المقدمة: بسم الله وله المنة والحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وأصحاب المنتجبين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد: فقد رأيت أن أجمع في كتاب خاص ما أطمئن بصحته مما أقرؤه أو أسمعه عن قريتي (بني جمرة)، محاولة لإعطاء صورة عنها في التاريخ العام لا أدعي أنها كاملة، وإنما من باب: «شيء خير من لا شيء»، ومن منطلق: «لا يسقط الميسور بالمعسور»، تلبية لطلب عدد من أبناء هذه القرية الذين تكررت اقتراحاتهم وطلباتهم أن أجمع ما أمكن جمعه مما يتعلق بها، وقياما ببعض حقوقها عليَِّ
باعتباري أحد أبنائها، وسميت هذا المجموع:
«ملامح تأريخية عن بني جمرة»
سائلا من الله تعالى التوفيق وتسديد الخطى وهو من وراء القصد.
بقلم: عبدالأمير منصور الجمري
ملاحظة من الناشر: هذا الكتاب من المكتبة الخاصة للمرحوم العلامة الشيخ عبدالأمير الجمري، وكان قد كتب على فترات متقطعة، وكان الشيخ الجمري يأمل في إكماله ونشره قبل أن يصاب بجلطة في منتصف العام 2002، علما أن الأجزاء المختلفة للكتاب بدأها الشيخ الجمري في سنوات مختلفة ربما امتدت إلى أكثر من عشر سنوات. وعليه، فإن بعض الأجزاء أدخل عليها الشيخ الجمري تعديلات قبل وفاته، والبعض الآخر كان ينتظر تعديلاته عليها، ولكن إصابته بالمرض ووفاته لاحقا منعته من ذلك.
«الوسط»، ورغبة منها في نشر المعارف، تنشر الكتاب رغم أنه ليس مكتملا كما أراده الشيخ الجمري، إذ لعله أراد اضافة معلومات أو تعديل المسودة، أو إضافة وتوضيح المصادر والتواريخ الواردة في الكتاب.
فكرة عامة عن البحرين
قبل الحديث عن «بني جمرة» التي هي إحدى قرى البحرين لا بد من الحديث أولا وكمدخل لذلك عن القطر الكريم «البحرين»، وأخذ فكرة عامة – قدر الإمكان – عن الجهات التي ينبغي الحديث عنها، إشارة إلى ما للبحرين من موقع تاريخي، وديني وأصالة وفضيلة، مستمدا ما أكتبه من مصادر تأريخية وثيقة، وينابيع صافية روية، أداء لبعض حقوق هذا البلد العزيز عليَّ، وبعض واجباتي نحوه، وتعبيرا عن حبه المتمكن في نفسي تمكن الروح من الجسد، وإرضاء لضميري، وما أجدر بالمؤمن الذي يكتب عن بلده أن يكون الدافع له إرضاء الضمير، وحب الوطن، فحب الوطن من الإيمان، كما في الحديث، والوفاء لتربة هو بعض نبتها.
البحرين في اللغة
كلمة «البحرين» تعني مثنى بحر، وقد نطق العرب بها هكذا في الحالات الثلاث: الرفع، والنصب والجر، ولم يسمع من أحد منهم: «بحران» بالرفع، إلا أن الزمخشري من علماء النحو ذكر أن العرب يقولون: هذه البحران، وانتهينا إلى البحرين. وقد قال يا قوت الحموي في كتابة «معجم البلدان» عند ذكر قول الزمخشري: ولم يبلغني من جهة أخرى.
وجه تسميتها بالبحرين
ذكرت في وجه تسمتيها – حسب ما عثرت عليه – خمسة وجوه، هي:
-1 أن هذا الاسم مشتق ومأخوذ من قول العرب: بحرت الفاقة، إذا شققت أذنها، وتسمى الناقة بعد تشقيق أذنها: بحيرة، وهي نبت السائبة، ومعنى السائبة: أن الرجل في الجاهلية كان يسيِّب من ماله فيذهب به إلى سدنه الآلهة، فالناقة التي يعطيها للسدنة تسمى: السائبة. ويقال: إن السائبة هي الناقة إذا ولدت عشرة أبطن كلهم إناث مسيِّب، ويعني تسييبها: أن العرب يحرمون على أنفسهم ركوبها وجز وبرها، وتبحر أذن نبتها أي: تخرق، والبحيرة تجري عندهم مجرى أمها في التحريم، قال تعالى: «ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا هام».
-2 أن اسم البحرين مأخوذ في قول العرب: قد بحر البعير بحرا، إذا أولع بالماء فأصابه منه داء. وهو الوجه وسابقه لم يظهر معنى اشتقاق اسم البحرين منهما، لذلك اعتبرهما الحموي – بعد أن ذكرهما في المعجم – تعسفا، في حين اعتمد الوجه الآتي وهو:
-3 قال أبومنصور الأزهري: إنما سموا البحرين لأن في ناحية قراها بحيرة على باب الإحساء وقرى هجر، بينها وبين البحر الأخضر عشرة فراسخ، وقدرت هذه البحيرة بثلاثة أميال في مثلها، ولا يغيض ماؤها، وماؤها راكد زعاق. والبحيرة المشار إليها هي البحيرة المعروفة الآن بالأصفر، في آخر قرى الإحساء الشرقية، معروفة مشهورة.
-4 قال أبومحمد الحسن بن أحمد بن يقعوب الهمداني في كتاب «صفة جزيرة العرب» ص 136 طبعة مصر 1373هـ(1953م) عن أبي مالك أحمد بن محمد بن سهل بن صباح اليشكري: «والبحرين إنما سميت البحرين من أجل نهرها علم ونهر عين الجريب».
-5 أن سبب تسميتها بالبحرين يرجع إلى وجود ينابيع طبيعية حلوة تنفجر في قاع الخليج فينبثق منها الماء العذب وسط ماء البحر المالح الأجاج. وهذا في نظري هو أرجح الوجوه.
موقعها الجغرافي
تقع البحرين الحديثة ضمن منطقة الخليج العربي، ما بين خطي طول 57,48 وخطي عرض 30,24، وتبعد عن الساحل الشرقي للجزيرة العربية بـ 24 كيلومترا، وعن الساحل الإيراني بـ 240 كيلو مترا، وعن شبة جزيرة قطر بـ 30 كيلومترا، وهي عبارة عن أرخبيل يضم مجموعة جزر، وتبلغ هذه الجزر في مجموعها أكثر من 33 جزيرة، ومساحتها الإجمالية أكثر من 700 كيلومتر مربع(ازدادت المساحة بسبب الدفن في السنوات الأخيرة)، وأكبرها جزيرة «أوال». وفي جزيرة أوال تقع المنامة (العاصمة)، التي توجد فيها المباني الحكومية والفنادق ومكاتب الشركات والبنوك، والأسواق العامة، وكبار المساجد والمآتم الحسينية. وبعد جزيرة أوال تأتي جزيرة المحرق، وهي المدينة الثانية بعد المنامة، ويربطها بالمنامة جسر الشيخ حمد وبها مطار البحرين الدولي، والحوض الجاف. ثم تأتي الجزيرة الثالثة «سترة»، وهي تضم سبع قرى، ويربطها بالمنامة جسر، ويوجد بها معمل التكرير، وميناء تصدير النفط، ومحطة تحلية المياه. ثم جزيرة النبيه صالح، ويربطها بالمنامة جسر. وبقربها جزيرة تدعى بـ «الجُزَيْرة» بالتصغير، وجزيرة «جدا» وتعرف تأريخيا في السابق بـ «قدا»، وجزيرة «أم النعسان»، ومجموعة جزر حوار.
قديما، كان اسم «إقليم البحرين» يطلق على المناطق الممتدة والواقعة على ساحل الخليج العربي بين البصرة وعمان، كاظمة (الكويت) أولها، وعمان آخرها، وعاصمتها الأولى كانت هجر، ثم الإحساد لاحقا، واستمرت التسمية لهذا الأقليم بشكل أو بآخر حتى عهد الإحتلال البرتغالي في 1521م.
وكان يشار فيما مضى من الزمان إلى مجموعة جزر البحرين باسم أوال، ثم أطلق على هذه المجموعة اسم البحرين، حيث صار علما بالغلبة عليها، كما صار اسم ابن عباس، واسم ابن الزبير علمين تغليبا على حبر الأمة عبدالله بن عباس، وعبدالله بن الزبير،. كما أن البلدان على ساحل الخليج بين البصرة وعمان كان يطلق عليها اسم «هجر»، ثم صار الاسم علما بالغلبة للإحساء، ويطلق عليها اسم «الخط»، ثم صار علما بالغلبة على القطيف. قال الأستاذ محمد سعيد المسلم في كتابة (ساحل الذهب الأسود) ص 17: «ويطلق على هذه المنطقة التي تمتد من البصرة إلى عمان أسماء كثيرة، أشهرها: الخط، وهجر، والبحرين، وتشمل هذه الأسماء كلا من شقيقتها الإحساء وجزيرة أوال، لاشتراكهما معها في تاريخ سياسي واحد، وإن كانت هذه الأسماء تطلق الآن على منطقة معينة من تلك المناطق الثلاث، فتستأثر جزيرة أوال باسم البحرين، وتختص الإحساء باسم هجر، ويطلق اسم الخط على القطيف» .
وتشير الأبحاث الجيولوجية الحديثة التي قام بها بعض الخبراء إلى أن جزائر البحرين كانت جزءا من الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية أي: أنها كانت بمثابة رصيف قاري لها، وإنما انفصلت نتيجة لبعض حركات القشرة الأرضية في العصور الجيولوجية المختلفة، والجزر المتناثرة الملاصقة في قاع البحرين وفوق سطحه بين البحرين والساحل العربي المقابل خير دليل على ذلك.
مناخها
أما المناخ في البحرين «فالبحرين تمتاز بمناخ حار مشبع بالرطوبة صيفا ومعتدل قليل الأمطار شتاء، إذ إن المطر ينزل بقدر 75 سنتيمترا سنويا، على أنه يمكن تقسيم السنة إلى ثلاثة فصول: فصل الشتاء وهو أفضل الفصول، ويمتد من ديسمبر إلى مارس حيث يتميز برياحه الشمالية الغربية. أما الموسمان الآخران فيمكن أن نسميهما موسمي صيف في البحرين، فالصيف المعتدل الحرارة يكون عادة في شهور أبريل، مايو، أكتوبر، ونوفمبر. أما الصيف الشديد الحرارة فيكون في الفترة ما بين يونيو وسبتمبر، وهنا تهب رياح (الشرقي) وهي رياح حارة رطبة وخانقة».
أسماؤها
يظهر من تتبع تاريخ البحرين أنها قد تعاقبت عليها عدة أسماء، هي – حسب ما عثرت عليه -: (ندوكي) وهو أول أسم عرفت به في العهد القديم، وشوهد هذا الاسم في الرسوم والنقوش السومرية والأكدية. وأطلق عليها اليونانيون اسم: (أولوس). ثم جاء لها اسم آخر في بعض كتاباتهم وهو: (تيلوس). وبعد هذا الاسم أطلق عليها اسم: (دلمون) أو (تلمون)، حيث وجد هذا الاسم لها في الكتابة البابلية. وقد ورد في النصوص الأكدية والسومرية اسم موضع (دلمون) DILMUN أو TILMUN، وهو على رأي غالبية العلماء يقع في بلاد العرب وأنه جزيرة البحرين. وقد عرفت النصوص الآشورية أن دلمون جزيرة تحيط بها مياه البحر، وأن ملكها كان يعيش كالسمكة في وسط البحر. وبعد اسم (دلمون) عرفت البحرين باسم: (أوال)، وهو بضم الألف ويروى بفتحها. قال يا قوت الحموي في (مراصد الاطلاع في معرفة الأمكنة والبقاع) ص 50 : «أوال بالضم ويروى بالفتح، جزيرة بناحية البحرين بها نخل وبساتين» . وفي سبب تسميتها بأوال قولان، الأول: أن أوال اسم صنم، كانت تعبده بكر بن وائل مع قبائل عبدالقيس، وهي قبائل عربية سكنت هذه الجزر قبل الإسلام بزمن طويل، وقد سميت البلاد باسم الصنم. الثاني: أن أوال اسم رجل هو أول من سكنها ومدَّنها، وهو أخ أو ابن لعاد بن شداد، صاحب (إرم ذات العماد)، وقد سمي البلد باسمه. وبعد اسم أوال غلب عليها اسم: (البحرين).
النسبة إليها
يقال في النسبة إلى البحرين: بحراني على خلاف القياس – كذا نطق العرب، والسبب في ذلك أنهم كرهوا أن يقولوا: بحري، فتشبه النسبة إلى البحر، فخالفوا فيها القياس فلايقال: بحريني، بل يقال: «رجل بحراني، أي: منسوب إلى البحرين» . وقد نسب إليها بهذه النسبة بعض التابعين وهو نصر بن نضير البحراني، وهذا يروي عن أبيه عن جابر بن عبدالله الأنصاري (رض) عن رسول الله (ص). قال الشيخ المفيد قدس سره في كتاب (الأمالي) «عن محمد جابر بن الحسين البصير عن محمد بن إسماعيل الحاسب عن سليمان بن أحمد الواسطي عن احمد بن إدريس عن نصير بن نضير البحراني (رض) عن أبيه عن جابر بن عبدالله الأنصاري (رض) قال رسول الله (ص): «أيها الناس اتقوا الله واسمعوا…» إلى آخر الحديث. ونسب إليها بهذه النسبة بعض أصحاب الأئمة (ع)، وهو محمد بن سهيل البحراني، والظاهر أنه في عصر الكاظم (ع) – استشهد في 799 م – فإنه يروي عن الإمام الصادق (ع) بواسطة، وروى عنه الصدوق القمي في «العلل» هكذا: «حدثنا محمد بن علي ما خيلو (رض) قال حدثنا محمد بن يحيى العطار قال حدثنا محمد بن يحيى الأشعري قال حدثني العباس بن معروف عن محمد بن سهل البحراني عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (ع) قال: «ينادي منادٍ يوم القيامة…» إلى آخر الحديث.
إسلامها
في السنة الثامنة من الهجرة (629م) أوفد النبي (ص) أحد صحابته وهو العلاء الحضرمي إلى البحرين، ليدعو أهلها إلى الدخول في دين الله، وكان يحكم البحرين في ذلك الوقت من قبل الفرس حاكم عربي هو المنذر بن ساوى بن عبدالله التميمي، فأسلم المنذر وأسلم معه معظم أهل البحرين العرب. وعاد العلاء إلى مكة يحمل إلى النبي (ص) بشرى فتح هذه البلاد.
وفي «عام الوفود » قدمت إلى الرسول (ص) الوفود المختلفة من جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية ليدخلوا في الإسلام، فخرج من البحرين في ذلك الوقت وفد عبدالقيس وعلى رأسه عبدالله بن عوف الأشج، قاصدا المدينة، فقابل النبي الذي دعاه إلى الإسلام، فدخل فيه، ولبث وفد البحرين في ضيافة الرسول عشرة أيام، كان عبدالله الأشج في خلالها يسأل النبي (ص) في الفقه والقرآن الكريم، وكان الرسول يدنيه منه إذا جلس. وهكذا تم إسلام جميع أهل البحرين ومعهم بعض الفرس، أما اليهود والنصارى والمجوس فقد صالحهم العلاء على أن يدفعوا الجزية على الرؤوس عن كل شاب قادر ونصف الحب والثمار على الأرض.
تشيعها
ذكر السيد محسن الأمين العاملي طاب ثراه في كتابه «أعيان الشيعة» الجزء الأول: أن تشيع أهل البحرين وصحابتها مثل القطيف والإحساء شائع منذ عهد الصحابة، والسر أن النبي (ص) بعث واليا عليها أبان بن سعيد بن العاص، وكان من الموالين لعلي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام، ثم صار عاملا عليها: عمر بن أبي سلمة، وأمه أم سلمة زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله، وفي عهد أمير المؤمنين ولّى عليها معبد بن العباس بن عبدالمطلب، فغرس هؤلاء التشيع في أهل البحرين، وأول جمعة أقيمت في الإسلام بعد المدنية كانت في البحرين.
فضلها
للبحرين مكانة عالية على الصعيد العلمي، والتاريخي، والإيماني، ولا يمكن لأي شخص أن يتجاهلها. عرفت بدار العلم، حيث إن العلماء الذين أنجبتهم تربتها «ولم يدعوا بابا من أبواب العلم إلا ولجوه، ولا مدينة من مدنه إلا فتحوها وأخذوا من خزائنها، فأسسو المدارس ونوادي العلم، فلا ترى مدينة ولا قرية من قرى البحرين إلا وهي عامرة بمحافل العلم والأدب، ضمت هذه المدارس وهذه النوادي عددا كبيرا لا يستهان به من العلماء والأدباء، حتى قيل إنه اجتمع ثلاث مئة من العلماء أو يزيدون في مسجدها ذي المنارتين والمعروف اليوم بمسجد الخميس» .
قال الشيخ علي الشيخ حسن البلادي البحراني طاب ثراه (المولود في 1274 هـ ، 1858 م، والمتوفي 1340هـ ، 1922 م) في كتابه «أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والإحساء والبحرين) ما نصه: «وحدثني بعض الصادقين من الإخوان عن جدي لأبي المرحوم الشيخ علي بن المقدس الشيخ سليمان: أن بيتنا في البلاد القديم اجتمع فيه عصر من الأعصار خمسة وأربعون عالما مجتهدا أو مشارفا للاجتهاد دون الطلبة من أولادهم…» .
وعرفت بدار الإيمان، لما كان عليه أبناؤها من رسوخ القدم في الدين، والحرص على تطبيق شريعة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله، وشدة التمسك بولاء أهل البيت عليهم السلام، وكثرة المحافظة على السنن والنوافل والأوراد والآداب والأخلاق الإسلامية، إلى جانب المحافظة التامة على القيام بالواجبات الشرعية، واجتناب المحرمات، حتى بلغ الأمر أن في الزمن القديم يكون عند الرجل منهم العبد الملموك فيراه ليلة من الليالي ربما غفل أو نام عن صلاة الليل، فيصبح ويأمر الدلال أن يبيعه، فيقول له جيرانه: لم تبيعه ولم ترَ منه إلا الصلاح والطاعة؟ فيقول لهم: إن البارحة لم يصل صلاة الليل وأخاف أن تكون له عادة فربما يقتدي به بعض العيال فلا يصلي صلاة الليل فيكون ذلك عيبا منه، ويأمر من عرف ذلك بإخراجه من البحرين وبيعه في غيرها من البلدان.
ثم إنه يسلط الضوء على ما للبحرين من رصيد ضخم من الفضيلة والقدسية في عدة أمور منها:
-1 أن أول جمعة – بعد الجمعة التي أقامها الرسول (ص) في المدنية المنورة – أقيمت في البحرين ، «وهذه فضيلة عظمية، وكرامة لأهلها جسمية، لامتثال أهلها بأعظم فرض من فروض الدين، وإمامته فيها قبل أكثر بلاد المسلمين».
-2 «أنها أسلمت للنبي (ص) طوعا بالمكاتبة كما ذكره جملة من أهل التواريخ والسير من الخاصة والعامة كما سيأتي، حتى أن الفقهاء صرحوا في كتبهم الفقهية في أحكام الموات بأن البحرين حكمها حكم المدنية، لأنهما أسلما طوعا لا عنوة».
-3 ترشيحها لأن تكون دار هجرة لسيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم.
روى العلامة الشيخ علي بن الشيخ حسن البلادي البحراني طيب الله ثراه في كتابة (أنوار البدرين) عن العلامة الشيخ أحمد بن الشيخ صالح البحراني قدس الله نفسه: أنه لما أمر الله رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالهجرة من مكة بعد موت عمه وكافله أبي طالب رضي الله عنه، وبعد تظاهر المشركين عليه، نزل عليه جبرئيل (ع) عن الرب الجليل وخيَّره في الهجرة إلى البحرين، أو فلسطين، أو المدينة، فترك (ص) البحرين من أجل البحر، وترك فلسطين لبعدها، واختار المدنية لقربها من مكة.
وذكر – أي صاحب كتاب «أنوار البدرين»: – أنه قد وقف على نفس الخبر المذكور تفصيلا في المجلد الثاني من كتاب «أزهار الرياض» للعلامة الثاني الشيخ سليمان بن عبدالله الماحوزي البحراني (توفي 1696 م)، والظاهر – كما يقول صاحب الأنوار- أن الخبر عن الإمام أبي عبدالله الصادق عليه السلام.
-4 يلقي الظلال- أيضا – على ما للبحرين من قدسية، ومكانة عالية ما ذكره الشيخ يوسف آل عصفور (قدس سره) في كتابه «لؤلؤة البحرين في الإجازات وتراجم رجال الحديث» صفحة 26 ط 2 النجف، وهو يتحدث عن الشيخ حسين بن عبدالصمد الحارثي (ولد في 918 هـ، 1512 م، وتوفي في 984 هـ 1576، م) قال: «وأخبرني والدي (قدس سره) أن الشيخ المزبور كان في مكة المشرفة قاصدا الجوارفيها إلى أن يموت، وأنه رأى في المنام أن القيامة قد قامت وجاء الأمر من الله سبحان وتعالى برفع أرض البحرين وما فيها إلى الجنة، فلما رأى هذه الرؤيا آثر الجوارفيها والموت في أرضها ورجع من مكة المشرفة وجاء البحرين…» .
-5 قال الشيخ علي الشيخ حسن البلادي البحراني في كتابه «أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والإحساء والبحرين» صفحة 45 – بعد أن ذكر الرؤيا المذكورة -: قلت: وقد وقفت على هذه الرؤيا مسندة عن علماء ورعين ثقات إلى أن تنتهي إلى المرحوم الشيخ حسين صاحب الرؤيا.
حكامها
تسلسل حكام البحرين متوافر في عدد من الكتب التي تحدثت عن البحرين واستخدمت التواريخ الميلادية بدلا من الهجرية لاحتساب القديم منها، وهي جميعا تحتاج إلى مزيد من التدقيق والتمحيص.
3000 ق م – 600 ق م: حضارة دلمون.
600 ق م – 300 ق م: دلمون تحت حكم الآشوريين .
300 ق م – 100 م: البحرين تحت حكم اليونان (تايلوس)، وحكم متقطع لفارس.
100 م – 250 م: حكم محلي متقطع.
250 – 627 م: البحرين تحت نفوذ الدولة الفارسية الساسانية.
627 – 632 م: البحرين في ظل الدولة الاسلامية بقيادة الرسول الأعظم (ص).
632 – 661م: البحرين تحت حكم الخلفاء الراشدين.
661 – 750م: البحرين تحت حكم بني أمية ويتخلل الفترة انتفاضات متقطعة.
750 – 863م: البحرين تحت حكم بني العباس.
863 – 883 م: البحرين تحت حكم صاحب الزنج.
883 – 894م: عودة حكم بني العباس.
894 – 1006م: البحرين تحت حكم القرامطة.
1006 – 1076م: تحت حكم محلي بدأه «أبو البهلول» وهو العوام بن محمد بن يوسف الزجاج، وهو من البحارنة، وخطب في الجمعة للخليفة العباسي (آل بويه، وهم من الشيعة، سيطروا على الدولة العباسية في بغداد مابين 945 م الى 1055م).
1076 – 1239م: تحت حكم العيونيين، وهم من آل عبد القيس من أبرز قبائل البحارنة المنتمية إلى ربيعة بن نزار.
1239 – 1308م : البحرين تحت حكم الدولة الزنكية (الأتابكة /السلغرية) وربما فترات حكم متقطعة لآخرين.
1308 – 1388م: تحت حكم آل عصفور و أبناء عمومتهم آل جروان، وهم من البحارنة.
1388 – 1439م: وضع مضطرب للحكم المحلي وسيطرة حكام هرمز على البحرين.
1439 – 1521 م: تحت حكم الجبور والبعض يقول إنهم أبناء عمومة آل عصفور.
1521 – 1602 م: الاحتلال البرتغالي والحاكم الذي ينوب عن البرتغاليين كان من هرمز.
1602 – 1717 م: البحرين تحت حماية الدولة الصفوية، وتخلل ذلك انقطاع لفترة عندما حكم أحد أبناء الجبور، وهو الشيخ محمد الجبري، ربما بين 1629 و 1643م.
1717 – 1725 م: الاحتلال العماني .
1725 – 1737 م: حكم الشيخ جبارة الهولي، وهو من الهولة.
1737 – 1783 م: نادر شاه يحكم البحرين وينوب عنه آل مذكور.
1783 – 1800 م: حكم آل خليفة.
1800 – 1802م : الاحتلال العماني مرة أخرى.
1802م: عودة حكم آل خليفة.
1820م: البحرين تدخل في الاتفاقية البريطانية مع مشايخ الخليج من أجل الحماية.
1971 م:استقلال البحرين عن بريطانيا.
الحديث عن بني جمرة
وبعد ما ذكرنا عن البحرين كمدخل للحديث عن بني جمرة ننتقل الآن إلى هذا الحديث، وقبل الحديث عنها يثور أمامي هذا السؤال: لماذا لم يكتب عن هذه القرية شيء حتى كأنها لا قدم لها، ولا أثر في التاريخ!! علما بأن فيها ما يقتضي أن يكتب عنه، من علماء وخطباء، وحرف، وحوادث، الأمر الذي جعل حتى أبناءها لا يعرفون عن ماضيها إلا الشيء اليسير، إلى درجة أن العلماء الذين تتكرر أسماؤهم عند أبناء القرية نقلا عن أسلافهم يعرف شيء عن حياتهم وسيرتهم، بل يجهل حتى أسماء وآباء أكثرهم، وحتى الذين ليسوا ببعيدي العهد؟
والجواب على هذا السؤال هو: أني أحسب أن السبب يعود إلى أن الذين جاؤوا في الفترة المتأخرة أي فيما قبل جيلين أو ثلاثة في التاريخ قد تحملوا قضية الإهمال بسبب أميتهم من ناحية، وكونهم بعيدين عن الأمور العلمية بسبب اشتغالهم بمهنة الصياغة والنجارة والصرافة، وبعد ذلك بهمنة النساجة من ناحية أخرى.
