فتحنا تاريخ الجزيرة الصغيرة، و قرأناها، و فتشنا في أوراقها التاريخية و حاولنا استخلاصها، و كان جلُّ أملنا أن نستطيع أو أن نتمكن و لو قليلاً في أن نوفق، إلاّ أننا في تلك المحاولة كشفنا صعوبة الرهان ، لغزارة تاريخ الجزيرة، و شحة التوثيق و تناثر الكتابة التاريخية العلمية و محدودية مؤرخيها، و نذرة الآرشفة التاريخية المدونة المتوافرة لدينا، و غياب الثقافة المؤسساتية في حفظ الأمس، مع ذلك حاولنا أن ننتصر على لذلك، بالصبر و المثابرة العنيدة.
فكانت القراءة الأولى لدلمون، جنة الفردوس الأبدية و الحضارة
، و حاولنا أن ثبت بالأدلة التاريخية أنها كانت في هذه الجزيرة الصغيرة، حيث كانت مركزاً و ميناءً للإلتقاء العالم. و في القراءة الثانية كانت للبحرين ، و حاولنا فيها ان نعرف معناها لغوياً و سبب التسمية، و من ثم انتقلنا لجغرافيتها و امتدادها و العهود التي مرت بها، و القبائل التي سكنت فيها.
لكن تلك القراءة لم تكتمل بعد، بل سنسعى لأن نفتح القراءة ، بقراءات اخرى.
دلمون.. جنة الفردوس الأبدية
خلدت الأساطير(1) دلمون، فكانت "مكاناً " مقدساً، و"مكاناً " لمن يبتغي الحياة الأبدية، فهي " الأرض" الطيبة المنتجة للثمار و المياه العذبة، و "أرض" الحياة المستقرة الهانئة، محرم فيها الظلم و القتل ، يأتونها ليرقدوا بأمان، و ملتقى العالم، فصارت "دلمون" أرضاً للخلود و من ثم فردوساً. لكن مالذي استدعى لأن تكون دلمون كذلك كله ؟
الألواح الطينية لبلاد وادي الرافدين تحدثنا قبل أربعة آلاف سنة عن دلمون التي تشرق منها الشمس ، عن المكان الطاهر ، عن المكان النظيف ، عن ارض دلمون حيث المكان مضيء. و تحدثنا أيضاً عن أرض لا ينعق فيها الغراب ، و الأسد لا يفترس أحداً، و لا ينقض الذئب على الحمل، و لا أحد يعرف رمد العين، و لا يشكو الرجل من الشيخوخة، و لا تشكو المرأة من العجز. (2)
إذاً عظيمةٌ هي دلمون، حين تحتوي الإنسان، و تحيطه يعنايتها، و تهبه القداسة و الطهر و الخلود. فكانت مكان يضج بالألفة و الأمان، تتسع به ، و لا تضيق عليه، فهي مكان للإلتقاء، إلتقاء الإنسان بالإنسان..!
دلمون .. الحضارة:
كيف ظهرت دلمون:
جاء ذكر دلمون في الكتابات المسمارية القديمة التي تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد و التي وجدت في بلاد الرافدين و في موقع ايبلا في شمال سوريا و حاول العلماء معرفة مكان دلمون التي وصفت بأرض الخلود و بأنها تقع حيث تشرق الشمس و تبعد عن بلاد الرافدين بثلاث ساعات مزدوجة .(3) غير أن تحديد موقع دلمون على وجه الدقة كان موضع نقاش. و قد افتُرض أن إيران و عمان أو الهند أم البحرين هي مهد دلمون؟ غيرأنهُ بعد إن بدأت البعثات الآثارية الدنماركية حفرياتها تم الوصول إلى آثار حضارة مستقلة في البحرين و الكويت، و تأكد بالدليل القاطع بأن حضارة العهد القديم هي حضارة دلمون القديمة.(4) و كان مركزها قبل خمسة آلاف سنة تقريبا في جزر البحرين، حيث مثلت مركزا استراتيجيا مهما فهي حلقة الوصل بين بلدان الشرق الأوسط والأدنى حيث كانت في الشمال حضارة بلاد ما بين النهرين ( العراق ) وفي الشرق حضارة ميلوخا في وادي السند ( باكستان ) وفي مصر حضارة الفراعنة وفي شبه الجزيرة العربية حضارة مجان بعمان وحضارة اليمن.(5)وعلاوة على ذلك، أثبتت تلك التنقيبات الأثرية إن البحرين هي دلمون المشار إليها في النصوص المسمارية القديمة بمراحلها التاريخية المتعاقبة بل هي مركزها النابض بالنشاط و الحيوية ففيها المستوطنات من مدن وقرى تعج بحياة القصور و الدور و الأسواق و العيون الطبيعية و القنوات و فيها المعابد المقدسة وفيها مئات الآلاف من المدافن على مختلف الأشكال و الأحجام وتدل الأواني الفخارية و الحجرية والأختام الدائرية واللقى الأثرية الأخرى على تطور نمط الحياة و تقدم الصناعة و التجارة و اتساعها حتى لعبت دلمون دور الوسيط التجاري بين حضارات وادي الرافدين ووادي السند، وأنحاء الجزيرة العربية الأخرى .
أدلة تاريخية :
1. ما ورد في النصوص التاريخية السومرية والبابلية والآشورية والتي تصف دلمون بأنها أرض تحيط بها المياه من كل جانب فهي كالسمكة في وسط البحر وتبعد عن الساحل الشمالي للخليج العربي مسافة ساعة واحدة إذا كانت الريح مواتية.
2. ورد اسم دلمون في لوحة من عهد ( أور- نانشي ) ملك لاجاش في سومر 2520 ق.م وتشير إلى أن بعض مراكبها كانت تنقل للملك أخشابا من بلاد غريبة.
