال فحاز منها القدح العلي وصار ليث الأحكام وفصل الخصام أهلا ومحلا فهو عند الله مجتهد عدل يجب عليه أن يعمل بنظره ويحرم عليه العمل بقول الغير)).
وله رحمه الله مثلها من الإجازات من كل من الفقهاء الشيخ ضياء الدين العراقي، والشيـخ محمد رضا آل يس الكاظمي. والشيخ عبد الكريم الزنجاني، وكما قلنا بأن هؤلاء هم خيرة فقهاء النجف وصفوة أهل التقوى والفضل والمكانة والشرف رضوان الله عليهم جميعا.
دعوته للقيام (بمقام الشيخ سليمان بن حرز بعد وفاته سنة 1340هـ) وإجابته للدعوة:
بعد وفاة الشيخ سليمان بن أحمد آل الحرز اختلت الساحة الدينية والقضائية، ومنيت المنطقة وما جاورها من السيحات والقرى والأرياف بفراغ مرجعي ديني كبير بعد أكثر من ربع قرن من عودة الروح العلمية والدينية والاجتماعية لها.
كان للشيخ أحمد ولد أصغر من الشيخ سليمان اسمه "أحمد" ولم يخلف أخاه لصغر سنه .
حينئذ اختلت الساحة العلمية من عالم يقوم بالوظائف الشرعية من أبناء حرز. فاضطر الأهالي وزعماء القرية وكبراؤها لاستدعاء العلامة السيد عدنان الموسوي الذي كان يسكن البلاد القديم آنذاك.
ولما وصلته الدعوة بإلحاح من وجهاء المنطقة، قبل دعوتهم، وقام بالوظائف الشرعية من إمامة جمعة وجماعة والأمور الحسبية والوصاية على الأيتام وقبول الأمانات والبحث العلمي والتدريس، كان السيد الجليل يواظب على صلاة الجمعة خلف الشيخ أحمد بن حرز، وابنه الشيخ سليمان الحرز وكان صديقا للأخير، وزميلا له في الدراسة في النجف الأشرف، مما ساعده على الاندماج مع الأهالي وكبار عوائل القرية مثل آل سند وآل الحلواجي وعائلة الكامل وعوائل أخرى.
وعاش معهم عزيزا مكرما مهابا محترما، مع تواضع منه جمّ وخلق رفيع وعلم غزير لدرجة أنه (رحمه الله) أسف على السنين التي ضاعت من عمره الشريف بعيدا عنهم، ومن مظاهر الاحترام والتبجيل لسماحته، أنه إذا خرج من بيته ينادي المنادي في السوق أن السيد خرج من بيته فيصمت من في السوق احتراما وينسلون للثم يده الكريمة أثناء مروره، وتعطل عمليات البيع والشراء حتى يختفي من الأنظار، كما يتسابق الرجال والشباب والصغار لأي مكان يحضره سواءً كان مأتما أو مسجدا أو مجلسا تقديسا للعلم والعلماء وتوقيرا له لكونه من سلالة الرسول صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين.
كان للشيخ أحمد بن حرز بنتا عالمة بالشريعة لم يجرؤ أحد أن يخطبها من أبيها لعدم وجود الكفء لها، شاءت الأقدار الإلهية أن تتزوج السيد عدنان، وهو السبب (مع جملة الأسباب الأخرى السابقة) الذي دعاه للاستقرار في جدحفص والتخلي عن السكن في البلاد القديم.
حياته الزوجية وذريته :
1. تزوج ببنت خاله وأستاذه في المحمرة سنة 1327هـ ـ 1909م، وأنجبت له السيد محمد صالح، الخطيب الحسيني المشهور، والشاعر العدناني، والبحاثة في فنون الأدب والتاريخ والفقه والعقائد، حيث ولد سنة 1338 هـ في البلاد القديم، ولما توفي عنه والده وهو ابن تسع سنوات كفله الشيخ محمد علي المدني، حيث كان الوصي عليه وابتعثته حكومة البحرين عام 1937م – 1356هـ للدراسة الإسلامية في (لكنهؤ) بالهند ورجع سنة 1940م – 1359هـ بعد انقطاع بعثته الدراسية بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية واضطراب الأوضاع السياسية في الهند والعالم آنذاك. ثم انتظم في سلك الخطابة الحسينية عام 1944م، واشتغل بالشعر والتأليف حتى صار من الخطباء البارزين، ونشب بينه وبين الجمهور في البحرين خلاف بسبب بعض الفقرات من كتابه (حصائل الفكر في أحوال الإمام المنتظر) الذي طبع سنة 1392هـ – 1972م، ولما سألت من أثق بهم من علماء الدين عن هذا الموضوع، أجابوني بأن الكتاب ليس عليه غبار من ناحية عقائدية، وكان من المدافعين عنه في ذلك الوقت الشهيد الشيخ عبد الله المدني، وغيرهم.
2. تزوج بالعالمة الفاضلة الورعة التقية سكينة بنت الشيخ أحمد بن حرز، فأنجبت له بنتا اسمها كريمة توفيت رحمها الله بعد وفاة والدها بسبع سنين في حدود سنة 1354هـ.
3. ثم تزوج ببنت خاله الثانية (بعد وفاة أختها ) عندما سافر إلى المحمرة قبل تعيينه في القضاء الشرعي، وعاد بها إلى البلاد، وتوفى قبل أن يعقب منها ذرية.
مناصبه الشرعية:بالإضافة إلى إمامة الجمعة والجماعة والفتيا والتدريس وتولي الأمور الحسبية والوصاية على الأيتام في المنطقة وغيرها تحمل السيد مسئولية المناصب التالية:
أولا : رئاسة ديوان الأوقاف:يرجع تأسيس ديوان الأوقاف الجعفرية إلى سيدنا المترجم مع تلميذه وصاحبه الشيخ محمد علي المدني، فقد شمرا للجد والعمل والمثابرة بعزيمة قوية دون ملل وكسل لتسجيل الأوقاف من الدور والبساتين والنخيل والأراضي وشبكات صيد الأسماك (الحضور) في السواحل والبحار … الخ.
وقصدا لتسجيل الأوقاف في كل قرية وكل سيحة ومنطقة بوسائل مواصلات ذلك العصر (الحمير والبغال) وبمشقة بالغة، وكان للسيد جهود كبيرة في التأسيس ووضع القواعد الشرعية لوجوه الوقف، وما نراه من نمو في ريع الوقف ما هو إلا ثماراً طيبة من غرسه الكريم، وكان الداعي للتأسيس والتسجيل والرصد للأوقاف هو خوف السيد والشيخ من ضياعها أو التعدي عليها أو غصبها.
بالإضافة لسهولة الرجوع إليها وفض المنازعات في هذا الشأن بكل يسر عن طريق الاستـناد إلى سجلّها العام. وقد تم استئجار بيت في المنامة (مقراً لديوان الأوقاف) وُظِّف فيه ثلاثة من الكتاب وهم سيد من المنامة والحاج أحمد بن سند والحاج مسعود بن سند من وجهاء جدحفص.
ثانيا : القضاء وولاية أمور القاصرين :
مارس عمل القضاء وأمور القاصرين (الأيتام) وإصلاح ذات البين وإيقاع الطلاق، وإجراء العقود الزوجية بوصفه فقيها يمارس وظيفته الشرعية مع كافة الأمور التي يشتغل بها من إرشاد الناس وإقامة صلاة الجمعة وصلوات الآيات والجماعة والأعياد والفتيا والتدريس .. ورئاسة الأوقاف.
ولكن تولي القضاء الرسمي في العاصمة ( المنامة ) وولاية أموال القاصرين، لم يكن إلا في عام 1346هـ الموافق 1927م.
وكان السيد عدنان يقضي بصفة رسمية في المنامة قبل إنشاء مبنى المحاكم بشارع الحكومة ولم يستمر في هذا المنصب إلا ثلاث سنوات تقريباً، إذ توفي بعد ذلك مخلفا حسرة الناس عليه.
مناقبه الاجتماعية:
إن عمله في القضاء والأوقاف وإدارة أموال القاصرين وتولي كافة الوظائف الشرعية الأخرى لم يمنعه من مواصلة البحث والتدريس والتأليف فقد كان يجمع بين عنفوان الشباب والنشاط والذكاء الفطري والعلم الغزير، والهيبة والشخصية الفذة والأخلاق العالية النبوية العلوية، ومن صفاته الأخرى إظهار الأسى والحزن والتألم والبكاء لمصائب أهل البيت عليهم السلام، وخاصة في أيـام المحرم، إذ لا يرى باسماً. ومن خصاله الكرم والضيافة، إذ كانت يده ممتدة لفعل الخير ومساعدة الفقراء والمحتاجين، والاهتمام بطلاب العلم ورعايتهم ومساندتهم ماديا ومعنويا. وفي هذا قال عنه الخطيب الأديب جعفر بن علي البغدادي:
كريـم رحيـم عـالم عيلم معـاً********هو البحـر كالأمـواج فيه المواهب
وكم من صفات فيه لم يحص عدها********كما ليس تحصى في السماء الكواكب
ومن إنجازاته التعليمية:
أسس (المدرسة المباركة العلوية) مع عدد من الوجهاء والأعيان والتي افتتحت في عام 1347هـ. وهي مدرسة أهلية خيرية أسست لتعليم أهل القرى وجلب لإدارتها ناظر من العراق، ولما أسست دائرة المعارف الحكومية تبدل اسمها إلى (مدرسة الخميس الابتدائية) وهي إحدى المدارس الحكومية المجانية منذ ذلك الوقت.
مؤلفاته:
له آثار علمية قيمة جدا تدل على تضلعه في المعقول والمنقول وفقاهته وغزارة علمه وحصافة رأيه وبعد نظره، وهي كالتالي:
1.هداية الوصول إلى علم الأصول.
2.مشارق الشموس الدرية في أحقية مذهب الأخبارية (بحث في الأدلة الشرعية).
3.شمس العلوم المضية في شرح اللمعة الدمشقية (بحث فقهي).
4.غاية المرام في تقريب علم النحو إلى الأفهام (بحث في قواعد اللغة العربية).
5.آية الشفاء في منافع الذكر والدعاء .
6.مجموعة خطب الجمعة والأعياد (من عام 1340هـ إلى 1348هـ).
7.مجموعة من القضايا التي حكم فيها يوم كان قاضيا.
8.دفتر الوقوفات (المسمى بدفتر سيد عدنان) ولا زال المرجع في منازعات الأوقاف القديمة، إذ هو السجل التأسيسي الموثق والمعتمد لإدارة الأوقاف الجعفرية والمحكمة الشرعية (الدائرة الجعفرية).
الوضع السياسي والاجتماعي والقضائي في عصره:
تعد الفترة التي بدأ فيها السيد بتولي مسئوليته الشرعية من أحلك الفترات في تاريخ البحرين السياسي والاجتماعي الحديث حيث عصفت بها قوى الاستعمار الأجنبي مبدية تدخلها السافر في شئون البحرين الداخلية، وتعرض استقلال البلاد لمفاهيم جديدة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب والقسوة، وصار الوضع كما مر سابقا في ترجمة الشيخ سليمان بن حرز.
وعلى المستوى الاجتماعي تعرض نظام الأمن السائد للاختلال والاضطراب، وقامت السياسة الجديدة للمعتمد السياسي البريطاني بصب الزيت على النار، مما عقد الأمور، وهوجمت القرى الآمنة واشتعلت الفتن بين أفراد المجتمع.
ومن الأوضاع الاجتماعية الأخرى:
شيوع الفقر وتدني مستوى التعليم بسبب عدم وجود مدارس نظامية أو دينية في القرى إلا الكتاتيب (تعليم القرآن والحديث) التي يقوم بعض المعلمين والمعلمات بتدريسها الصبيان والفتيات للقادرين .. وبعض حلقات طلبة العلم الديني الفقهي في بعض زوايا المساجد. ولا يوجد في تلك الفترة إلا القليل ممن يعرف الكتابة والقراءة منهم الحاج أحمد بن سند والحاج مسعود بن سند وهما من كتاب ديوان الأوقاف.
أما الوضع القضائي في عصره:
فقد كان قاضي قضاة الطائفة الشيعية المرحوم العلامة الفقيه الشيخ خلف بن أحمد العصفور أحد أحفاد العلامة الأوحد الفقيه المتبحر في علوم أهل البيت عليهم السلام الشيخ حسين العصفور المقلد لأكثر أهل البحرين والخليج من الشيعة الإمامية. تولى القضاء الشرعي في المنامة بعد رجوعه إلى موطنه الأصلي في عام 1316هـ – 1898م، بعدها أجبر على السفر ثم استدعي ليتولى القضاء الرسمي في المنامة خلفا للشيخ سليمان بن حرز عام 1340هـ، 1921م. وصارت له سيطرة ونفوذ بين الطائفة الشيعية على غرار الشيخ قاسم المهزع قاضي قضاة الطائفة السنية، وتوجد أيضا من المحاكم الأخرى (المجلس العرفي) عبارة عن محكمة مدنية، ومحكمة لفض منازعات الغوص تدعى (سالفة الغوص) قضاتها من النواخذة. ومحكمة للأجانب في دار المعتمدية البريطانية يرأسها المعتمد السياسي المقيم في البحرين، أما القضايا الكبرى والجنايات فكان الحكم والفصل فيها لحاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة مع المستشار بلجريف في محكمة بيت الدولة.
موقفه من الوضع السياسي والاجتماعي والقضائي :
من ناحية الوضع السياسي فكان موقفه، لا يختلف عن زميله الشيخ سليمان بن حرز في تأييد استقلال البلاد وشجب التدخل الأجنبي في شئونها الداخلية.
أما عن الموقف من الأمور الاجتماعية فلم يختلف أيضا عن سلفيه الشيخ أحمد وابنه الشيخ سليمان، حيث كان ينصح قومه بالابتعاد عن الفتن والشنآن والعصبية التي سرت في الأمة بسبب مخالفة الشرع وتجاوز الأعراف الحسنة والعادات الأصيلة، فكان يأمر الناس في خطب صلاة الجمعة أو في مجالسه بالتمسك بالشريعة الغراء والقيم الأخلاقية الرفيعة ويذكرهم بالعذاب وسوء العاقبة بسبب المخالفات الشرعية ويركز في وعظه لهم بتحكيم الشرع الإلهي المقدس في كل أمورهم الدنيوية، وأن يتمسكوا بحبل الله جميعا وأن لا يتفرقوا عن علمائهم، حتى يعيش المجتمع في سلام وعزة وأمان ورخاء، ليتغلبوا على الفتن التي أضرت بالعباد والبلاد، وكلها كانت تصب في مصلحة المستعمرين الأجانب.
وعن إسهاماته في محاربة الفقر فإنه رفع من شأن الفقراء بالعطاء، وله دور في تأسيس الأوقاف – كما أسلفنا – والتي كان ريعها يصرف على الأنشطة الدينية والتعليمية ومساعدة الضعفاء.
أما عن موقفه من الوضع القضائي:
ذكرنا أنه رحمه الله بعد وفاة سلفه عام 1340هـ – 1921م، استلم جميع مناصبه الدينية والشرعية في المنطقة وما جاورها من القرى، واقتدى به كثير من أهل المدن في البحرين، وبعض شيعة الخليج، واستمر في وظائفه الشرعية ولم يستلم منصباً قضائياً رسمياً في المنامة، إذ كان يشغله في تلك الفترة منذ عام 1340م العلامة الكبير الشيخ خلف العصفور باقتدار وقوة شخصية ونزاهة وعلم غزير.