وإن مصادري من الكتب عن هذه القرية تتلخص في ثلاث جهات:
-1 بعض الكتب التأريخية والمجلات التي تعرضت لذكرها.
-2 بعض الثقات في النقل وأهل الضبط الذين أعتمدهم وأثق بصحة نقلهم عمن تقدمهم كالعم المفغور له الخطيب ملاعطية بن علي الجمري طاب ثراه.
وقبل الحديث عن بني جمرة، أرى أن نأخذ معنى جمرة في اللغة، وفي الاصطلاح، ونشير إلى من سمي جمرة في صدر الإسلام، ومن كني بهذا الاسم، أو نسب إليه.
الجمرة في اللغة والاصطلاح والشعر العربي
الجمرة في اللغة: الحصاة، وجمعها جمرات، وجمار، وفي الاصطلاح: ثلاثة مواضع بمنى في ظاهر مكة، عرفت كذلك لأن الحجاج يرمون بها الجمار .
-1 حدثني المرحوم ابن العم الخطيب ملاعطية بن علي الجمري رحمه الله تعالى: أن أهل بني جمرة – في القديم – يمتهنون ثلاثة أعمال هي: الصياغة، والتجارة، والصرافة. ويشار إلى أهل الفن الأول بالصاغة، وإلى أهل الفن الثاني بالنجاجرة، وإلى أهل الفن الثالث بالخرادوة. أما عمل النسيج فقد امتهنه أهل القرية مؤخرا. وحدثني ابن العم الحاج حسن الحاج إبراهيم الحاج محمد نقلا عن أبيه رحمه الله: أن هناك فئة رابعة، يقال لها: المرايمة. وبتحري الحاج حسن، إنها فئة عملها ثقب اللؤلؤ، نظرا إلى أن هناك آلة يستعملها النجارون.
بالتدريس والتصنيف والعبادة والتأليف في قرية المصلي من توابع بلادنا بلاد القديم إلى أن توفي بها لثمان خلون من ربيع الأول سنة 984هـ (أربع وثمانين وتسعمائة من الهجرة) عن ستة وستين وشهرين وسبعة أيام (1576 م)، ودفن في مقبرة البلاد المعروفة بـ (مقبرة الشيخ راشد)، شمالا من المسجد، وقد زرت قبره مرارا ودعوت الله عنده. وعلى قبره صخرة مكتوب عليها اسمه واسم أبيه وبلاده وتأريخ وفاته ضاعف الله حسناته.
ورثاه ابنه الشيخ البهائي بقصيدة، منها قوله:
يا جيرة هجروا واستوطنوا هَجَرَا
وَاها لقلبي المعنَّى بعدكم وَاها
يا ثاويا بالمصلى من قرى هَجَرِ
كُسيت من حلل الرضوان أضفاها
أقمت يا بحر بالبحرين فاجتمعت
ثلاثة كُنَّ أمثالا وأشباها
ثلاثة أنت أنداها وأغزرها
جودا وأعذبها طعما وأصفاها
حويت من درر العلياء ما حويا
لكن درك أعلاها وأغلاها
ويا ضريحا علا فوق السِماك علا
عليك من صلوات الله أزكاها
فاسحب على الفلك الأعلى ذيول علا
فقد حويت من العلياء أعلاها
«وكانت ولادته أول يوم من المحرم السنة الثامنة عشرة بعد التسعمائة (1512 م)، وعلى هذا يكون عمره – قدس سره – خمسا وستين سنة وثلاثة أشهر وأياما».
ومن هذه القصيدة البيت الآتي وهو من شواهد ابن هشام في «قطر الندى»:
دعاني الغواني عمهن وخلتني
لي اسم فلا أدعى به وهو أول
وقال ابن منظور في «لسان العرب» مادة جمر. والجمرة: القبيلة لا تنضم إلى أحد. وقيل: هي القبيلة تقاتل جماعة قبائل وقيل: هي القبيلة يكون فيها ثلاثمائة فارس أو نحوها. والجمرة: ألف فارس، يقال: جمرة كالجمرة. وكل قبيل انضموا فصار يدا واحدة ولم يحالفوا غيرهم فهم جمرة. الليث.
الجمرة كل قوم يصبرون لقتال من قاتلهم لا يحالفون أحدا ولا ينضمون إلى أحد، تكون القبيلة نفسها جمرة تصبر لقراع القبائل كما صبرت عبس لقبائل قيس. وفي الحديث عن عمر: أنه سأله الحطيئة عن عبس ومقاومتها قبائل قيس فقال: يا أمير المؤمنين كنا ألف فارس كأننا ذهبة حمراء لا نستجمر ولا تنالف أي: لا نسأل غيرنا أن يجتمعوا إلينا لا ستغنائنا عنهم. والجمرة: اجتماع القبيلة الواحدة على من ناوأها من سائر القبائل، ومن هذا قيل لمواضع الجمار التي ترمى بمنى جمرات لأن كل مجمع حصى منها جمرة. وهي ثلاث جمرات. وقال عمرو بن بحر: يقال لعبس وضبَّة ونمير الجمرات، وأنشد لأبي حية النميري:
لنا جمرات ليس في الأرض مثلها
كرام، وقد جربن كل التجارب
نمير وعبس يتقى تقيانها،
وضبَّة قوم بأسهم غير كاذب
جمرة في التاريخ
جاء في كتاب «سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب» لمؤلفه: أبي الفوز محمد أمين البغدادي الشهير بالسويدي ص 44 :
«الجمرات: بفتح الميم بطن من لخم فيما ذكره أبو عبيد في أنسابه فقال: هم من بني غنم بن أريش بن أراش بن جزيلة بن لخم. وقال الجوهري في صحاحه: جمرات العرب ثلاث: بنوضبة بن أد، وبنو الحارث بن كعب، وبنو نمير بن عامر، فطفيت جمرتان، جمرة ضبة لأنها حالفت الرباب، وجمرة بني الحارث لأنها حالفت مذحج، وبقيت جمرة نمير لم تطف لأنها لم تحالف. ويقال: الجمرات عبس والحارث وضبة وهم إخوة لأم، وذلك أن امرأة رأت في المنام أنه خرج من فرجها ثلاث جمرات، فتزوجها كعب بن عبدالمدان رجل من اليمن فولدت له الحارث بن كعب وهم أشراف اليمن، ثم تزوجها بغيض بن ليث فولدت له عبسا، وهم فرسان العرب، ثم تزوجها أد فولدت له ضبة، فجمرتان في مضر وجمرة في اليمن».
وعليه فالجمرة الباقية هي جمرة نمير. ومن هم نمير؟ قال السويدي في المصدر السابق ص 42 : «بنو نمير بطن من عامر بن صعصعة، منهم قيس بن عاصم بن أسيد الصحابي، وفد على النبي (ص)، قال في العبر: وكانت منازلهم الجزيرة الفراتية والشام».
من سمي جمرة في صدر الإسلام
عثرت وأنا أبحث عمن سمي بهذا الاسم في صدر الإسلام على أربع نساء صحابيات، ورجل، أما النساء فهن:
-1 جمرة، امرأة عيينة بن حصن الفزاري صحابية، وهي غير بنت الحارث بن عوف.
-2 جمرة بنت عبدالله التميمية اليربوعية، صحابية حسنة، دعا لها النبي(ص).
-3 جمرة بنت قحافة الكندية الكوفيه، روى عن النبي (ص).
-4 جمرة بنت النعمان العدوية، صحابية. وأما الرجل فهو: جمرة بن شهاب وهو من بني ضرام، فهو الذي سأله الخليفة عمر بن الخطاب (رض) – كما يروى – عن اسمه فقال: جمرة، فقال: ابن من؟ قال: ابن شهاب، فسأله عن قبيلته فقال: ضرام من الحرقة، فسأله عن منزله، فقال: بنات لظى، فقال ما أظن أهلك إلا قد احترقوا، فيروى أنه ذهب إلى أهله فوجدهم قد احترقوا.
من كني بجمرة
جاء في كتاب (القاموس الإسلامي) وضع أحمد عطية الله المجلد الأول ص 631 : ابن أبي جمرة كنية اثنين من مشاهير فقهاء المالكية بالأندلس، هما:
-1 أبوبكر محمد بن أحمد بن عبدالطلب الأموي المالكي، ولد بمرسية عام 518 هـ 1124م، وتولى القضاء بها، كما تولى قضاء شاظية وبلنسية. من مصنفاته: (نتائج الأفكار ومناهج النظار في معاني الآثار). توفي بمسقط رأسه العام 599هـ أو 1203م.
-2 أبو محمد عبدالله بن سعد الأزدي المالكي، أصله من الأندلس، ثم سكن مصر، واشتغل بعلوم الحديث. اشتهر بكتابه (جمع النهاية)، وهو مختصر متداول للجامع الصحيح للبخاري، كما يعرف بـ (مختصر ابن أبي جمرة) توفي بمصر العام 695 هـ 1296م.
النسبة إلى جمرة
يقال في النسبة إلى جمرة: جمري، وجمريون، ويقال في اللهجة الشعبية: جمارى، هذا (أي جمارى ) في البحرين، وفي اليمن تستعمل في النسبة كلمة: جمري، وكلمة: جمرة، بدون ياء النسبة، فيقال: فلان جمرة، وفلان الجمرة.
والنسبة إلى جمرة تعني في الأصل النسبة إلى القبيلة، وصار فيهم من النسبة أخيرا في البحرين النسبة إلى المحلة أو القرية المعروفة بـ: «بني جمرة» التي تقع في القرن الغربي الشمالي من البحرين.
مذاهب الجمريين
الجمريون الذين في البحرين، وفي العراق، بمحافظة البصرة وفي إيران بمدينة المحمرة «خرمشهر» وقصبة النصار الذين هاجروا من البحرين إلى هذه البلدان في فترات سابقة، كل هؤلاء يعتنقون المذهب الجعفري.
أما الجمريون الذين في اليمن بالعاصمة (صنعاء) وفي شمال اليمن فيعتنقون المذهب الزيدي، وبعضهم سنة. كما أن بعض الجمريين في العراق يعتنق المذهب السني كما يدل على ذلك بعض ما عثرت عليه في مطالعاتي. جاء في مجلة «الأقلام» وهي مجلة تصدر في العراق قبل وفي السبعينيات من قبل وزارة الإعلام العراقية – ج. ا – السنة 2/ ربيع الأول 1387 هـ حزيران 1967م تحت عنوان: «إحدى السيدات المعلمات في عصر المستنصر بالله» : ا لشيخة تمني بنت الشيخ الأجل أبي خوص عمر بن إبراهيم بن الحسين بن عيسى الطيبي الجمري البغدادي الأزجي. سمعت عن أبي المظفر علي بن حمد الكرخي وحدثت وتوفيت ببغداء سنة 594 هـ (1198م).
بعض ماذكره الملا عطية عن الأجداد
ذكر المرحوم الملا عطيةبن علي بن عبدالرسول بن محمد بن حسين، عن الأخير (حسين) وهو جدنا المشترك، واسمه حسين بن إبراهيم بن مكي بن الشيخ سليمان بن مكي الجمري «كان حسين هذا غيورا على بلاده سياسيا يتحبب للبداة، وكان يفعل ذلك محافظة على بلاده، إذ لايزالون (أي البداة) والبحرين بلا دافع يهجمون بسفنهم على القرى فيستقبلهم أمام بلاده (أي بني جمرة) ويوسعهم عطائا حتى يرضيهم ويرجعوا، فعجز ما في يده في إحدى السنوات عن إرضائهم فاستأجلهم فأبوا إلا المبلغ الذي عينوه أو الهجوم، أو رهنا يتسلموه يزيديهم إلى حين الدفع، فلم يجد سوى ولده «محمد» فسلمه إليهم وهم عليه أمناء يذهبون به إلى البر لمدة معينة ويجتهد هو في تحصيل المال لفكاك ولده. فعل ذلك أكثر من مرة وليس له من الأولاد إلا محمد وبنت».
ذكر المرحوم الملا عطية إن«محمد بن حسين بن إبراهيم» اقترن اسم عائلتنا باسمه (آل محمد) وذلك لأنه «كان جوادا ذا ثروة طائلة مكنته من مزاولة التجارة في البلدان النائية، وكان على مايليق بشأنه من التجارة وهو الذي كان يرهنه أبوه عند الأعراب دفعا للبلاء إلى حين توفير المقرر من قبلهم لمنع مهاجمة القرية». وبعد محمد اقترن اسم عائلتنا باسم (آل عبد الرسول)، وعبد الرسول ورث مكانته من والده محمد بن حسين بن ابراهيم بن مكي بن الشيخ سليمان بن مكي الجمري البحراني.
وذكر المرحوم الملا عطية مايلي عن والده علي بن عبد الرسول: «كان أبي رحمه الله هو الأوسط وكان رجلا يحب التجارة والأسفار وكان سخي النفس طيب المعاشرة لايضمر غشا لأحد، واستقر بتجارته في سوق المنامة ووفق توفيقا باهرا. اعترضته عراقيل فأتت على تجارته، فهاجر إلى المحمرة، وأقام مدة ثم رجع عام 1388 هـ (1920 م)، وتوفي العام 1362 هـ (1943 م)».
الحديث عن بني جمرة
قالوا عن بني جمرة (1)
جاء في كتاب: «البحرين درة الخليج» ص 387 لمؤلفه: محمود بهجت سنان: قرية جمرة أو بني جمرة تقع في جنوب غربي الدراز، وتبعد عن مرفأ البديع نحو ميل واحد، وهي تؤلف عقدة المواصلات للمسالك التي تربط القرى في هذا الجزء بعضها ببعض، ويقع طريق: المنامة – البديع، العام في شمالها، إذ تتصل فيه بمسلك فرعي طوله 400 ياردة، تبعد عن المنامة العاصمة بمسافة 12 كيلومترا قريبا وقريبة للشارع العام جنوبا.
جاء في كتاب: «البحرين من إمارات الخليج العربي» ص 94 – 95 لمؤلفه: خضير نعمان العبدي، ما نصه: بني جمرة: قرية تقع في الجهة الجنوبية لبلدة (دراز) وفي الجهة الشرقية للبديع، أي أنها في الجهة الغربية لجزيرة المنامة… وتقع على ربوة عالية أكسبتها منظرا جميلا، تحيطها حزم النخيل من جميع جوانبها وأقلها من الجهة الشمالية. تشتهر بصناعة النسيج إلا أن مصايفها بدوية وتنتهج النظام البيتي وقد بات هذا النظام في طريقه إلى الانتهاء لعدم تطوره مع واقع العصر الحديث.
قالوا عن بني جمرة (2)
جاء في كتاب: (دليل الخليج) القسم الجغرافي ج ا ص 276 لمؤلفه: ج. ج لوريمر. وتأريخ تأليف 1903 م قال: «بني جمرة على بعد ثلاثة أرباع ميل شرقي البديع، 50 كوخا للبحارنة الذين يعلمون بزراعة النخيل ونسج صوف العباءات، توجد قريبا منها بئر يستعملها سكان البديع للشرب، وبها قوارب لصيد اللؤلؤ، وعدد الحمير: 25 حمارا، والنخيل 1300 نخلة».
وتقييما لما ذكره هذا المؤلف ذكر بعض كبار السن في القرية أن ما ذكره مجرد تخرص ولا يملك شيئا من الدقة، فإن هذه القرية من قديم الزمن بيوتها في الغالب مبنية بالجص.
لقد كانت «بني جمرة» تزود البحرين بالأقمشة مما يدعو إلى النظر لها كمورد رئيسي لاقتصاديات كل سكانها. ولم تكن قرية «أبوصيبع» إلا الجناح الثاني لهذه الصناعة. هذا وكانت الإحصائيات بشكل دقيق مفقودة، مما يجعلنا أن نقول بأن هذه الصناعة كانت بشكل يستوجب من الأهمية ما يدعو للنظر في فترة كانت التجارة البحرية الواسعة مع الهند وبلاد فارس تتوسع بصورة جعلت أبناء البحرين يتوجهون لإشباع حاجاتهم الاقتصادية من المنسوجات ولذلك قاموا بتطوير هذه الصناعة في تلك الفترة… ولما كانت السفن تحتاج إلى الأقمشة من نوع خاص لأشرعتها بدت هذه الصناعة تشكل العمود الفقري لهذه المهنة لسد حاجات سفن الغوص وصيد الأسماك. وفي فترة الحرب العالمية الثانية نشطت هذه الصناعة بشكل واسع النطاق (في حدود قدرتها الإنتاجية المعتمدة على الأسلوب البدائي في الإنتاج) احتلت هذه المهنة مكانتها الأولى عند الأهالي وأصبحت المصدر الاقتصادي الوحيد، ثم اتسعت هذه الصناعة حيث شملت أنواعا مختلفة جعلها تتطور إلى الملابس الخارجية النسائية منها والرجالية. إلا أنها تدهورت بعد ذلك بغزو المنسوجات الحديثة، وفي الفترة الحاضرة اندثرت صناعة النسيج إلا أن الزائر لهذه القرية يلاخط أدوات الصناعة وبيوتها في القرية قائمة، وفي بعض البيوت، وأصبحت في الوقت الحاضر مركزا للباحثين عن الصناعات القديمة في البحرين.
يحسن أن نذكر كلام المبشرة «كورنيلا دالينبرج» الأميركية سنة 1925م عن القرية، حسب ما ذكرته صحيفة «الخليج» الإماراتية العدد 4808 – 9 محرم 1413 هـ 9 يونيو 1992م ترجمة وإعداد: خالد البسام. وكانت الرحلة إلى قرى البحرين، في سيارة «فورد» التي أعدت لمستوصف رحال، قالت المبشرة المذكورة:
وفي المحطة الأولى زرنا قرية «بني جمرة» التي تتكون من مجموعة من الأكواخ الملتفة حول ثلاثة عيون تروي البساتين البعيدة بعض الشيء عنها والمحيطة بها كذلك.وعندما وصلنا إليها كان علينا ترك الفورد والسير في طريق ضيق ووعر يؤدي إلى داخل القرية مشيا على الإقدام. وبالطبع أخذنا معنا حقائبنا الطبية وتركنا اثنين من المساعدين عند السيارة لتوزيع الأدوية على المرضى الذين نرسلهم بعد انتهاء الفحص.
ويبدو أن القرية عرفت بوصولنا لذلك جاء إلينا عدد من الرجال لمقابلتنا وقادونا إلى بيتين غير مسكونين كان يستخدمهما ناسجو الحصير. وأعطي الطبيب ومساعده أحد البيوت لمعالجة الرجال بينما ذهبنا نحن إلى البيت الثاني المخصص للنساء.
وفي بيت الرجال كان هناك الكثير من الحشود واقفة تنتظر دورها للمعالجة، أما نحن في بيت معالجة النساء فقد بقينا ننتظر حتى راحت النساء يتقدمن إلينا شيئا فشيئا. ومع الوقت امتلأ البيت بهن وبعضهن جئن للمشاهدة فقط ولحب الفضول ولسماع الأحاديث هنا وهناك.
وبعد انتهائنا بعد عدة ساعات رجعنا إلى مكان السيارة. وأثناء سيرنا شاهدنا بعض الرجال والنساء الذين أعطيناهم «روشتة» للدواء لأخذها من السيارة وهم عائدون إلى القرية يحملون معهم فناجين قهوة مملوءة بالمراهم وموضوعة في أوانٍ كبيرة، وزجاجات. وحبوب دواء كثيرة لا يستطيعون حتى حملها.
قالوا عن بني جمرة (3)
بعض ما جاء في مجلة «صوت البحرين» العدد 11 ذو القعدة 1370 هـ (1951 م) تحت عنوان « يوم بين صناع النسيج في قرية بني جمرة » ما يلي:
«اشتهرت بعض قرى جزر البحرين منذ عصور قديمة بصناعة النسيج اليدوي. وقد لاحظت «صوت البحرين» أن الكثيرين من الأهالي لا يعرفون شيئا عن هذه الصناعة التي كانت يوما ما تشكل المصدر الذي تستمد منه البلاد لباسها وموردا دائما لمئات الأسر العامة المكافحة ما حدا بها إلى إيفادي إلى إحدى هذه القرى لأطلع على سير العمل فيها وأكتب تقريرا عنه. أخذت مقعدي في السيارة إلى جانب أحد محرري هذه المجلة فانطلقت بنا نحو قرية بني جمرة؛ إحدى مراكز صناعة النسيج.
وما هي إلا دقائق حتى كانت تسير بنا في طريق ريفي جميل رصفت أرضه وترامت على جانبيه البساتين ولا نغالي إذا قلنا إنه أجمل طريق في البحرين. وكانت تمر بنا أثناء ذلك حافلة «باس» من الحافلات أو قافلة من الحمير البيض تحمل إلى السوق ما أنتجته القرية أو تحمل من السوق ما تحتاجه القرية. وكنا كلما ابتعدنا عن المنامة كلما ازداد هبوب نسمات الهواء البليلة المنعشة التي نفتقدها في المنامة في أكثر أيام الصيف فلا نكاد نحصل عليها إلا في القليل النادر. وبعد عشر دقائق تقريبا بدأت السيارة تخلف وراءها تلك البساتين لتسير في طريق تمتد الأراضي المقفرة عن جانبيه تتناثر هنا وهناك فيها بعض المزارع التي يملكها أولئك الذين أسعفهم الحظ… أو إن شئت النفوذ… فحصلوا على رخص لحفر آبار ارتوازية تروي مزارعهم هذه.
هل يا ترى يعجل المسئولون بتنفيذ مشروع الري الذي أشار إليه عبد الرحمن الباكر في العدد الأخير من هذه المجلة لينقذوا هذه الأرض وغيرها من الأراضي من البوار؟!
وأخيرا لاحت لنا بني جمرة… وهي قرية صغيرة تقع على مرتفع رملي تحيط به بعض بساتين النخيل الصغيرة وتضم مئة وعشرين بيتا يسكنها ما يقارب السبعمئة نسمة يعيش أكثرهم عيشة منخفضة المستوى. وأهلها يعيشون في حالة فقر مدقع فقد حرمتهم الطبيعة حتى من الماء الذي يتوافر وجوده في أغلب القرى. فهم لذلك يضطرون إلى جلب ما يحتاجون منه للشرب من مجرى مائي يبعد عن القرية قرابة ميلين.
تصور أيها القارئ أي شقاء تعانيه نساء هذه القرية حين يتركن بيوتهن في الشتاء تحت وابل المطر وقرصان البرد ليجلبن ما يحتجن إليه من الماء وليس عليهن من اللباس إلا أسمال ممزقة لا تكاد تقي من غائلة البرد القارص بالرغم من وجود المياه الارتوازية في قرية «البديع» التي تقع على مرمى البصر من بني جمرة. فلماذا لا تقوم الحكومة بحفر عين ارتوازية في القرية – كما فعلت في البديع والزلاق – رحمة بأولئك النسوة المعذبات؟
استقبلنا بعض من قابلناهم من سكان القرية بحفاوتهم وكرمهم المعهودين وتكرم أحدهم للطواف بنا على بعض مصانع النسيج التي اشتهرت بها هذه القرية. وقد وجدنا أن المصنع عبارة عن كوخ صغير من سعف النخل يحتوي في العادة على منسجين، وآلة للف خيوط «الغزل» وإعدادها للنسج، وبعض أدوات الصباغة إذ إنهم يشترون الغزل أبيض ثم يقومون بعد ذلك بصبغه بحسب حاجاتهم. ولا يفوتنا أن نذكر أن هؤلاء النساجين كانوا فيما مضى يعدون الأصباغ التي يحتاجونها من تركيب بعض الأعشاب والعقاقير وتكون ألوانها في العادة ثابتة لا تتغير. أما الآن فإنهم يستعلمون الأصباغ الهندية أو الأوروبية لرخصها أولا ولسهولة الحصول عليها ثانيا ولسهولة استعمالها ثالثا.أما عدد المشتغلين في كل مصنع فهم في العادة أربعة عمال: اثنان منهم للنسيج وواحد للصباغة والرابع للف الغزل وإعداده.
تنتج هذه المصانع الآن «الأوزرة» الأزر والعباءات (البشوت) والأردية وهي نوع من القماش الأسود الثخين تتدثر به الكثيرات من نساء البحرين وكانت البلاد تستورد منه في السابق كميات هائلة من الهند للاستهلاك المحلي ولتموين الأسواق المجاورة بحاجتها منه. أما الآن فإن إنتاج مصانع هذه القرية يسد حاجات البلاد.
ويستطيع كل نساج أن يعد عشرة أوزرة من الحجم الصغير أو خمسة من الحجم الكبير في اليوم الواحد. وهي في الواقع لا تقل جودة عن الأوزرة الهندية وإنما تحتاج إلى آلة ضاغطة (صنجة) أو على الأقل إلى غسل وكي لتصبح كالهندية تماما إن لم تفقها رونقا وقوة. ومع ذلك فهي تباع بربيتين للإزار الصغير وثلاث ربيات ونصف الربية للإزار الكبير بينما تباع الهندية بأضعاف هذين السعرين.
ولذلك فإن الإنتاج المحلي ينفد من السوق حال هبوطه لإقبال الطبقات الفقيرة وخاصة القرويين على شرائه.
أما العباءات (البشوت) التي ينسجونها فهي على نوعين: صيفية وشتوية. إلا أن أكثرهم لا ينتجونها لحسابهم الخاص وإنما بالأجرة لحساب بعض التجار. وهنا تتجلى لك المأساة… مأساة قوم لا يجدون من يحميهم أو ينصفهم حتى من أنفسهم. إن حياكة العباءة الصيفية تستغرق يوما واحدا وحياكة العباءة الشتوية يومين، يأخذون أجرا على نسجها يتراوح ما بين الأربع والثماني ربيات… يومان يقضي الرجل أكثر ساعاتهما في عمل مضنٍ شاق منكبا على منسجة يحرك يديه ورجليه ويجهد عينيه ليقبض بعد ذلك مثل هذا المبلغ التافه الزهيد الذي لا يتناسب أبدا مع مهارته الفنية وما يبذله من الجهد العظيم.
وازدهرت قبل سنوات حياكة الشُرع في البحرين التي كانت مقصدا لجميع سفن إمارات الخليج تقصدها لشراء حاجاتها من الشرع. كما كانت – أي البحرين – تصدر منه كميات كبيرة إلى دبي وقطر والبصرة وعمان تبلغ في كثير من الأحيان بين الأربعمئة والخمسئمة مَنّ في الأسبوع. وكان رسل جلالة ابن السعود في ذلك الحين يشترون له مقادير كبيرة لصنع الخيام.
أما الآن فقد تضافرت عوامل عدة على إماتة هذه الصناعة في البحرين منها: أولا عدم وجود الغزل اللازم للشرع، وتوقف جلالة ابن السعود ثانيا عن طلب كميات للخيام، وثالثا هبوط عدد سفن الخليج الشراعية ولاسيما سفن الغوص هبوطا كبيرا في السنوات الأخيرة.
و «بني جمرة» ليست القرية الوحيدة في البحرين التي يزاول أهلوها هذه الصناعة وإن كانت اليوم أكثرهم نشاطا. فهناك أبوصيبع والمرخ والدراز.
أما أبوصيبع فقد اشتهرت بنسج نوع من الأردية ذات المربعات التي تشبه ذيل الطاووس في ألوانها وكانت لها فيما مضى أهمية خاصة عند قسم كبير من سكان البحرين إذ كان من الأمور التقليدية أن يفرش رداء منها على سرير العروس ليلة زفافها ليصبح ملكا لها لا يجوز التفريط فيه. حتى إذا فارقت الحياة غطى نعشها وصحبها إلى القبر. إلا أن هذه العادة أخذت في التلاشي بفعل الزمن ولم يبقَ لها وجود إلا بين القلائل والقلائل جدا من الناس.
وكانت قرية المرخ – وقد توقف فيها العمل الآن – شهيرة بنسيج «الطرابزون» وهو نوع من القماش الأبيض الشفاف كانت تلبسه العائلة الحاكمة والطبقة المترفة من الشعب.
وازدهرت في الدراز يوما ما صناعة الأشرعة التي زالت فيما بعد للظروف التي بيناها من قبل فاتجه سكانها إلى احتراف مهنة صيد الأسماك.
إن تاريخ هذه الصناعة في البحرين قديم. حتى أنه ليصعب علينا أن نحدد الوقت الذي نشأت فيه أو الظروف التي أحاطت بنشأتها لعدم توافر المصادر لدينا. إلا أننا نستطيع القول إن إنتاجها كان يغذي الأسواق المحلية والأقطار المجاورة حتى عهد قريب. فلما جاءت السفن التجارية وحدث الاتصال بين البحرين والعالم الخارجي وتدفقت منسوجات المصانع الحديثة لم تستطع منتوجات المصانع اليدوية أن تصمد في وجه ذلك التيار الميكانيكي فأخذت في الاضمحلال حتى اقتصرت قبل الحرب العالمية الثانية على إنتاج الشرع التي تعتمد عليها جميع سفن الخليج.
ثم قامت الحرب العالمية الثانية فتوقفت سيول البضائع الأجنبية عن التدفق على البلاد واضطر الناس إلى اللجوء إلى ما لديهم من السوائل فدب النشاط في صناعة النسيج اليدوية. وصاحب ذلك توافر «الغزل» المستورد من إيران والعراق ومصر والهند ما فتح المجال أمام هؤلاء القوم لزيادة عدد مصانعهم حتى بلغت في قرية بني جمرة وحدها أكثر من ثلاثمئة مصنع. ومن ثم راحوا ينتجون للبلاد من الأزر والغتر والأردية وأنواع الأقمشة الأخرى ما استطاع أن يسد حاجات السكان.
كما صُدّر منه الكثير إلى دبي والقطيف وإمارات الخليج الأخرى. ثم انتهت الحرب فاتجه التجار إلى استيراد مختلف البضائع التي أخذت توزعها الدول الكبرى على أسواق العالم لتعوض ما خسرته في الحرب، واتجه التجار إلى استيراد تلك البضائع وصرفوا اهتمامهم نهائيا عن توريد الغزل غير عابئين لما حل بالمشتغلين بصناعة النسيج من خسائر وما أدى إليه عملهم هذا من شل هذه الحركة المباركة وخنقها.
وعندها اضطر الكثيرون إلى إغلاق مصانعهم والتحق بعضهم كعمال عاديين في شركة بترول البحرين ومارس البعض الآخر منهم مهنة صيد الأسماك. وما بقي في «بني جمرة» من المصانع الآن لا يزيد عددها على الخمسين مصنعا. وقد قال لي أحدهم: «إن كل رجال هذه القرية يجيدون هذه الصناعة وهم يتمنون أن يأتي اليوم الذي يستطيعون فيه العودة إلى مزاولة صنعة الآباء والأجداد».
وقبل أربع سنوات أو ثلاث هاجر الكثيرون منهم إلى المملكة العربية السعودية والكويت لإقامة مصانع لهم هناك.
ولكن يظهر أنهم لم ينجحوا في مهمتهم هذه فعاد أكثرهم. وإذا صادف أيها القارئ أن ذهبت إلى دبي أو الكويت أو غيرهما من أقطار الخليج ووجدت أحدا يشتغل بصناعة النسيج فتأكد تمام التأكد أنه هاجر إليها من البحرين إذ ليس في كل الخليج من يجيد هذه الصناعة غير أهالي البحرين.
مشاكل بني جمرة: أهمها مشكلتان رئيسيتان تقفان حجر عثرة في سبيل تقدم هذه الصناعة وازدهارها، ولو أمكن حلهما – وحلهما سهل جدا – لانفتح الباب أمام هذه الصناعة لتشق طريقها وتكون مرفقا هاما من مرافق الدخل في البلاد. هاتان المشكلتان هما:
أولا: عدم وجود رؤوس أموال لدى المشتغلين بهذه الصناعة. ذلك أن المقتدر منهم لا يكاد يملك مبلغا من المال يزيد على المئتي ربية. لهذا يجدون أنفسهم مضطرين دائما إلى بيع كل ما ينسجونه حال إنزاله إلى السوق ولو أدى ذلك إلى خسارتهم لأنهم يريدون الدراهم لاستخدامها في شراء غزل جديد لتستمر دورة عملهم. وأعتقد أن حل هذه المشكلة ينحصر في تكوين إدارة تتعاون مع هؤلاء النساجين تعاونا صادقا غير استغلالي وتكون مهمتهم تزويدهم بالأموال أو الغزل واستيراد ما يحتاجون إليه من آلات خفيفة كالآلة الضاغطة مثلا على أن تتولى هي – أي الإدارة – بيع المنسوجات وتنظيم تصديرها إلى بلدان الخليج. ترى لو كانت هذه الإدارة موجودة هل استطاع تجار «البشوت» مثلا أن يستغلوا هؤلاء المساكين هذا الاستغلال الفاحش؟.
ثانيا: عدم توافر الكثير من أنواع الغزل اللازم لهذه الصناعة. لقد أثبت هؤلاء القرويون أيام الحرب أن باستطاعتهم نسج أنواع كثيرة من الأقمشة لو توافرت لهم خيوط الغزل. ولست أدري ما الذي يمنع الحكومة من جلب كميات كبيرة من الغزل من الهند والعراق لبيعها لهؤلاء الصناع بأسعار معقولة ليستطيعوا أن ينتجوا من الأقمشة الرخيصة التي لا تقل جودة عن مثيلاتها من الأقمشة الهندية ما يسد حاجات الطبقات الفقيرة. فتخفف بذلك عن كاهل الفقير وتحافظ على صناعة من صناعات البلاد القديمة وتوجد أعمالا للأيدي العاملة. ولو أن الحكومة مثلا أولت جزءا من اهتمامها لقضية الغزل اللازم لنسج الشرع فاستوردته من الخارج لوضعت بذلك أول لبنة في بناء كياننا الاقتصادي. إن المصانع بعددها الحاضر تستطيع أن تستوعب من 8 إلى 10 ربطات (وزن الربطة 400 رطل) من هذا الغزل شهريا. ولا أظن أن استيراد مثل هذه الكمية البسيطة عسير على الحكومة».
الأسر الجمرية
تتألف «بني جمرة» البلد من مجموعة أسر حسب ما أعرفه، وحسب ما تلقيته من بعض كبار السن، لاسيما المرحوم الحاج محمد بن إبراهيم، وبعض هذه الأسر وهو قليل – لم يكونوا في الأصل من الجمريين، وفيما يأتي أذكر مجموعة الأسر:
-1 أسرة: آل الشيخ سليمان الجمري، وهي أسرتنا، وتسمى أيضا: آل محمد.
-2 آل محمد أبوعبدالله.
-3 آل الغسرة.
-4 آل غانم.
-5 آل هارون.
-6 آل الحاج محفوظ.
-7 آل زيد.
-8 آل الحاج إبراهيم بن زيد، ومنهم المرحوم الحاج علي بن مرهون بن جمعة بن زيد. وانما سميت آل زيد المذكورة لأن جدهم زيد كان يعمل مع شخص قد رباه بسبب أن ذلك الشخص قد تزوج أمه، فعرف زيد هذا بابن زيد، ومن ثم عرفت ذريته بآل زيد.
-9 آل نصيف.
-10 آل فتيل.
-11 آل نجم، ومنهم الخطيب الملا جاسم محمد حسن نجم المترجم في هذا الكتاب.
-12 آل سالم، وهم ممتزجون بأسرتنا امتزاجا جعلهم جزءا منها، وذلك بواسطة المصاهرة، وفيهم التاجر الوجيه المعروف الحاج محمد حبيب الجمري.
-13 آل الصائغ، وهم أسرتان: آل حسين الصائغ ومنهم المرحوم حاج حسين بن علي الصائغ. ومن هذه الأسرة الأخيرة: آل يوسف الصائغ، ومحمد بن إبراهيم الصائغ الملقب بالمعيني رحمه الله تعالى.
-14 آل المقصقص.
-15 آل طارش.
-16 آل الحاج عبدالنبي.
-17 آل السرح، ومنهم: الخطيب الملا محمد علي الحاج جاسم، المترجم في هذا الكتاب.
-18 آل مرزوق.
-19 آل سعد.
-20 آل غبَّاش.
-21 النجاجرة، ومنهم المرحوم الشيخ يوسف بن يعقوب الجمري، المترجم في هذا الكتاب، ومنهم آل خيرالله.
-22 آل العجرة.
-23 آل اسماعيل، ويعرفون قديما بآل عبدالإمام كما حدثني بهذا الخطيب عبدالكريم الحاج يوسف الغانمي المترجم في هذا الكتاب.
-24 آل الجمري، ومنهم الخطيب المرحوم الملا أحمد بن عبدالله الجمري المترجم في هذا الكتاب.
-25 آل العرب، ومن هذه الأسرة العلامة الخطيب الشهيد الشيخ عبدالله بن أحمد العرب، وابنه المرحوم العلامة الشيخ محسن العرب، وابنه الخطيب الجليل الملا محمد جعفر الشيخ محسن العرب، وهؤلاء مترجمون في هذا الكتاب.
-26 آل جواد، وهم من آل الشيخ عاشور.
-27 آل الأعرج.
-28 الخرادوة، وأكثرهم يسكنون مدينة سيهات بالمملكة العربية السعودية، ومنهم – أي من الخرادوة – آل علي عبداللطيف.
-30 آل آدم.
-31 آل الأغتم، ومنهم آل المدهرب.
-32 آل يحيى، ومنهم آل سبت.
-33 آل عبدعلي، ويعرفون أخيرا بالأنجاويين.
-34 آل مسباح.
-35 آل غالب، ومنهم المرحوم الحاج محمد علي بن أحمد بن حاج عبدالله.
-36 آل الحاج هاني. وهؤلاء لا يوجد منهم الآن أحد في بني جمرة، ويوجد كثير منهم في العراق في محافظة البصرة. وهناك أسر انقرضت كآل الخليفي، وآل الفرخ، وآل حاج حسن بن صلاح.
الشيخ عاشور جد هذه الأسرة: من سكان مقابة، وله ذرية بالإضافة إلى آل جواد المذكورين يسكنون قرية «باربار» ويعرفون بـ «الشويخات»، وذرية في قرية سار يعرفون بـ «آل عمران»، وذرية في إيران، فقد حدثني الحاج منصور بن جواد زعيم هذه الأسرة عن المرحوم الخطيب ملا عطية بن علي الجمر ي رحمه الله تعالى أنه قال: توجد في شيراز جماعة كثيرة من ذرية الشيخ عاشور طاب ثراه، حيث إنه – أي الملا عطية – رأى في بعض سفراته إلى إيران شيخا مسنا في شيراز، وبعد التحدث معه أفاد هذا الشيخ بأنه في الأصل من قرية «مقابة» وإن معه عددا كثيرا من ذريته.
علماؤها
أذكر ما عثرت عليه من علماء القرية إما مكتوبا في بعض المصادر، أو سمعت به ممن أطمئن بصحة نقله من كبار السن في القرية، معتذرا إلى القارئ عن عدم التمكن من إعطاء صورة كاملة عمن سأذكرهم وذكر مجرد نتف مبتورة، أو لقطات يسيرة عن حياتهم، والله ولي التوفيق.
الشيخ أحمد بن علي بن سيف الجمري البحراني (رحمه الله تعالى)
قال المرحوم الحاج محمد علي بن عباس بن علي التاجر قدس سره في كتابه «منتظم الدرين في علماء القطيف والإحساء والبحرين».
«الفاضل النبيه الخطاط المجيد الماهر القدير الشيخ أحمد بن علي بن سيف الجمري البحراني، رأيت بخطه نسخة من كتاب «من لا يحضره الفقيه» مؤرخة في 26 شعبان 1085 هـ (1674 م)وهي بخط حسن جميل مع الضبط والإتقان تدل على قدرة ومهارة كاتبها من العلماء الأفاضل، إذ إن من المتعارف أن مثل هذه الكتب لا ينسخها العوام وأكثر ما توجد بخطوط العلماء، وكانوا يسترزقون به ما يقوم ببعض شأنهم أيام الاشتغال وبعضهم ينسخ ما يلزمه لنفسه».
الشيخ حسن بن علي النحيل البحراني كان حيا سنة 963هـ (1556 م)
كتب إليَّ الخطيب الفاضل ملا سعيد الشيخ عبدالله العرب الجمري – يوم كنت ساكنا في النجف الأشرف على مشرِّفه وأبنائه السلام – ما يأتي:
رأيت على ظهر مجموعة خطية: اعتبار مسافات القصر بين مزارات جزيرة أوال على يد جماعة من الفضلاء منهم: الشيخ حسن بن علي النحيل سنة 963 هجرية (1556م).
وقال عنه الحاج محمد علي التاجر رحمه الله تعالى في كتابه الآنف الذكر: الفقيه النبيه الفاضل التقي المؤمن الشيخ حسن بن علي النحيل البحراني، رأيت بخط أحد الفضلاء على ظهر مجموعة خطية ما صورته: مساحة التقصير في زيارة مساجد البحرين من مسجد بوصبح إلى أمير زيد إلى مسجد سباسب إلى مسجد سبب إلى عسكر الشهداء إلى سهلان إلى عسكر سند، مسافة التقصير وهي ست وتسعون ألف ذراع، فما زاد يكسر، بحيث يكون على الزائر المساجد المشرفة مساجد البحرين المتعاهد زيارتها بالدوران مسافرا يجب عليه التقصير، وبه شهد الشهود والثقاة، وهم: الشيخ علي بن محمد ويوسف بن إبراهيم المقابيان، والشيخ علي بن مبارك، والشيخ (أكلته العثه) ، والشيخ حسن بن علي النحيل مشافهة منهم للزرع 963 هجرية – 1556 م – (انتهى).
الشيخ حسين بن علي النحيل كان حيا سنة 1034هـ (1625م)
كتب إليَّ الخطيب الفاضل الملا سعيد الشيخ عبدالله العرب الجمري – يوم كنت متشرفا بسكن النجف الأشرف على مشرِّفه وأبنائه السلام – ما يأتي:
رأيت كتاب (مفتاح الفلاح) للبهائي قدس سره: وختمها كاتبها بقوله: وفرغ عن تسويد بياضه وتحرير ألفاظه مالكه العبد الضعيف المذنب الجاني حسين بن علي بن سعيد النحيل الجمري البحراني وكان ذلك عصر الثلاثاء بغرة شهر صفر أحد شهور سنة 1034 هـ 1625- م.
الشيخ سليمان بن مكي الجمري (قدس سره)
هذا هو جدنا والذي تشتهر أسرتنا بالنسبة إليه، حيث تسمى: آل الشيخ سليمان، كما تسمى: بآل محمد، ولم أعثر على أي شيء من تاريخه، بل ولا موضع قبره، وكل ما عرفت عنه حسب الشهرة الكبيرة بين سلفنا وكبارنا أنه – رحمه الله تعالى – أحد علماء الدين.
وحتى المرحوم الخطيب الجليل ملا عطية بن علي الجمري – رغم كثرة بحثه وتنقيبه عن أجدادنا وأسلافنا – لم يعرف عنه شيئا، وكل ما قال عنه في شجرة الأسرة هذه الكلمة:
«الشيخ سليمان جد هذه الأسرة المعروفة بآل محمد».
ويكون هذا الشيخ – طاب ثراه – بالنسبة إليَّ الجد السابع، حيث إن تسلسل أجدادي رحمهم الله تعالى هكذا: عبدالأمير بن منصور بن محمد بن عبدالرسول بن محمد بن حسين بن إبراهيم بن مكي بن الشيخ سليمان بن مكي الجمري البحراني.
الشيخ راشد (رحمه الله تعالى)
ومن المؤسف أني لم أعثر على اسم أبيه ولا تاريخه، ويقع قبره – وهو غير متميز – في مسجد الشمبرية، وهو مسجد صغير وقديم جدا، ويقع جنوب القرية في وسط النخيل .
الشيخ محمد الجمري (رحمه الله تعالى)
وهو صاحب مسجد الوسطة أحد مساجد القرية القديمة جدا، ويعرف في السابق بـ «مسجد الشيخ محمد». وموضع القبر الآن غير معروف، ولكن يقول الناقلون عن الكبار في السن إنه مدفون في بعض زوايا المسجد من الخارج، ويقول الخطيب الحاج ملا يوسف الملا عطية الجمري: إنه في الزاوية الغربية الجنوبية وإنه رآه مبنيا عليه دكة. كما يقول حفظه الله بأنه أدرك بين المسجد وبيت المجاور له من الغرب – وهو بيت الطريفي – عدة قبور.
الشيخ فرج الجمري (طاب ثراه)
وهو صاحب المسجد المعروف بـ «مسجد الغرب» وقبره – حسب قول أكثر من واحد ممن رآه – بجانب المسجد الجهة الغربية جنوب المحراب، ويعرف المسجد سابقا – كما يقول الرواة عن الأكابر من السلف – بـ «مسجد الشيخ فرج». وكذلك يروون أن هذا الشيخ قدس سره، كان قاضي القرية، والذي يحكم في شئونها، وعن أمره يصدرون، وبنهيه ينتهون وأنه كان كريما مضيافا، ويقصده ذوو الحاجات فيقضي حوائجهم، ويأتيه أهل المشكلات فيحل مشاكلهم. ويقول ابن عمنا الحاج جاسم بن الحاج محمد بن إبراهيم وعمره تسعون سنة حيث قال هذا القول سنة 1410هـ (1990م) وولادته – حسب إفادته – سنة 1320هـ (1902م) يقول: «إن الشيخ فرج المذكور – حسب ما سمعت من كبار السن – كان مجلسه الدائم في المسجد المذكور، وكان يقيم صلاة الجماعة في هذا المسجد. ولم أسمع باسم أبيه، ولا أن له أولادا، لم أسمع بذلك من أبي الذي مات وعمره 116 سنة». ( اخذت هذا من دفتر من دفاتر الخطيب المتتبع المؤلف الملا محمد علي الناصري).
الشيخ علي بن الشيخ سليمان الجمري (رحمه الله تعالي)
وهو من أسرتنا، والظاهر أنه ليس ابنا مباشرا للشيخ سليمان، وإنما هو من ذريته فإن الشيخ سليمان هو جدنا السابع، بينما الشيخ علي هذا ليس ببعيد العهد، حيث إن المعروف لدى كبار الأسرة والقرية أن أم علي بن ادريس الغانمي والد الحاج إدريس المعاصر هي بنت الشيخ علي المذكور. وموضع بيته من القرية هو محل بيت العم المرحوم الخطيب ملا عطية بن علي الجمري رحمه الله، حيث استخلص بيته من المستحقين لنفسه، وحرص على تقييم بيته – كما يقول في شجرة الأسرة – على أسسه وفي مساحته. وحدثني المرحوم الحاج علي بن عبدالرزاق الغانمي في سنة 1410هـ 1990م – وقد توفي الحاج علي هذه في 14/2/1991 بموجب شهادة الوفاة رقم 50/16/2/1991م – حدثني (أن الشيخ علي المشار إليه) كان يتولى الشئون الدينية في (بني جمرة) من عقود وطلاقات وصلاة وجماعة، وبيان الأحكام الشرعية ونحوذلك، وكان يقيم صلاة الجماعة في المسجد المعروف بـ (مسجد الخضر). ومسجد الخضر هذا من أقدم مساجد القرية.
ويروي الحاج علي الغانمي المذكور عن علي بن ادريس الغانمي وعن أبيه الحاج إدريس بن الحاج محمد الغانمي وهما موثوقان لدى الحاج علي الغانمي، وكانا معاصرين للحادث الذي يروونه، وخلاصة الحادث، أن شخصا جمريا يشتهر بلقب: (القباء) وله ولد اسمه سلمان سافر إلى خراسان لزيارة الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام، وفي عودتهما نزلا مع الرفقة الذين هما بصحبتهم في منزل ينزل فيه المسافرون، فأصيب الولد بمرض مفاجئ وتقلب حاله حتى توفي في ظاهر الأمر، وحيث لم يتمكن الأب (القباء) من التأخر لتجهيزه حيث إن الرفقة الذين هو معهم لا يمكنهم التأخر فقد دفع للسكان في ذلك المكان مبلغا من المال للقيام بتجهيز ولده، وقفل راجعا إلى البحرين، فلما وصل إلى القرية (بني جمرة) نصب الفاتحة حسب المعتاد، وبعد أن اعتدَّت زوجة الفقيد عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام، خطبت، وطلب من الشيخ: علي – المترجم – أن يعقدها لخاطبها، فبعث الشيخ علي إلى القباء المذكور وسأله: هل وقفت على دفن ابنك؟ فقال: لا، وكان الشيخ على شاكا في أن الولد قد توفي ويحتمل أنه في غشوة أوهمت أباه أنه قد مات، وحيث إن منهج الشيخ الاحتياط في الأمور، فقد امتنع عن عقد المرأة، وتوالى الخطَّاب عليها والشيخ يرفض العقد حيث يطلب إليه إجراء العقد بالوكالة. وبعد أن مرت سنة كاملة على الحادثة، وإذا بسلمان بن القباء المتوهمة وفاته قد أتى وقت المغرب والشيخ علي حينذاك يريد أن يؤم الجماعة للصلاة في مسجد الخضر، فرأى سلمان أن يصلي مع الشيخ صلاة المغرب والعشاء قبل أن يذهب إلى بيته ويشغل بالاستقبال والفوضى، وبعد الصلاة مضى إلى الشيخ يصافحه، فلم يعرفه الشيخ ونظر إليه باستغراب وسأله: من أنت؟ فقال: أنا سلمان بن القباء. فلما عرفه قال له: مكانك. قال سلمان: دعني أذهب إلى البيت. فقال له: لا تذهب وتعشى معي أولا في منزلي وأصر عليه فلم يتمكن من مخالفة الشيخ رغم شدة اشتياقه لرؤية أهله، وكان في تلك الليلة، قد قرر عقد زوجة سلمان حيث اطمئن الشيخ بعد مرور سنة كاملة على الحادثة أنه قد مات واقعا فوافق على عقدها بالوكالة لأحد خاطبيها. فبقى سلمان مع الشيخ وتعشى عنده، وصار معه في مجلسه الذي سيجري فيه العقد، وصار الناس يأتون للعقد ولا يعرفون من هذا الجالس مع الشيخ نظرا لقلة الإضاءة وإلى أنهم لا يتصورن حياة سلمان، وجيء بالرجل الذي يراد عقد المرأة له، وجاء القباء والد سلمان مع الناس، فقال الشيخ علي – وكان قد أمسك بيد سلمان وأوصاه أن لا يتكلم -: يا قباء حيث إنك لم تقف على دفن سلمان فإنني لن أعقد المرأة. ثم أمر القباء أن تحمل السراج «الفانوس» وينظر وجوه الجالسين، فقام القباء ينظر على ضوء (الفانوس) وجوه الحاضرين حتى نظر وجه ولده، فألقى الفانوس واحتضنه. فقال له الشيخ: أتلوموننا إذا توقفنا عن عقد امرأة لم تتحقق لدينا وفاة زوجها؟!.