وفي أعقاب ترحيل الشيخ خلف (رحمه الله) رشح التجار والأعيان في الطائفة الشيعية السيد عدنان لتولي المنصب القضائي، تهدئة للناس، ولملء الفراغ الكبير الذي حدث في القضاء الشرعي. فعين من قبل الحكومة في ذلك الوقت رئيسا للقضاة الشيعة في البلاد، (أي قاضي البلاد الرسمي للطائفة الجعفرية) بالإضافة إلى ولاية أموال القاصرين والأوقاف، فهدأت الرجفة، وسكنت العاصفة، واستمر السيد يقضي في المنامة عاصمة البلاد حتى وفاته، وكما ذكرنا فإن الفترة التي بقي فيها في منصب القضاء الرسمي ثلاث سنوات تقريبا وكان الشيخ محمد علي المدني زميله في القضاء بصفته مسانداً ومعاضداً له في شئون الأحكام القضائية الشرعية.
وفاته:
فوجئ شعب البحرين فجر يوم الخميس الواحد والعشرين من رجب من عام ألف وثلاثمائة وثمانية وأربعين هجرية الموافق 22 / 12 / 1929م بوفاة سيدنا المترجم (رضوان الله عليه) بعد عمر قصير بلغ السادسة والأربعين، وقد خيم الحزن والأسى عموم البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وبعد تشييع فريد مهيب بمشاركة كبار الأعيان والأشراف والمسئولين في الحكومة، وكافة الأهالي من الرجال والشباب، دفن في مثواه الأخير في مقبرة أبي عنبرة بالبلاد القديم وقبره مقام يقصده الزوار مجاورا لقبر الشيـخ حسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي والد الشيخ محمد البهائي قدس الله أسرارهم. وقد رثاه نجله السيد محمد صالح بقصيدة طويلة منها هذه الأبيات:
له مجد إسحـاق وعـزة يوسـف********وعلم ابن عـباس وايـمان سلمـانا
له الله من شخص فقدناه أمة********وشهم تبنته الفضائل لقمانا
فكم منصب في عهده كان شاغلا********له ودواما بعده شاغرا كانا
مناصب حكم لا يزال غموضها********يجدد مهما استيقظ الدهر أجفانا
وأحكام شرع قبل كانت بعينه********تدار فأعيا بعده الحكم أعيانا
إمــام حبـاه الله أسـرار ديـنه********فأوضحها في الكتب والنطق تبيانـا
الشيخ محمد علي المدني
نسبه ومولده وعشيرته:
هو العلامة الشيخ محمد علي بن الحاج حسن بن الحاج محمد علي المدني، وقد ولد في مسقط بعمان نحو سنة 1310هـ-1892م، وعائلته من أصول عربية تصل إلي بني كعب التي كانت تسكن في الأزمان الغابرة في الجزيرة العربية، وعوائل (المدني، والمسقطي، والكنكَوني) عشيرة واحدة تمتهن التجارة التي تستلزم الأسفار فقسم ركّز في تجارته في مسقط بعمان فلقب (بالمسقطي)، وقسم أكثر من التجارة في الحجاز وزيارة مدينة الرسول (ص) أو سكن أحد أجدادهم هناك فلقب بالمدني ، وقسم تاجر في ساحل فارس وخاصة بلدة (كنكَون) فلقب بالكنكَوني، هذا وقد وصلت تجارة هذه العشيرة إلى بلاد زنجبار بالقرن الإفريقي خلال القرن الهجري الماضي.
نشأته الاجتماعية والدراسية:
نشأ تحت ظل والده الحاج حسن بن محمد علي المدني نشأة دين وورع وتقوى في البلاد القديم، حفظ القرآن وتعلم القراءة والكتابة وتعلم شيئا من النحو واللغة العربية في سن مبكرة. ولما شب عوده، أخذ في مساعدة أبيه في شئون عمله وامتهن في صباه مهنة الخياطة، ولما رجع السيد عدنان الموسوي من النجف بداية سنة 1328هـ، التحق به لتلقي العلوم الإسلامية علي يديه، وكان مولعاً وشغوفا بطلب العلم مسرورا بالتلمذة على يدي ذلك العالم الورع التقي. وكان والده الحـاج حسن المدني يتردد عليه وهو يطلب العلم عند السيد، طالبا منه التفرغ حتى يتمكن من تزويجه فيراه ملازما لأستاذه وقد تمكّن حب العلم من فؤاده ونفسه فيتركه وشأنه في طلب العلم وكان عمره في ذلك الوقت نحو ثماني عشرة سنة.
هجرته إلى طلب العلم بالنجف في العراق:
مكث الشيخ محمد علي مع أستاذه في البلاد القديم مدة سنة تقريبا يزق منه العلم وينهل من منهله العذب الزلال، حتى عزم أستاذه على الرحيل مرة أخرى إلى النجف، فلزمه وهاجر معه لمزيد من التحصيل في الدراسات العليا في الفقه والأصول والعقائد وغيرها من العلوم النافعة، ومكث هناك حوالي ست سنوات يطلب العلم بكل جد واجتهاد، وحضر أبحاث العلماء الكبار حتى حاز على إجازات وتأييدات منهم، كالعلامة الفقية الشيخ عبد الكريم الزنجاني وهو القائل: عن السيد عدنان والشيخ محمد علي في هذه الفقرة من إجازته في 8 ربيع الأول من عام 1334هـ، ما يلي:
(( فكان ممن جد وبذل الجهد في تحصيله، زبدة العلماء الأعلام وصفوة المجتهدين العظام، شمس فلك التحقيق وبدر سماء التدقيق ثقة الإسلام وقدوة الأتقياء الكرام وآية الملك العلام السيد عدنان بن السيد علوي آل عبد الجبار الموسوي البحراني، وزميله العالم الفاضل الذكي التقي الشيخ محمد علي بن الحاج حسن المدني البحراني، فإنهما أعزهما الله ونصرهما وصانهما وأيدهما قد صرفا شطرا من العمر في تحصيل العلوم الدينية بجوار مدينة علم الرسول (ص) مستـمدين بعد بركـات جـواره بأنفـاس العلماء.. إلخ )).
عودته إلى البحرين من العراق:
ثم عاد إلى البحرين بصحبة السيد عام 1335هـ ، الموافق عام 1916م ، ولزمه حتى كانا كالفرقدين لا يفترقان ـ والثنائي ـ الذي أسس ديوان الأوقاف الجعفرية بالبلاد ـ وكان لهما صولات وجولات في القضاء الشرعي الرسمي ، بالإضافة إلى الإصلاحات الدينية والاجتماعية التي قدماها إلى الوطن والمجتمع بدافع الغيرة الدينية وحب الخير وطاعة الله والعمل بما يرضيه ـ سبحانه وتعالى ـ وما يملي عليهما الواجب الشرعي.
علمه وأدبه:
حصل على درجة الفقاهة بتأييدات أساتذته منهم العلامة الموسوي وبعض فقهاء النجف، وقد جعلته هذه المرتبة أكثر تواضعا وكياسة وخدمة للدين ولعباد الله من بني وطنه. وكان ذا حس أدبي مرهف، وشاعراً مقلاًّ جداًّ، ومتذوقاً للشعر والفنون الأدبية، ومحبا لتخميس القصائد . ومن أقواله في هذا الشأن ((الشعر هو كمال الناقص، ونقصان الكامل)) وقد ورد في ترجمة أستاذه شعر له بمناسبة قدومهما من النجف عام 1335هـ، والتي مطلعها هذا البيت:
فـخـرت أوال بطلعة البــدر********مـن آل طـه الســادة الغـر
قدومه إلى جدحفص:
انتقل إليها وهو في العقد الثالث من عمره من البلاد القديم ملازما مع أستاذه السيد عدنان بعد سنة 1340هـ ، لمواصلة المباحثة الفقهية والعمل الديني الاجتماعي الخالص لوجه الله تعالى .. وبعد وفاة السيد عدنان سنة 1348هـ، تولى جميع مناصبه الدينية في المنطقة والقرى المجاورة حتى صار المرجع في الأحكام الشرعية .. وإمام الجمعة والجماعة بالإضافة إلى تحمل مسئولية بقية الوظائف الشرعية الأخرى .. من إرشاد وتعليم وتوجيه ، حتى أحبه الناس وقدروه، ورفع من منزلته تواضعه وحلمه وحسن أخلاقه مع كافة طبقات المجتمع.
أزواجه وذريته :
1 ـ تزوج بعد قدومه مع السيد عدنان إلى جدحفص بابنة الشيخ أحمد بن حرز وسكن معها في بيت أبيها وأنجبت له (الشهيد الشيخ عبد الله المدني) وأربع بنات تزوجت واحدة منهن بأحد وجهاء قرية توبلي وهو المرحوم السيد محمد التوبلاني ، ومن أولادها الأستاذ السيد هاشم السيد محمد التوبلاني، المدير في مؤسسة أحمد منصور العالي، وبقية الذرية الصالحة، وتزوجت الثانية بصاحب الفضيلة الشيخ منصور الستري (رئيس محكمة الاستئناف العليا الجعفرية سابقا) وكان منزلها الزوجي في جدحفص وفيه أنجبت ولدها البكر الأستاذ جعفر الشيخ، ثم انتقل منزلها الزوجي إلى قرية النويدرات، وأنجبت فيه الأستاذ الدكتور الشيخ محمد علي الشيخ منصور وبقية الخلف الصالح، أما الثالثة فقد تزوجت من المرحوم السيد علي المشعل الستري (صاحب الشيخ) المتوفى عام 1417هـ، فأنجبت له السيد سعيد الستري وبقية الذرية من الأولاد والبنات البررة، أما الرابعة فقد توفيت وهي صغيرة.
2 ـ ثم تزوج بكريمة الحاج أحمد العوينات في عين الدار وأنجبت له بنتا واحدة، تزوجها المرحوم السيد هاشم آل أسعد المتوفى سنة 1400هـ، فأنجبت له السيد هادي آل أسعد وبقية الخلف الصالح.
3 ـ وشاءت الأقدار الإلهية أن يتزوج الشيخ محمد علي المدني بالفاضلة فاطمة بنت الشيخ سليمان بن حرز الوحيدة، في التاسع من ذي الحجة من عام 1353هـ، فأنجبت له بنتا تزوجها الحاج جاسم آل عبد السلام، وخلف منها ذرية صالحة، ومن أولادها سعيد جاسم آل عبد السلام. وأنجبت هذه المرأة للشيخ محمد علي سماحة العلامة الشيخ سليمان المدني (رئيس محكمة الاستئناف العليا الجعفرية حاليا) إمام الجمعة والجماعة وأحد كبار العلماء في البحرين. وهو زواجه الثالث الذي أنشد فيه السيد محمد صالح الموسوي قصيدة طويلة منها هذه الأبيات:
كأهازيج من يزفون شيخ********العصر في عرسه بجدحفص فينا
لعروس حوت عفافا وطهرا********سبقت فيه نسمة المؤمنينا
موكب للزفاف يحكى نجوما********وهو البدر غرة وجبينا
إلى أن قال في آخرها :
أيها الشيخ طبت نفسا وعرسا********بطويل الهناء تطوى السنينا
سيقر الإلـه عيـنك تـنـمـى********لك خير النسـاء خير البنينـا
عاش الشيخ فترة من الزمن في بيت الشيخ أحمد بن حرز الكبير ثم اضطرته الظروف العائلية إلى الرحيل عنه فاستأجر منزلا كبيرا في عين الدار وعاش فيه مع جميع أفراد عائلته حتى وفاته.
أخلاقه ومناقبه الاجتماعية:
وصفه الذين عاصروه من العلماء بالذكاء والتحلي بالأخلاق الفاضلة، ((وكان خيرا عاقلا سليم الضمير متواضعا )). ولعمري أن هذا الوصف يؤكده الذين عاصروه من جميع الطبقات الاجتماعية.
وكانت له صداقات مع الفقراء، ومجالس أنس مع البسطاء، يزورهم ويزور الأغنياء على حد سواء، ملك قلوب الناس بتواضعه وبساطته وحلمه وورعه وتقواه وسماحة خلقه وكياسته، احترمه الأغنياء وأصحاب النفوذ ، وقدروه لاحترامه لنفسه ورجاحة عقله وسلامة ضميره وعلمه بالشريعة الغراء، ونال كذلك من التقدير والتبجيل من فقراء قومه ما هو أهله. فعاش عزيزا مكرما من الجميع.
وفق للحكمة في حياته بشكل عام في مأكله ومشربه فلم يملأ بطنه من طعام، متأدبا بأخلاق الإسلام، خرج من الدنيا لا يملك شيئا، ولم يورث ملكا، ولكنه ورث للناس العلم والأدب والأخلاق والذرية الصالحة، وأنفق ما يأتيه من رزق وموارد على أسرته والفقراء من الجيران، وكان لا يرد سائلا طرق باب بيته أو طالب علم يدرس تحت رعايته أو شعائر دينية يحتاج القائمون عليها لمساعدته.
علاقاته الاجتماعية:
كعالم، وإمام جمعة وجماعة، ورئيس الأوقاف لفترة من الزمن، تميزت علاقاته الاجتماعية بالحكمة والموازنة فقد أحاط به رجال أشداء في التديّن والمحافظة من أسر مختلفة، فكان لا يفضل أسرة على أسرة أو مأتماً على مأتم، يزور الجميع ويدخل مآتم الجميع. وكانت علاقاته الاجتماعية واسعة، فلم تختص بالقرية التي يسكن فيها، وإنما شمل سائر القرى القريبة والمنامة وقريته الأصلية البلاد القديم، والتي فيها نشأ وترعرع وتعلم، وقد اكتسب حبا خاصا من أهالي القرى واختصوه في إجراء عقود الزواج وأكرموه مثل الديه، والسنابس، وكرباباد، والمقشع، والمصلى، وجبلة حبشي، والسهلة، وتوبلي التي فيها أصهار له وهم عائلة زوج ابنته السيد محمد التوبلاني رحمة الله عليه.
الظروف السياسية في عصره وموقفه منها:
في البداية وقبل توليه لمنصب أستاذه في الثاني والعشرين من ديسمبر عام 1929م، أخذت الظروف السياسية تزداد سوءاً بسبب (أحداث العشرينيات من القرن العشرين) وهي السنوات العاصفة التي أدت إلى التدخل المباشر في شأن البحرين الداخلي من قبل بريطانيا العظمى (الدولة البهية) والذي أدّى إلى التحول الإداري والسياسي ودخول البحرين في عهد استعماري وذلك بتطبيق قانون المستعمرات البريطاني عليها بدلا من اتفاقية الحماية البريطانية. ويحدثنا الشيخ محمد علي التاجر المؤرخ والمعاصر لتلك الفترة الحرجة من التاريخ فيقول: ((إن السبب الوحيد في الانقلاب الأخير هو الشره الغربي لامتلاك الممالك الشرقية تحت ستار من التمويه وأعذار واهية ووسائل تجارية وسياسية ظاهرها الحب والرأفة والشفقة والرحمة والإخلاص والمواعيد الخلابة وباطنها الغدر والحيلة والخيانة والكذب والنفاق والتفرقة والإغراء وخلق المشاكل حتى تؤول إلى الاستيلاء على البلاد بدون أن يكلفهم ذلك إزهاق الأرواح وتكبّد صرف الأموال )). ((وإذ ليس بين بريطانيا وحكومة البحرين معاهدة مسجلة بل هناك اتفاقات تضمن للإنجليز ما حازوه من نفوذ في البلاد وتضمن حريتها واستقلالها )).