وكان الذي حصل لسلمان حسب إفادته لأهله: هو أنه كان في غيبوبة، ثم عطس بعد مغادرة أبيه فأفاق، وعولج فبرئ، ولم يصل البحرين إلا بعد مدة سنة. وقد ترك سليمان بن القباء بنتا تزوجها الحاج يعقوب بن مدن وولدت له المرحومين أحمد وعلي وسلمان وبنت اسمها طيبة.
ويقع قبر الشيخ علي المذكور في الجنبية بين النخيل. وحدثني الخطيب الملا جاسم محمد حسن نجم الجمري حفظه الله (كان المذكور حيّا يرزق وقت وضع العلامة الجمري لمسودة الكتاب) أنه سمع من المرحوم الحاج عبدالله بن الحاج محمد الملقب بـ (أمِّتيان) وهو من أسرتنا: أن للشيخ علي المذكور نخلا في سيحة القريَّة – والقريَّة والجنبية منطقة واحدة، وإن كان كل اسم من هذين الاسمين لقرية، وقد اندثرت الجنبية، وصار أهلها يسكنون القرية من الجهة الشرقية، يسمى بـ «نخيل الشيخ علي» ويقع شمال النخل المعروف بـ (نخل الجونري). وهذا ما يؤيد الرواية القائلة بأن قبر الشيخ علي بن الشيخ سليمان هو القبر الموجود فعلا في المسجد الواقع في الجنبية. ويحتمل أن دفنه هناك بسبب قضائه فترة الصيف هناك فتوفي ودفن في الموقع المذكور.
ويروى أن هذا الشيخ قدس الله سره وجد مقتولا وملقى في جدول (ساب) في منطقة القبر، وقد غطي بما يستر جسمه. وحدثني الخطيب الملا سعيد الشيخ عبدالله العرب حفظه الله: أن هذا الشيخ لما اكتشف جسمه في الجدول بعد عدة أيام وجد غضا طريا كأنه قد مات توا، وأن الذي عثر عليه كان يضرب بمسحاته في الجدول فأصابت المسحاة جسده فجرى الدم. وكان بناء المسجد والقبر قديما جدا، حتى قام الرجل الوجيه الحاج يوسف الحواج من سكنة مدينة المنامة وهو إحسائي الأصل ببنائه – مشكورا – بناية متقنة، وتم الفراغ منه في سنة 1410هـ الموافق 1990م. وللحاج جواد المذكور بستان مجاور للقبر.
وحدثني المسئول عن مسجد الشيخ علي وهو الشاب المؤمن الحاج عباس حسين علي البندري من سكان القريَّة أن موكب العزاء لقرية القريَّة أتى يوم العاشر من المحرم في بداية جولته إلى مسجد الشيخ – وذلك منذ سنين بعيدة العهد – فيلطم المعزون ويقرؤون الفاتحة لروح الشيخ ويعزونه في الإمام الحسين عليه السلام، ثم يقرأ أحد المؤمنين تعزية مختصرة، ثم يواصل الموكب مسرته.
الشيخ خلف الجمري (قدس سره)
ويعرف ولده بلقب الدويك، ولعل الدويك هو لقب للشيخ خلف أيضا، ويقع بيته في الجهة الشرقية من القرية ويعرف ببيت الدويك.
الشيخ علي غبَّاش (قدس سره)
جد إسماعيل والد محمد بن إسماعيل، وأسرة آل غبَّاش الموجودة في بني جمرة – وهي إحدى الأسر الجمرية – هي أسرة هذا الشيخ.
الشيخ حسين الشهيد (قدس سره)
قبره في مقبرة القرية (بني جمرة)، وعلى موضعه صخرة كبيرة – وتسمى عند أهل القرية منذ القدم بـ (عمامة الشيخ). ويقول ابن عمنا الحاج جاسم الحاج محمد بن إبراهيم الآنف الذكر: إن هذه الصخرة موضوعة بجانب الشاهد الشمالي لقبر الشيخ. ولهذا الشيخ قصة يتناقلها كبار السن منذ القدم في القرية وهي: أن هذا الشيخ كان يذهب إلى الدراز ويحصل بينه وبين المرحوم الشيخ محمد والد العلامة المقدس الشيخ حسين آل عصفور طيب الله ثراهما (في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي) مناقشات علمية ويحتدم النزاع وتعلو الأصوات كما هو شأن العلماء في نقاشهم العلمي، وكان هناك بعض الجهال الذين لا يفقهون شيئا ويعرفون بـ (الجماملة) أي أصحاب الجمال، وكانوا يتأذون من ذلك، ويظنون – لجهلهم المفرط – أن الشيخ حسين المذكور إنما يأتي لمعاركة وإيذاء الشيخ محمد، فكمنوا له في الطريق بين بني جمرة والدراز وقتلوه. وتقول الوصية: إن لهذا السبب هاجر الشيخ محمد رحمه الله من الدراز إلى الشاخورة، ويقع قبر المرحوم الخطيب الجليل الملا عطية بن علي الجمري بالقرب من هذه الصخرة من الجهة الغربية.
ويروي الخطيب الفاضل الملا سعيد الشيخ عبدالله العرب الجمري عن المرحوم سماحة السيد علي الوداعي طاب ثراه، وعن المرحوم فضيلة الشيخ محمد بن محسن بن سديف الدرازي طاب ثراه: أن صاحب الحادثة آنفة الذكر هو الشيخ درويش والذي يقع مسجده بجانب شارع البديع من جهة الشمال، ويذكر أن الشيخ محمد بن محسن بن سديف المذكور قد أراه قبر الشيخ درويش وهو يقع جنوب شارع البديع مقابلا للمسجد المعروف بـ «مسجد الشيخ درويش».
وقد أيد رواية الملا سعيد العرب المرحوم الحاج علي بن عبدالرزاق الغانمي، والله أعلم.
الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالإمام الجمري
وصف المرحوم الحاج محمد علي بن أحمد التاجر (قدس الله نفسه) في كتابه: «منتظم الدرين في علماء القطيف والإحساء والبحرين» هذا الشيخ بالشيخ الأوحد الصمداني، وذكر أنه من ذرية آل المتوَّج. كان هذا الشيخ الجليل قد كف بصره منذ الصغر، وكان آية في الفطنة والذكاء. يقول ابن عمنا الحاج جاسم بن الحاج محمد بن إبراهيم وقد عاصر الشيخ المذكور: إنه كان يقيم صلاة الجماعة في المسجد المجاور من جهة الشرق لمسجد الخضر في بني جمرة، وهو المسمى بالجالوسية، وذكر الحاج جاسم أن لهذا الشيخ عدة كرامات، ومما ذكره: أنه يقدم الطعام القليل للجماعة الكثيرة فيأكلون ويشبعون ولا يتغير الطعام؟ وفيها: أنه كان بشدة ذكائه وإدراكه – مع كونه فاقد البصر – يدخل الخيط في الإبره – ومنها: أنه كان إذا أخطأ القارئ له في الكتاب في كلمة وضع يده على نفس الكلمة لينتبه إلى خطئه. ومنها: أنه كان لقوة إدراكه يركب الدابة وحده من بني جمرة إلى جدحفص – حيث كان له في كل من القريتين بيت – وإذا اختلفت الدابة عن الطريق ردها إليه.
وذكر الحاج جاسم المذكور، أن الشيخ عبدالله قد استوطن في آخر عمره «جدحفص»، حتى توفي هناك، ودفن في مقبرة جدحفص، وهي المسماة بمقبرة الإمام.
ولهذا الشيخ الجليل شعر في رثاء الحسين، وهو من الشعر الجيد، منه ما ذكره المرحوم الحاج محمد علي التاجر رحمه الله في الكتاب آنف الذكر. فمن ذلك قوله:
ما للمعالم من ربوع سعاد
مغبرَّة الأرجاء والأنجاد
خف القطين بها فلست ترى سوى
ناعٍ لها من رائح أو غادي
لعبت بها أيدي الزمان فأصبحت
قفرى المعاهد من ربا ووهاد
وهي قصيدة طويلة.
ومن قصيدة أخرى له قدس سره في رثاء الحسين عليه السلام أيضا:
طرفي للحظك يا سُعْدَى لمرتقبُ
والقلب من عُظْم شوقي فيك مضطرب
مالي إذا رمت قربا منك يبعدني
منك الجفاء صدودا والجفا نصب
إلى قوله:
ولا كرزء الحسين السبط حيث غدت
من كوفة اللُّعنا تسعى له الكتب
أقدم لنا عاجلا يا ابن النبي تجد
جندا مجندة في نصركم رغبوا
الشيخ عبدالأمام بن محمد الجمري البحراني
وهو جد الشيخ عبدالله آنف الذكر لأبيه، ولم أعرف شيئا عن تاريخه وسيرته طيب الله ثراه.
الشهيد الشيخ عبدالله بن أحمد العرب الجمري
عالم جليل فاضل، وخطيب منبري مبرز، ذو صوت قوي مؤثر، وله شعر جيد متقن في الرثاء، فاز بالشهادة ليلة السبت 27 ذي الحجة سنة 1341هـ (1923).
رأيت له تعليقات على كتاب «أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والإحساء والبحرين» لمؤلفه الشيخ علي بن الشيخ حسن البلادي البحراني (قدس سره). ويظهر أن المصنف كان يكتب إلى الشيخ الشهيد عن بعض الشخصيات العلمية والبلدان مستفسرا ويجيبه طاب ثراه، ويوقع الإجابة بـ: «عبدالله أحمد العرب». وكان المصنف رحمه الله يجعل إجابة الشيخ تعليقه في أسفل الصفحة.
ولشهادته قدس سره، والتمثيل به وبصاحبه الحاج حسن رمضان رحمه الله حسب ما حدث الشيوخ والأكابر من المعاصرين لذلك الحادث الأليم صورة مذهلة مفجعة.
وللغموض الذي أصحبت به هذه الجريمة النكراء، وعدم تعقب القتلة الجناة والاقتصاص منهم في ذلك الوقت المليئ بالظلم والإجرام الخالي من الأمن والسلام حديث ذو شجون. ولما كان لهذا الشهيد العظيم وصاحبه الشهيد حسن المذكور، من تشييع رهيب اشترك فيه آلاف من أبناء الشعب رغم صعوبة المواصلات آنذاك صورة كبيرة تكشف عن عمق الحادث.
ولشهيدنا الشيخ عبدالله العرب رحمه الله مؤلف اسمه: (الغدير) مخطوط، حسب ما جاء في مجلة «الموسم» العدد السابع المجلد الثاني 1991م ص901 وقد ذكر الكاتب «عبدالله المنتفك» أن الشهيد فرغ من هذه المخطوطة ضحى يوم الثالث والعشرين من شهر صفر المظفر سنة 1308هـ (1891م) وأن عدد صفحاتها 32، وأن المخطوطة موجودة في مؤسسة البقيع لإحياء التراث.
وقد عثرت في مسودات كتاب «منتظم الدرين في علماء القطيف والإحساء والبحرين» للحاج محمد علي التاجر طيب الله ثراه على ترجمة للشهيدة قدس سره، أوردها بنصها، قال رحمه الله تعالى:
الشيخ عبدالله بن أحمد بن إبراهيم العرب الجمري البحراني
«الفاضل العارف النحوي اللغوي الأديب الشاعر الماهر الخطاط المجيد الورع التقي الأوَّاه الشيخ عبدالله بن أحمد بن إبراهيم المعروف بالعرب الجمري البحراني، نسبة إلى قرية بني جمرة، المولد سنة 1284 هـ (1867 م)المقتول شهيدا في 27 ذي الحجة 1341هـ (1923 م)، قتل ظلما وعدوانا بدون سبب موجب، في أرض تعرف بالصُّليِّب بين قريتي مقابة وأبو صيبع مع رجل آخر من بني جمرة ، وأرخ شهادته بعضهم بقوله:
«له العلا ندبت والدين والشرف». أخبرني ابنه محمد سعيد أن والده كان في مبدء أمره قد قرأ النحو والصرف والمعاني والكلام وبعض الكتب الفقهية كاللمعة الدمشقية وغيرها على الشيخ منصور الجشي البلادي في قرية البلاد، وبعد أن كثر عليه العيال اضطر إلى التوقف عن الدرس واشتغل بحرفة المنبر، وهي قراءة تعازي أهل البيت (ع) وكانت له يد في قرض الشعر إلا أنه لم يتجاوز به حدود المدح والرثاء في أصحاب الكساء، وهو كثير، فمنه قوله في مطلع قصيدة:
لمن دِمَنٌ بالأبرقين وذي قار
ألح عليها كل اسحم مدرار
عفتها الغوادي غير سفح خوالد
وأشعث شجته الإماء بأحجار
ترحَّل عنها أهلها فتأبَّدت
ولم يبقَ فيها من أنيس وسمَّار
وقوله في مطلع قصيدة أخرى في سيد الشهداء الحسين (ع):
قفا نسأل الربع الذي شط نازله
متى قوضت سكانه ورواحله
ترحَّل أهلوه فأصبح بعدهم
تحن به سرحانه وفراعله
وقفت به مضنى الفؤاد وأدمعي
على صفحات الوجه ينهلُّ هاطله
إلى أن قال في آخرها:
بني المصطفى ياخير من وفدت بهم
ركائب آمال المنى ورواحله
ويا مطلب الحاجات يا باب حطة
وبحر الندى الظامي الذي عم نائله
والشهيد قدس سره، مجاز تولى الأمور الحسينية من قبل حجة الإسلام الشيخ محمد الحاج ناصر آل نمر القطيفي مؤرخة باليوم الثالث من شهر شعبان سنة 1339هـ (1921 م)، وفيما يلي نص الوكالة.
« بسم الله الرحمن الرحيم . أقول وأنا الفقير القاصر الراجي عفو ربه الغافر محمد بن المقدس الحاج ناصر آل نمر إني قد أجزت ووكلت جناب الشيخ الجليل والفاضل النبيل الأمجد الأوَّاه الشيخ عبدالله بن المقدس أحمد الملقب بالعرب في كل ما يضطر إليه من الأمور الراجعة إلى المحاكم الشرعية من ولاية مال يتيم وصلح عن غائب أو مجهول مالك وما أشبه ذالك من قبض سهم إمام أو صدقة واجبة أو مستحبة وصرفها وكالة مطلقة غير مقيدة ولا معلقة لا على شرط ولا صفة وعليه في جميع ذلك الاحتياط والله الهادي لنا وله إلى سواء الصراط والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين. حرر باليوم 3 من شهر شعبان المعظم سنة 1339هـ (1921م)».
العلامة المقدس الشيخ محسن بن الشيخ عبدالله بن أحمد العرب الجمري (قدس سره)
كان مولده قدس سره في سنة 1306هـ (1889 م)والتحق بالرفيق الأعلى في صبيحة يوم الجمعة 26 ربيع الاول سنة 1356هـ (1937م). وقد تفضل الأديب الخطيب الشهير محمد جعفر ابن المترجم – مشكورا – بكتابة الترجمة الوافية التالية لوالده رحمه الله تعالى:
المحدث الفاضل الأديب الكامل الورع التقي محسن بن الشهيد الشيخ عبدالله بن محمد بن إبراهيم بن أحمد بن عبدالله العرب الجمري البحراني. كان قدس سره من العظماء كما دلت عليه مؤلفاته وإجازاته وشهادات من كانت له معه رفعة العلاقة والحادثة من أمثال العالمين الكبيرين الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد صالح آل طعان البحراني والشيخ باقر أحمد آل عصفور أعلى الله مقامهما، وقد دونت أقوالهما فيه مباشرة في أيام اتصالي بهما، بل كان قدس سره معروفا في الحوزة العلمية في النجف الأشرف كما أخبرني بهذا العلامة الكبير الشيخ محمد طاهر آل شبير الخاقاني أعلى الله مقامه:
كان قد بدأ تتلمذه على والده حيث درس على يديه النحو وبعض المقدمات العلمية، ثم بعد ذاك تتلمذ على يد العلامة الورع الشيخ أحمد بن عبدالرضا آل حرز الجدحفصي المتوفى سنة 1337هـ (1919م) وبعد بضع سنين هاجر إلى مدينة تاروت، إحدى مدن القطيف فقرأ على العلامة الشيخ منصور بن عبدالله آل سيف البحراني نحو سنتين، ثم أقفل راجعا إلى وطنه البحرين ومكث فترة مواصلا تحصيله، ثم أقلع إلى القطيف ونزل قرية الدبيبية وقرأ على يد الطبيب الحاذق في الحكمة الإلهية والدينية على السواء العلامة الشيخ محمد بن ناصر الخطي المتوفى سنة 1348هـ (1929م) بضع سنين وفي سنة 1340هـ (1920م) كتب في القطيف رسالة يبدو أنها الأولى. مناقضا فيها أجوبة بعض المسائل في الأصول وبعث بها إلى والده فلما قرأها أراها الشيخ سلمان بن أحمد التاجر وكان له صديقا حميما فلما وقف عليها كتب إليه بنصيحة ويشير عليه بالهجرة إلى العراق لطلب المزيد من العلم فوقع ذلك منه موقع القبول فهاجر إلى النجف الأشرف. وقرأ على أيدي مجموعة من أكابر علمائها ولاسيما العلامة الجهبذ أبو تراب «قدس سره» وقد حظي باحترامهم وتقديرهم، فنال من علومهم وفنونهم الحظ الأنفس، فعززوه بإجازاتهم التي دلت على وفرة علمه، ثم عاد إلى وطنه البحرين بعد شهادة أبيه عالما فاضلا على أحسن ما يتطلب من حملة العلم ثقة وأمانة وورعا وصلاحا وزهدا، فكان بذلك موضع تقدير العارفين.
عاش «قدس سره» في قريته عاملا بعلمه قانعا بما منحه الله من الرزق، لم يتطلب شهرة ولم يتطلع إلى منصب. ومن الجدير بالذكر أن منصب القضاء كان قد عرض عليه فرفضه وكان متفننا في جل العلوم وقد خصص جل وقته للبحث والدرس والتدريس في داره حيث التحق بمدرسته عشاق العلم ورواد المعرفة، وإن منهم العالم الفاضل الشيخ عبدالمحسن بن الحاج حسين آل شهاب الدرازي البحراني صاحب كتاب «المفاد في شرح بعض عبارات السداد» للعلامة الكبير الشيخ حسين بن إبراهيم آل عصفور الدرازي البحراني أعلى الله مقامه.
وقد ثابر رحمه الله على ذلك حتى السنة الرابعة والخمسين بعد الثلاثمائة والألف للهجرة حيث توقف عن ممارسته أعماله بسبب انحراف صحته الذي حال بينه وبين تحقيق أمنياته، وقد نقل إلى العلاج بمستشفى الاعتماد البريطاني الكائن يومذاك في رأس رمان إحدى ضواحي مدينة المنامة العاصمة، ومكث فيها فترة لم تدم طويلا، ثم صار طريح الفراش المرض بمستشفى الإرسالية الأميركية الكائن في الجهة الجنوبية الشرقية من المنامة، وبقى فيها مدة طويلة حتى استؤجرت له دار من قبل زوج أختي الثانية المرحوم الحاج خلف بن الحاج عبدالله بن نصيف الجمري المتوفى يوم الخميس الثاني من ذي العقدة سنة 1383هـ (1963م).
وكانت تلك الدار بفريق الحمام الكائن في الجهة الجنوبية الشرقية من المنامة ومالكها آنذاك السيد علوي بن السيد محمد بن السيد ناصر من أهالي المنامة، وقد خصصت لنقله إلى المستشقى المذكور سيارة أحد الجيران وهو السيد أمين بن السيد جواد بن السيد علوي بن السيد جواد «الأسرة المعروفة» وواضب على العلاج، لكن صحته تدهورت تدهورا خطيرا، ولما كانت تلك الأيام في علم الله هي النهاية لمسيرة حياته، اختاره المولى سبحانه إلى جواره في جنبات تلك الدار الآنفة الذكر بعد معاناة قاسية صحبته طيلة أواخر عمره، وصعد بروحه إليه صبيحة الجمعة 26 من ربيع الأول سنة 1356هـ (1937 م)، وكان يومها في أوائل العقد الخامس من عمره، وكان مولده رضوان الله عليه في السنة 1306هـ (1889م).
وبرحيله انطفأت شعلة وهاجة، وخسرت البحرين بفقده ابنا بارا من خيرة أبنائها، وعلما بارا في مقدمة أعلامها، طالما تحدثت عنه المحافل العلمية بغير قليل من الإعجاب، في الداخل والخارج وقد نعاه الناعون في كل من البحرين والبلدان المجاورة، كما نعته الحوزة العلمية في النجف الأشرف.
كما أخبرني أيضا العلامة الكبير الشيخ محمد طاهر آل شبير الخاقاني. وقد أقيمت عليه مجالس الفاتحة في مختلف أرجاء البحرين، وفي كل البلدان التي يطرق سمعها خبر وفاته، ثم نقل الجثمان الطاهر مباشرة وفي نفس اليوم من المنامة إلى قرية بني جمرة بواسطة السيارة ومن خلفها أرتال من السيارات وتقاطرت الكتل البشرية من المدن والقرى بعد سماعها خبر الفاجعة، وغصت بها طرق القرية وفلواتها، وهي تردد كلمات الحزن، وكان بحق تجمعا لائقا بمثله.
وجيء به إلى داره لتلقي العائلة المفجوعة عليه آخر نظراتها الوداعية، وكان المشهد – كما قيل لي – شبيها بيوم عاشوراء الحسين عليه السلام. وقد أحسست يومها بمرارة الفراق ووطأة الألم، ونظرا لحداثة سني لم أدرك ما كان يجري، وحمل بعدها على أكتاف تلك الحشود الباكية إلى مثواه الأخير بمقبرة القرية، وكان في المقدمة العلماء الأعلام، ودفن بجنب مرقد والده ليلة السبت 27 من شهر ذي الحجة الحرام سنة 1341هـ (1923م).
آثاره العلمية
(1) مصباح الهدى في صحة تقليد موتى العلماء.
(2) تعمير الأوقاف.
(3) الهداية.
(4) علم التجويد.
(5) علم الزبر والبينات.
(6) رسالة في الغسل.
(7) علم الجفر.
(8) تكسير الحروف.
(9) استخراج السؤال بالحروف الأبجدية.
(10) علم الرمل.
(11) النصيحة. وهي رسالة كان قد كتبها خصيصا لطلبة العلم وحذرهم فيها من المساس بقدسية الفقهاء العظام من الأخباريين والأصوليين وقد وزعت في الحوزات العلمية في كل من العراق وإيران.
أما الشعر فقد ترك ما يخلد به ذكره مما يتصل بأهل البيت عليهم السلام مباشرة ومنه قوله متشوقا لزيارة أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين (ع)، جاء فيها:
يا أبا الفضلِ إليك المقصدُ
وعليكم سيدي أعتمدُ
وإليك الملتجا والمشتكى
من زمانٍ بالأذى لي يقصدُ
بسهام الغدر نحوي قد رمى
فأصيبت بالسهام الكبدُ
وبعين المكر لي شزْرا رنا
ولأهل الودّ عني يبعدُ
وبلى ضاق به صدري ولا
غيركم في دفعه أعتمد
فإلى من يلتجي العبدُ ومن
يرتجي إن باب خطب نكدُ
وقال في مدح أمير المؤمنين عليه السلام
لذ بالوصي أمير المؤمنين علي
إنْ رمت تنجو من الأخطاء والزللِ
بجاهه فتوسل للإله إذا
ما أزمة نزلت واسأل به تزلِ
وامسح بعتْبته ما شئت من ألمٍ
فإنها مرهمٌ كانت إلى العللِ
ولا تخف إنْ به استعصمت معضلة
ولا تهب أحدا من سائر المللِ
قالها في النصح:
أخوك فإنه حصن حصين
إذا نابتك نائبة الزمان
وإن بانت مساءته فهبها
لما فيه من الشيم الحسانِ
تريد مهذبا لا عيب فيه
وهل عود يفوح بلا دخانِ
وله التخميس التالي:
كنت عزا ومؤلا وثمالا
وعليك الوجود كان عيالا
ولكل الأنام كنت ظلالا
يا هلالا لما استتم كمالا
غاله خسفه فأبدى غروبا
كيف تبقى معفرا في الوهادِ
وترض الأضلاع منك العوادي
وبجنب الفرات تذبح صادي
ما توهمت يا شقيق فؤادي
كان هذا مقدرا مكتوبا
وقد رثاه ابنه الخطيب الأديب محمد جعفر بالقصيدة المخطوطة على قبره الشريف وهذا نصها الكامل:
رحلت عن العالم المتعبِ
إلى العالم الواسع المخصبِ
وها هي أحزاننا غضة
ملوعة فقدك لم تذهبِ
بكتك بلاد أوالٍ أسى
وكل ديار بني يعربِ
وكل المعاهد في كابلِ
وقمٍ وفي النجف المنجبِ
لإن غبت عنا ببطن الثرى
فروحك ما بيننا يا أبي
لك الله من غائبٍ حاضرٍ
كأنك لست من الغيّبِ
فأنت بأفئدة المخلصين
لأن معينك لم ينضبِ
فعمرك أفنيته مرشدا
ولم تتشاغل عن الواجبِ
وأعرضت عن مغريات الدنى
وأثبت أنك حرٌ أبي
دُعيت لتشغل سلك القضاء
فلم تتطلع إلى المنصبِ
رضيت بما أنت فيه وفي
سواه أبي قط لم ترغبِ
سلكتُ مسارك يا سيدي
ففزتُ بمنهله الأعذبِ
رأيتَ نعيم الدنى زائلا
فأعرضتَ عنه إلى الأطيبِ
عرفناك بالحزم في كل ما
يخص الحقيقة للأصوبِ
نماك أبوك الشهيد الذي
رأيناه فيك بما قد حبي
فلله درك من زاهدٍ
مشيت على نهج طه النبي
مقامك في الخلد عالٍ يُرى
مضيئا من البعد كالكوكبِ
تلذ بما فيه من مأكلٍ
شهي وما فيه من مشربِ
تروح وتغدو به هانئا
بعيدا عن الصخب المرعبِ
فعش في النعيم كما تشتهي
فها أنت قد فزت بالمأربِ
صبرت وصبرك فاق الحدود
فنلت به أطيب الطيّبِ
سلامٌ عليك أبي كلما
شدى الطيرُ في منبتٍ معشبِ
هذا ما كتبه حفظه الله تعالى عن والده المقدس. وقد رأيت أن أضيف إلى ذلك ما سمعته عن المترجم رحمه الله من أمور لا تعدم الفائدة، ولها علاقة بتحديد هويّته، والكشف عن رصيده الإيماني والعلمي.
حدثني الخطيب الملا جاسم محمدحسن نجم الجمري بأن المترجم قدس سره سُمِع منه قرب وفاته يردّد هذه الجملة: «ديني دين آل محمد».
حدثني سماحة السيد جواد السيد فضل الوداعي حفظه الله تعالى أوائل هجرتي إلى النجف الأشرف عن العلامة الجليل المرحوم الأستاذ الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد صالح آل طعّان البحراني قدس الله نفسه أنه قال: إن الشيخ محسن تُشمّ منه رائحة الفقه – أي الاجتهاد -.
وللشيخ طيّب الله ثراه وكالة في تولّي الأمور الحسبية من قبل سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد أبوالحسن الأصبهاني طيّب الله ثراه مؤرخة في 21 جمادى الثانية سنة 1346هـ (1927 م)، وفيما يلي نص هذه الوكالة:
«بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وأفضل صلواته وتسليماته على أفضل رسله محمد وآله الطاهرين. أما بعد فلا يخفى على كافة إخواننا المؤمنين الموحدين وفقهم الله لجوامع الخير والسعادة أن جناب العالم العامل والفاضل الفاصل الشيخ الأجل الشيخ محسن نجل الحاج عبدالله العرب دام فضله وتوفيقه لهو من خيرة العلماء ونخبة الفضلاء فأسأل الله تعالى أن يؤيده بنصره وينتصر به ويجعله ملجأ للدين وملاذا للمؤمنين فلا ريب فقد جعلناه وكيلا عنا في نشر فتوانا الشرعية والأحكام الدينية وتعليم المؤمنين التكاليف والأحكام وما يقربهم إلى الله زلفى وأذِنا له في تولي الأمور الحسبية التي تعود إلى الحاكم الشرعي كولاية الأيتام والأوقاف والمجهول المالك وردّ المظالم وسوّغنا له أن يتناول من سهم الإمام أراوحنا فداه بقدر حاجته منه ويرسل الباقي إلى النجف الأشرف لصرفه على الحوزة العلمية أدامها ربُّ البرية وأوصيه سلّمه الله تعالى أن يسلك فيما يتولاه سبيل الاحتياط فإنه طريق النجاة ومحبوب للأئمة الهداة أ سأل الله أن يوفقه لمراضيه ويجعل مستقبل أمره خيرا من ماضيه إنه أرحم الراحمين. يوم 21 جمادى 2 سنة 1346هـ (1927 م). الأحقر أبوالحسن الأصبهاني»
الشيخ عبدالأمير منصور الجمري
ولد الشيخ عبدالأمير بن منصور بن محمد بن عبدالرسول بن محمد بن حسين بن ابراهيم بن مكي بن الشيخ سليمان بن مكي الجمري البحراني في قرية بني جمرة – المحلة التي تسكنها قبيلته – ليلة الجمعة قبل الفجر بساعة تقريبا 28 ذي الحجة 1356هـ (1937م).
نشأ وتربى في كنف والده المرحوم المؤمن التقي منصور الحاج محمد الجمري المتوفى في ليلة السبت 27 ربيع الأول 1367هـ (1947م) وقد بذل رحمه الله ما في وسعه من عناية بتربية المترجم.
كانت دراسته الأولية الرسمية في البحرين. وقد تاقت نفسه لأن ينخرط في سلك الخدمة الحسينية، مستفيدا مما يتعلق بالفن المنبري من ابن عمه شيخ خطباء البحرين المرحوم ملا عطية بن علي الجمري رحمه الله تعالى المتوفى في 30 شوال 1401هـ (1981)، وابنه الخطيب الفاضل ملا يوسف بن الملا عطية الجمري، وكذلك الخطيب الفاضل ملا جاسم محمد نجم الجمري.
وقد قرأ كخطيب مستقل وهو في سن مبكرة حيث لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، وقد حظى بموفقية وتجاوب اجتماعي شجعه على الاستمرار.
دراسته العلمية
أما الدراسة العلمية فقد بدأها المترجم على يد العلامة الجليل الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد صالح آل طعان البحراني طيب الله ثراه في سنة 1379هـ 1959م، وكانت وفاة الشيخ المبرور في 25 صفر 1381هـ (1961م) في شيراز بإيران وقبره هناك. وكان هذا الشيخ – جزاه الله خير جزاء المحسنين – هو السبب المباشر لانخراط المترجم في السلك العلمي، حيث رغَّبه أشد الترغيب في ذلك، متوسما فيه – كما يقول قدس سره – القابلية لذلك.
وقد درس المترجم عنده بعض المقدمات في العربية والفقه والعقائد لمدة سنتين، وفي خلال هاتين السنتين حضر فترة قصيرة عند العلامة الجليل الشيخ باقر الشيخ أحمد آل عصفور (طيب الله ثراه)، فقرأ عليه أوائل الجزء الأول من تتابع «جامع الدروس العربية» للشيخ مصطفى الغلاييني. كما قرأ كتاب الطهارة من «شرائع الإسلام» وأوائل «قطْر الندى» حتى نواصب الفعل المضارع على العلامة الجليل السيد علوي السيد أحمد الغريفي حفظه الله تعالى. وقد دفع الشيخ عبدالله الآنف الذكر المترجم إلى الهجرة إلى النجف الأشرف، وبعد وفاته قدس سره هاجر المترجم إلى النجف الأشرف لمواصلة دراسته وذلك في بداية الأول سنة 1382هـ (1962م).
قرأ المترجم في النجف الأشرف معظم السطوح على أساتذة فضلاء وعلماء أعلام، رحم الله الماضين منهم وأيد الباقين، وجزاهم جميعا خير المحسنين.
قرأ «قطر الندى» على الشيخ عبدالله «أبومرة» الإحسائي. والألفية «شرح ابن عقيل» على الشيخ حسين الظالمي النجفي، والسيد عبدالله العلي الإحسائي. و«معالم الدين في الأصول» على الشيخ محسن الغراوي النجفي. و«شرائع الإسلام» عدى أوائلها فقد كان على أكثر من واحد من العلماء الأفاضل كالسيد حامد السويج البصري دام ظله أجزل الله مثوبتهم وجزاهم أفضل الجزاء.
وأوائل «شرح اللمُعة» على الشيخ محمد علي الخمايسي، وما بقي منها مع «المكاسب» على السيد محيي الدين الغريفي النجفي. و«مختصر المعاني والبيان» على الشيخ إبراهيم أبو خليل من أهالي سوق الشيوخ، والشيخ حسن طراد العاملي، والشيخ علي الجزائري.
و«منطق المظفر» على الشيخ عبدالرسول الكرمي و«حاشية ملا عبدالله» في المنطق على الشيخ صالح الصالحي و«أصول المظفر» و«كفاية الأصول» وقسم من «الرسائل» على السيد علاء الدين آل بحر العلوم. و«شرح الباب الحادي عشر» على السيد حسين آل بحر العلوم. و«شرح التجري» ولم يكمله على السيد مسلم الحلي النجفي.
تشرَّف في البحث الخارج مدة سنتين أو أقل بحضور بحث سماحة أية الله العظمى السيد أبوالقاسم الخوئي طاب ثراه، في الأصول، وبحث سماحة أية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره في الفقه الاستدلالي على ضوء العروة الوثقى.
إجازاته ووكالاته
للمترجم إجازة رواية من سماحة آية الله العظمى السيد علي الفاني الأصفهاني طاب ثراه، مؤرخة في 25 شعبان 1391هـ (1971م). كما أنه وكيل على قبض الحقوق الشرعية وغيرها من الأموال الشرعية، وتولي الأمور الحسبية من قبل عدد من الحجج رحم الله الماضين منهم وأدام ظل الباقين، منهم الشيخ محمد أمين زين الدين، والشيخ محمد علي الأراكي، والشيخ محمد فاضل اللنكراني، والسيد علي السيستاني، والشيخ جواد التبريزي، بالإضافة إلى أنه كان وكيلا على ما ذكر من قبل للمرحوم آية الله العظمى السيد محمد رضا الكلبايكاني قدس سره.
أدبه
نشر للمترجم عدد من المقالات الأدبية والدينية والقصائد في بعض الصحف والمجلات العراقية كـ «الاضواء» و«التضامن الإسلامي» حينما كان في النجف الأشرف، وفي عدد من الصحف والمجلات البحرانية بعد عودته إلى البحرين، وقد ذكره صاحب كتاب «معجم الأدباء والكتاب العراقيين» ضمن هذه الموسوعة.
عضويته في البرلمان (1973)
بعد 11 سنة ميلادية قضاها المترجم في تحصيل العلم بجامعة النجف الأشرف، عاد إلى البحرين بعد استقلالها ووضع دستور الدولة من قبل المجلس التأسيسي، وكانت عودته بناء على طلب مؤكد من منطقته من أجل أن يرشح نفسه لعضوية المجلس الوطني وذلك في 1973. وحيث كان طلب المنطقة أكيدا فقد استفتى في الموافقة على الطلب كلا من المرجعين الدينيين سماحة الشهيد السيد محمد باقر الصدر، وسماحة الشيخ محمد أمين زين الدين (قدس سرهما)، فأفتاه الأول بوجوب الموافقة، والثاني بالجواز، وبناء على ذلك قفل عائدا إلى البحرين بأهله وعياله، ولم يكن ذلك موافقا لرغبته الحقيقة، إذ كان راغبا جدا في مواصلة الدراسة لعله يحصل على شيء يعتد به من العلم. وكيف كان فقد رجع ورشح نفسه لعضوية المجلس الوطني مجتنبا ما يمارس في هذه الأمور من الدعاية وتوزيع الصور ووضع الملصقات التي تبين أهداف المرشح وتدعو الناس إلى انتخابه. وتم انتخابه عضوا في المجلس عن الدائرة الانتخابية الخامسة عشرة مع سماحة العلامة الجليل الشيخ عيسى أحمد قاسم، وكان رصيدهما بالنسبة إلى أصوات الناخبين على مستوى عموم الدوائر الانتخابية أعلى الأرصدة، وكان لهما مع كتلتهما الإسلامية في المجلس الوجود الفاعل، والمواقف الواضحة والجريئة.
بجمعية التوعية الإسلامية
تم اختيار المترجم نائبا للرئيس في جمعية التوعية الإسلامية في البحرين لمدة ست سنوات تقريبا حينما كان رئيسها سماحة العلامة الشيخ أحمد قاسم، وكان له فيها وجود فاعل ونشاط معروف.
قضاؤه
بعد حل المجلس الوطني بسنتين، وفي 23 محرم 1397هـ 1977م عين المترجم قاضيا في المحكمة الكبرى الشرعية – الدائرة الجعفرية، وذلك بعد طلب مؤكد ومتكرر من المسئولين في البلاد، وبعد أن أعلن موافقته على القضاء بناء على إجازة كل من المرجعين الدينيين سماحة السيد أبوالقاسم الخوئي قدس سره، وسماحة الشيخ محمد أمين زين الدين دام ظله. وفي سنة 1408هـ 1988م عزل عن القضاء بسبب خلافات حصلت بينه وبين المسئولين في عدة أمور، وبسبب مؤاخذات حادة من قبلهم عليه على أساس مواقف إسلامية ووطنية كانت له، وتصريحات من قبله تشجب عدة قضايا تمارس في البلد، وذلك من منطلق النصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعد عزله اعتقل، واستدعي للتحقيق عدة مرات، وألقي عليه أكثر من اتهام، إلا أنه وبسبب اطمئنانه بصوابية مواقفه لم يتراجع، بل صمد رغم الآلام التي مرت به.
في الإذاعة والتلفزيون
مارس المترجم مند سنة 1973م حتى سنة 1981م تقديم الأحاديث الدينية في كل من إذاعة البحرين وتلفزيون البحرين، إلا أن التقديم في التلفزيون كان على فترات. وكانت الأحاديث التي يقدمها بمناسبة عاشوراء وشهر رمضان، ووفيات أهل البيت (ع) ومواليدهم، بالإضافة إلى أيام الجمعة.
في الصحافة
حرر المترجم أربع سنوات في السبعينيات، زواية دينية في مجلة «المواقف» تحت اسم «استفسارات دينية»، وكان على هذه الزاوية إقبال كبير من القراء.
حوزة الإمام زين العابدين
في سنة 1405هـ 1985م أسس المترجم الحوزة العلمية المعروفة بـ «حوزة الإمام زين العابدين (ع)»، مكانها: جامع الإمام زين العابدين عليه السلام، الكائن في بني جمرة قرب بيت المترجم، وهي حوزة تضم إلى حد الآن ما يقرب من مئة بين أستاذ وطالب، ويدرس فيها علماء أكفاء، ولها نظام، ويطبق فيها الامتحان وإعطاء الدرجات، ويدرس فيها جميع الدروس الحوزية، وإضافة إلى ذلك قُرر في منهجها دروس إضافية وهي درسان أساسيان: التجويد، والفلسفة، وثلاثة دروس تكميلية أسبوعية: الأخلاق، والتفسير، والسيرة.
خطه السياسي
خطه السياسي هو الخط الإسلامي الأصيل في كونه يعيش آلام وهموم الآخرين، ويسعى قدر جهده لإصلاح الفساد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويدعو إلى الوحدة الوطنية ونبذ التفرقة ومحاربة الطائفية، وقد تجلى موقفه الإسلامي والوطني في موقفه عن الأزمة التي عصفت بالبلاد، وتبنيه عريضة 1992 وثم عريضة 1994، وما تحمل مع زملائه الأطائب أصحاب المبادرة وأعوانهم. هذه المبادرة التي تضمنت المطالب والطموحات التي يريدها الشعب وفي طليعتها البرلمان، وقد جاء في خطابه للجماهير التي قدرت بأكثر من خمسين ألفا والتي احتشدت لاستقباله يوم خروجه من السجن في 25 سبتمبر 1995م: «وإنني – أيها الشعب العظيم – لأعاهد الله عز وجل وأعاهدكم بأني سأبقى وفيا لكم، وسأعيش هموم هذا الشعب وآلامه وآماله، وسأخدمه، بكل ما لدي من طاقات، علِّي أتمكن من أداء بعض الديْن الكبير الذي لكم في عنقي».
شعره
بالنسبة إلى شعر المترجم: نظم الشعر وهو في سن مبكرة، وذلك باللسانين: الشعبي والفصيح، بدأ الشعر الشعبي – في رثاء أهل البيت (ع) – ولما يكمل العاشرة من عمره، وله ديوان شعر في هذا الباب، اسمه «أنغام الولاء» وهو لايزال مخطوطا. وبدأ نظم الفصيح ولما يكمل الثامنة عشرة. وقد نشرت له عدة قصائد بالفصحى في بعض الصحف العراقية والبحرانية، كما ألقى كثيرا من قصائده في الاحتفالات الدينية في العراق وفي البحرين، وقد صدر له في هذا اللون من الشعر الأول من ديوانه: «عصارة قلب» المذكور آنفا. وإليك نموذجا من شعره بعثه مع صورته إلى صديق استهداه إياها ما يأتي:
تلبية أهديكها صورتي
حاكية علاقة فاضله
وإنني أحسب أن الإخا
والحب، والصداقة الكامله
تحسها في موقف ترتضيه
وترتضي – يا صاحبي – فاعله
صديقي العزيز يُروى إليك
هنا وعبر الصورة الماثله
تطلعاتي وشجوني الغضاب
ويقظة في محجري قائله:
لا لن أعيش الدهر إلا العناد
للفئة الفاسقة الجاهله
ومن قصيدة له في مدح الرسول الأعظم (ص):
بطل الحياة، ورائد الانسان
عملاق الوجود، وصانع العظمات
فاق ابن آمنة الخلائق كلها
بأتم أخلاق وأطهر ذات
قبل الرسالة كان بين القوم
كل القوم معروفا بخير صفات
يدعى الأمين وصادق الأقوال لم
يعثر له أبدا على هفوات
وخروج مثل محمد من أمة
غمرت ضلالا أكبر الآيات
ومن قصيدة له في رثاء الإمام علي أبي طالب (ع):
أذهل الخطب منطقي وجناني:
فحقيق بأن يضيق بياني
كيف أسطيع قولة وأمامي
حادث هد وقعه أركاني
زلزل الأرض والسماء وأدمى
كل جفن من أمة القرآن
لف للدين راية لم تنكس
منذ وقت بعزة الإنسان
ملأ الكون صيحة وعويلا
ألبس الدهر حلة الأحزان
يومَ بين الخضراء والأرض نادى
جبرائيل بصوته الرنان
فُصمتْ عروة الهدى وهِيَ الوثقى
وهُدَّت قواعد الإيمان
ومن قصيدة في رثاء الشهيد مسلم بن عقيل (ع):
صنعت البطولة يا مسلمُ
فمنك البطولة تُستلهم
وسجلت أرقى دروس الوفاء
بناصية الدهر إذ ترقم
بتضحية فاقت التضحيات
ومصرع حر هو الأكرم
لأنت بحق كما قال عنك
حسين الهدى: ثقتي مسلم
أمسلم فيك اهتدى المصلحون
فأنت لهم رائد أعظم
تمثل فيك هدى الطاهرين
وخُلْقُهُمُ الأكمل الأقوم
أتاك إلى الدار أشقى الورى
ويمكنك الفتك لو تقدم
أأمدى المدى واقع في يديك
وعن قتله سيدى تحجم
أجبنا وأنت أبا طاهر
بيوم الوغى بطل مُعْلِم
ألست بصفين يا بن الكرام
بسيفك حزب الردى يهزم
تجسد صدقك في موقف
أنوف الضلال به ترغم
فديتك لم تك تخشى عداك
فمن سيفك بن الخنا يسلم
ولكن أبيت سلوك الصغار
ومالا يليق وما ينقم
فنفسك أسمى من الاغتيال
إلى الآمنين وإن أجرموا
الشيخ علي جاسم الجمري
هو من أبناء عمي، والده الحاج جاسم الحاج محمد إبراهيم كبير أسرتنا، وقد اعتمدته رحمه الله تعالى في كثير من المعلومات المدونة في هذا الكتاب. ويحسن بهذه المناسبة أن اذكر نبذة عنه رحم الله فأقول: كان من المؤمنين الأخيار المحبين للمؤمنين والعلماء. وكان مما أوصى به قبل وفاته بشهر – حسب ما أخبر ابنه المترجم – التزام القرآن والقيام بحقوق الجار.
حيث سأله ابنه المترجم: ما الذي تريد أن توصينا به؟ جوابه ماذكر. وقد توفي الحاج جاسم يوم الأربعاء 27 جمادى الأولى 1415 هـ الموافق 1994م، وذلك عن عمر يقارب المئة سنة. وقد صار مقعدا على الفراش عدة سنوات قبل وفاته، إلا أنه متمتع بإدراكه وتمييزه وفهمه للأمور المحيطة به حتى وفاته. وكان السبب المباشر لوفاته أنه أصيب قبل وفاته بيوم واحد بجلطة خفيفة نقل على أثرها إلى مستشفى السلمانية ورقد هناك ليلة الخميس ويوم الخميس الذي توفى فيه. وقد شيع إلى مثواه الأخير في الساعة الرابعة بعد الظهر ودفن في مقبرة «بني جمرة» بجانب قبور الآباء والأجداد. وقد خلف أولادا ثلاثة ذكور هم: محمد، والمترجم، وعباس، وثلاث إناث، وزوجة.
ولنعد للحديث عن المترجم فأقول: هو من مواليد 1957 ميلادية، أنهى الدراسة الثانوية في البحرين العام 1974م، وبعد تخرجه عمل موظفا حتى العام 1984م، وفي خلال فترة توظفه درس في كلية الخليج للتكنولوجيا وقد بقيت له أربعة فصول للحصول على البكالوريوس. وفي العام 1984، هاجر إلى العاصمة العلمية (قم المقدسة) بالجمهورية الإسلامية الإيرانية للتحصيل العلمي، وبقي هناك قرابة ثمان سنين أنهى خلالها مرحلة السطوح تقريبا، وعاد إلى البحرين العام 1992.
الشيخ أحمد بن محمد بن موسى الجمري
من مواليد 11 ذي الحجة 1386هـ الموافق 5/5/1963م. أنهى الابتدائية والإعدادية فالثانوية (القسم الأدبي) في البحرين. بعد تخرجه رغب في الخطابة، وتلقى بعض الإرشادات الخطابية من الخطيب ملا جاسم محمد حسن نجم الجمري صاحب ديوان «شعار الحزين» وتصنَّع على يده فترة قصيرة. تلقى دروسا نحوية وفقهية على يد كاتب السطور، وفي المدرسة الدينية بجدحفص فترة وجيزة. بعد ذلك – وبتوجيه وتشجيع من الأستاذ عمران حسين عمران – هاجر إلى قم المقدسة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، ودرس المقدمات في المجتمع العلمي للطلبة البحرانيين، ثم درس السطوح الأولية: أصول الفقه على يد الشيخ صادق أخوان، وشرح اللمُعة الدمشقية على يد فضيلة السيد عادل العلوي، و الشيخ نور محمد نجف آبادي.
وإلى جنب ذلك تلقى بعض الدروس الجانبية كالتفسير والأخلاق. وفي السطوح العليا درس المكاسب وفرائد الأصول للشيخ الأنصاري (قدس سره) والكفاية للشيخ الأخوان الخراساني (قدس سره) على يد الشيخ محمد باقر الإيراوني.
وبعد إنهاء السطوح حضر في الخارج بحث الشيخ محمد باقر الإيراواني المذكور دام ظله، وبحث الشيخ حسين نجاتي دام ظله فقها وأصولا وإلى جنب ذلك درس فترة المقدمات. وبناء على ما ذكره. علما بأني تلقيت هذه المعلومات منه حفظه الله فهو مجد ومحصل وفاضل. وقد قال في آخر المعلومات ما نصه: «ثم رجعت إلى البحرين في 7 محرم 1414هـ (1993 م) وقضيت فصل الصيف في البحرين وفي هذه المدة التحقت بالحوزة العلمية حوزة الإمام زين العابدين (ع) وهي أكبر الحوزات في البحرين كما وكيفا، وأخذت في تدريس بعض الكتب الحوزوية».
خطباؤها وأدباؤها
الخطيب ملا حسين إبراهيم حسين الجمري
وهو من أسرتنا وأعمامنا، قال عنه المرحوم الخطيب ملا عطية الجمري في شجرة الأسرة: «هو الخطيب الشهير في زمان ابن فايز والحاج أحمد العالي. قطن المنامة، واتخذها مقره. وإقامة ذريته هناك. فبيته مشهور بالجمري له من الولد إبراهيم ولا عقب له. توفي رحمه الله تعالى العام 1321هـ».
الخطيب ملا عبدالرسول بن محمد الجمري
وهو جدي الثاني لأبي، وهو أخ إبراهيم، منهما ابنا محمد بن حسين بن إبراهيم بن مكي بن الشيخ سليمان بن مكي الجمري، ومن هذين الأخوين انشطرت قبيلتنا المعروفة في السابق بـ«آل الشيخ سليمان» ثم بـ «آل محمد» إلى شطرين.
وقد حدثني ابن العم محمد بن ملا جعفر بن محمد بن حسين بن عبدالرسول الجمري نقلا عن بعض الأسرة أن الجد ملا عبدالرسول كان قارئا حسينيا.
وقد حدثني ابن العم الملا إبراهيم بن علي بن عبدالرسول الجمري أنه اشتهر عن المترجم رحمه الله تعالى أنه كان يحب مجالسة العلماء كثيرا، وقد سافر في أواخر عمره مع بعض علماء البحرين إلى محافظة «بوشهر» في إيران، وبقى معه مدة سنة تقريبا، وعقد امرأة إيرانية عقدا منقطعا ولم يعرف أنها أنجبت منه شيئا أم لا.
الخطيب ملا محسن بن عبدالرسول بن محمد الجمري
وهو من أسرتنا وأعمامنا. حدثني ابن العم حفيده محمد ملا جعفر محمد محسن عن أبيه وعن المرحوم الخطيب ملا عطية الجمري عفى الله عنهم جميعا أن المترجم خطيب كبير ومرغوب في عصره، وأنه هاجر إلى مدينة سيهات في المملكة العربية السعودية في حياة أبيه الخطيب ملا عبدالرسول الآنف الذكر، حيث أن أهل أمه هناك وهم أسرة الخرادوة، إحدى الأسر الجمرية المهاجرة، وسكن هناك يمارس الخطابة، وبالإضافة إلى ذلك يمارس النساجة، وعمل البحر، وقد حصل على ثروة ملحوظة، وعزم في السنة التي توفي فيها على حج بيت الله الحرام، فأتى البحرين ليتجه منها عن طريق البحر بالباخرة إلى جدّة، ولكن شاء الله أن يختاره، حيث مرض عند أبيه وأهله في قريته «بني جمرة» وتوفي، ودفن في مقبرة القرية.