(( ولكن أجل هذه السياسة انتهى بانتهاء الحرب الأولى العظمى، كانت هناك رابطة تربط السياسة القديمة بالبحرين فلما انتهت الحرب انحلت تلك الرابطة فنشطت السياسة من عقالها وكشـرت عن أنيابها لقضم فريستها )).
أدت هذه السياسة إلى تدهور الأوضاع الداخلية واختلال الأمن .. وهدأت الأحوال مؤقتا بالتصديق من قبل الحكومة على الإصلاحات التي كانت تنحصر في 13 مطلباً . (( فاختط الميجر ديلي خطة التفريق عملا بسياسة القائل ( فرق تسد) وجعل سماسرة لإغراء الحزبيين على بعضهم البعض )).
كان الشيخ محمد علي المدني من العلماء الواعين بالتغيرات السياسية في تلك الفترة ، وقد عاصر دخول الإنجليز العراق واحتلالهم له أثناء دراسته في النجف الأشرف من عام 1911م حتى عام 1916م، حيث خرج منها بسبب سوء الأحوال السياسية هناك، مما كوّن له وعيا بأغراض الاستعمار، وأهداف التدخل في شئون البلاد والعباد، وهي بلا شك السيطرة والتفرقة وترويج الثقافة الغربية، فكان ينصح المجتمع بعدم اتباع الأهواء والانسياق تحت قيادة المستعمرين الأجانب.
وكانت كل مواقفه مبنية على حكم شرعي (بوصفه عالماً ومتشرعاً) لا يرى الأمور إلا من الزاوية الشرعية، المرجحة لمصالح الوطن وأهله (أي البلاد والعباد).
الوضع بعد وفاة أستاذه السيد عدنان عام 1348هـ ـ 1929م:
أولا : تعيينه لمنصب القضاء الرسمي لشئون القرى: يذكر صاحب أعلام الثقافة الإسلامية الأستاذ سالم النويدري في ترجمة الشيخ محمد علي: أن الشيـخ عُيّن قاضيا لشئون القرى، وعُيّن الشيخ عبد الله محمد صالح آل طعّان قاضيا لشئون المنامة اشغالا لمنصب القضاء بعد وفاة السيد عدنان الموسوي أواخر عام 1929م . ولكن الشيخ محمد علي لم يستلم منصبه الرسمي – بسبب خلافه مع المستشار بلجريف حول ظروف تعيينه وتحديد صلاحيات منصبه القضائي – ثم اختص بالعمل الديني والاجتماعي لأهل القرى.
ثانيا : تحويل ديوان الأوقاف برئاسة الشيخ محمد علي إلى دائرة الأوقاف الجعفرية يرأسها الأعيان من الطائفة الشيعية: قلنا إن الشيخ تولى مناصب أستاذه الموسوي جميعها واقتضت السياسة أن يبقى في القضاء مؤقتا، ثم استقال واختص بالعمل الديني والاجتماعي لأهل القرى، حيث أوكل منصب القضاء الرسمي في العاصمة إلى الشيخ عبد الله محمد صالح آل طعّان المتوفى رحمه الله سنة 1381هـ في مدينة شيراز بإيران. وكانت إدارة الأوقاف بيد الشيخ المدني وكانت من أغنى المؤسسات وأكثرها اتصالا بالمجتمع لارتباط نشاطها الاقتصادي بالأعمال الدينية في المساجد والمآتم وإطعام الفقراء والمؤمنين في المناسبات الدينية، ومساعدة طلاب العلم الديني وغيرها، نعم كانت هذه الأوقاف تدار من قبل الشيخ بكل أمانة وإخلاص، لا يرتجي منها إلا النفع الأخروي والثواب العظيم من رب العالمين وخدمة للدين الحنيف ولأهل البيت عليهم السلام والمؤمنين من أهل البلاد، وبالتالي فهي خدمة لوطنه الغالي على نفسه ونفوس الجميع.
ولكن التطوير الإداري من قبل المستشار البريطاني (بلجريف) ورغبته في أن يتولى الوجهاء في العاصمة إدارة الأوقاف لتكون لها دائرة رسمية تحت إشرافه، غيرت من حال إلى حال. فأوعز إلى بعض وجهاء العاصمة من الجعفرية، ليتصلوا بالشيخ ويبلغوه عن فكرته تلك، فرفض الشيخ رفضا قاطعا، ثم توجه إليه بعض التجار واجتمعوا معه في مأتم الطويل (بفريق الصاغة) بجدحفص، فرفض التنازل عن رئاسة الأوقاف رفضا باتا. ثم قالوا: إن المستشار سوف يستولي على ديوان الأوقاف بالقوة، فردّ عليهم: فعندئذ لن أكون مسئولا أمام الله عنها إذا حصل فيها الفساد، وسوف تبرأ ذمتي، أما أن أسلمه ما تحت رعايتي الشرعية، وباختياري فلا يجوز شرعا. فانفضّ المجلس، وبعد ذلك تم فتح باب الديوان بالقوة من دون رضا الشيخ، وكان ديوان الأوقاف بيتاً مستأجراً (بفريق الحطب) في المنامة، وبعد الاستيلاء عليه أتوا بمحاسبين هنود لجرد الحسابات والأموال فوجد أن الشيخ محمد علي، دائنا للأوقاف (إذ كان يصرف من جيبه إذا حصل نقص في ريعها)، ثم نقلت المحتويات والدفاتر (وخاصة دفتر السيد عدنان المشهور) وتم تعيين السيد أحمد العلوي أحد زعماء المنامة رئيسا لدائرة الأوقاف الجعفرية، ثم أسست دائرة الأوقاف السنية، وأنشئ لهما مبنى حديث قريباً من إدارة الجوازات السابقة في(باب البحرين) بالحي التجاري بالمنامة. وحينئذ انتهت ولاية العلماء المباشرة على الأوقاف الجعفرية، وصار مجلس إدارتها من الأعيان والموظفين الشيعة، وجعل للمحكمة الشرعية (الدائرة الجعفرية) اختصاص الفصل في منازعات الأوقاف الجعفرية والنظر والبت في التصرفات الخاصة بها.
ثالثا : الأوضاع المصاحبة لفترة التطوير الإداري والاجتماعي وموقف الشيخ منها: بعد اشتداد النشاط الاستعماري في البلاد، بدأت فترة التطوير الإداري والاقتصادي والثقافي والقضائي تحت إشراف السير تشارلز بلجريف مستشار حكومة البحرين في الفترة بين 1926م – 1957م، حيث اتسمت بعض البرامج الاقتصادية والثقافية بمخالفتها للشريعة الإسلامية مثل إنشاء البنوك الربوية وافتتاح دور السينما ، وبالطبع لم يعارض العلماء في البحرين ومنهم الشيخ محمد علي السياسة الإدارية للمستشار في تحديث البلاد وربطها بالحضارة الحديثة، وتطوير الثقافة والتعليم والصحة وسائر المرافق الاقتصادية، وإنما عارض البرامج والمشاريع التي تخالف الشريعة الإسلامية فقط.
الوضع الاجتماعي في عصره ومعالجته للأمور الاجتماعية والدينية :
في فترة ولايته الشرعية بين عام 1348هـ وعام 1364هـ أي مدة 16 سنة، صادفته عدة مشاكل خاصة بالمجتمع، مثل المرض والفقر، والجهل والأمية، واتباع الأهواء والتعصب .. يقول الشيخ إبراهيم المبارك في معرض الحديث عنه: (( ثم تولى الجمعة بعد السيد عدنان الشيخ محمد علي بن الحاج حسن المدني تلميذه الخاص به، إلا أنه صادفت حياته ضعف الزمان واختلاف القلوب وقلقلة الفوضى فعاش ضيّق الحال )).
لقد قام بخدمة الدين وعباد الله في هذه المنطقة وغيرها، بما يسر الله له من صحة ومن قوة علم وكياسة، وتميز بالجرأة في قول الحق وعدم المهادنة لمن يقوم بالمخالفات الشرعية، صحيح أنه لم يتول القضاء الرسمي إلا ستة أشهر بعد وفاة أستاذه الموسوي، إلا أنه اشتغل بإصلاح ذات البين وحل المنازعات العائلية والزوجية وإيقاع الطلاق وإجراء العقود .. إلخ من قبول الأمانات وتولي الحقوق الشرعية، ومارس التولي علي أوقاف المساجد والمآتم في المنطقة، ولما ضعفت أحواله الصحية والمادية، حيث كان يصرف من أمواله الخالصة لسد النقص في إيرادات الأوقاف قام بتوزيع ما يتولاه من الأوقاف على من يراه صالحا ومستعدا من المؤمنين كل بحسب قربه من الموقوف عليه واستعداده لخدمته سواء كان مأتما أو مسجدا أو مقبرة وهذا التنظيم الذي استحدثه لاستلام ريع الأوقاف وتصريفها في وجوهها الشرعية ما زال معمولا به حتى الآن، ومازال متوارثاً في العائلات التي قام الشيخ بتوزيع تولي ريع الوقف عليها. كما قام الشيخ (ره) بوضع حدود مصلى العيد الحالي بجبلة حبشي.
وكما قدمنا: فإن الشيخ في زمن نقص المواد الغذائية بسبب الحرب العالمية الثانية (حتى أكلت الناس الجريش والشعير) عاش مثل بقية الناس، مع كثرة من يعولهم، وكل ما أتاه من رزق أو هدايا يصرفه على عوائله وعلى الجيران من الفقراء وكل من يسأله، ولم يدّخر لنفسه شيئا من حطام الدنيا. وقلنا إن علاقاته الاجتماعية تميزت بالحكمة والموازنة وترجيح المصلحة دائما.
ووسع من دائرة شعبيته تواصله وزياراته المستمرة إلى أهله وذويه وأصدقائه ومريديه وكانت له مجالس مخصصة لوقت معين في أيام معينة، يجتمع فيها بالناس ويجيب على أسئلة السائلين (في مواضع الابتلاء) من الأسئلة الدينية ويحل المشاكل الاجتماعية.
وكان يكره التعصب والتكبر والغطرسة ويعتبره من مخالفات الأخوة الإيمانية ويشنأ التفرقة ويحب التآخي والمودة بين كل القرى ويرشد الناس إلى السبيل الذي يؤدي إلى مرضاة الله وما فيه الألفة بين القلوب. ولقد حدثني أحد معاصريه ، أن الشيخ (رضوان الله عليه) كان يرفض أصناف الكراهية والبغضاء بين الناس، والتعصب والفئوية والفرقة والانقسام، ويدعو الناس في مجالسه وفي خطبه إلى تحكيم الشرع والالتزام بالقيم الأخلاقية، والترفع عن مساوئ الأخلاق، والتحلي بمكارمها.
تلاميذه:
في حياته العامرة بالعلم والتواضع وخدمة الدين والمؤمنين لم ينس أهله وجماعته ولم يبخل على مريديه بالتفرغ لهم بالتدريس الفقهي واللغة العربية ونحوها من العلوم الدينية فتتلمذ على يديه كل من:
1.الشيخ عبد الحسن بن سلمان آل طفل (وستأتي ترجمته لاحقاً)
2.السيد محمد صالح بن السيد عدنان الموسوي (الشاعر المعروف والبحاثة والخطيب الحسيني الشهير والذي سبق الكلام عنه في ترجمة والده).
3.الشيخ أحمد بن الشيخ أحمد بن حرز (كان من الطلاب الأذكياء، وحاز على تحصيل علمي جيد).
4.ملا سعيد المساعد (خطيب حسيني، وكان كثير الترحال وخصوصاً إلى بلاد زنجبار للوعظ والإرشاد والخطابة).
5.ملا مهدي زين الدين (خطيب حسيني وعارف بالسير والأحكام الشرعية والعلوم الفقهية، وهو والد الملا جعفر، وعم الشيخ حسن بن الملا أحمد زين الدين).
6.ملا أحمد آل زينه (خطيب منبر حسيني، وله تقدم في العلوم الفقهية لمواصلته الدراسة في مدرسة المنامة الدينية التابعة لدائرة الأوقاف الجعفرية، وهو من أهل "جبلة مني" وجد صديقنا الدكتور محمد حسين الخياط لأمه.
آثاره العلمية:
له أبحاث في الفقه والعقائد، وله حواشٍ على بعض الكتب الفقهية والنحوية، منها حاشية على كتاب معالم الأصول للشيخ حسن ابن الشهيد الثاني وأجوبة مسائل الشيخ أحمد بن سرحان العكري اللنجاوي ، في أربعة فنون من العلوم الدينية (الشرعية والعقائدية)، وقصة هذا البحث رواها لي أحـد أحفـاد الشـيـخ ، وهي كما يلي:
((اتفق أن الحاج يوسف بن رستم أحد وجهاء قرية الديه أن تقابل مع الشيخ الجليل أحمد بن سرحان في لنجة سنة 1939م، فأخذ الشيخ بعض المسائل الدينية ( عقائدية وفقهية ) وأعطاها الحاج يوسف بن رستم، وقال له إن في البحرين الآن لا يوجد إلا (ملالي ـ وخطباء ) ولا يوجد علماء .. !
وهذه مسائل خذها إلى البحرين للإجابة عليها إن استطاعوا !! رجع المذكور رحمه الله إلى البحرين وبيده المسائل وقدمها إلى الشيخ محمد علي لكونه من معارفه فأعلمه بالتحدي، فانبرى الشيخ للتصدي لها بإجابتها بطريقة علمية دقيقة وفرغ منها بسرعة وجيزة في عام 1358هـ ـ 1939م، وسميت (أجوبة مسائل الشيخ أحمد بن سرحان) واعتبرت هذه الرسالة الجوابية من آثار الشيخ العلمية القيمة)). وللعلم فإني وجدت أن الشيخ قد وجه رسالة في مسائل إلى الشيخ أحمد بن سرحان وقام الأخير بالرد عليها، وسميت (رسائل في مسائل الشيخ محمد علي بن حسن المدني البحراني )، راجع موسوعة شعراء البحرين صفحة 158 الجزء الأول ـ وهي من الآثار العلمية لذلك العالم المهاجر.
وفاته: في عام 1944م ساءت صحته فاضطر للسفر إلى بومبي بالهند لتلقي العلاج، وتحسنت صحته بعد مجيئه من هناك. وفي 17 جمادى الثانية من عام 1364هـ الموافق 28/5/1945م، حينما كان ضيفاً عند عائلة زوج ابنته (السيد محمد التوبلاني) في توبلي، تعلل بالحمى وكان مدعوا في ذلك اليوم على وليمة غذاء دعي فيها أعيان القرية ووجهاؤها على شرفه في بيت الخطيب الورع السيد علوي بن السيد درويش وكان بيت مضيفه لا يبعد إلا في حدود 100 متر عن البيت المقام فيه الوليمة فلم يستطع المشي إليه بسبب تلك الحمى فأركب على ظهر دابة ثم نقل إلى منزله في عين الدار، وبعد ثلاثة أيام أعلن خبر وفاته في عموم البلاد ، وكانت وفاته ظهر يوم 20 من جمادى الثانية من عام 1364 هـ الموافق 1/6/1945م بالمعرش (غرفة صيفية) في منزله، فخيم الحزن والأسى والاكتئاب على أرجاء الوطن، وهرع الناس في حالة تأثر شديد وبكاء وعويل، ثم شيع عصرا إلى مثواه الأخير تشييعاً عظيماً حضره الوجهاء والأعيان والمسئولون وكافة المؤمنين من القرى والمدن وتقدمت جنازته الأعلام السوداء والخضراء، ودفن بجوار قبر الشيخ سليمان بن حرز جنوب قبر الشيخ أحمد بن حرز، ومقامهم مزار مشهور يقصده الزوار لقراءة الفاتحة والنذور، أقيمت له فاتحة كبيرة في جدحفص، كما أقام آل المسقطي والمدني فاتحة في مأتم مدن بالمنامة.