الخطيب ملا محمد بن ملا محسن عبدالرسول الجمري
وهو من أسرتنا وأعمامنا. حدثني ابن العم محمد ملا جعفر الآنف الذكر عن أبيه وعن المرحوم الخطيب ملا عطية الجمري أن المترجم كان خطيبا موفقا مرغوبا، وكانت جل قراءته في «بني جمرة» في حسينية «آل الغسرة»، وكان جميل الصورة، صبيح الوجه، قوي البنية، قوي الصوت، وكان يتعاطى إلى جنب ممارسة المنبر عمل النسيج، وقد توفى وله من العمر أربعون سنة، وكانت وفاته بعد قدومه من زيارة العتبات المقدسة في العراق مدة أربعين يوما، ودفن في مقبرة «بني جمرة». وربما يكون الناقل المذكور قد اشتبه في النقل في بعض الكلمات، حيث يقول الخطيب المرحوم ملا عطية الجمري في شجرة الأسرة: «هو ابن عمي وخالي، كان رحمه الله تعالى قارئا مقبولا، لم يتعدَّ منطقته، له من الولد ابنه جعفر، توفي رحمه الله وعمره خمسة وأربعون سنة».
ملا جعفر ملا محمد ملا محسن الجمري
من أبناء عمنا. ولادته سنة 1315 هـ (1897 م). قال الخطيب الملا عطية الجمري «كان حفظه الله قارئا مؤمنا، لم ينتشر له صيت، فهو خطيب وآباؤه إلى محمد الأول خطباء».
شجي الصوت، يغلب على منبره الجانب العاطفي، حيث إن معظم ما يعرضه في مجالسه لقطات من مصائب أهل البيت عليهم السلام، وهو حسن القرض، وحسن التنقل والربط بين المواضيع التي يتطرق إليها. وقد تعاطى إلى جانب المنبر فيما تقدم عن حياته ثلاث مهن: النساجة، وبيع المواد الغذائية، وعمل البحر، ولكنه في الفترة الأخيرة من حياته اعتمد على المنبر خاصة. وكانت جل قرائته في قرية «المرخ» وقرية «عالي». وكان رحمه الله كثير النكتة حاضرها في مجلسياته، وكثير المرح في حديثه، ويغلب عليه طابع الظرافة، وكان ندي الكف، وصولا للرحم. وكانت وفاته سنة يوم النصف، سنة 1399 هـ 1979م.
الخطيب ملا أحمد بن عبدالله بن علي الجمري
كان مولده رحمه الله تعالى في مدينة سيهات من المملكة العربية السعودية سنة 1913م، وسبب ولادته هناك أن والده قد هاجر من البحرين وسكن تلك المدنية، وولد له المترجم هناك. ونشأ وتربى في سيهات وتزوج وولد له ابنه الأكبر «جعفر» وبنتان، ثم عاد إلى البحرين وسكن قريته وقرية آبائه وأجداده «بني جمرة».
يلتزم منبره رحمه الله – حسب ما هو معروف عند من سمعوه – بالجانب التاريخي، وعرض السيرة الحسينية فقط. وكان طيلة المدة التي كان يمارس فيها الخطابة يقرأ في قرية «شهركان». ويقول العارفون بشئونه: إنه رحمه الله حينما ضعفت أحوال الناس الاقتصادية بسبب الحرب العالمية الثانية صار يقرأ في المأتم الذي كان يقرأ فيه عاشوراء في «شهركان» بلا أجرة، بل صار هو الذي يمون المأتم بجميع ما يحتاجه مما هو المعتاد من القهوة والتتن وغيرهما، وذلك بطيب نفس لكي يستمر المأتم في أداء وظيفته. وكان إلى جانب خطابته يمارس الكتابة لمن يحتاج إلى نسخ أو كتابة كتاب، وكذلك يمارس تجليد الكتب.
وفي السنوات الأخيرة من حياته ترك المنبر، وتفرغ للكتابة فقط، وكان جميل الخط. وكان يعد في «بني جمرة» من الشخصيات المؤمنة العارفة المعتمدة.
وقد توفي في شهر رمضان سنة 1385هـ (1965م). وكانت وفاته في مدينة سيهات بالمملكة العربية السعودية، ودفن في مقبرة سيهات، وهكذا شاء الله أن يكون بدء حياته رحمه الله وختامها في هذه المدنية .
الخطيب الشيخ يوسف بن يعقوب الجمري
هو الشيخ يوسف بن يعقوب بن يوسف بن علي بن محمد بن خزعل الجمري . وتعرف أسرته بآل خزعل. ومن هذه الأسرة آل خير الله، وآل هارون، وآل إسماعيل المعروفون بآل غبَّاش.
مولده سنة 1336هـ (1918م) في بني جمرة، وقد هاجر مع أبيه إلى البصرة وعمره سبع سنين تقريبا. وقد تلقى الخطابة على يد عمه المرحوم الخطيب ملا أحمد بن يوسف الجمري ساكن جزيرة صلبوخ في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكانت حياة ملا أحمد المذكور في ناحية القطعة من محافظة البصرة بالجمهورية العراقية، ثم نزل مدينة «خرمشهر»المحمرة، إلى أن توفي في الجزيرة المذكورة الواقعة قرب مدينة «عبادان». وقد استقل خطابته وعمره 23 سنة تقريبا. وهاجر إلى النجف الأشرف للدراسة العلمية وبقي هناك مدة، ثم عاد إلى المحمرة، وتزوج. وبعد حوالي خمس سنين عاد إلى النجف الأشرف وسكن فيها مدة ست سنين، ثما عاد إلى المحمرة وسكن عبَّادان، وبقي مدة خمس سنين تقريبا، ثم عاد إلى النجف الأشرف، وبقي هناك سنتين، ثم جاء مع عياله إلى البحرين وسكن في بلده الأصلي «بني جمرة» وله أولاد محترمون، يأتي في طليعتهم محمد علي ومحمد حسين، ويمتاز هو وأبناؤه بالأخلاق الحسنة، وحسن المعاشرة والكرم. وقد توفي رحمه الله في 23 جمادى الأولى 1411هـ، الموافق 10 ديسمبر 1990م، ودفن في مقبرة القرية في «بني جمرة».
الخطيب الملا محمد بن الشهيد الشيخ عبدالله العرب الجمري
مولده عام 1320هـ (1902 م) تقريبا، ووفاته يوم الإثنين 18 ربيع الثاني سنة 1365هـ (1946 م)وعمره تقريبا 45 سنة.
كان رحمه الله من الخطباء المتوسطين، وكان ذا صوت عالٍ وجميل، وكان أنيق الشخصية، مرتب الهندام، كثير السباحة لايدع السباحة يوما طيلة أيام السنة، حتى أن في النهر المعروف بنهر فارس والكائن جنوب بني جمرة بين قريتي المرخ والقرية والذي طم الآن، في هذا الشهر ثقبة – مؤنث ثقب – تعرف عند الناس بثقبة ملا محمد لكثرة استحمامه فيها. وكانت إحدى رجليه معيبة، وربما كان ذلك من أصل الخلقة بحيث يضطر لأن يلف عليها كمية كثيرة من القماش، ولهذا السبب كان أعرج. والمترجم شقيق أخويه العلامة الشيخ محسن وإبراهيم ابني الشهيد الشيخ عبدالله العرب، أما بقية الإخوة فمن أمهات شتى، حيث الشيخ عبدالله (طاب ثراه) تزوج عددا من النساء. تلقى المترجم الخطابة على يد أبيه الذي كان بالإضافة إلى كونه عالما خطيبا مرموقا.
قرأ رحمه الله في عدد من مدن وقرى البحرين، وفي سلطنة عمان. وكان سبب وفاته أنه كان متجها إلى سوق الخميس وهي سوق شعبية تقام يوم الخميس أسبوعيا في المنطقة التي تسمى الآن بالخميس من بلاد القديم، وكان رحمه الله يمتطي دابة فصدمه إنجليزي بسيارته، فوقع مصابا بكسور ونقل فورا إلى مستشفى النعيم وقرر الطبيب أن المصلحة تقضي بقطع رجله، فقطعت إحدى رجليه، وبقى في المستشفى ثلاثة أيام بعدها قضى نحبه، ولم تحصل محاكمة لصاحب السيارة ولم تتخذ أي إجراءات ضد الحادث، وحتى الرجل المقطوعة لم تسلم إلى أهل المترجم مما بعث في نفوسهم الشك في صحة العلاج.
وكان مستشفى النعيم أيام وجود المترجم فيه ملتقى لعدد من أهل العلم والشخصيات البارزة، حيث هرع الناس لعيادته والتعرف على أحواله مما يكشف عما يتمتع به رحمه الله من منزلة ومكانة اجتماعية.
وقد سئل رحمه الله عندما ثقلت حاله وقرب من حالة الاحتضار: هل عليك ديْن؟ فقال: أنا أأكل البقل ولا أستدين. وكان الوقت وقت مجاعة شديدة.
وبعد حوالي خمس سنين عاد إلى النجف الأشرف وسكن فيها مدة ست سنين، ثم عاد إلى المحمرة وسكن في عبادان، وبقي مدة خمس سنين تقريبا، ثم عاد إلى النجف الأشرف وبقى هناك سنين، ثم جاء مع عياله إلى البحرين وسكن في بلده الأصلي «بني جمرة» وله أولاد محترمون يأتي في طليعتهم محمد علي ومحمد حسين، ويمتاز هو وأبناؤه بالأخلاق الحسنة، وحسن المعاشرة، والكرم.
وقد توفي رحمه الله في 23 جمادى الأولى 1411هـ الموافق 10 ديسمبر 1990م ودفن في مقبرة القرية في «بني جمرة».
الخطيب الحاج منصور بن الحاج كاظم بن الحاج عبدالنبي الجمري
كان رحمه الله تعالى يمارس الخطابة أيام شبابه وكهولته، وإلى جنب ذلك كان يتعاطى التجارة في المواد الغذائية وأشرعة السفن حيث كانت مهنة الغوص تمارس آنذاك، ثم بعد ممارسة بيع المواد الغذائية وأشرعة السفن انتقل إلى بيع الملابس كالأزر والكوفيات والصدريات، ومحله معروف مشهور في سوق المنامة العاصمة.
وهو من المؤمنين الأخيار، والشخصيات الوقورة البارزة في قرية «بني جمرة»، وذو مجلس معروف ومقصود، ومن المكثرين في إقامة عزاء الحسين عليه السلام، فقد كان بيته ومجلسه مرتادين من قبل الخطباء البحرانيين وغيرهم من الخطباء العراقيين والسعوديين، وكان من البكَّائين في المجالس الحسينية والذين يكسبون المجلس الذي يحضرون فيه هيبة وخشوعا.
وله – رحمه الله تعالى – أعمال خيرية محترمة، منها: أنه اشترى في أيام يساره بيتا في قرية وبيتا آخر في قرية أخرى، وبعد الشراء جعل سكان كل من البيتين أهله الذين اشتراه منهم، ثم وهب كلا منهما إلى ساكنيه.
وكانت قراءته في أيام ممارسته للخطابة الحسينية تتركز في«الدمستان» حيث قرأ فيها عشرة عاشوراء وتوابعها بحسب المتعارف عشر سنوات تقريبا متصلة وفي «دار كليب» حيث قرأ فيها – كما ذكر – خمس سنوات متصلة، وفي «جد الحاج» حيث قرأ فيها – كما ذكر – ثلاث عشرة سنة متصلة، وقرأ في قرى أخرى بعض السنوات، وقرأ أيضا قبل أن يتنازل عن القراءة في «مأتم الخضر» وهو المأتم الذي يقام في «مسجد الخضر» سابقا، وقد سمعت من بعض كبار السن من أهل القرية أن هذا المأتم هو أقدم مأتم أسس في«بني جمرة».
وكان المترجم إلى جنب قراءته في هذا المأتم الذي يتولى إدارته، ولازال هذا المأتم تحت إدارته حتى انتقل إلى رحمة الله تعالى، وبعد وفاته انتقلت إدارة المأتم إلى أبنائه الآن. وفي آخر سنة من حياته وفقت – بطلب منه – للقراءة في هذا المأتم عشرة عاشوراء وكان مكرما لي، وبعد وفاته قرأت كذلك في المأتم بحسب رغبة أبنائه حفظهم الله مدة ثلاث سنوات متصلة، وكنت آنذاك طالبا أسكن النجف الأشرف بالعراق. واعتزل المترجم الخطابة الحسينية وقبل وفاته بسنتين أخذ راحته في المنزل وهو صحيح الجسم بحيث لا يذهب إلى السوق إلا حيث يرغب ذلك، وكان أبناؤه يقومون بدورهم في إدارة المحل، وكانوا بارين به يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه.
وقبل التحاقه بالرفيق الأعلى مرض مدة عشرة أيام في بيته وبعدها انتقل إلى دار الآخرة وله من العمر ثلاث وثمانون سنة، وذلك في الساعة الحادية عشرة وأربعين دقيقة ظهرا من يوم الأربعاء الثامن من شهر ربيع الثاني سنة 13هـ 15/7/ 1967م. وصلى على جنازته المرحوم الخطيب الفاضل الملا عطية بن علي الجمري طاب ثراه، وأقيمت له الفاتحة خمسة أيام، قرأ ثلاثة منها الملا عطية الجمري، وقرأ اليومين الباقيين الخطيب السيد محمد صالح السيد عدنان.وقد توفي المترجم عن سبعة أبناء وابنتين وزوجتين .
الخطيب الملا عطية بن علي الجمري (رحمه الله تعالى)
الخطيب الفحل، شيخ وكبير خطباء البحرين الملا عطية بن علي الجمري. ولد في بني جمرة ليلة 20 جمادة الثانية سنة 1317هـ (1899م)، وقد أرَّخ قدس الله نفسه ولادته بقوله – متيمنا بكون مولده ليلة مولد الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام:
ولادتي في ليلة مشرفة زهيه
شرفت الكون بها فاطمة القدسيه
فيا لها من صدفة نلت بها الأمنيَّه
قال لي التاريخ: «عش بالخير ياعطيه»
تربى في أحضان والده المقدس علي بن عبدالرسول رحمه الله، وقد هاجر والده مع عياله ومن ضمنهم المترجم من البحرين إلى العراق في العام 1327هـ (1909 م) وللمترجم من العمر عشر سنين، وقد تلقى في العراق – البصرة، وفي المحمرة التي كان والده يتردد معه عليها، الخطابة على أيدي خطباء ماهرين، وراح يرقى المنبر الحسيني بجدارة وهو في سن مبكرة، ممتازا بقوة الحافظة والذاكرة، وشدة الذكاء، وموهبة الشعر. وعاد إلى البحرين بعد أكثر من عشر سنين. وفي البحرين صحب الشيخين الجليلين: الشيخ عبدالله العرب الشهيد وابنه الشيخ محسن، وقد تقدمت ترجمتهما في فصل «علماؤها» فأخذ عنهما – طيب الله ثراه – الكثير من المعارف الدينية، وبعض المقدمات كالنحو والصرف.
وأول سنة تشرف فيها بحج بيت الله الحرام هي سنة 1367هـ (1948 م).
قدم رحمه الله إلى الجماهير المؤمنة ديوانه القيم «الجمرات الودية في المودة الجمرية» في ستة أجزاء، طبع منها في حياته أربعة أجزاء، وبعد وفاته جزآن.
يمتاز شعره بالرقة والابتكار للمعاني، والجودة في السبك، والدقة في التصوير. إنك لتقرأ القطعة من شعره فتجدها تفيض أسى، وتقطر ولاء وتفانيا، وتمثل إنسانا قد انصهر بحب أهل البيت (ع)، وتفاعل بأحداثهم، وانقطع إليهم، مجسدا معنى قول الشاعر:
وما فاتني نصركم باللسان
إذا فاتني نصركم باليد
وإلى شاعرنا الأستاذ يعود الفضل في بعث الحركة الأدبية في هذا المجال وبهذا اللون من الشعر في الخليج العربي .
وقد قدمت للجزء السادس من ديوانه «الجمرات الودية» مقدمة أرى من الخير أن أثبتها هنا كما هي لكونها شاملة فإليك ذلك:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين، وأصحابه المنتجبين، والتابعين بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فبين يديك – أيها القارئ الكريم – الجزء السادس من ديوان «الجمرات الودية والمودة الجمرية» لصاحبه الشاعر الفحل، ورائد هذا الفن من أدب الطف، الخطيب الكبير المرحوم ملا عطية بن علي الجمري طيب الله ثراه. وإني أرى من الحق – وأنا اقدم لهذا الديوان – أن أقف وإياك أيها القارئ ونقضي شيئا من الوقت مع هذه الشخصية – شخصية شاعرنا الكبير – المتميزة بعطائها ومواهبها وتجديدها، والتي تمثل منعطفا ملحوظا في مسار المنبر الحسيني، والأدب الرثائي باللسان الشعبي، بما سجلت من مواقف وأدوار كبيرة في الساحة الحسينية خطابة، ومدحا ورثاء، وتطويرا وتجديدا، وأصالة.
وكم أكون آسفا للإخوة الذين يكتبون عن أدب الخليج، وشعرائه، ومميزاته، وملامحه، ويمرون بهذه الشخصية التي لا يمكن تجاهلها في عالم الأدب مرور كرام، فلا يذكرونها – على الأقل – كإحدى الشخصيات الأدبية الخليجية… وكلما بحثت عن السر في هذا التجاهل لم أجد إلا أن هذه الشخصية يتمخض بروزها وامتيازها في مجال أدب الطف، وكأن هذا الأدب لا يعني الإخوة المحترمين، ولا يستحق الاهتمام في حسابهم. وأود أن أهمس في أذن الإخوة الأعزاء بأن كل ما ارتبط بالحسين السبط (ع)، الحسين الثائر الحسين القدوة من فكر وأدب لهو الشعلة التي تظل أبدا تضيء الدرب للسائرين، والنور الأخضر الذي يفتح الطريق أمام المجاهدين، والوقود الذي يمد المسيرة الإسلامية لتواصل طريقها حتى البلوغ إلى الغاية.
إن ثورة الحسين (ع) كلما مرت الأيام وتعاقبت الأجيال تزداد حقيقتها سطوعا وتألقا ومعانيها وأبعادها تبلورا، ومبادؤها وأهدافها ظهورا.
لذلك فإن كل حر في الدينا – سواء كان مؤمنا أو غيره – لابد أن يقف منها موقف إجلال وإكبار، ويتعامل معها كمدرسة جامعة، وأطروحة فياضة بالعطاء يستفيد منها ويقتدي بها، ويقتطف من ثمارها، ويعيش في رحابها.
ولنعد – أخي العزيز – إلى شخصية الشاعر لنقف معها في بعض مجالاتها، ولنلتمس الفراغ الكبير في عالم المنبر والأدب الذي أحدثه رحيله عن هذه الدنيا، وبعبارة أخرى:
لنأخذ فكرة عامة عنه، فنقول:
هو من حيث الأسرة سليل أسرة عريقة، عرفت في السابق بآل الشيخ سليمان، ثم بآل محمد، ثم انشطرت شطرين يعرف أحدهما بآل عبدالرسول، والآخر بآل محمد بن إبراهيم، وتشتهر هذه الأسرة بالجمري، وهي ذات ماضٍ علمي خطابي، ويسكن معظمها في مسقط رأس الشاعر (بني جمرة).
وهو من الناحية الجسدية والمعنوية: حسن الخلقة، نحيف الجسم، ربعة من الرجال، حاد الذهن، قوي البديهة، سريع التأثر، كثير الوقار، يحب الفكاهة، ويعشق الأدب، كثير الطموح.
وهو في أخلاقه: لاتكاد الابتسامة تفارق شفتيه مع جليسه، ولا تخلو جلسته من النكتة التربوية النافعة الترفيهية، وصول للرحم، وللمعارف والأصدقاء، يبادر لقضاء حاجة من يقصده في حاجته مع حفظ حرمته. ويعجبك منه أنه رغم شيخوخته خشن صلب، يمارس شئون حياته بجدية، معتمدا على نفسه في الصغيرة والكبيرة.
وهو في فنه المنبري: متميز متفوق، مخلص لمنبره وفنه الخطابي، وحتى آخر أيامه لم يزل في ازدياد وتكامل، ولم يجمد على ما عنده، وإنما كان يساير التطور الزمني بمنبره. والحق إنه يعتبر في الفترة التي نبغ فيها، وبما جاء به من أساليب منبرية، ووضع خطابي متطور… يعتبر في الخليج: مجدد المنبر الحسيني ومطوره. ويعجبك منه إنه رغم ما هو عليه من الفن الرفيع يذهب – إذا كان لديه متسع من الوقت – إلى استماع أبسط واحد من الذاكرين فضلا عن الخطباء المعدودين، ويقول ما مضمونه: إن الاستماع لأي قارئ كان لا يخلو من أن أستفيد ولو كلمة. فكم هو متواضع، وطالب للفائدة هذا الشيخ الجليل والأستاذ الكبير!
وقد أرَّخ وفاته رحمه الله عدد من الشعراء، ومن هؤلاء المؤلف، أرخت وفاته في القصيدة التأبينية التي ألقيتها في أربعينيته، وأولها:
الخطب فوق تصوُّري وبياني
لو كان يسطيع البيان لساني
سهم من الدهر الخئون أتى فلم
يخطئ فؤادي يالسهمٍ جاني
وآخرها هذه الأبيات وفيها التاريخ:
إن قال شعرا فالكميت وإن علا الأعواد
فهو كقيس أو سُحبان
يا صحب إن فقيدنا هو كاسمه
في الفيض، فهو عطية المنان
نجم تألق واستطار ضياؤه
يهدي النفوس لطاعة الرحمان
عملاق إرشاد وأفضل واعظ
عرفت أوالٌ في امتداد زمان
سبعون من عمر طهور كلها
كانت بخدمة سادة الأكوان
أعطى الحياة لآل بيت محمد
فغدا له ذكر بكل مكان
مازال يرثيهم ويعلن صوتهم
حتى أصيب بطارق الحدثان
من هول يوم الحشر أرَّخه «نجا
والخلدَ نال عطية بجنان»
1401هـ (1981م)، والقصيدة مذكورة في ديواني:«عصارة قلب»
الخطيب الملا إبراهيم بن علي الجمري
كان مولده في ناحية القطعة من محافظة البصرة بالعراق في شهر صفر سنة 1333هـ 1915م. تلقى الخطابة على يد أخيه الخطيب الكبير الملا عطية الجمري، وقد مارسها لمدة سنوات، ولظروف معينة جعلته يمارس أعمالا أخرى في طريق التكسب على العيال اضطر للتخلي عن صعود المنبر. وهذه الأعمال كالنجارة، والبناء، والخياطة، وفي النساجة له دور ملحوظ في المنطقة، فهو الذي سبق إلى صناعة الإزار، والغترة (كوفية)، والرداء النسائي المعروف لدى النساجين في القرية بالبروجي، وهو أول من نسج الرداء الصيبعي في بني جمرة بعد قرية أبوصيبع، وكذلك هو أول من سبق إلى نساجة «الملفع»، وهو لباس نسوي يستر الرأس والعنق. وإليه الإشارة بقول أحد شعراء الطف:
أقام القطيع على رأسها
مقام الملائة والملفع
والمترجم نحوي، حاضر البديهة، حادّ الذكاء، ويعتبر اليوم من شخصيات أسرتنا وبارزيها. وله شعر باللسانين: الفصيح والدارج. وقد قال عنه المترجم المرحوم الخطيب الجليل الملا عطية الجمري في شجرة أسرتنا ما يأتي:
«كان خطيبا كاتبا إلا أنه غلبت عليه الصناعة، فهو نجار مرموق، وقرٌ مؤمن». وفي السنوات الأخيرة صار يمارس مهنة البناء لمدة سنتين، ثم تركها، وصار يمارس الخياطة، علما بأنه كان يمارس الخياطة أحيانا منذ زمن بعيد. وأرى من الخير أن أذكر إليك – أيها القارئ الكريم – نموذجا من شعره الفصيح، عبر واحدة من قصائده، فإليك ذلك بقلمه:
سورة الإسراء ما بين السور
نورها يعلو نجوما وقمر
أقصد السورة سبحان الذي
في سواد الليل أسرى وأسرّ
إذ دعا الرحمن يا أحمد قم
واترك النوم لأمر قد حضر
فمن المسجد لبّى مسرعا
ثم للأقصى كلمحٍ بالبصر
فرأى المعراج فيه فارتقى
صاعدا ثم على السبع استقر
وإذا جبريل قد قال له:
يا رسول الله إني أعتذر
ليس لي أن أتعدى منزلي
إنْ تعديت رُميت بالشّرر
زجّه جبريل زجا مشفقا
وعلى الحجْب رسى خير البشر
ومن الآداب خلع النعل في
موضع التقديس من كل البشر
وإذا الصوت: حبيبي دس ولا
تخلع النعل وشرّف واستمر
وادنُ مني وادنُ مني فدنا
قاب قوسين أو أدنى في السور
قال من خلّفت ياخير الورى
قال من قد كان أتقى وأبّر
حيدر الكرار ساقي أمتي
خير من صام وصلى واعتمر
نعم من خلّفت فيهم أحمد
ونجوا إن تابعوه من سقر
الخطيب المرحوم ملا راضي بن أحمد بن حبيب الجمري
تلقى الخطابة على يد خاله الخطيب الملا سعيد الشيخ عبدالله العرب، وبقي يمارسها على مستوى قليل حتى لقي ربه. وكان إلى جنب ذلك كاسبا يمتهن النساجة وصيد الأسماك، وكانت قراءته تقتصر في الغالب على العشرة الأولى من المحرم وفي مأتم المرحوم الحاج أحمد بن عبدالمحسن الشهابي بالدراز خاصة.