وقد رثاه السيد محمد صالح السيد عدنان الموسوي بقصيدة بعد وداعه إلى مثواه الأخير ومنها:
رمتك يد القضا المحتوم قسرا********فنال به فؤاد العلم شطرا
وحين من الحياة شددت رحلا********غدت دور المكارم منك قفرا
فيا شيخ العروبة أنت سر********لأنحاء الحياة سموت سرا
وكان العلم منك يرى شبابا********فنال من الأسى شيبا وكبرا
أحال الصبح رزؤك في البرايا********على الإسلام ليلا مكفهرا
وروحك للسما عرجت صعودا********ونالت من علاك الأرض قبرا
وكان العزم دون علاك أرسى********لحظك مثل صدر النجم صدرا
وجسمك خف في الأعواد حملا********وكان يوازن الأطواد قدرا
بفقدك أضحت الآمال تشكو********لأرباب العلى ذلا وهجرا
وأخوان الصفا لك قد أقامت********مآتم عينها تبكيك عبرى
وفيك دموعها جدحفص أجرت********فكل بافتقادك عيل صبرا
وعزوا فيك أنجالا كراما********لهم عظم البكاء عليك أجرا
تودّ الشمس تهبط من سماها********فتلثم منهم وجها ونحرا
يعزيهم بفقدك أهل ودٍ********بما نالوا لهم مذ غبت ذخرا
وآل المسقطي غدت حدادا******** تعزيها المنامة فيك صبرا
بكيتك قد لبست المجد بردا********ملته المكرمات ندى وطهرا
واحرز في الورى فضلا كبيرا********حباه تواضعا وحماه كبرا
فيا ليت الذي قد مدّ طرفا********ليحسده رمته العين سحرا
تحيرت الورى لما رأته********يعادل جيرة النعمان بهرا
ويمنع جاره من كل سوء********فلا تخشى به الجيران شرا
لـقـد ولـدتـه أم المجـد فـردا********فـقـال له العلا عمرت دهرا
الشيخ علي بن أحمد الحكيم
هو الشيخ علي بن الشيخ أحمد بن علي الحكيم، (ابن الشيخ أحمد الحكيم المترجم سابقا في هذا الفصل)، وسليل الفقيه الكبير الشيخ علي بن عبد الله الحكيم صاحب كتاب (حياة القلوب) وأحد أفراد عائلة الحكيم العلمية المهاجرة إلى القطيف وأطراف فارس والنجف بالعراق.
تاريخ مولده:
ولد بالنجف الأشرف نحو سنة 1320هـ- 1903م، حينما كان أبوه الشيخ أحمد يدرس ويُدرِّس العلوم الدينية في الحوزة العلمية بتلك المدينة العريقة.
دراسته:
قضى أكثر حياته القصيرة طالبا للعلم الديني في النجف مع والده الذي صار أستاذاً له في بعض العلوم، ثم تتلمذ على بعض الفضلاء، وكان من زملائه في الدراسة الشيخ عبد الله بن محمد صالح آل طعّان، وحظي بسمعة طيبة وعلم غزير في مختلف الفنون مثل العقائد والفقه والخطابة الحسينية واللغة والأدب والشعر والتاريخ والسير.
عودته إلى البحرين:
عاد إلى البلاد في زمن السيد عدنان بن علوي الموسوي، ورافقه، مع صاحبه الشيخ محمد علي المدني، وارتبط أيضا بالشيخ عبد الله محمد صالح آل طعان في وقت رئاسته للقضاء الجعفري الرسمي، وكان ينوب عنه في إقامة صلاة الجماعة في المنامة إذا حصلت للشيخ عبد الله بعض الظروف التي تمنعه من إقامة الصلاة جماعةً. وسكن في قرية جدحفص، موطن آبائه وعشيرته، في بيت صغير ضمن منازل عائلة الكامل وعاش عزيزاً محترماً، وتزوّج بكريمة سيد محمد الكامل.
مكانته العلمية والاجتماعية:
هو عالم فاضل، وخطيب حسيني، وشاعر مجيد، وإمام جماعة، وأديب. ركّز أكثر شعره وأدبه في مدح ورثاء أهل البيت عليهم السلام.
وفاته:
توفي رحمه الله شابا، وهو فـي بدايـة العقـد الرابـع مـن عمــره نحو سنة 1352هـ،1933م.
آثاره العلمية والأدبية:
خلف آثاراً ومخطوطات قيمة وقصائد كثيرة، لم يُحافظ عليها مع الأسف الشديد، ولم أجد له إلا قصيدة واحدة يرثي فيها حاكم البحرين الأسبق الشيخ عيسى بن علي آل خليفة المتوفى سنة 1932م، في كتاب (سبزآباد) مع قصائد أخرى في رثاء الشيخ عيسى بن علي للملا عطية الجمري، والأديب الحاج حسن بن علي العالي، والشيخ عبد علي الجمعة (رحمهم الله جميعاً) ، وكان مطلع قصيدته:
جرى القضا وجرى حتماً به القلم********فهل لنا اليوم إلا الصبر معتصم
قضـية من حكيم أحـكمت و لها********انقاد الورى كل موجـود له عدم
ذريته:
عقب الشيخ علي الحكيم ولدا واحدا في سنة 1928م، حيث توفي عنه وهو في سن مبكرة، ذلك هو الأستاذ أحمد الشيخ علي الحكيم (مراقب بلدية جدحفص سابقا) .. وقد نشأ في بيت الكامل تحت رعاية السيد جواد الكامل (رحمه الله) وتزوج بابنته، وهـو اليـوم عميد عائلة الحكيم في جدحفص، وأحد وجهاء المنطقة.
الشيخ عبد الله المدني
مولده ونشأته:
في واحة الورع والتقوى ودوحة العلم والإيمان (بيت الشيخ أحمد ابن حرز) ولد الشيخ عبد الله بن العلامة الشيخ محمد علي بن الحاج حسن بن الحاج محمد علي المدني عام 1358هـ الموافق لعام 1939م، ونشأ في ظل أسرتي (المدني وآل حرز) المشهورتين بالأصالة وعراقة المحتد، عاش مع والده مدة سبع سنوات والذي كان يربيه على تعاليم الإسلام المقدسة ويغذيه بمكارم الأخلاق العالية، ويغمره بحنانه ولطفه ورعايته الفائقة، وبعد وفاة الشيخ محمد علي (قدس) في عام 1945م، ترعرع في كنف والدته الفاضلة وخالته العالمة ابنتي الشيخ أحمد بن حرز، وفي هذه المرحلة حفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ الشريعة الإسلامية، وعرف في صباه بذكائه المتوقد، واتزانه وحسن تدبيره واعتماده على نفسه ووداعته وسكونه، ونقاوة إيمانه وشدة تمسكه بالفرائض والسنن الدينية، ولا غرو في ذلك فهو سليل المجد والتقى وثمرة من شجرة العلم والفضيلة.
دراسته في البحرين وحياته العملية الأولى:
التحق الشيخ عبد الله في حدود عام 1948م بمدرسة الخميس الابتدائية، وبعد حصوله على الشهادة الابتدائية اشتغل كاتباً للسجلات الصحية بدائرة الصحة ( مستشفى النعيم الحكومي )، وفي هذه المرحلة بدأ بإجهاد نفسه في الإطلاع على الثقافة الحديثة والمثابرة في فهم التيارات الاجتماعية والسياسية المعاصرة، ومع ذلك فقد اهتم أشد الاهتمام بالتحصيل العلمي الإسلامي، فدرس عند الشيخ باقر العصفور (ره) مقدمات الفقه الإسلامي، كما كان يتابع الكتب والمراجع الدينية والتاريخية واللغوية، ويعد المترجم من أبرز الشباب ثقافة وعلماً في هذه الفترة من حياته حيث مارس نشاطاً ثقافياً في الأندية الثقافية، ظهرت من خلاله مهاراته الخطابية والكتابية في المجالات الاجتماعية والسياسية والدينية، وشهد له زملاؤه بالتقدم والعصامية في فهم واستيعاب ومتابعة ما يصدر من كتب ومجلات على الساحة الثقافية العربية في تلك الفترة التاريخية.
دراسته في النجف وحياته العملية الثانية:
بعد حصوله على الشهادة التوجيهية بالانتساب عام 1967م، سافر إلى العراق ملتحقاً بكلية الفقه بالنجف الأشرف (التابعة لجامعة بغداد)، وبعد حصوله على البكالوريوس في اللغة العربية والشريعة الإسلامية مكث للاستزادة من التحصيل الفقهي الحوزوي، ثم عاد إلى البلاد في عام 1971م، فانتظم في سلك المحاماة، ثم تدريس الدين واللغة العربية للمرحلة الإعدادية.
في عام 1973م دخل المجلس التأسيسي (لصياغة دستور دولة البحرين) حيث انتخب عن منطقة قرى الريف الشمالي (الدائرة الرابعة عشرة الإنتخابية)، ثم انتخب عن نفس المنطقة عضواً في المجلس الوطني عام 1974م، وكان رحمه الله الشخصية الثالثة في المجلس إذ فاز بالتصويت من قبل الأعضاء بمنصب الأمين العام للمجلس.
وبعد انحلال المجلس الوطني عام 1975م استقل بالعمل الصحفي والاجتماعي الخيري العام والإرشاد والتوجيه الديني.
تأسيسه لمجلة المواقف الأسبوعية:
في عام 1973م أسس الشهيد المدني مجلة المواقف الأسبوعية، حيث صدر العدد الأول منها بتاريخ 24 / 9 / 1973م، وقد لاقت المجلة منذ صدورها قبولاً واسعاً واستحساناً كبيراً من عموم القراء والمثقفين في البحرين لتنوع مواضيعها السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية والرياضية، التي يكتبها نخبة من الصحفيين الأكفاء وعلى رأسهم (الشيخ الشهيد) بصفته رئيساً للتحرير، كما كان يكتب فيها بعض العلماء الأعلام حيث يتم طرح الموضوعات العقائدية والشرعية بالإضافة إلى مناقشة وإجابة المسائل الدينية التي ترد من القراء إلى المجلة .. وللعلم فإن هذه المجلة الغرّاء تعدُّ أول مجلة تصدر بعد الاستقلال المجيد .
أسلوبه في الكتابة:
عرف الشيخ عبد الله المدني في مقالاته الأسبوعية في مجلة المواقف بقوة منطقه وبعد نظره في التحليل السياسي والاجتماعي، معتمداً في صياغته لتلك المقالات على رصانة اللغة وجزالة الألفاظ ورشاقة الأسلوب العلمي المتأدب، وتميزت كتاباته بالمصارحة والجرأة في النقد الاجتماعي وتقديم الحلول العملية لأدواء المجتمع، وطرح القضايا العادلة بمنهج موضوعي بعيداً عن التجريح والمغالطة والتشهير، كما عرف بسعة ثقافته واطلاعاته عن طريق منهجه الواضح في الاستدلال العلمي والمنطقي في الرد على التيارات الشيوعية والماركسية والإلحادية السائدة في ذلك الوقت.
ونجد في مقالاته التنوع في أطروحاتها ومناسبتها لوقتها، ولم يترك موضوعاً فيه مصلحة للوطن والمواطن إلا أثاره بفكره النيّر وبعد نظره وحنكته الأسلوبية، بعيداً عن التملق والمزايدة والتفرقة، مستخدماً النقد البناء طريقاً مضيئاً بالمحبة والتآلف وجمع الكلمة.
لقد كتب في النور الواضح المشرق بالتفاؤل والأمل، وابتعد عن ظلام الازدواجية والوصولية في الفكر والعمل، فقدّم الاقتراحات والطلبات مُنطلقاً من الأسس العامة للعدالة الاجتماعية، ومن خصائص أسلوبه في الكتابة الصحفية التوثيق بالأدلة والحجج والبراهين، وأحياناً بالقوانين واللوائح، وأحياناً أخرى يلجأ إلى الرمز والسخرية الأدبية الهادفة. وكان التركيز على التنمية وإنشاء الخدمات العامة الصحية والتعليمية والاجتماعية في الريف وفي غيره من المناطق، والاهتمام بالعامل البحريني ورفع مستوى الأفراد الاقتصادي هو هاجسه وهمه الكبير في مقالاته المتنوعة، ولم يترك المناسبات الدينية والاجتماعية إلا وأطلق عنان القلم فيها بالتحليل الدقيق والعرض الموضوعي بلغة رصينة فائقة في البلاغة والوضوح.
وعندما رجعت إلى بعض النماذج من كتاباته في الفترة بين عام 1973 وعام 1976، وهبّت عليّ نسائم الشمال من عبق الماضي، وتذوقت نكهة الفكر الواعي الأصيل، ثارت في نفسي هموم وشجون، لكون هذا الفكر والطرح الهادف للأمور الاجتماعية والدينية تسلط عليه سيف الإهمال والنسيان، وبقى في حيّز الرفوف وطيّ الكتمان، فتساءلت أما آن الأوان لإعداده ونشره وإخراجه من ذل الأصفاد والأرسان؟، بحيث يجمع في كتاب واحد ليكون معلماً من معالم الفكر والأدب الصحفي البحريني، ويطّلع عليه الجيل الجديد ويستفيد منه كمادة فكريّة تاريخية وطنيّة.
أخلاقه ومناقبه الشخصية والاجتماعية:
عرف الشيخ (ره) في داخل البلاد وخارجها بالفضل والعلم والإيمان، والسماحة وعذوبة المنطق والخلق الرفيع، وقلة الكلام، وكثرة العمل، وشموخ النفس والإيثار، والنزاهة والأمانة، ورفع من شأنه في الساحة الاجتماعية نفسه الأبية المتواضعة المتفائلة، وعمله للخير بهدوء وإتقان وسرور واتزان، فهو بحق ابن بجدة زمانه ونادرة عصره وأوانه، وكما قال الشاعر :
حسبك الفخر بما قد نلته********من مزايا فاقت الدر نضيدا
فمن الزهد عفاف وتقى********بها كنت – بما تأتي – سديدا
ومن العلم يراع سائل********هادياً – ينشر وعياً – ومفيدا
ومـن التقوى نسـيج نـاصع********كنت منه في نقا القلب فريدا
ومن الحلم اتزان باهر********إذ تواضعت به نلت صعودا
ومن الحزم ذكاء وحجى********بهما احتالت لك النار جليدا
حيث أن الفضـل عـلـم وتقى********وصـلاح يحسـن الخـلق حميدا
نعم لقد كان لتلك المناقب والصفات النبيلة التي تجسدت في نفس الشيخ (رحمه الله) وحضوره الاجتماعي المستمر أثر كبير في تقدم وتنمية العمل الاجتماعي الخيري في حدود منطقته وخارجها.
دخل العمل السياسي بوعي وإدراك وسلامة ضمير وثقافة عالية، فلم تزل قدمه في المزالق، ولم يتبع الأهواء والترهات، ذلك أنّ الممكن السياسي لديه هو الذي يحقق الخير والرّفاهية للناس، دون أن يخالف الشرع الإسلامي والأخلاق والأعراف، واتخذ من السياسة جسراً يعبر به إلى ضفة الخير والأمان والبذل والعطاء والتنمية الاجتماعية وليس للمنافع الشخصية الذاتية.
ولذلك نرى أن الشيخ كان يضحي بوقته وراحته ويسهر على راحة من أولوه الثقة وانتخبوه ممثلاً عنهم، وكان لا يرجو من ذلك إلا ثواب الله سبحانه وتعالى ونفع عباده، مع اشتماله على الخصاصة والحاجة، فكان يؤثر حاجة غيره على حاجته، حتى استشهد وهو لا يملك إلا بيتاً صغيراً متواضعاً جداً.
وكان (ره) من الشخصيات القريبة إلى قلوب الناس، حيث وجدوا فيه نفساً نقية طاهرة كطهارة الغيث الهاطل من السماء، فقد كان لحضوره الدائم مذاق خاص في المناسبات الاجتماعية من خلال مشاركته للناس في أفراحهم ومواساتهم في أتراحهم وأحزانهم، وكان يحرص على الحضور للمشاركة في مواكب العزاء والاحتفالات الدينية.
من إنجازاته الاجتماعية:
أنجز العديد من المنافع المادية لأصحاب طلبات الخدمات الإسكانية والهبات الأميرية لمنطقته الانتخابية وغيرها من المناطق، وكان أعداد من المواطنين من دائرته الانتخابية يردون منزله باستمرار، فيجلس معهم ويستمع إلى مشاكلهم، ثم يرفع طلباتهم إلى المسئولين في الدولة، وبوجاهته ومتابعته الشخصية حصل الكثير منهم على قسائم ووحدات سكنية.
وحينما أعطت الدولة الموقرة الضوء الأخضر للتنمية الشاملة في البلاد، من خدمات صحية وتعليمية وثقافية واقتصادية وإسكانية، ولما كان طموح الشهيد المدني هو التنمية وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية والإسكانية لمنطقة الريف، كان الشيخ شعلة من النشاط والتحرك مع أصدقائه في هذا الاتجاه الحضاري مع المسئولين في الدولة في تلك الفترة، حتى أثمرت تلك الجهود بإنشاء الدولة الموقرة لمشاريع متعددة في المنطقة كالمركز الصحي ومشروع بيوت الإسكان – حوالي مائتي وحدة سكنية – التي وزعت على المواطنين من ذوي الدخل المحدود، واستقبل الشيخ عبد الله (رحمه الله) الخبير التعاوني -الهندي الجنسية- في نادي جدحفص، حيث ألقى محاضرة باللغة الإنجليزية حول العمل التعاوني وأهميته، وكان الشيخ يترجم كلامه للحضور، وأثمرت تلك التحركات والمتابعة مع المسئولين في وزارة العمل والشئون الاجتماعية عن تأسيس جمعية جدحفص التعاونية الاستهلاكية، حيث كان أول المؤسسين لها، وأول المساهمين فيها.
علاقته بعلماء عصره:
احتفظ شهيدنا (ره) بعلاقات ممتازة مع أعلام عصره من العلماء والمثقفين الواعين، وكان يقدر ويحترم العلماء من جيل الروّاد مثل أصحاب الفضيلة / الشيخ منصور الستري، والشيخ باقر العصفور، والشيخ إبراهيم المبارك، والشيخ أحمد العصفور، والسيد جواد الوداعي، والسيد علوي الغريفي، والشيخ عبد الحسن آل طفل، بالإضافة إلى الأعلام الذين زاملهم أثناء دراسته في النجف الأشرف، وحريّ بنا أن نذكر علاقته الخاصة والمميزة مع أخيه فضيلة العلامة الشيخ سليمان المدني، إذ لم تكن الأخوة النسبية والنشأة الواحدة أو المنهل والتوجه الواحد هي التي حددت العلاقة الحميمة بينهما، وإنما ازدانت تلك العلاقة بالأخوة الإيمانية وتوّجت بأخوة درب ذات الشوكة الذي اختطاه وعاهدا الله تعالى عليه في تبليغ الأحكام الشرعية بأمانة وإخلاص، والدفاع عن العقيدة والشريعة الإسلامية في مواجهة التيارات الشيوعية والإلحادية، ومحاربة الفساد والانحراف الخلقي، وخدمة المجتمع والعمل للصالح العام، مستنيرين بنور العلم والإيمان ومستندين على ركن وثيق من الورع والتقوى.
وكان للتشاور وبعد النظر ووضوح الرؤية وسلامة الضمير في شخصيتهما، أثر كبير في سلامة مواقفهما من التيارات السياسية والثقافية التي ظهرت في الساحة الاجتماعية ودفع عجلة العمل الديني والنفع الاجتماعي في المنطقة وغيرها.
من جهة أخرى كان العلماء يكنّون لزميلهم في العلم كل الحب والاحترام ويقدرون فيه نزاهته وأمانته وإخلاصه لدينه ووطنه ومجتمعه.
حياته الزوجية:
تزوج المترجم له (قدس) بكريمة السيد هاشم بن السيد حسين بن السيد نور الدين آل شرف التاروتي البحراني من سكنة ضاحية النعيم بالمنـامة في 10/5/1384هـ ( الموافق 1965م )، وأثمر هذا الزواج المبارك عن أربعة من البنين وثلاث من البنات. ومن أولاده الأستاذ حسن المدني، مدرس اللغة العربية للمرحلة الثانوية، والصحفي في مجلة المواقف الأسبوعية، والشيخ عقيل المدني أحد طلبة العلوم الدينية، والأمل معقود عليهما في السير على خطى والدهما في رحاب العمل الثقافي الإسلامي والاجتماعي الخيري.
آثاره العلمية: بالإضافة إلى المقالات الأسبوعية في مجلته والتي تعتبر من الإثار العلمية المهمة ذات القيمة الفكرية العالية لفضيلته (رحمة الله عليه)، فقد صنّف بحثاً راقياً بعنوان "المرأة في الإسلام"، وما زال هذا البحث مخطوطاً، وقد نشر منه عدة مواضيع في مجلة المواقف، ونتطلّع إلى يوم صدوره كتاباً.
استشهاده:
استشهد الحاج الشيخ عبد الله ابن الشيخ محمد علي المدني (رحمهما الله) في 27/11/1396هـ الموافق 19/11/1976م، حيث غدرت به ثلة من اليساريين الموتورين فاختطفته في جنح الظلام، وكان عازما على السفر إلى حج بيت الله الحرام، ثم زيارة الرسول الأكرم (عليه وآله أفضل الصلاة والسلام) فاغتالته شهيدا في الصحراء والناس نيام، وتركت قلوب أهله وذويه محترقة مكلومة لفقده واستشهاده في تلك الظروف المأساوية العصيبة، وعزّ على المؤمنين في أرجاء البحرين أن يموت هذا الرجل المؤمن المخلص لدينه ووطنه غدراً على يد طغمة فاسدة حاقدة من الشيوعيين، وكان العلماء قد لزموا الفاتحة وعلى رأسهم أخو الشهيد سماحة العلامة الشيخ سليمان المدني، ولقد هزت هذه الفادحة البحرين بأسرها وخيم الحزن والأسى والتألّم على جميع مدنها وقراها، وشاركت في مراسم الفاتحة والتعزية جميع الطبقات من المسئولين في الدولة وعدد من سفراء الدول، والعلماء والمثقفين من الخارج والداخل، وانهالت البرقيات من علماء الدين في النجف ولبنان على عائلة المدني للتعزية والمواساة.
ومن رثاء الشهيد السعيد، هذه المقاطع من قصيدة السيد محمد صالح الموسوي:
سرت عبد الله للروح شهيدا********جئت محمودا وودعت حميدا
جئت للدنيا فما ارتحت بها ********غير أن تبني لك المجد تليدا
كل من يزرع لؤما أو ندى********صار في الذكرى لما اختار حصيدا
وأخو ذكرى الثنا حتى ولو********غاب فقدا لست تلقاه فقيدا
كشهيد الحق عبد الله ان********غاب عنا فهو ما زال شهيدا
إن صوت الحق لا يخرسه********القتل بل يطلقه القتل شديدا
إن سيف الفكر لا يثلمه ********الضرب بل يشحذه الضرب حديدا
كلمة الله هي العليا ومن********ردها رد على الأعقاب جيدا
كتب الله لمن ينصره********كل نصر قام أو غاب بعيدا
فـاهن عبـد الله بـالمجد الـذي********لم تزل فيـه مـدى الدهـر مجيدا
إن صرحا شدته باسم الهدى ********ولواء رفّ فيه لن يحيدا
لـم تـكـن أمّلت فيـما شـدته********غير نـشر الوعـي و الدين مشيدا
حفل الأربعين:
أقيم احتفال كبير في جامع جدحفص بمناسبة ذكرى الأربعين لاستشهاده، ألقيت فيه الأحاديث والكلمات والقصائد التي أشادت بشخصية الفقيد، وعرضت قضيته العادلة، وجهاده وصراعه مع التيارات الإلحادية، وإيمانه وورعه وصبره ومعاناته في خدمة الدين والمجتمع.
ألقى فيه سماحة العلامة الشيخ سليمان المدني كلمة بدأها قائلاً: "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله يتقبل من الصالحين، ويرفع المجاهدين، ويعلي كلمة الدين، والسلام عليكم آبائي وإخواني جميعاً ورحمة الله وبركاته.
أخي يا عبد الله، ما كنت أود أن أقف هذا الموقف في يومٍ يكون فيه التأبين لك، وإن كنت لا آسى على قتلك، ولا أحزن لذهابك … ، وهل آسى أن يرفع الله درجة أخي حتى يقف مع الأسلاف الطاهرين، من الأنبياء والصديقين، والشهداء والصالحين، وهل أحزن أن يكون أخي علماً في معالم طريق النبوة، فهذا هو ديدن الدعاة إلى الله، أكثر من مائة ألف من الأنبياء قلّ منهم من مات على فراشه، كلهم تجرعوا الموت الزؤام بيد الضالين، وما مدّوا إلى قاتليهم يداً تريد القتل. منذ أن اختلف أول رجلين على هذه الأرض بعد أبينا آدم، قال الذي هو صاحب الشيطان لمن وقف مع الله: (إنني أريد أن أقتلك)، فماذا أجابه أخوه الصالح؟، قال له(لإن بسطت يدك إليَّ لتقتلني فما أنا بباسطٍ يدي إليك لأقتلك))، فمن يدعو إلى الله لا يريد للمدعو أن يقتنع عن طريق الإكراه، فالإكراه ليس وسيلة من وسائل الإقناع في يومٍ من الأيام، وحتى الشعوب التي وقعت تحت نير الطغاة المستبدين فأكرهوها على عقيدة ما، ما فتأت أن انقلبت على أولئك الطغاة وعادت إلى ما كانت عليه من العقيدة الصحيحة، أو العقيدة التي تركوها على الأقل، فطريق الأنبياء لم يكن طريق القتل والفتك، وإنما طريق الدعوة بالحكمة، وطريق الحجة والبرهان، أما الشيطان فهو لا يملك حجة، ولا يستطيع أن يقيم برهاناً، والشيطان وقد يأس من الآخرة فهو يظنُّ أنّ كل الناس يخسرون عندما يفارقون هذه الحياة كما يخسر هو، فيحاول أن يثبت الحجة ويظهر البرهان بتصفية البدن، وطمر الجسم، ولكن الأفكار والمبادئ والعقائد لا تصفَّى مع تصفية الأبدان والأجسام، بل تبقى خالدة، وهذه هي نقطة الوهم في طريق الشيطان، ولا أعجب يا أخي يا عبد الله أن تقتل على أيدي الملاحدة من الشيوعيين، فلقد أبصرت بعيني من فظائع الشيوعيين في غير هذه البلد أن أَفْنَوْ قرىً بكاملها … ".
وقال في آخرها: " وأنا أحمد الله سبحانه وتعالى أن رفعك إليه وأصعد بروحك نحوه وجعلك من الشهداء الذين قال الله سبحانه فيهم أنهم ليسوا بأموات وإنما هم أحياءٌ عنده يرزقون.
وأشكر الذين واسَوْنا ، … ، وتعزَّوْ بعزاء الله فيه، من المؤمنين ممن حضر هذا المكان ومن لم يحضر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ".
وكان للشيخ عباس الريّس ( ره ) قصيدة طويلة منها هذه الأبيات:
أَأبا عماد كفا بذلك نكبة********فالملة الغرَّى بمثلك تنكبُ
قسماً بقانيك المتين********وإنَّه قسمٌ عظيمٌ إذ يسيل و يسكبُ
وبكلّ جرحٍ من جراحك صاغرٌ********يوري الجناة بثورةٍ تتوثبُ
وبمنبرٍ متوثّبٍ فكأنّه********عذبٌ يلوح به الرّدى إذ يكتبُ
أو ماردٍ ينقضُّ من أفق السَّما********حمماً يسيل وجذوةٌ تتلهّبُ
إن يقتلوك وهم أراذل أمَّةٍ********حادوا عن النّهج القويم وكذبوا
فالشمر قد قتـل الحسـين و قبلـه********بحسامِ نذلٍ شيب حيدر يُخضـبُ
ءَأبا عماد وفي الأضالع حسرة********ماذا أقول إذا استحال المطلبُ
إن يقتلوك فقد قتلت بموقفٍ********هو في المواقف ماثلٌ متأهِّبُ
هذّمت ما شادوا وشيّدت الذي********هدموا بتصميمٍ وعزمٍ يَكتبُ
لا تحسبنّ الجرح جرحاً واحداً********فالكلُّ في جزعٍ يُعَدُّ ويندبُ
لا نندب الجسم النّحيل ولم نكن********نبكي لأحداثٍ تروحُ وتذهبُ
ما أنصفوك وقد أقمتَ بِمَرْقَمٍ********حججاً يُهَدُّ لها الأشمُّ الأخشبُ
وأقمت بالحقّ الصُّرَاح موائلاً********والحقُّ يقهر للأنام ويُغضِبُ
ونذرت نفسـك للعقـيدة معـلنـاً********إنَّ العقيـدةَ حقُّـها لا يُســلبُ
وجراح عبد الله تلك جراحنا********ودماه تلك دماؤنا إذ تَشْخَبُ
هيهات ثارك لا يضيع وإنَّما********لليمِّ عند أولي السَّفين تحسُّبُ
فتراه من قبـل الهــياج سـكونه********يُغْري ولكـن بعـده لا يُعقِـبُ
نحن الأولى عقدوا على وجه العلا********وَسْماً يذلُّ له الكَمِيُّ الأصعبُ
وتغنَّـت الدنيـا بخـالد مجدنــا********والمجد عن أهليهِ سوفَ يُجَنَّـبُ
وألقى المرحوم الشاعر جعفر مسعود سند قصيدة، منها:
يا فؤادي انفطر وذب باحتراق********واسل ناظري دَمَ الأماق
واتركي للسرور يا نفسي إني********قد دهاني المصاب في الأعماق
حادث قد أصابنا ودهانا********عمّ كل البلاد في إطباق
فأوال قد خيّم الحزن فيها********حيث نعيٌ أتى لدمٍ مراق
أي خطب مروّع كان هذا********صيّر الناس في أسى الإقلاق
ذُهل الناس ضمن صمت مميت********فأصيبوا بحادث الإصعاق
فخيوطٌ قد أنسجت في خيوطٍ********سمُّ أفعى قد عُدَّ للإزهاق
وخيوط التدبير للقتل كانت********في خيوط لليلة الإرهاق
ليلة بالها بوابل همٍّ********جرَّعتنا المصاب مرَّ مذاق
ليلـة لا أعـاد ربـي مسـاها********فهي مسـت نفوسـنا بمحـاق
يا أخا المجد يا كريم المزايا********يا عفيفاً وطيب الأعراق
زانك القتل حيث رحت شهيدا********تبتغي الفوز في أعز المراقي
كنت بالحبر قد خططت سطوراً********وصداها لدى المواقف باقي
ورأيت التسطير بالحبر ضعفاً********لا يفي من طموحك الخلاّق
فبذلت الدمـاء تكتـب مجـداً********في صحافٍ تجـوب للآفـاق
الشيخ عبد الحسن آل طفل
نسبه ومولده ونشأته:
هو الشيخ عبد الحسن بن سلمان بن مكي بن عبد الله بن عبد النبي التوبلاني، ولد في قرية توبلي بالبحرين نحو سنة 1321هـ، الموافق لعام 1904م، عاش مع أبيه الحاج سلمان بن مكي في قرية توبلي في صباه، ولضيق أحواله المعيشية هاجر أبوه إلى إمـارة أبو ظبي فترعرع الشيخ في كنف أبيه الذي رعاه ورباه على التمسك بالتعاليم الإسلامية ومحاسن الأخلاق وحب الخير، ولما توفي والده (رحمه الله) رجع إلى أرض مولده البحرين متزوجا، وسكن في قرية جدحفص لوجود أقارب له من عائلتي الحمّار والفردان فيها، ولأن الشيخ محمد علي المدني نصحه بالرجوع إلى البحرين ووعده بتدريسه للعلوم الدينية عندما التقى به في أبو ظبي أثناء زيارته لها في إحدى السنين من عقد الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي، وقد امتهن عدة مهن لينفق على أسرته، منها خياطة العباءات (البشوت) والوساطة في تجارة اللؤلؤ، والخطابة الحسينية، إلا أن الفقر كان الميزة العامة لحياته في سن الشباب وما بعده لدرجة أنه لم يملك بيتا إلا بعد مدة طويلة من عودته إلى البلاد، وقد قاسى من ضنك العيش وشدة الحال الأمرّين إلى أن اشتغل بتجارة العقارات وفتح الله عليه أبواب الرزق الوفير ومنّ عليه سبحانه وتعالى بالغنى والجاه ورخاء الحال.