وكان شخصا متواضعا حسن الاخلاق. وقد توفي سنة 1378هـ 1958م. وقد توفي رحمه الله مع صديقه علي بن أحمد العجرة الملقب بصنقور بسبب شدة البرد بساحل الدارز حيث كانا يمارسان صيد الأسماك وحدثت عاصفة هوائية باردة جدا كان لها في البحرين أثر كبير، وقد حدثت فيها عدة وفيات، ومنها وفاة المرحوم مهدي خميس رئيس مأتم آل خميس في السنابس، وهو شخصية معروفة، ومحبوبة لدى بلده وعارفيه وله خدمات حسينية طيبة، وقد صادف وقت حدوث العاصفة أن كان عائدا إلى بلده في المنامة بشارع البديع، راكبا دراجة هوائية وقت المغرب، فوقعت عليه نخلة لشدة هبوب الرياح، ولم يحضر عنده أحد لإسعافه حتى قضى نحبه رحمه الله تعالى. ومن المصادفات الغريبة أن الملا راضي رحمه الله وصديقه عفى الله عنه، كانا – كما روى الخطيب الملا محمد صالح الملا عطية الجمري عن أبيه رحمه الله – قد ولدا في ليلة واحدة، وكانا جارين وصديقين، وماتا في يوم واحد في حادثة واحدة.
الخطيب الملا يوسف الملا عطية الجمري
خطيب بارع مفوه، تأريخي، قوي الحافظة والذاكرة، سريع الجواب. ولد ليلة النصف من شعبان سنة 1336هـ (1918 م)، وكانت ولادته في العراق، محافظة البصرة، ناحية القطعة، حيث كان والده المرحوم في الهجرة آنذاك، الهجرة التي امتدت إلى 13 سنة، وحينما عاد والده إلى البحرين كان المترجم قد أكمل سنتين تقريبا، فكانت نشأته وتربيته في بلد الأهل بني جمرة.
تلقى الخطابة على يد والده الذي أتقن تربيته الخطابية وغيرها، فاستقل بنفسه وكان عمره آنذاك 18 سنة. وقد قرأ على المرحوم الشيخ محسن الشيخ عبدالله العرب الجمري: النحو – «الأجرومية» و«قطْر الندى».
وكان في خطابه متميزا بكثرة محفوظاته، وقوة وجمال صوته، وكثرة ابتكاراته الفكرية، وكثرة استحضاره لأحاديث المعصومين (ع) بحيث أن بوسعه أن يلقي موضوعا كاملا بجميع أطرافه روائيا، حيث ينتقل من حديث إلى حديث دون أن يدخل تعليقا من عنده. وقد اقترحت عليه أكثر من مرة أن يدون ولو بعض مواضيعه المتميزة التي لم يسبق لي صياغتها إلا أنه لم يفعل. ومن ناحية العشرة والمجالسة فهو حسن فيهما، ويحفظ له أصدقاؤه وعارفوه ومجالسوه أخلاقياته ومجاملاته التي تجعل جليسه لا يمل مجالسته. وهو معروف لدى عارفيه بكثرة تحمله لخشونة الحياة، ومعاناته لتطورات الظروف وتقلبها.
وقد نظم مجموعة قطع من الشعر الرثائي الشعبي، إلا أن ما حققه والده المقدس رضوان الله عليه في هذا المجال من ملء الفراغ والتفوق والتفرد جعله لا يستمر في الشعر، بل ولا يهتم بحفظه وجمعه، رغم أنه من الشعر الجيد.
ألقى الشاعر الخطيب محمد جعفر العرب قصيدة أبّن فيها الخطيب البارع يوسف بن عطية الجمري في حفل التأبين مساء الخميس الموافق 18 ربيع اللأول العام 1419هـ 23 يوليو 1998 م ليلة الجمعة في الحسينية الاثنيعشرية:
«يايوسف الفذ رغم البعد أنت هنا»
بعدت يوسف بعدا غير محدود
وهكذا الدهر لم يحفل بموجود
بالرغم منك الذي قد حل ساخنا
ما كان ذلك من خُلْف المواعيد
مضى الزمان بما كنا نضن به
فقد أتانا بأمر غير مودود
أساء لكنه لم يعتذر أبدا
وكان من بعد توطيد وتمهيد
ما قد جرى مؤلم قد فاق قدرتنا
ولايزال كسيف غير مغمود
إن الزمان بنا يجري على عجل
لافرق ما بين صنديد ورعديد
ما شفه السير مثل الآخرين وذى
حقيقة شوهدت من كل مرصود
نمشي ولكننا لا ندري ما غدنا
أوَّاه ما بين مكبود ومضمود
نبكي وهذا لنا حق بلا جدل
فالحبل أوَّاه حبل غير ممدود
نخاف من كل شيء حولنا فهنا
حوادث قد أصابت أصيَد الصِيد
نرى ونسمع فالآذان مصيغة
وهمنا هو هم غير مطرود
هذا الزمان له ما ليس نملكه
فلا يرينا سوى أثوابه السود
إلى أن يقول من قصيدة طويلة:
يا يوسف الفذ إن الخطب أقحمنا
فقد تواريت ما بين الجلاميد
ها أنت قد صرت خلف الغيب مستترا
فيك المقادير قد فازت بمقصود
قد كنت بالأمس غرِّيدا على فنن
وقد خلا اليوم من شدو وتغريد
إذا ذكرت للحسين السبط في ملأ
بكى عليه بكاء غير معهود
أجراس صوتك أجراس مميزة
قد ماثلت في الشجى مزمار داود
أجريت أدمع عشاق بها شغفوا
على الخدود كجري الماء في البيد
لك المجامع قد ألقت أزمَّتها
فقد رأت منك فيها خير مجهود
آلمتها بعد أن قد صرت مبتعدا
عنها فها هي في هم وتسهيد
قد كنت بالأمس فيها واعظا لبقا
واليوم قد صرت فيها غير موجود
بكتك يوسف واسترخت اعنَّتها
وأطلق الحزن منها كل معقود
وشفَّها الحزن والأجواء قاتمة
من بعد ما كنت فيها مورق العود
أما العشيرة فالدور الكبير لها
أيامها أصبحت أيام تعديد
حقا لقد نكبت والحزن حالفها
ووقته هو وقت غير محدود
لا لن تلام لقد كنت العميد لها
وما جرى هو أمر غير مصدود
ليصل إلى قوله:
يا يوسف الفذ رغم البعد أنت هنا
ترى الأقارب ما بين الأماجيد
لقد تمنوك فيهم مثل أمسك يا
هذا وأنك حي غير ملحود
ثق أنه لن يحول البعد بينكم
لأن حقك حق غير مجحود
لم يفعلوا غير ما قد كنت تعرفه
فيهم وهذا لعمري غاية الجود
فبرهم بك باق دائما أبدا
ثق فيهمُ إن هذا غير منشود
هم هكذا لن يحيدوا عن طريقهمُ
هم هكذا خير من أعطا ومن نودي
فأنت مازلت مثل الأمس عندهمُ
ها أنت في النثر حي والأناشيد
ها أنت في كل بيت من بيوتهمُ
مازلت نفحا كنفح المسك والعود
وهكذا أنت حي في ضمائرهم
وهكذا أنت في عز وتخليد
إني تيقنت هذا من تصرفهم
فعندهم أنت حقا غير مفقود
ها أنت قد نلت في الدنيا مبرتهم
فما رأوا منك فعلا غير محمود
لقد قرأت شهادات موثقة
غدا سترويك من ماء العناقيد
عش هانئا في جنان الخلد مرتقيا
على الأسّرة بين الخرّد الخود
واقرأ بريدي ففيه علم من حضروا
يا يوسف الفذ هذا كل مقصود
الخطيب الملا سعيد الشيخ عبدالله العرب الجمري
خطيب فاضل، تاريخي، شاعر باللسانين: الفصيح والدارج، وشعره جيد ورقيق، بيئته بيئة كريمة، وسلفه سلف صالح.
مولده تقريبا – حسب إفادته – في سنة 1320هـ (1902 م). تربى في جو علمي معروف، حيث والده الشهيد عبدالله بن أحمد العرب، وأخوه المقدس الشيخ محسن الشيخ عبدالله العرب طيب الله ثراهما، وقد نهل من علومهما.
تلقى الخطابة – حسب إفادته – على يد الخطيب الكبير الملا عطية الجمري رحمه الله تعالى، وكان الملا عطية في بداية حياته الخطابية.
له ديوان شعر باللسان الشعبي في رثاء الرسول (ص) وأهل بيته (ع)، اسمه: «ينبوع الشجاء وإسعاف الخطباء في رثاء محمد وآله النجباء». طبع سنة 1407هـ 1987م. وقد قدمت له مقدمة، رأيت من الخير إثباتها هنا، حيث تعطي فكرة عامة عن الشعر والشاعر، وإليك ذلك:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين، وبعد:
بين يديك – أيها القارئ الكريم – ديوان (ينبوع الشجاء وإسعاف الخطباء في رثاء محمد وآله النجباء) للخطيب الجليل والشاعر الملهم الحاج ملا سعيد بن العلامة الشهيد الشيخ عبدالله بن أحمد العرب، وهو مجموعة من الشعر النفيس باللغة الشعبية في رثاء الرسول وأهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين. وتأتي هذه المجموعة الشعرية في الرعيل الأول من الشعر الجيد من هذا اللون الذي يستحق أن يقتنى ويقرأ، لاسيما لخطباء المنبر الحسيني، لما تشتمل عليه هذه المجموعة من تغطية وفاء بجميع المناسبات الحزينة لأهل البيت عليهم السلام، ولما تصوره بدقة من مصائبهم الفضيعة ومواقفهم الجهادية الخالدة.
ولقد كان المفروض لهذه المجموعة القيمة من الشعر الرثائي أن تكون قد دخلت عالم النشر، واحتلت مكانها في المكتبات، وأدَّت دورها أو بعض دورها في مجالها الخاص، لقد كان المفروض لها ذلك منذ أمد بعيد، إلا أن الشاعر حفظه الله قد تريث وتباطأ كثيرا، رغم كثرة الإلحاح عليه بالنشر والطبع من عدد من المؤمنين، وكنت أحد الراغبين والملحِّين عليه في الطبع، ولكن له أعذاره في التأخير، وربما يكون منها ما انتابه منذ سنوات من فقدان الصحة في كثير من الأحيان، أسأل الله تعالى له العافية وطول العمر، وربما يكون هذا التأخير في الطباعة مقصودا بالذات من أجل استكمال حلقات الديوان، وإعطاء جميع مآسي الرسول (ص) وأهل بيته (ع) حقها. وكيف ما كان فإن ظهور هذا الديوان وطباعته، وكونه في متناول الأيدي أمنية الكثيرين ونعمة من نعم الله التي يفيضها سبحانه على عباده المؤمنين، فله الحمد وله المنة.
هذا عن الديوان. وأما عن الشاعر فلا أراه في حاجة إلى التعريف، فهو على صعيد المنبر والشعر – باللسانين الفصيح والدارج – في البحرين معروف الشخصية، واضح الهوية. هذا بالإضافة إلى ما يملكه من إيمان وتقوى، وخلق إسلامي، وبيئة كريمة، وسلف صالح. فوالده العلامة الجليل الخطيب المتفوق في عصره الأديب التقي الشيخ عبدالله بن أحمد العرب الشهيد ليلة السبت 27 ذي الحجة سنة 1314هـ (1896 م). وأخوه العلامة التقي الورع الشيخ محسن بن الشيخ عبدالله بن أحمد العرب المتوفى ليلة الجمعة 25 ربيع الأول سنة 1356هـ (1937 م) قدس الله سرهما وطيب ثراهما. وأسأله سبحانه أن يحفظ ويوفق شاعرنا الكريم، ويجزل له الأجر، ويمده بالصحة وطول العمر، وهو ولي التوفيق.
هذا ما قدمت به ديوانه المذكور. وأضيف الى ذلك:
أن لهذا الخطيب الفاضل يدا طولى في الشعر الفصيح، وعددا ليس قليلا من القصائد نظمها في مختلف المناسبات، وهي من الشعر الجيد.
فإليك القصيدة التالية نظمها مخاطبا بها الخطيب الملا يوسف الملا عطية الجمري بمناسبة نجاح عمليتين أجراهما في المستشفى العسكري في البحرين، حيث حصل عنده انسداد شريانين، وقد كان مرضه صعبا وطويلا، وقد فرح جميع الأهل والأحبة والأصدقاء بنجاح العلاج، وقد بقي حفظه الله بعد العمليتين مدة طويلة ملازما للفراش في أغلب أوقاته، وهو يتحسن تدريجيا ولله الحمد. وقد نظم الشاعر القصيدة في 1/2/1414هـ (1993 م).
أيوسف ذا الرتب العاليه
أتتك السلامة والعافيه
كفاك إلهي صروف الردى
وخوَّلك الصحة الكافيه
وأولاك من فضل إحسانه
شفاء من العلل الواهيه
وأعطاك عمرا طويل المدى
تعيش به عيشة راضيه
بحق النبي وأهل العبا
وأبناهُمُ العترة الزاكيه
وها أنا فيك أجيد المديح
لأنك ذو السمعة العاليه
خطيب تفوه بقول سديد
يشنِّف للأذن الواعيه
تجيد الخطابة في ما به
مقال من الحِكَمِ الشافيه
وتنظم درا بسلك الكلام
به كل موعظة كافيه
إذا ما ذكرنا ملوك الكلام
فذكرك في الزنة الوافيه
وأرجو من الله خير الرجا
بأعظم أسمائه الساميه
سترقى منابر آل الرسول
بأجمل حالاتك الماضيه
عليك من الله درع حصين
يقي لك في جُنة واقيه
فدم في سرور بأعلى مقام
بمستقبل الخير والعافيه
الخطيب الملا عبدالكريم الحاج يوسف بن إدريس الغانمي الجمري
خطيب فاضل، نحوي، قوي في لغته، بليغ في تعبيره، شاعر باللسانين الفصيح والدارج، إلا أنه مقل. لا يقرأ إلا نادرا وبعد الإلحاح الشديد. وهو مكفوف البصر.
وبناء على إفادته أورد المعلومات التالية:
ولد في حدود سنة 1336هـ (1918 م). وقد ولد مبصرا وفقد عينيه معا وهو طفل رضيع. قرأ القرآن عند المرحوم والد المؤلف، حفظ القرآن عن ظهر قلب، وكان تعليمه في الكتاتيب. قرأ النحو: «الأجرومية»، و«قطر الندى» على العلامة الجليل الشيخ محسن العرب الجمري قدس سره. وأخذ الخطابة على يد الخطيب الشهير الملا سعيد الشيخ عبدالله العرب الجمري حفظه الله، واستقل بنفسه خطيبا وعمره 20 سنة تقريبا – وبالنسبة إلى البلدان التي قرأ فيها لم يتجاوز سترة، وقريته «بني جمرة» وقرية «الكوَرة». وهو معروف بقوة الحافظة، وينظم الشعر باللسانيين: الفصيح والدارج.
توفي رحمه الله يوم الأحد عصرا بمستشفى السلمانية بعد مرض لازمه أكثر من ثلاثة أشهر 19 شوال 1421هـ (14 يناير 2001م) وشيع إلى مثواه الأخير يوم الإثنين التالي ليوم الوفاة، صباحا، في الساعة الثانية زوالي، ودفن في مقبرة بني جمرة، وحضر تشييعه جمهور كبير. وقد طلبت من قبل أهله لحضور الجنازة والصلاة عليها، ولكن السلطات المدنية المحاصرة لي منعت بعد الطلب منها. وقد توفي في ليلة الأحد الرجل المؤمن موسى بن مهدي بن إبراهيم بن إسماعيل رحمه الله بعد مرض بالسل طال به عدة أشهر في المشتشفى 19 شوال1421هـ (14 يناير 2001م) وطالبت بالذهاب إلى فاتحته ولكن لم أتمكن لحصار قوات الأمن لمنزلي.
الخطيب الملا محمد صالح الملا عطية الجمري
خطيب فاضل، ومتكلم قدير، يمتاز بوحدة الموضوع، وشاعر مجيد. ولد في قرية بني جمرة، فجر اليوم الثاني من شهر شوال سنة 1353هـ (1934 م).
تعلم القرآن في الكتاتيب، والتحق – بعد إكمال السابعة من عمره – بمدرسة البديع الابتدائية للبنين. أخذ الخطابة على يد والده المقدس رحمه الله وهو في سن مبكرة واشتغل فيها منذ العام 1958م، وكان لأخيه الخطيب الملا يوسف فضل كبير في توجيهه وقوة منبريته إلى جانب الموجه الأول والده تغمده الله برحمته. يمتاز منبره بالتوجيه والإرشاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى وحدة المسلمين.
التحق بالمدرسة الدينية في جدحفص لفضيلة الشيخ عبدالحسن سلمان منذ سنة 1388هـ (1968م) كواحد من طلابها البارزين. ولخطيبنا المترجم يد طولى في الشعر الدارج إضافة إلى الفصيح. ويحسن أن أذكر نموذجا لشعره الفصيح، قال حفظه الله بمناسبة ذكرى الغدير الأغر – وهذا جزء من قصيدة تبلغ 38 بيتا ألقاها في المناسبة المذكورة في قاعة الحسينية الاثني عشرية في«بني جمرة» 18 ذي الحجة 1380هـ ( 1960 م):
هب النسيم فماست الأشجار
وغدت تغرد فوقها الأطيار
وتأودت أغصانها في رقصة
للناظرين بدت بها أسرار
وغدت تلاقي بعضها فتعانقت
فكأن صوت حفيفها أوتار
عزفت لنا لحن الحياة مقسما
نغما له العقل السليم يحار
طربت له الأزهار عند سماعه
ماذا ترى شعرت به الأزهار؟
فغدت تمثل دورها فتقاربت
من بعضها وبدت لها أطوار
للشمس ترنو للجداول تارة
للروض أخرى، ما لها استقرار
فوقفت مشدوها أراقب حالها
وغدى يجول بخاطري استفسار
أترى لها جيش وتشعر مثلنا؟
وكذاك سمع. هل لها إبصار؟
أم هل لها عقل يدبرها وهل
كانت تجول برأسها أفكار
كلا ولكن سر هذا واضح
كالشمس إذ تبدو لها أنوار
يوم الغدير أطل في أرجائها
فأطل فيه على الدنا استبشار
وله كتاب مخطوط في شرح قصيدة غديرية من نظمه قد أسماه: «الهدية السنية في شرح القصيدة الغديرية».
الخطيب ملا محمد جعفر الشيخ محسن العرب الجمري
ومن خطبائها وشعرائها الخطيب الأديب صاحب الترجمة التالية، وقد كتبها بقلمه بناء على طلبي، وهي كما يلي:
محمد جعفر بن الشيخ محسن بن الشيخ عبدالله بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن عبدالله العرب المولود في قرية بني جمرة إحدى قرى البحرين الغربية الشمالية وتاريخه الرابع من شهر المحرم سنة 1351 من الهجرة (1932 م).
حفظت القرآن كله وتعلمت صناعة الخط في كتَّابين في القرية نفسها، وكانت أمنية والدي «ره» إلحاقي بمدرسته العلمية المعروفة كما قال لي أحد أقربائي فيما بعد ولكن انحراف صحته قد حال بينه وبين أمنيته. وبقيت بعد وفاة والدي «ره» تحت رعاية عمي الكبير الخطيب ملا محمد بن الشيخ عبدالله العرب المتوفى في مستشفى النعيم بالمنامة ضحى الإثنين الـ 18 من شهر ربيع الثاني السنة 1365 من الهجرة (1946 م).
وفي أواخر سنيه رحمه الله التحقت بمدرسة سماحة الشيخ عبدالحسين الحلي العراقي المتوفى يوم السبت الـ 13 من شهر شعبان سنة 1375 هـ (1956 م) وكان«ره» – يوم انتسابي إلى مدرسته – قاضيا للتمييز الجعفري وكان المدير الدائم لهذه المدرسة يوم ذاك سماحة الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد صالح الآتي ذكره بعد قليل.
وقد درست على أيديهما المقدمات الأولية، وكنت ضمن دارستي هذه قد صحبت عمي الخطيب ملا سعيد بن الشيخ عبدالله العرب فترة وجيزة وبعدها نفضت عني غبار الكسل والخمول وشمرت عن ساعد الجد في سبيل المعرفة والحياة الأفضل وقررت الهجرة من القرية إلى المنامة متوكلا على الله وكان الفضل في هذا بعد الله إلى الحاج خلف المار ذكره. فقد ذلل لي الصعاب وقد عرفت في غمرة تفكيري بأن الإنسان إذا لم يكن صادقا مع نفسه فلن يصل إلى بلوغ غايته وإن حب الأهل والبلد لم ولن يقف دون تحقيق الأماني الطيبة لذلك فقد صممت على الهجرة والسير في الطريق المرسوم بعزيمة صادقة من أجل الوصول إلى الغاية بغض النظر عن كل العقبات التي سأواجهها في هذا الطريق.
وقد أقمت في دار آل حميدان (الأسرة المعروفة) وتقع هذه الدار في الجهة الشرقية الشمالية من مدينة المنامة وانتسبت إلى مدرسة عميد هذه الأسرة الشيخ محمد علي بن علي بن أحمد آل حميدان المتوفي يوم الأحد الـ 8 من ربيع الثاني سنة 1374 من الهجرة (1955م)، وكان يوم صحبته قاضيا في المحكمة الشرعية الجعفرية وخطيبا لامعا على مستوى البحرين كافة وقد تعلمت على يديه فن الخطابة.
وبعد انفصالي عنه زاولت بمفردي مهنة الخطابة وقد عاهدت نفسي على السير وراء كل ما هو مفيد وكان في مقدمة ذلك هو ما قمت به ضمن تلك الفترة الانتساب إلى مدرسة سماحة العلامة الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد صالح بن الشيخ أحمد آل طعان الستري البحراني المتوفى في شيراز بإيران ليلة الثلاثاء الـ 25 من شهر صفر سنة 1381 من الهجرة (1961 م) وكان رضوان الله عليه نعم الأب المربي، كما حضرت بلا انتساب بعض دروس فقيد العلم سماحة الشيخ باقر بن الشيخ أحمد آل عصفور المتوفى في ليلة الأربعاء الـ 26 من شهر صفر 1399 من الهجرة (1979 م).
وكنت ضمن تلك الفترة قد اشتغلت بحفظ الشعر العربي الفصيح ثم بالقراءة في مختلف الكتب والصحف والمجلات وقد اشتركت في البعض منها كمجلة «الإيمان» ومجلة «البذرة» النجفيتين و«منابع الثقافة الإسلامية» و«أجوبة المسائل الدينية»و«الكربلائيتين» ومجلة«حديث الشهر» وكانت تصدر في الكاظمية بالعراق وهي عبارة عن كتاب شهري متخصص في إبراز الشخصيات الاسلامية.
كما اشتركت في مجلة «العرفان» وصنوها «جبل عادل» اللبنانيتين وقد نشرت في العرفان بالمجلد الـ 47 لعام 1960م أولى تجاربي في مجال الكتابة تحت عنوان «وهبي سليمان وشهر المحرم» ردا على مقال نشرته لي مجله «التمدن الإسلامي» في عددها الأول لعام 1959م استهان فيه بالحسين وثورته وتهجم على المآتم المقامة عليه كما نشرت بالمجلة العام 1969م موضوعا بعنوان «إلفات نظر»، ثم نشرت مقالا في «جبل عامل» بالعدد الصادر في ذي حجة السنة 1390 للهجرة (1970 م) وهو عبارة عن ترجمة وافية للمرجع الكبير السيد محسن الحكيم المتوفى في بغداد ليلة الثلاثاء 27 من شهر ربيع الأول 1390 من الهجرة (1970 م).
كما نشرت في الصحف المحلية العديد من القطع الأدبية والمواضيع المختلفة في شتى المناسبات وكانت صحيفة «الأضواء» البحرينية في مقدمة تلك الصحف فقد نشرت لي أكثر من موضوع عن حجاب المرأة في الإسلام كان الأول في العدد 16 بتاريخ 22 ديسمبر العام 1965م تحت عنوان «إلفات نظر» وكان الآخر قد نشر في العدد 20 بتاريخ يناير 1966م بعنوان «خاتمة المطاف بين القديم والحديث» وقد تناولت فيه بإسهاب موضوع الحجاب.
الخطيب ملا جاسم محمد حسن نجم الجمري
هو الخطيب الفاضل ملا جاسم محمد حسن بن علي الجمري. ولد حسب إفادته في بني جمرة 19 رمضان المبارك سنة 1339هـ (1921 م). منبره جيد، ويمتاز أسلوبه بالوضوح، وصوته بالشجاء والرقة. وتفيد المعلومات التي تلقيتها منه حفظه الله تعالى: أنه تلقى تعليم القرآن على يد المرحوم عبدالكريم بن محمد بن فتيل الجمري، وتلقى تعليم الكتابة والقسم الوافر من التوجيه من الوالد المقدس منصور الحاج محمد الجمري رحمه الله تعالى، حيث كان الوالد يعلم الصبيان آنذاك القرآن والكتابة، إضافة إلى عمله وهو نسج العباءات وغيرها من الملابس، وكان رحمه الله مفقها في دينه يسأله أبناء القرية عما يحتاجون من المسائل الشرعية، إضافة إلى ما شهد به معاصروه من جميع أبناء القرية من التقوى، وقضاء الحوائج، وإصلاح ذات البين، والكرم والضيافة.