دراسته وأساتذته:
كان أبوه معلما للقرآن الكريم ولذلك صار أستاذه الأول فعلمه القراءة والكتابة وتلاوة القرآن الكريم، وبدأ في إجهاد نفسه في القراءة والمطالعة حتى دخل في سلك الخطابة الحسينية، حتى صار بعد ذلك من كبار الخطباء. ولما رجع إلى البحرين، تتلمذ على يد كبار علمائها منهم العلامة الشيخ محمد علي المدني، ثم التحق بالمدرسة الدينية التي أسستها دائرة الأوقاف الجعفرية بالمنامة سنة 1356هـ ـ 1937م، وتتلمذ على يد الشيخ عبد الله محمد صالح آل طعان والشيخ باقر العصفور، والشيخ عبد الحسين المميز ـ قاضي محكمـة التمييز ـ المتوفى سنة 1375هـ، وكان من زملائه في الدراسة الشيخ منصور الستري، والشيخ أحمد بن خلف العصفور، والشيخ عبد الله المصلي، والملا أحمد آل زينه وغيرهم.
وكان يسافر إلى النجف وكربلاء بالعراق كل عام لزيارة الأئمة عليهم السلام لمدة شهرين أو أكثر وللاطّلاع والاستزادة العلمية وزيارة العلماء الأعلام للاستفادة منهم في الشؤون الدراسية والعملية، وقد نال الشيخ عبد الحسن ثقة آية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قدس)، وقد أجازه في نقل فتاواه إلى المؤمنين، وأن يتسلم الحقوق الشرعية من مقلديه، وكانت إجازته في عام 1376هـ. وفي السنين المتأخرة ضعفت صحته وزادت مشاغله الدينية والاجتماعية والتعليمية فلم يستطع السفر إلى تلك الوجهة على عادته.
أخلاقه وعبادته وزهده:
كانت له نفس بسيطة ترفعها الأخلاق الراقية، إن عاشرته لا تملّ عشرته، وإن جالسته غمرك بدماثة خلقه وملاطفته، مازلت أتذكره وهو يسير ومن خلفه الرجال والشباب والصغار تسير، مظهرين بذلك الهيبة والإكبار لرجل الدين والخلق الرفيع، وكان من عباد الله الصالحين المداومين على النوافل والمستحبات طوال حياته، وعند حلول الفجر من كل يوم يسمع له دعاء وأذان للصلاة تخشع له القلوب وتسر له الآذان بصوت جميل وأسلوب فائق في الترتيل.
ولقد حاز على الزهد بطرفيه، فهو لم يفرح بما أتاه ولم يأسف على ما فاته فعند ما كان فقيرا معدما لم يسأل الناس إلحافاً فصبر وشكر، وعندما أتته الدنيا بنعيمها وغمره الخير والغنى شكر ربه ولم يبطر، فأعطى بلا حدود واستغل ما عنده من جاه في فعل الخيرات والمبرّات، إذ كان لا يفكّر في ملذات الدنيا ولا يتبعها بل توجّهه إلى الجليل جل جلاله، ولذلك أحيطت شخصيته بالإجلال والاحترام من عامة الناس، ولما وجدوا فيه من شدة الإيمان والتقوى والورع والنزاهة والكرم والجود والرزانة، وطيب المعشر ونقاوة الضمير، وتمسك بالسنن ومكارم الأخلاق.
ولايته الشرعية:
تولى الشيخ عبد الحسن إقامة صلاة الجمعة والجماعة وصلوات الأعياد والآيات والأمور الحسبية والوعظ والإرشاد والوظائف الشرعية الأخرى، بعد وفاة أستاذه الشيخ محمد علي المدني، في عام 1364هـ، 1945م، ولم يدخل في سلك القضاء الرسمي، ولكنه كان مأذونا شرعيا لعقود الزواج وإيقاع الطلاق، وله جهود جبارة في إصلاح ذات البين وحل الخلافات العائلية والزوجية.
وتعدّ ولايته الشرعية أطول ولاية شرعية في تاريخ علماء هذه المنطقة إذ استمرت حوالي نصف قرن من الزمان وقد وُفّقَ رحمه الله في إقامة الجمعة على الرغم من عدم بلوغه درجة الاجتهاد دون عوائق اجتماعية أو شرعية، ذلك لأن الأهالي من ناحية اجتماعية يكنون الحب والاحترام لكـل عالم صالح عامل، ولا شك أن الشيخ من العلماء الصالحين العاملين العدول، ومن جهة أخرى فإن إقامة الجمعة واجبة عليهم شرعا وقد توفرت شرائطها، ذلك لأن غالبيتهم وأكثر سكان الأرياف المجاورة لجدحفص يقلدون الشيخ يوسف صاحب (الحدائق الناضرة) وحكمه في صلاة الجمعة (الوجوب العيني في زمن غيبة الإمام المعصوم)، وكما ورد عنه قوله المشهور ((من صحّت جماعته صحت جمعته مع القدرة على إنشاء الخطبتين)) فلم يشترط فيمن يقيمها الفقاهة.
والشيخ عبد الحسن نفسه من مقلدي صاحب (الحدائق الناضرة) مما سهل عليه إقامة الجمعة وحضور عدد كبير من المصلين ازداد على مر السنين حتى اضطرت دائرة الأوقاف الجعفرية لتجديد بناء الجامع في عام 1376هـ، وتوسعته في عام 1400هـ، ولقد سار على نهج أستاذه الشيخ المدني في طريقة الخطب الوعظية والإرشادية وتركيز العقائد في النفوس بأسلوب السجع واختيار الكلمات المؤثرة التي تذكّر الناس بالآخرة والحساب العسير في يوم القيامة، بالإضافة إلى التركيز على تلاوة الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام في ثنايا الخطب التي يتلوها الشيخ بطريقة سلسة وحزينة وبصوت جميل جذّاب تخشع له القلوب وتذوب، وأصبح كذلك مرشدا للحجيج لأكثر من ربع قرن أي منذ أن تكونت قوافل الحج البحرينية الرسمية، وكـان مرشداً لحملة الحـاج عبد العزيز الشهابي الدرازي ولم يترك الإرشاد للحج والعمرة إلا بعد أن ضعفت صحته.
طريقته التوفيقية ومشاركاته الاجتماعية:
أثناء تحمله المسؤولية الشرعية تمسك برسالة العالم الحقيقية واستعد لأن يسخط الناس إذا كان الله راضيا، إذ إن المبدأ عنده هو تطبيق الحكم الشرعي ما أمكن وعدم مخالفة الأحكام الشرعية فهو لم يطلب العلم للمماراة ولا من أجل الزعامة والرئاسة ولا من أجل توجيه الأنظار إليه، ((وكل من عرف الشيخ رحمه الله عرف بأنّه أبعد من أن يحب أن تخفق النعل من خلفه لأن خفق النعل حالة خطيرة جداً إذا لم تواجه نفسا قوية وإيمانا صلباً وذاتاً لا ترى نفسها يمكن أن يكون خفق النعل مزلقة لتدمير الأمة وطريقاً إلى تقويض وجودها وكيانها وكل من عاش مع سماحة الشيخ الراحل يدرك إدراكا واضحا مباشرا بأنه يجسّد شخصية العالم الذي يبلّغ الحكم الشرعي دونما حبٍّ في الرئاسة أو طمعٍ في الدنيا، ولذلك عاش نقياًّ تقلبت الأدوار السياسية وظل ثابتا لم يتغير )).
فظل يتمسك بشرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإذا توافرت الشروط قام بهما، ولكن خارج حدود ما تجتمع به الشرائط يتوقف حتى لا يتسبب في ضرر نفسه أو ضرر غيره، واتبع سيرة العلماء من قبله الذين يُحكّمون الشرع في منهج العمل الاجتماعي ويبنون المواقف الاجتماعية والسياسية عليه.
ومن جهة ثانية فقد كانت أوقاته مخصصة للمشاركات الاجتماعية مثل زيارة المرضى والعائدين مـن الأسفار وخاصة أسفار الطاعة (الحج والعمرة وزيارة العتبات المقدسة) وتلبية دعوات المؤمنين في الأفراح، والحضور إلى الفواتح ومواساة المؤمنين في أحزانهم.
بالإضافة إلى مجالسه اليومية المرتبة أسبوعيا في المنطقة وما جاورها من القرى يزور فيها بيوتـات المؤمنين ويجتمع بهم في مجالسها، يرد على المسائل الدينية، وتحكى فيها النوادر والأشعار والآداب وغيرها، كذلك احتفظ بعلائق طيبة مع علماء عصره مثل أصحاب الفضيلة / العلامة الشيخ إبراهيم المبارك، والعلامة الشيخ باقر العصفور، والشيخ منصور الستري، والشيخ أحمد بن خلف، والسيد علوي الغريفي، والسيد جواد الوداعي، والسيد هاشم الطويل، وغيرهم من العلماء والخطباء ولا سيّما: نجل أستاذه سماحة العلامة الشيخ سليمان المدني الذي احتفظ معه بعلاقة طيبة اتسمت بالمثالية في الاحترام والتشاور والتعاون في الأمور الدينية والاجتماعية.
كرمه وعطاؤه:
اشتهر الشيخ عبد الحسن بكرمه وكثرة عطائه، حتى امتدّت خدماته الجليلة وأياديه البيضاء إلى القاصي والداني من أبناء بلده، ولم يسمع عنه أنه ردّ فقيرا أو سائلا قط. وبالخصوص طلبة العلوم الدينية وفقراء السادة من نسل الرسول (ص)، وكان عطاؤه وبذله في السر في كثير من الأحيان كما تبين ذلك بعد وفاته عندما صرّح بعض المحتاجين بأن الشيخ كان يجري لهم رواتب شهرية مجزية في حياته.
لقد عمّر كثيرا من المساجد والمآتم، سواء من أمواله الخاصة أو بتوسطه، من ذلك بناؤه لمأتمه المسمى باسمه قرب منزله، والذي مازال منارة من منارات أهل البيت عليهم السلام، وتأسيسه لمأتم الشاري في أواخر الأربعينات من القرن الميلادي بالتعاون مع الحاج علي بن عبد الرحيم، وتوسطه لبناء مسجد مدرسة الصادقي، وإعادة تعمير مسجد محسن (في فريق الصاغة) على نفقته الخاصة، وكذلك عمّرها أي (المآتم والمساجد) بالحضور الدائم والبذل والعطاء.
وقد أكثر من فعل الخيرات والمبرّات مثل كفالة الأيتام وبلّ الندى بالتبرعات العينية والنقدية، والتبرع للمحتاجين بعد أداء فرض الجمعة، إذ كان يصعد على المنبر بعد الفراغ من صلاة الجمعة، ويدعو المصلين للتبرع لفقير أو عمارة مسجد أو تزويج شاب أو علاج مريض أو بناء دار، ثم يبدأ هو نفسه بالتبرع، ويدور ثلة من رجاله لجمع المال مهما قلّ أو كثر وحسب الاستطاعة، وبعد ذلك يعطيه صاحب الحاجة، وهكذا بشكل أسبوعي.
مدرسته:
من دواعي الحرص التام من قبل فضيلته على تعليم المؤمنين أحكام دينهم الحنيف، قام رحمه الله بإنشاء مدرسة لتدريس العلوم الدينية اشترى أرضها وشيّد بناءها على حسابه الخاص، وأوقف لها الوقوفات لتحسين وضعها المالي واستقراره، وباشر هو بنفسه الإشراف وتدريس طلبة العلوم الدينية للكبار والصغار، ولقد تم افتتاح هذه المدرسة في 27رجب عام 1386هـ ـ 1966م، وكان حفل افتتاحها رائعاً إذ تكلم فيه الخطباء وأنشدت القصائد من قبل الشعراء ومن الذين حضروا الافتتاح الأديب الأستاذ الشاعر منصور الشهابي المتوفى سنة 1389هـ، وولده الأستاذ الشاعر عبد الواحد منصور الشهابي المحاضر بكلية الآداب جامعة البحرين ( سابقا ).
وكان من بين الشعراء الملا محسن بن سليم السهلاوي ، صاحب ديوان (شعلات الأحزان) باللهجة العامية، والذي أنشد رحمه الله قصيدة مادحـا فيـها
الشيخ عبد الحسن ومشيدا بمشروعه التعليمي، من ضمنها هذه الأبيات:
لا سيـما من بنى للدين مدرسـة********وذاك همـته من أعـظم الهـمم
أعني به شيخ جدحفص وفاضلها********خطيب مسجدها المعروف بالشيم
ومازالت هذه المدرسة منارة للدين منذ يوم افتتاحها إلى الآن، وقد طورت على مر السنين وزاد عدد طلابها من المتفرغين وغير المتفرغين.
وكان التعليم فيها صباحا وعصرا وليلاً في السنين الأولى لافتتاحها، فهي للطلاب والموظفين والعمال والمزارعين، ولم يحرم الشيخ عبد الحسن من دخولها والانتفاع منها أي شخص مهما كانت منزلته الاجتماعية، فهذا يتعلم القرآن وذاك الحديث وآخر النحو والعربية والفقة وآخرون يطّلعون في المكتبة على المعارف والحكم والمجلات العلمية والفقهية والأدبية.
وكاتب هذه السطور، ممن عاصر ذلك العهد الزاهي بالنشاط التعليمي والمليء بالحماس والشغف بالتعليم والتعلّم، وهو أحد المتخرّجين منها، إذ تعلم قراءة وتلاوة القرآن الكريم على يد الحاج علـي السنابسي، في الفترة ما بين عام 1390هـ/1970م إلى عام 1391هـ/1971م، وكانت المدرسة بحق خلية علم ونفع للطلاب، فقد كان الشيخ عبد الحسن يدرّس الخطباء النحو والعربية والفقه، والبقية تدرس وتُدرِّس القرآن الكريم والحديث والنحو كل على حسب طاقته وإمكانيته ولكل من رغب في التعليم والتعلّم ، وكان الشيخ يبذل للمدرسين وللطلاب المكافآت النقدية من أمواله الخاصة ومن الحقوق الشرعية.
ومازالت ذكرياتها الجميلة محفورة في الذهن والوجدان، وتكونت لي صداقات حميمة مع زملائي في الدراسة في تلك المدرسة الذين مازلت أعرفهم من عدة قرى.
وفي الثمانينات دعم الشيخ المدرسة بالوقوفات الكثيرة، ورفع من العطاءات والرواتب للمدرسين وللطلاب، وأضاف عدداً من الغرف الدراسية ببناء الدور الثاني للمدرسة، وقسمها إلى فترة صباحية للطلبة المتفرغين للعلوم الدينية (طلبة العلم الديني) وفترة مسائية للطلاب الصغار من (طلاب المدارس الابتدائية والإعدادية الحكومية) لتعليم القرآن ومبادئ الفقة والتاريخ الإسلامي، والعقائد، وعين مشرفاً للفترة الصباحية، ومشرفاً آخر للفترة المسائية، وأنشئت هيئة إدارية للإشراف على المدرسة وسير التعليم الديني فيها وضبط الواردات من الأوقاف والتبرعات، والمصروفات العامة لها ولنشاطها بشكل عام.
من أساتذة المدرسة في الفترة الصباحية :
– الشيخ عبد الحسن آل طـفـل .
– الشــيخ ســليمان المدنـي .
– الشيخ منصور حماده .
– الشـيخ محمد صالح العريبي .
– الشيخ حسين الجزيري .
– الشـيخ محـمـد الســاعـي .
– الشــيخ كـاظـم الحــواج .
– الشـيخ حـسـن البــاقـري.
ومن أساتذة المدرسة في الفترة المسائية:
– الشيخ حسين البلغه .
– الشيخ جعفر الشارقي .
– السـيـد جـمـيـل القـصـاب .
– الشيخ عبد الله المختار.
– الشيخ محـمد باقـر الحـسـن.
– الأســتاذ حســين الزيمـور.
ومن الخطباء الذين درسوا عند الشيخ عبد الحسن العلوم الفقهية:
– الشـيخ حـسـن زيـن الديـن.
– الشيخ أحمد أبو العيش.
– السيد جعفر السيد علي الكربابادي.
– المرحوم الشـيخ جعفر الشاخوري.
– الشـيخ حـسـن البـاقـري.
– ملا عبد الرسول السـهـلاوي.
– الشـيخ منصـور حــمــاده.
ومن حرص الشيخ على استمرارية أداء المدرسة في خدمة المؤمنين فقد أوصى (( بأن يتولى شرعا هذه المدرسة بعد وفاته سماحة العلامة الشيخ سليمان المدني ثم للصالح من أهل جدحفص )).
أما الآن فقد صارت تلك المدرسة أكثر فعالية في الدراسة والتنظيم في الفترتين الصباحية والمسائية ويوجد الآن فيها من المدرسين والطلاب ما يبشر بالتقدم والازدهار، وتم وضع نظام الامتحانات تحت إشراف مدرسين أكفاء، ووصلت الدراسة الفقهية بها إلى السطوح العليا ووضعت لها برامج علمية ومقررات فاعلة بالتنسيق مع الحوزات الأخرى في البلاد بالإضافة إلى تحسين أوضاع الطلاب المعيشية برفع الرواتب والمعونات الشهرية ومراقبتهم في سير دراستهم وسلوكهم العام في الحياة الاجتماعية.
مدرسة الشيخ عبد الحسن في التاريخ:
تُعدّ هذه المدرسة الدينية الأولى من نوعها بعد النصف الثاني من القرن الرابع عشر على مستوى البحرين بالنسبة للإمامية ، بعد اندراس المدارس الدينية وتحوّلها إلى خرائب ينعق فيها البوم وتندب قاطنيها لوحشتها بعــدهم.
كما قال الشاعر:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا********أنيـس ولـم يسـمر بمكة سـامر
قال الشيخ إبراهيم المبارك تحت عنوان "المدارس الدينية في البحرين"، (( وفي عصرنا أسست الحكومة (عام 1356هـ) في المنامة مدرسة دينية تتولى رعايتها دائرة الأوقاف الجعفرية … إلى أن قال ثم انحلّت وحولت إلى إيفاد فرقة من الطلبة إلى النجف )). (( وفي عصرنا الحاضر شُيّدت مدرسة واحدة في جدحفص بتوسط الشيخ عبد الحسن آل طفل وقد افتتحت في 27رجب سنة 1386هـ )).
موقفه من التيارات والأوضاع الاجتماعية الحديثة:
تسلم الشيخ ولايته الشرعية في المنطقة في وقت انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م، وبدأت الناس في البحرين تنتعش اقتصادياًّ وانفتحت الأرزاق في المجال الحكومي وشركة (بابكو) التي ضمّت أكبر عدد من العمّال، وبدأت وطأة شح المواد الغذائية تخفّ، وتنفس الناس الصعداء، ولكن هذا التطّور الاقتصادي والإداري في المجتمع صاحبته أوضاع اجتماعية شكلت تحدٍ للمصلحين وشيوخ الدين، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
ظاهرة انتشار لعب القمار في الريف : في نهاية الأربعينيات وفي بداية الخمسينيات انتشرت ظاهرة في المجتمع الريفي بين بعض الشباب ألا وهي ظاهرة لعب القمار (الفصوص) كما هي تسمية الأهالي، وبرغم محاربة الحكومة لهذه الظاهرة لمخالفتها للقوانين، فقد ازداد نشاط المقامرين في القرى والأرياف، وفي منطقة الشيخ عبد الحسن الشرعية اتّخذ المقامرون البساتين والنخيل المتوارية عن الأنظار وبعيدا عن الناس ورجال الأمن مراكز للعب، حتى تداولت الأموال الكثيرة في اللعب بين الكسب والخسارة، وتصدى الشيخ لهذه الظاهرة من خلال الخطب والنصح والإرشاد حتى زالت هذه الظاهرة من الريف بشكل تدريجي، وساعد على ذلك التهاء الشباب بالأندية الرياضية، وتقلّصت بعد ذلك تماماً في المنطقة، بازدياد الوعي الثقافي والديني وانتشار التعليم النظامي الحكومي.
انتشار المقاهي والسمر فيها : في نهاية الأربعينيات أنشئت المقاهي في المنطقة لغرض السمر والتلهية والراحة، وكان الشيخ يرى أن هذا الأمر خارج عن حدود الأدب والمروءة، ولكن لم يتخذ أي موقف يحد من نشاط تلك المقاهي، ولما قام صاحب أحد المقاهي بجلب ما يسمونه في الزمن القديم (سحارة) ويعرف باللغة الإنجليزية (جرام فون) حتى يبث الأغاني من خلالها في المقهى قام الشيخ بجمع جماعة من كبار البلد وهاجموا المقهى، وقاموا بتكسير الآلة (السحارة) حتى أصبحت قطعاً لا ينتفع بها.
الطرب في الأعراس ودق الطبول وعزف آلات الموسيقى: في الماضي كانت احتفالات الأعراس تنشد فيها الجلوات والأناشيد الدينية، وتتلى فيها الصلوات على النبي وأهل بيته (صلى الله عليهم أجمعين)، وقراءة المولد النبوي ويزف العريس مرتين عصرا وليلا، بدون طرب ومزامير وطبول، ولكن في فترات من عصر الشيخ عبد الحسن جلب البعض المطربين للغناء في أفراحهم وضاربي الطبول والدفوف، والعازفين في أنحاء المنطقة، والشيخ عبد الحسن كان له موقف صارم وحازم من عدم إجابة دعوة من يجلب في عرسه عازفين أو طبالين، لأنها مخالفات شرعية. وله من المواقف الكثيرة المتشددة من هذه الأمور ما طبقت الخافقين.
تأسيس النادي الثقافي والرياضي : أسس الشباب في حدود سنة 1951م ناديا ثقافيا وأسموه بالرابطة الجعفرية ، وجعلوا مقرهم أحد مجالس عائلة بن سند الكبيرة ، وكان الشيخ يبادر بنفسه للاطلاع على أوضاعهم ويحاضر فيهم ويرشدهم إلى ما يحتاجونه من الأحكام الشرعية بانتظام وبشكل أسبوعي في ذلك المقر مع حضور آبائهم ، ويحذرهم دائما من الانضمام إلى الفئات الضالة التي ظهرت في ذلك الوقت مثل (القمارة) وغيرهم ، وفي سنة 1953م أسس النادي بشكـل رسـمي وأسهمت شركة نفط البحرين الوطنية (بابكو) ببناء المقـر الحديـث للنـادي وتبـدل اسمـه مـن الـرابطة الجعفرية إلى (نادي جدحفص الثقافي والرياضي) وحينئذ مارس الشباب الرياضة والرحلات .. إلخ، وأسسوا مكتبة علمية وأسس الفريق الرياضي لكرة القدم، ثم تبنى أكثر شباب النادي الفكرة القومية الناصرية نتيجة لطغيان المد القومي في ذلك الوقت، حتى صاروا من الدعاة لها في المنطقة، وانضمّوا لأغلب الفعاليات التي كانت تقام في الخمسينيات في العاصمة وغيرها من المناطق، لنصرة الفكر القومي الناصري وتأييد الوحدة العربية. والظاهر أن الشيخ لم يبد أي موقف بالتأييد ولا بالمعارضة لنشاطات النادي منذ تأسيسه بشكل رسمي عام 1953م، وبعد ذلك لم يدخله لأنه لا يتناسب مع شخصيته ومكانته الدينية، إلا أن أكثر الشباب في النادي يُجلّونه ويحترمونه ويقتدون به في أمورهم الدينية والشرعية، ويقدرون موقفه ونشاطه الديني والاجتماعي، وفي السبعينيات خفت قوة التيارات القومية وبدأت بالانحسار والتراجع، وتغيرت الإدارات في النادي تلو الإدارات، وشرعت اللجنة الثقافية بالنادي بإقامة الاحتفالات الدينية مثل المولد النبوي الشريف وغيره، وجعلت من الشيخ عبد الحسن راعياً لها، حيث تقام في الجامع، وتحضرها جماهير غفيرة بحضوره.
من أهم النشاطات الدينية والاجتماعية في المنطقة في فترة ولايته الشرعية:
تأسيس الجمعية الحسينية: استطاع جيل من الشباب في بداية عام 1372هـ أن يؤسسوا جمعية حسينية أسموها ((جمعية شباب جدحفص الحسينية)) الهدف منها هو تكوين موكب عزائي متطور يرقى إلى ما وصلت إليه مواكب العاصمة، واستقدام خطباء من الجيل الجديد، فعزموا أمرهم وشمروا عن سواعدهم وعقد أول اجتماع لهم في (مسجد عبد الله الجديد) وانتخبوا هيئة إدارية للجمعية، وفاز بمنصب الرئاسة المرحوم عبد الحسين المحاسنية (من أصدقاء الشيخ عبد الحسن وأحد رجاله) .. وفاز بمنصب سكرتير الجمعية عبد الله عبد الرسول (صاحب مكتبة الريف الثقافية) وانضم إليهم بقية الشباب من جميع الأحياء (الفرقان) في المنطقة، حتى فرضوا واقعا جديدا يستحق الاهتمام والرعاية والدعم، وكان أول المباركين والداعمين لهذه الجمعية فضيلة الشيخ حيث شرط عليهم أن لا يدخلوا ما هو مخالف للشرع في الموكب العزائي أو إدخال بدع دخيلة ليس لها علاقة بأصل التعزية على الإمام الحسين عليه السلام ـ ثم استقطبهم مأتم البناية (بالمشرف) وفسح لهم المجال وأخذت الجمعية بترتيب أمورها المالية بالاندماج مع مأتم البناية بالمشرف، وفي عام 1373هـ أسس الموكب العزائي الموحد للأهالي، وجعل عصر يوم العاشر من المحرم وقت خروج الموكب الرسمي العام والذي لا تتخلّف الأهالي عن المشاركة فيه، وتطور الأمر إلى خروج هذا الموكب خارج القرية للمشاركة في مواكبالسهلة، وباربار، ومقابة، والمحرق، والمنامة، والديه، وكرباباد، والمصلى) في صباح يوم التاسع وصباح يوم العاشر وعصر يوم الحادي عشر من المحرم من كـل عام وظل الموكب الرسمي للمنطقة هو عصر اليوم العاشر من المحرم إلى الآن تحت شعار ((الحسين يوحّد ولا يفرّق)) وعملا بقوله تعالى(ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب))، وتنفيذا واحتراما لأقوال العلماء في المنطقة ابتعد الموكب العزائي عن البدع الدخيلة التي تنال من قداسة الموكب أو تشوه الشعائر الحسينية وعن إطلاق الشعارات التي لا علاقة لها بدعوة الإسلام ومصيبة الحسين(ع) ومظلومية أهل البيت عليهم السلام.
تأسيسه للمدرسة الدينية عام 1386هـ/1966م: وقد فصلنا ذلك سابقا … ولا حاجة لتكرار الكلام عن هذا الموضوع.
استئجار الشيخ عبد الزهراء الكعبي للقراءة في مأتم المشرف عام 1387هـ 1967م: درجت إدارة المشرف منذ القدم على استجلاب أشهر الخطباء ومنهم شيخ الخطباء الذائع الصيت القـاضي محمد علي حميدان المتوفى سنة 1375هـ وهو أشهر من نار على علم عند أهل البحرين في هذا المجال واستأجر للقراءة أيضا الملا عطية بن عبد الرسول الجمري الشاعر الحسيني الفذّ ومفخرة البحرين في هذا المضمار والمتوفى سنة 1401هـ، وقرأ أيضا العالم السيد شرف الخابوري والشيخ الخطيب عبد الله السُميّن الإحسائي، ومن الخطباء العراقيين تعاقد مأتم المُشَرّف مع الشيـخ عبـد الزهـراء الكربلائـي للقراءة في عشرة محرم من عام 1387هـ، وهو من الخطباء المشهورين في العراق والخليج وغيرها من البلدان، مع العلم أنه لم يتفق معه إلا بعد استقدامه في أواخر ذي الحجة من عام 1386هـ، إذ إن أصل اتفاقه للقراءة كان مع أحد مآتم الدراز بتوسط الحاج عبد الرضا بن الشيخ سلمان العصفور (مختار قرية الدراز) وقد ذهبت إليه إدارة المشرف برئاسة السيد جعفر بن علوي الغربي(ره) واستأذنت منه لاستئجار الشيخ عبد الزهراء (ره) فأذن لهم بذلك، ثم أبلغوا الشيخ برغبتهم في تقرئته، والتشرف به، وقدموا له عرضا من الأجر بما هو أهله وأكثر، فلم يوافق إلا بعد أن قدم وقت القراءة إلى الظهر بدلا من العصر (الذي هو وقت مجلسهم المعتاد) حتى لا يزاحم مجلسه في الدراز عصراً، ووافق أنّ المحرم في ذلك العام فصل الربيع لعام 1967م، فكان وقت القراءة ظهرا مناسبا للأهالي من ناحية الطقس، ومناسبا للخطيب أيضا، وابتدأت القراءة فأقبلت جموع غفيرة من المستمعين، من كل حدب وصوب، حتى اضطرت إدارة المشرف إلى نصب الخيام خارج المأتم، وكلما نصبوا خياما أخرى غصت بهم الجموع التي تأتي للاستماع من القرى المجاورة والبعيدة، ثم فتح الجامع المجاور للمأتم وحلت مشكلة الأمكنة.