ويقول المترجم حفظه الله: إنه كان حينما يقدم أسئلته الشرعية إلى المرحوم العلامة الجليل الشيخ محسن العرب الجمري يقول له بعد أن يجيبه على أسئلته: سل أستاذك منصور الحاج محمد عما تحتاج إليه من مسائل. وإنه – قدس سره – قد كرر له هذا القول مرتين على الأقل.
تلقى المترجم الخطابة – حسب إفادته – على يد الخطيب الفاضل ملا سعيد الشيخ عبدالله العرب الجمري الذي أولاه الكثير من عنايته، واستقل بالخطابة سنة 1359هـ تقريبا. ويعتبر المترجم في طليعة الخطباء المؤمنين المتورعين الأتقياء.
والمترجم شاعر باللسانين الفصيح والدارج، وشعره جيد مقبول، وله ديوان شعر مطبوع يقع في أربعة أجزاء، اسمه: « شعار الحزين في رثاء النبي وآله الطاهرين»، والجزء الثالث منه يشتمل على الفصيح والدارج في المدح والرثاء لأهل البيت عليهم السلام.
كان رحمه الله – حسب ما عرفته وما أدركت بعضه – أديبا نحويا، محافظا على صلاة الليل، مجتهدا، مواضبا على قراءة الأدعية المستحبة في أوقاتها، وكان صاحبه وسميره الكتاب المسمى بـ «مصباح الكفعمي». وكان متفقها، ذا إلمام بالمسائل الشرعية العامة البلوى نتيجة مصاحبته ومجالسته الطويلة للعلماء ومراجعته للرسائل العملية، وكان بعد وفاة العلامة الجليل الشيخ محسن العرب قدس سره، يسأله أبناء القرية – ولمدة سنين – عما يحتاجون من المسائل فيجيب عليها. وقد رثيته وأرخته قدس سره بالأبيات التالية:
في عام موت والدي
ما أعظم المصابا
إليه ضم واحدا
وسائل الأحبابا
في لوعة مؤرخا:
«أبدرنا قد غابا» 1367 + 1= 1368هـ
وكانت وفاته ليلة السبت الساعة السابعة غروبي 27 ربيع الأول 1368هـ 1948م.
وكان عمره يوم وفاته ستة وسبعين عاما، وقد شيع إلى مثواه الأخير في الساعة الثالثة والنصف غروبي من يوم السبت نهار ليلة الوفاة، وقد شيع بموكب كبير وجمهور غفير، من سكان القرية «بني جمرة» وكثير من أبناء المنطقة، ودفن بمقبرتنا في جوار الأجداد والآباء والأقارب رحمهم الله تعالى.
الخطيب محمد علي ملا إبراهيم الجمري
هو الخطيب الأديب الشاعر محمد علي ملا إبراهيم الجمري، من أبناء العم. وقد طلبت منه أن يكتب نبذة عامة عن نفسه، فكتب مايأتي:
كانت ولادتي في قريتي بني جمرة، من البحرين في سنة 1948م.
درست في مدارس البحرين الابتدائية والإعدادية والثانوية وتخرجت في سنة 1969م.
تعاطيت نظم الشعر العربي باللغة الفصحى في سن مبكرة كانت بدايتها سنة 1970م ولازلت أواصل الكتابة حيث اجتمع عندي من الشعر مجموعات لابأس بها تشكل في معظمها الاتجاه الإسلامي كما في ذلك المناسبات الإسلامية وتحتوي على بعض الوطنيات والاجتماعيات والغزليات خاصة في بداياتي الشعرية، كما أن لي أشعارا بالعامية في الرثاء. عملت موظفا منذ سنة التخرج إلى الآن، وقد تاقت نفسي ومنذ سنين بعيدة إلى خدمة المنبر الحسيني، ولاسيما وأنا أعيش في بيئة خطابية تساعدني على ممارسة الخطابة حيث العم المرحوم الخطيب الكبير ملا عطية الجمري – المدرسة الخطابية الفريدة – وبين العم الخطيب الفاضل ملا يوسف عطية الجمري والخطيب فضيلة الشيخ عبدالأمير الجمري وخطباء آخرون تضمهم القرية. وبدأت أرقى المنبر منذ سنة 1982م وإلى الآن.
تأثرت في منبري بالخطيب ملا عطية الجمري طاب ثراه كما تأثرت في أشعاري بأكثر من شاعر، منهم من القدامى: أبوالطبيب المتنبي ومن المحدثين: شوقي، والشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري، وشعراء آخرون. شاركت في عدد من الاحتفالات الدينية والثقافية خاصة في نادي بني جمرة منذ السبعينيات.
أقول: هذا ما كتبه المترجم عن نفسه، وأضيف إلى ذلك: أنه كان قوي الالتزام، دمث الأخلاق، وكثير التواضع، وحسن المعاملة. وشعره – في رأيي – من الشعر الجيد، بل الممتاز، كما أن منبره جيد، حيث إنه يحضر موضوعاته ويتعب نفسه في إعدادها، فهي – حسب ما سمعت بعضها – مفيدة، موجهة، بناءة.
الخطيب الملا محمد جواد الحاج إبراهيم الحاج سلمان الجمري
خطيب موفق، جيد الموضوعات، كثير النكت في منبره، ذو صوت شجي، قوي الحافظة، كلفته بكتابة نبذة عن حياته تعطي فكرة عامة، فكتب ما يأتي:
كانت ولادتي في 1/2/1957م في اليوم العاشر من شهر رجب فسماني والداي محمد جواد وكنت منذ صغر سني ونعمومة أظفاري مولعا بالقراءة وترديد الأبيات الحسينية ومداوما على حضور مجلس التعزية والاستماع للخطباء وقد حفظت الكثير من أبيات الجمرات الودية للخطيب الشاعر الفحل ملا عطية بن علي الجمري رحمه الله تعالى وأنا في سن العاشرة من عمري وكنت أتمنى أن لو يحالفني الحظ وأكون خطيبا بارعا.
ومازالت هذه أمنيتي حتى أنهيت دراسة الصف الأول ثانوي سنة 1971 ولم أكمل دراستي لظروف ما والتحقت بعد ذلك ببعض الأعمال في الشركات أحيانا، وأحيانا عند المقاولين في البناء والتعمير وفي المخابز أحيانا، حتى توظفت أخيرا بوزارة الصحة في مستشفى السلمانية في سنة 1974م وفي تلك السنة بدأت بحفظ بعض القصائد والرثاء. عرض عليِّ فضيلة الشيخ عبدالأمير الجمري أن أقرأ له مقدمة وذلك في سنة 1974م فرحبت بذلك وفسح لي المجال وقد كان آنذاك يقرأ في منزل الحاج جعفر بن الحاج علي الجمري في شهر رمضان وهي أول مقدمة قرأتها. تابعت معه بقية ثماني ليال من شهر رمضان المبارك
وكان المرحوم الحاج الخطيب ملا عطية بن علي الجمري يحثني على دراسة القواعد العربية (النحو) فدرست شطرا وافيا من متن «الأجرومية» وشطرا من «شرح ابن عقيل» وشطرا من «شرائع الاسلام» على يد فضيلة الشيخ الجمري وأخذت بعض كتب اللغة والفقه أقرأها وأستفيد منها. بعد ذلك أخذت في تحضير المجالس الحسينية وحفظها وقمت بوضع «عادة» في منزلنا وبقراءة ما أحفظه وأحضره من المجالس وكان فضيلة الشيخ يأتي ويستمع لي أحيانا في منزلنا ويخفي نفسه داخل المنزل حتى لا أراه ثم يسدي لي بعض التعليمات والإرشادات. ودرست «التبصرة» و«قطر الندى» عند سماحة السيد علوي الغريفي.
فبدأ بعض أهل القرية يدعوني لقراءة عوائدهم وأول عادة قرأتها في بيت الحاج زيد بن علي بن مرهون وأول مأتم قرأت فيه في محرم في مأتم الفاطمية وكان ذلك في سنة 1981م وبعدها بقيت أستأجر في قرى البحرين ومدنها وقد زرت العتبات المقدسة في العراق سنة 1976م وحججت إلى بيت الله الحرام سنة 1979م كما زرت مرة أخرى أمير المؤمنين وسيد الشهداء في سنة 1990م. وزرت الإمام علي بن موسى الرضا وزينب سنة 1992.
وقد استقلت من عملي بوزارة الزراعة والتجارة سنة 1989م يوم 8/4/1989.
الخطيب الملا محمد رضا ملا عطية الجمري
ولد سنة 1954م، وتربى في ظل أبيه الخطيب الكبير، وبعد أن أنهى المراحل الابتدائية، والإعدادية والثانوية، انتسب إلى جامعة بيروت العربية – كلية الآداب – وأنهى فرع الفلسفة وفرع اللغة العربية، وحصل على شهادتين الأولى: ليسانس في الفلسفة وعلم النفس، الثانية: ليسانس في الأدب العربي. ولازال يواصل الدراسات العليا، وهو يخطط للحصول على الماجستير في الفلسفة أو الأدب. هذا من ناحية الدراسة الرسمية، أما من الناحية المنبرية فقد أخذ الخطابة عن أبيه شيخ الخطباء ملا عطية الجمري رحمه الله، وتربى تحت منبره المعطاء، وفي ظل توجيهاته القيمة، وقد استقل في الخطابة منذ سنة 1401هـ (1981م) بعد وفاة والده مباشرة.
وقراءته تكون في الأغلب في بني جمرة في شهر رمضان، ووفيات أهل البيت عليهم السلام وأحيانا يقرأ في العشرة الأولى من المحرم. ويمتاز منبره بالضبط، والاستيعاب، والوضوح والمنهجية. هذا من الناحية الفكرية والفنية، أما من الناحية العاطفية فهو يملك صوتا رقيقا يؤثر على المستمعين بشكل ملحوظ، وقدرة على تصوير المصيبة التي يتعرض لذكرها، علما أنه إلى جانب منبره يعمل كموظف في إحدى الوزارات، ولهذا السبب كانت ممارسته للخطابة في المناسبات فقط وليست بشكل دائم.
وقد درس فترة من الوقت عند المؤلف، حيث قرأ في النحو كتاب: «قطر الندى وبل الصدى» وشطرا من: ألفية ابن مالك – شرح ابن عقيل، الجزء الأول. وفي المنطق شيئا من «منطق المظفر». وفي الفقه جملة من الدروس في أوائل كتاب «شرائع الاسلام» للمحقق قدس سره.
الخطيب محمد علي الحاج جاسم بن محمد آل الشيخ عيسى الجمري
ولد على وجه التقريب سنة 1337هـ (1919 م)في بني جمرة، تعلم القرآن والكتابة على يد المرحوم منصور محمد عبدالرسول الجمري (والدي قدس سره) وعمره آنذاك 12 سنة، وتلقى فن الخطابة على يد المرحوم الخطيب ملا عطية بن علي الجمري وعمره حوالي 16 سنة. وقد تتلمذ عليه لمدة 8 سنوات، واشتغل بالخطابة وعمره:24 سنة. وقد قرأ في البحرين في عدة مدن وقرى، وفي الإحساء، بالمملكة العربية السعودية، وهو يمثل الفن الخطابي القديم والذي يرجع إلى ما قبل 60 سنة أي عام 1352. وحتى الآن يمارس الخطابة حسب ما يسمح وضعه الصحي. وقد أخذت هذه المعلومات عن لسانه في سنة 1412هـ (1992).
الخطيب ملا محمد علي بن جعفر الحاج محمد الجمري
ولد سنة 1343هـ (1924 م)تقريبا في بني جمرة. توفي والده وله من العمر إحدى عشرة سنة. دخل المدرسة – مدرسة البديع الابتدائية للبنين – فبقى فيها سنة واحدة، وقد اضطرته الظروف المعيشية القاسية إلى تركها، وقد صار مع إخوته بعد وفاة والده في كفالة عمه المرحوم الحاج حسين الحاج محمد الجمري، وقد صار يعمل معه في النسيج، وقد حصلت من المرحوم الخطيب الجليل الملا عطية الجمري التفاتة إليه، فصار يكتب له بعض القصائد وأبيات الرثاء ويأمره بالحفظ، ويأخذه معه لقراءة المقدمة والتمهيد في مجالسه الحسينية، وقد صار يسوق السيارة الثقيلة «اللوري» وينقل الرمل والحجارة إلى جنب قراءته كمساعد خطيب، ثم ترك العمل في السيارة، وصار يذهب في السنوات الأخيرة مع بعض المقاولين إلى حج بيت الحرام مزورا للحجاج، وكذلك في أيام العمرة.
وهو ذو صوت عال شجي مؤثر، وهو في قراءته الشعر القريض والشعبي متأثر جدا في أسلوبه وألحانه ونغمته بالخطيبين الجليلين المرحومين الملا عطية الجمري وابنه الملا يوسف الجمري. وقد صار منذ سنة 1405هـ (1985 م)تقريبا يقرأ مستقلا، وموضوعاته المنبرية من النوع المقبول، وكان المفروض أن يقرأ مستقلا منذ سنتين، ولكنه كان غير متجه لذلك، بل كان يزاول الأعمال التي يكتسب بها على عياله، وأما المنبر فقد قضى السنين الماضية مساعد خطيب وهو ما يصطلح على تسميته بـ «صانع»، وأخلاقه العامة حسنة، ومن المكرمين للضيف.
الخطيب الشيخ عبدالمحسن ملا عطية الجمري
الخطيب الشيخ عبدالمحسن ملا عطية الجمري، من رجال المنبر والعلم، مرغوب في خطابته، يمتاز بالصوت الجميل، والمواضيع المفيدة، والخلق الحسن، وله شعر جيد بالفصحى. وفيما يلي صورة عامة عن حياته بقلمه:
ولادتي في يوم الثلاثاء بتاريخ 10/1/1956م، 27/5/1375 هجري. وكما هي العادة تعلمت القرآن فترة وجيزة، ودراستي الرسمية في مدارس البحرين وفي أاثناء كنت أتناول بعض الدروس في النحو على يد والدي رحمه الله وقد كان شديد الحرص على تعليمي النحو والفقه، وفي الأثناء وعلى وجه التحديد لما كنت في المرحلة السادسة الابتدائية بدأ والدي في محاولة تدريبي على الخطابة، فكان يأمرني أن أقرأ أمامه في مختلف المناسبات، وفي مختلف الأقطار التي يتردد عليها، وبعد شوط من تدريبي وتغذيتي بالذوق المنبري أخذ يحاول تزويدي بالحوافز والتشجيعات، وله في ذلك مختلف الأساليب، أما الأسلوب الذي انتهجه معي فهو من قبيل إبرازي في المجالات العامة، وتقديمي لمشاهير الخطباء في تلك الفترة، وإيعازه إليهم بتشجيعي ودفعي، كأمثال الشيخ أحمد الوائلي، وغيره من الخطباء الذين عرفني عليهم وأجلسني معهم، والسيد البكاء وقد قرأت معه حوالي ثلاث سنين في العشرة فقط حتى المرحلة الإعدادية، وفي هذه المرحلة كان يزج بي في ميدان الاستقلال والاعتماد على النفس، ما جعلني أتجه إلى الخطابة ومتطلباتها اتجاها كليا، وازدادت رغبتي فيها وعن غيرها من سائر المجالات حتى مجال الدراسة في مدارس البحرين فالمرحلة الإعدادية كان ختامها، ثم اتجهت إلى متممات الخطابة من دراسات دينية بمختلف موادها كالنحو والفقه والأصول والبلاغة كان ذلك في عام 1978م استمر تحصيلي حتى عام 1981م في النجف الأشرف وكنت أوقات ترددي على البحرين في هذه الفترة الوجيزة أتناول بعض دروس الفقه على يد فضيلة الشيخ عبدالأمير الجمري حفظه الله تعالى، أما في النجف فإن أساتذتي كثيرون والأ ساسي هو فضيلة الشيخ علي بن عبدالله الستري جزاه الله ألف خير وقد درست على يده شطرا لايستهان به من «شرح ابن عقيل» و«شرائع الإسلام» و«جواهر البلاغة»، أما كثرة المعلمين فإنه راجع للتنقل من معلم إلى آخر وذلك بفعل تأزم الوضع السياسي في تلك الفترة.
اقتضى الأمر بعد ذلك أن أواصل تحصيلي في البحرين، فكان أول من بدأت معه هو فضيلة الشيخ عيسى أحمد قاسم في آخر جزء من «الشرائع»، وفي الوقت نفسه كنت أتناول آخر حلقات السيد الصدر في الأصول وكتاب اللمُعة الدمشقية على يد المرحوم السيد أحمد الغريفي، وبعد وفاته أكملت الحلقات وقد تبقى منها الحلقة الأخيرة وكذلك اللمُعة وبقى منها جزءان على يد فضيلة الشيخ عيسى أحمد قاسم ومن أساتذتي في جميع هذه المجالات هو العلامة السيد عبدالزهراء الحسيني صاحب كتاب «مصادر نهج البلاغة» وهو من أشهر كتبه والشيخ عبدالحسين الستري فترة وجيزة.
الأديب جعفر علي حسين إسماعيل الجمري
أديب بارز، وكاتب ناقد، وشاعر فحل في نوعي الشعر: الفراهيدي والعمودي، والحر التفعيلي، وشاب طموح. وقد تلقيت منه المعلومات التالية:
ولد في «بني جمرة» عام 1961م. تلقى تعليمه في مدارس البحرين. هاجر عام 1980م إلى دولة الامارات العربية المتحدة للعمل. بدأ الكتابة مع نهاية السبعينيات، وتركزت كتاباته حول دراسة واستقراء الظواهر المجتمعية والإسلامية. وهناك وفي هذه الفترة بدأت موهبته الشعرية تنمو وتكبر، فمن الشعر العمودي والتفعيلية… إلى الكتابة الجديدة المتمثلة في «النص المفتوح»، واتخذ مسار النقد، حيث استطاع الإلمام ببعض المدارس النقدية والأدبية المعاصرة.
الأدوار التي مثلها في دولة الإمارات
-1 عمل في مجال الصحافة لمدة تزيد على خمسة أعوام.
-2 رأس القسم الثقافي لصحيفة «البيان» التي تصدر في«دبي».
-3 عضو اتحاد كتَّاب وأدباء الإمارات.
-4 عضو اتحاد الأدباء والكتَّاب العرب.
-5 حصل على العضوية الاستشارية التحريرية لمجلة «شئون أدبية».
-6 نشر انتاجه الشعري في معظم الصحف العربية والإسلامية: مجلة «العالم» في لندن، «الخليج»، «البيان»، «الاتحاد».
-7 مثل دولة الإمارات في عدة مؤتمرات عربية في: الأردن، المغرب، تونس، مصر، الكويت، المملكة العربية السعودية. إضافة إلى المؤتمرات المحلية بدولة الامارات العربية المتحدة.
-8 مارس الكتابة النقدية.
-9 أدرج اسمه ضمن الشعراء في معجم «البابطين للشعراء العرب».
-10 حُكِّم في مسابقات الشعر العربي التي أقامها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وزارة التربية والتعليم بدولة الامارات.
11 – واحد من الأسماء الشعرية الحديثة التي ضمنتها وزارة التربية والتعليم في الإمارات مناهجها لمرحلة الثانوية العامة.
مؤلفاته
للمترجم عدة مؤلفات، منها ما هو مخطوط، ومنها ما هو تحت الطبع، ومنها ما هو مطبوع، ومعظم مؤلفاته أدبية.
-1 مخططاتهم لتدمير الإسلام. (مخطوط)
-2 المرأة في ميزان التقييم. (مخطوط)
-3 علي ونظرية المعرفة. وهو مشروع استغرق أكثر من ثمانية أعوام. (مخطوط)
-4 هكذا حدثتني الأشياء. (مخطوط)
-5 ديوان شعر (عمودي). (مخطوط)
تحت الطبع
-1 رواية «هدأة الدم» للراوئي الأميركي – توماس روبن – ترجمة. وحاصل هذه الرواية: ترصُّد الحالات والظواهر العنصرية في المجتمع العربي وعبر مصحة عقلية.
-2 تكوينات نصية – مجموعة مقالات نقدية.
-3 سلفادور دالي والفضاء الصعب – صاحب الكتاب هو: فيكتور وود – ترجمة، والكتاب عبارة عن مجموعة دراسات وأبحاث نقدية.
المطبوعة
-1 جغرافية الفردوس – شعر – طبع سنة 1988م.
-2 شيء من السهو في رئتي – شعر – طبع سنة 1992م.
ويحسن أن أذكر اليك – أيها القارئ – نموذجا لشعره العمودي:
يا ابن المحتسين المجد من راحٍ لراحِ
لدمٍ يراق على البطاحِ
ومدى أمدُّ له جناحي
ودجى إذا شح الضياء
أراه في ضوء الجراحِ
وخميلَ لو أن الضحى
أمسى ببلقعة النواحي
وصداك نبَّه سيرة الدنيا
وقد ضجَّت «لَوَاحي»
هل أحتويك؟ إذا أردتُ
بلوغ واهمة المُتاحِ
أنا لا أريد سوى «غُدُوَّا»
لا يملُّ به «رواحي»
وأريد أن أجلو «غموضا»
شِيع في الأمر «الصراح»
أتُرى معين المكرمات
يغيض في ملء القداح؟
أكْبَرْتُ أنك للقريب
تراد في دنيا الكفاح
من قال إنك للقصي
تغض من طرْف السماح؟
هل أنت إلا قبلة
شعَّتْ بمعترك السلاحِ
هل أنت إلا التضحيات
تضئ أكوان الأضاحي
هذا دم أَلِفوه مغمورا
وقد أمسى «ضواحي»
من غاصب ضوء الندى
أو باعث ضوْع الأقاحِ
هذا من الماء «الأجاج»
وذاك من ماء «قراحِ»
أو مانحٍ هذا الفضاء
الفذ في ضيق الفِساحِ
أو حاملٍ صوت الضمير
إذا انتحى فوق الرياحِ
أو واهب هذا «الخمود»
المستباح «لظى» رماحِ
وضياك ماسْطاع الأفول
وإن تنكَّب ألفُ ماحِ
هل لي بأن أغشى بمُضْرَجَةِ
الدماء فمَ انشراحِ؟
في مولد أنت المشعشع
فيه من دون الصباح
في مولد زان الوجود
وإن تململ بالقِباحِ
لذراك يا ابن المحتسين
المجد من راح لراح
أمسى على فمك النشيد
الفذ في الأكوان «صاحِ»
يحدو ركاب الممعنين
السير في درب الفلاحِ
تدحو قلاع المرجفين
وهل سواك أراه داحِ؟
ألفيت بعدك صرخة
الأحرار مفتتح الصُداح
يترنمون إذِ امتداد الـ
روح في البِيضِ الصِفاح
يتهافتون على خلود
ليس يُدرك بالمَرَاح
بل أنْ يُراد إذا أُريد
لنارهم برْد الوِشاح
وبأنْ يعبِّد شلوها
دربَ المنقِّب عن نجاح
هل لي بأن أغشى
بمُضْرَجَة الدماء فم انشراح؟
في مولد أنت المشعـ
شع فيه من دون الصباح
لذراك يا ابن المحتسين
المجد من راح لراحِ
أمسى على فمك النشيد
الفذ في الأكوان صاحِ
شعر: جعفر الجمري
10/1/1994
الأديب حسن بن علي بن منصور الغسرة
ولد في البحرين في «بني جمرة» سنة 1964م. تربى في أحضان والده المرحوم علي بن منصور الغسرة أحد الأشخاص الطيبين الخلوقين في القرية. وقد توفي عنه والده رحمه الله وهو وإخوته صغار، أكبرهم حسين وهو سن مبكر يوم وفاة أبيه.أنهى المترجم الدراسة الإعدادية. وقد قدم عددا من المقالات إلى الصحف والمجلات المحلية. وهو واحد من الشباب الذين تعرضوا للأذى والسجن سنين من أجل قضيتهم الإسلامية والوطنية. وهو كاسب يعيش مع عائلته من كد يمنيه وعرق جبينه. لديه مؤلفان مخطوطان، هما:« الحاجة إلى الأخلاق» و«ماذا يعني الانتماء إلى أهل البيت (ع)».
الأديب إبراهيم الحاج جاسم إبراهيم إسماعيل الجمري
أديب شاعر، له مشاركات جيدة في الحفلات الدينية، مؤمن حسن الخلق. طلبت إليه أن يزودنا بفكرة عامة عن حياته الأدبية، فكتب ما يأتي:
الاسم: إبراهيم جاسم إبراهيم إسماعيل. مولدي سنة 1945م. التحقت بالمدرسة الابتدائية في التاسعة من عمري ومدة الدراسة 6 سنوات فقط. بعدها التحقت بالمدرسة الإعدادية سنتين، حيث كانت الدراسة قديما في الإعدادية سنتين فقط. وقد تزوجت بعد تخرجي من المدرسة الإعدادية في عام 1964. وواصلت الدراسة وأنا متزوج في الصف الأول ثانوي ولكن لم يحالفني الحظ في النجاح. وتركت المدرسة في عام 1965م والتحقت بالعمل في وزارة الأشغال ثلاث سنوات بعدها التحقت بإدارة الزراعة. وبعد فترة طويلة في العمل وتقدر بحوالي عشرين سنة قررت الالتحاق بالدراسة ضمن نظام المنازل حتى أكملت الثانوية العامة. تجربتي في الشعر قديمة، وأول قصيدة نظمتها بمناسبة عيد الغدير وعرضتها على فضيلة المرحوم الشيخ عبدالعظيم الربيعي الذي كان يزور البحرين في تلك السنوات وقد صححها لي وألقيتها لأول مرة.
وقد وفقت لنظم قصيدة في رثاء سفير الحسين (ع) وأول شهداء الثورة الحسينية: مسلم ابن عقيل (ع). كما كتبت لمواكب العزاء.
ملاحظة: الكتاب منقول من مكتبة الشيخ عبدالامير الجمري (قدس) – الوسط