وما زلت أتذكر وكنت في التاسعة من العمر، منظر الجموع الغفيرة من الناس، وهي خارجة بعد الاستماع وانتهاء مجلس الخطابة، وحركة القائمين على المأتم غير الاعتيادية نتيجة لهذا الكم الهائل من الحضور اليومي ولمدة عشرة أيام والذي لم يتكرر إلا في ذلك العام، ولا غرو في ذلك فإن الشيخ عبد الزهراء من أكابر الخطباء في المنطق وعذوبة الصوت، فهو عالم دين، وبحر في القريض بنثره ونظمه، في الدارج والفصيح، وسيد المقرئين لمقاتل الهاشميين.
مواقفه من بعض الأوضاع السياسية:
لم يترك الشيخ أمرا مما تتوافر فيه شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا قام به، أما إذا خرج عن حدود ما تجتمع فيه الشرائط الشرعية فلا يذهب إليه، حتى تمسّك بوظيفته الشرعية طوال حياته، ولم يترك أهله وجماعته فريسة للأفكار الهدامة والمبادئ الباطلة والأوهام الزائفة مثل التيارات الشيوعية، والوجودية، وكان موضع الاهتمام عنده هو توجيه النصح والإرشاد للمؤمنين ولمن يحيطونه ويسمعون منه، عن طريق حضوره الدائم عند الناس في مجالسهم (الأغنياء والفقراء) وخطب الجمع والأعياد، والخطابة الحسينية، والسفر إلى الحج والعمرة وزيارة المقدسات والعلماء في العراق وغيرها ولقاء الطلاب صغيرهم وكبيرهم والاهتمام بهم، وحضور الاحتفالات الدينية التي كانت تقام في مواليد الرسول، (صلى الله عليه وآله وسلم)، والأئمة الأطهار (سلام الله عليهم) سواء تحت رعايته أو رعاية غيره من العلماء. ولقد عاصر الشيخ كثيراً من الفتن والاضطرابات التي حدثت في البلاد مثل أحداث أعوام 1954م – 1955م – 1956م، أيام المد القومي، ولم يغيّر منهجه الشرعي والاجتماعي الذي يتمسك به ، وبقي على موقفه يدافع عن حمى الدين والأخلاق الإسلامية، وابتعد عن الغلواء وإلقاء اللوم على الآخرين دون النظر إلى إصلاح من يحيطون به، وباختصار شديد إن جميع مواقفه الاجتماعية والسياسية مبنية على شرع الله الذي لا حياد عنه.
وفي فترة انتخابات المجلس التأسيسي لصياغة دستور دولة البحرين في عام 1973م، أخذ الشيخ عبد الحسن يحث الناس في الجامع على انتخاب المرشح الشيخ حسن زين، مما كان له الأثر الكبير في فوزه الساحق في الانتخابات ودخول المجلس التأسيسي كعضو من أعضائه ، ممثلا لهذه المنطقة الانتخابية مع وجود كثير من المنافسين من التيارات المختلفة.
أما بالنسبة لانتخابات المجلس الوطني، فسيرا على العادة كان يرشح الأعضاء من التوجه الإسلامي، ففاز من الأعضاء من هذه المنطقة (الدائرة الثالثة عشر الانتخابية) السيد مصطفى القصاب، والذي كان أحد أصوات الكتلة الدينية في المجلس الوطني (كما هو المصطلح السائد في ذلك الوقت) بالإضافة إلى تأييده لترشيح الشيخ عبد الله المدني عن منطقة قرى الريف الشمالي (الدائرة الرابعة عشر الانتخابية) الذي يوجد فيها الكثير من أتباعه ومعارفه.
أهم الأحداث الحزينة في المنطقة في عصره :
– حادثة اغتيال واستشهاد الشيخ عبد الله المدني .
– وفاة الدكتور السيد جعفر شرف عام 1399هـ/1979م : فوجئ أبناء المنطقة خاصة وشعب البحرين عامة، بوفاة الدكتور سيد جعفر شرف أخصائي وجراح الأنف والأذن والحنجرة، صباح يوم الجمعة الموافق لتاريخ 11/ 5/ 1979م، وهرعت الناس للصلاة عليه وتشييعه، فصلى عليه الشيخ عبد الحسن مع جموع غفيرة في ساحة الجامع الخارجية، ثم شيع تشييعا مهيبا، وعزّ على الشيخ أن تفقد المنطقة والبحرين ابنا بارا من أبنائها بشكل مفاجئ، حيث كان هذا الدكتور (رحمه الله) يقدّر الشيخ ويعزّه ويقتدي به ويصلي خلفه الجمعة، ويدعوه في المناسبات فيلبي الشيخ دعوته .
حياته الزوجية وذريته:
تزوج الشيخ عبد الحسن بامرأة واحدة في حياته التي اختزلت قرنا واحدا من الزمان، عاشت معه بفقره وغناه وحله وترحاله، وحزنه وفرحه، وكانت امرأة صالحة خيرة مؤمنة، انجبت له أربع بنات مؤمنات صالحات، توفيت رحمها الله في أوائل عام 1994م، وقد تزوجت بناته برجال من المؤمنين من نفس المنطقة، وهم المرحوم الحاج أحمد الفردان، والمرحوم الحاج خليل إبراهيم، والحاج حسن المحاسنية، والمرحوم السيد مجيد آل أسعد وخلفن من الذرية الصالحة الكريمة الكثير.
ومن أحفاد الشيخ عبد الحسن الذين قاموا بخدمته: أبناء الحاج أحمد الفردان: عبد علي، رضي، عبد الكريم، محـمد، ومازالوا في خدمة مأتمه الخاص، ويقومون بالإشراف العام على أوقافه الخيرية المتعددة.
آثاره العلمية:
صنف الشيخ رسالة عملية في الصلوات الواجبة (اليومية وغيرها) ولهذه الرسالة مقدمة في أصول الدين، (وهي على هيئة مسائل وأجوبة) مطابقة في أحكامها لفتاوى الشيخ يوسف صاحب الحدائق (رحمه الله) أسماها ((مفتاح الرشاد في الهداية والإرشاد)) وما تزال مخطوطة وغير مكتملة.
عجزه عن العمل الديني والاجتماعي:
في أكتوبر من عام 1993م، عجز عن القيام بمسئوليته الشرعية، والعمل الاجتماعي، بعد أكثر من نصف قرن من الزمان في خدمة الدين والمؤمنين في هذه المنطقة وغيرها من القرى، بسبب شيخوخته ومرضه ونصيحة الأطباء له بالقعود والراحة، فعهد بأمر الصلاة جمعة وجماعة وصلوات الأعياد وغيرها، ومدرسته، إلى سماحة الشيخ سليمان بن الشيخ محمد علي المدني.
وأوقف أغلب أملاكه وأمواله لصالح الأعمال الدينية والخيرية، ثم جلس الشيخ عبد الحسن في منزله عابداً مسبحاً مستغفراً متأهباً للقاء ربه سبحانه وتعالى.
وفاته:
وافاه الأجل المحتوم في عصر يوم الثالث من شهر ربيع الأول من عام ألف وأربعمائة وسبع عشر هجرية الموافق 18/أغسطس/1996م، وقد شيع جثمانه الطاهر في اليوم التالي لوفاته من الجامع، وقد حضرت مراسم تشييعه جماهير غفيرة وعلى رأسهم العلماء الأفاضل والوجهاء والأعيان، وقد ارتفعت جنازته فوق الأكف وعلت الأصوات بالتهليل والتكبير وطافوا به أرجاء القرية في يوم قائظ شديد الحرارة حتى وصلوا موضع قبره في مقبرة الإمام وواروه الثرى بقلوب حزينة .. ويقع قبره جنوب قبور العلماء الثلاثة السابقين (الشيخ أحمد بن حرز، وابنه الشيخ سليمان بن حرز، والشيخ محمد علي المدني) وهو مزار يتوافد عليه المؤمنون لتلاوة القرآن وقراءة الفاتحة على روحه الطاهرة.
مراسم الفاتحة وذكرى الأربعين لوفاته:
أقيمت للراحل الكبير فاتحة كبرى في الجامع للرجال، حضرها العلماء الأعلام، والمسئولون في الدولة ، وجموع غفيرة من شعب البحرين قاطبة، واستمرت ثلاثة أيام، وفي يوم انتهائها خرجت مسيرة ضخمة من الأهالي يتقدمها علماء الدين، من الجامع إلى موضع قبره، مرددين هذين البيتين :
يا إماما فقد الدين به********خـير مـن ينشره في كل واد
فانـدبي يا حــوزة الديـن لـه********فلقد كـان لـك خير عـمـاد
أما النساء فقد أقمن فاتحة مهيبة في منزله، ثم أقيمت فواتح أخرى للرجال في مأتمه الخاص في منزله وبعض حسينيات المنطقة، حضرها الأهالي والوجهاء والعلماء تكريما للشيخ ووفاءاً لجهوده الجليلة في خدمة الدين والمؤمنين. وبعد مضي أربعين يوما على وفاته (رحمه الله) أقيم احتفال تأبيني كبير حاشد في الجامع شارك فيه عدد من العلماء والمفكرون والخطباء والشعراء بإلقاء الكلمات البليغة المدوية والقصائد المعبرة التي أشادت بالفقيد العزيز، ومناقبه وسجاياه وعلمه وورعه وأريحيته وكرمه وتقواه.
وهذه بعض المقاطع من قصائد شعرية في رثائه (رضوان الله عليه) :
للسيد محمد صالح الموسوي :
أبقاه ما دام عزيزا ربه********واختاره إذ جاش بحر الفتن
نعى إلى الجنة راضيا بما********نال من الفضل قرير الأعين
و عن جـنى الأحـداث في تاريـخه********(صار لرحـب الخلد عبد الحسن)
للشيخ مهدي الكرزكاني :
للفقيد الجليل أهدي سلاما********وأحيى ذكراه فينا دواما
أربعون مضت وقد غاب نجما********ساطعا بيننا وحل الرغاما
وافتقدناه عالما وتقيا********طاهر القلب ذاكرا قواما
وهــو للديـن خــادم وحــري********مثلــه أن نبـره اكـرامـــا
حـيث مـن في العلوم قد نـال حظا********حقه ان نخصه اعظاما
وَيَنَلْ رتبة العلى إنْ تحلّى********بخشوع وساند الإسلاما
وخصوصا إذا انبرى ينشر العلـ********ـم وللناس يوضح الأحكاما
ويغذي مـدارس الديـن يعـطي الـ********بذل من أجلـها و يولـي اهتمـاما
للشيخ زهير جاسم البحراني :
يا نكبة في الدهر أنستني المحن********بغياب نجم للشريعة والسنن
إذ طبق الأكوان نعي مرجف********فتدكدكت منه الجبال على الحزن
وبدا القطا في الجو يعلن بالأسى********اليوم أهجر للمنازل والدمن
وغدت ربوع الدين تعلن حزنها********من ذا يعزيها بمن فقدت ومن
يأتي المدارس وهي تندب عزها********شيخ المشايخ فخرها عبد الحسن
من للشريعة والمكارم ناصر********من للفضيلة والوديعة مؤتمن
هو ذلك الحصن المنيع إذا بدت********من بين أهل الفسق نائرة الفتن
لا يختشي في الله لومة لائم********فوق المنابر للحقائق قد علن
وله اليد الطولى على كل طالب********وله خصال الخير فينا والمنن
مـاذا نقـول بيــوم مدفنـه الـذي********في العمر لا أنساه بل طول الزمـن
الحاج عبد العزيز بن عيسى الدرازي :
خطب أطل على الإسلام بالكدر********وكم له من علامات ومن أثر
رزؤ عظيم على الإسلام موقعه********أدمى القلوب وخلى الدمع منهمر
خطب عظيم به ركن الهدى انصدعا********وأهل التقى وأهل العلم بالضرر
خطب به أصبح الإيمان يشكو أسا********لأنه عابد لله في السحر
الحلـم والعلـم والإســخا سـجيته******** حياتـه كلـها بـالجود مشــتهر
للشاعر محمد هادي الحلواجي :
هذا أبو جدحفص شد رحاله********يسعى لنيل مثوبة وجزاء
وقضى سني حياته متبتلا********لله ليس بطامع ومرائي
ومدارس القرآن تشهد أنه********ضحى لدى السراء والضراء
ما كان يوما بالضنين على الهدى********لكنه أعطى بكل سخاء
أنا لست أنسى شيبة قدسية********أوصت بذكر السادة الكبراء
يكفيه فخرا أن من أبنائه********جيل من العلماء والصلحاء
وبنى لآل البيت فيها معلماً********للعلم خلده لدى الأحياء
ومـآثر العلــماء لـيـس يعـدها********عدّي وليـس يحـيطها استيفائي
ما مات من قضى سني حياته********بالصالحات وعاش للنجباء
كلا ولـم يقـض الـذي بحـيـاتـه********خدم الحسين و صار في الخطبـاء
للشاعر فيصل الحداد :
نعى البرق فاهتزت له الأرض والسما********وأوشك حتى الطير يبكي له دما
فعـم أسـى آفـاق (بحـرين) كلـها********وخص به وادي (جدحفص) متهمـا
وهز من الخطب الخواطر لوعة********فلا دمعها غيض ولا الجفن هوما
فكل امرئ مما ألم بنفسه********يلوح على أجفانه الدمع عندما
فلم يبق من ـ شرق البلاد لغربها ـ********فتى لم يقد للهمّ جيشا عرمرما
ومـا بـان أي الخـافقين لنـاظـر********أشد أسـى منه على الأفق منهمـا
أيا شيخنا قد كنت ـ لله ـ حجة********عليك ملاك ـ الله ـ صلى وسلما
فقدناك فقد الغيـث ينهـل سـافحـا********وفقد غرار السيف ينسـل مخذمـا
للشاعر السيد حميد السيد مهدي الشرخات :
لك الله يا يوم عبد الحسن********شهدت الكروب وعشت المحن
كأن الليالي بك الداجيات********توفي بنذر لها مرتهن
وفي آخرها يقول :
سلام أيا شيخ عبد الحسن********كما عشت مت نقي الكفن
تـغـمـدك الله والصــالـحيـن********برحمـتـه مـا تـهـادى فنـن
آخر ترجمه و هي للشيخ سلمان المدني رحمه الله..هي من تأليف الشيخ جعفر الشارقي و قد قام بها مشكورا في عام 2003 و طبعت في كتيب عنوانه “شكر الإحسان في ترجمة الشيخ سليمان” و أقول هذا حفظا للأمانه العلميه و عدم التطاول على جهود الشيخ جعفر الشارقي كما أرجو من صاحب المدونه الأخ جاسم المحترم أن ينقل إسمي تحت ترجمة الشيخ عبد الحسن آل الطفل و يضع إسم الشيخ جعفر الشارقي تحت ترجمة الشيخ سليمان..و نشكركم على الاهتمام بالتراث العلمي لعلماء جدحفص و السلام عليكم.
أخوكم
السيد هاشم سلمان باقر البناء