3. عثر في البحرين على صخرة عليها بالخط المسماري ( هذا قصر – ريموم خادم الإله ) والإله هو أنكى وهو معروف لدى السومريين بأنه الإله الحارس لدلمون .
4. المخلفات الأثرية التي عثر عليها في أماكن متفرقة في البحرين وأهمها الأختام الدلمونية التي تعتبر سجلا للحياة الدينية والاجتماعية والاقتصادية لتلك الفترة.
مظاهر حضارة البحرين القديمة
كان نظام الحكم فيها ملكيا وتشير النصوص التي عثر عليها أنه لا بد أن يكون خادم الإله ملكا ولكن مملكة دلمون كانت في معظم الأحيان تخضع لسيطرة حكام بلاد الرافدين وتدفع الجزية لهم ولقد هاجمها سرجون الأكادي وأحرق مدينتها الأولى وأخضعها لحكمه .
ويمتاز أهل البحرين القدماء أصحاب نزعة دينية قوية فلقد بنوا معابد خاصة بهم وقدموا القرابين والنذر لجلب رضا الآلهة ووجدت آثار هذه المعابد في منطقة باربار .
و نظرا لوفرة المياه العذبة والأرض الخصبة، كانت دلمون بلدا زراعيا وافر المحاصيل .و إلى جانب ما اشتهرت بمنتجاتها الزراعية، اشتهرت في دلمون صناعة الفخار والذي يتميز بأشكال ورسومات تختلف عن رسومات فخار الحضارات المجاورة كما ازدهرت صناعة الأختام الدلمونية الدائرية التي كانت تستعمل لإثبات الملكية وصناعة التماثيل والأواني الخزفية والنحاسية.و لموقعها الجغرافي، فكانت ميناءً تجاري نشط، فأهم البضائع الصالحة للتجارة كانت: النحاس والذهب والخرز الملون والأحجار الثمينة واللؤلؤ والعاج والأخشاب والبخور والثياب المزركشة والدهون والفضة وكان النحاس السلعة الرئيسية لتجارة دلمون تليه المنتجات الصوفية والزيوت النباتية.(7)
اسم البحرين
البحرين في اللغة:
"البحرَين" هكذا يتلفظ بها في حال الرفع والنصب والجر ولم يُسمع على لفظ المرفوع من أحد منهم، إلا أن الزمخشري قد حكى أنه بلفظ التثنية فيقولون هذه البحران وانتهينا إلى البحرَين ولم يبلُغني من جهة أخرى.(9)، إلا أن الزمخشري من علماء النحو ذكر أن العرب يقولون: هذه البحران، وانتهينا إلى البحرين(10). هذا، و في "المصباح المنير "للفيومي في "باب الباء" يتفق على تثنية البحر و البحران
أسماؤها
يستمر تاريخ البحرين حاضرا أبدا عبر اختلاف الأزمنة وتباين العصور وتوالي القرون. فأول ظهور لاسم البحرين الأقدم وهو "نيدوكي"عند الأكاديين، و "ديلمون" أو "تيلمون" عند السومريين، ففي الوثائق التاريخية القديمة فقد جاء مرادفا لاسمين آخرين. هما: "ماغان وملوكخا" وكان ذلك في وثيقة "تاريخية تعود إلى أيام الملك السومري "أور-نانش" أي حوالي 2550 – 2500 قبل الميلاد وفي نص الوثيقة يعلن الملك انه احضر خشب البناء لانجاز معبد الآلهة في مدينة لاغاش السومرية من ديلمون.
وتشير ملحمة جلجامش الشهيرة إلى أن الإله "انكي" اله المياه نجا من الطوفان العظيم واختار ارض "ديلمون" ليعيش عليها هو وزوجته وانه اكتشف في قاع بحرها زهرة بيضاء تحمل سر الخلود وتمضي الأسطورة إلى القول بان الإله "انكي" كشف سر الخلود هذا، للبطل السومري الأسطوري العظيم "جلجامش" فتوجه من فوره إلى ديلمون للحصول على هذه الزهرة إلا أن الحية الشريرة سبقته إليها.(11) و بعد ذلك عرفت باسم "تيلوس" عند الفينيقيين و أطلقوها على جزيرتي (المنامة و المحرق)في القرن الثالث قبل الميلاد. و قد قادالقائد اليوناني "نياخوس" الحملة المرسلة من قبل الإسكنر الأكبر لإستكشاف المنطقة.و من ثم "أوال" خلال العص قبل الإسلامي. و إن كان هناك قولان في سبب التسمية بـ"أوال"، الأول: أن أوال اسم صنم، كانت تعبده بكر بن وائل مع قبائل عبدالقيس، وهي قبائل عربية سكنت هذه الجزر قبل الإسلام بزمن طويل، وقد سميت البلاد باسم الصنم. الثاني: أن أوال اسم رجل هو أول من سكنها ومدَّنها، وهو أخ أو ابن لعاد بن شداد، صاحب (إرم ذات العماد)، وقد سمي البلد باسمه. وبعد اسم أوال غلب عليها اسم: (البحرين).(12)
سبب التسمية:
يذكر الحموي في كتابه معجم البلدان، أن أبو بكر محمد بن القاسم قال في اشتقاق البحرين وجهان: الأول يجوز أن يكون مأخوذاً من قول العرب بحرُت الناقة إذا شقفتَ أذُنها والبحيرة المشقوقة الأذن من قول الله تعالى: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام"، المائدة: 103، والسائبة معناها أن الرجل فى الجاهلية كان يسيب من ماله فيذهب به إلى سدنة الآلهة ويقال: السائبة الناقة التي كانت إذا ولدت عشرة أبطن كلهن أناث سُيبت فلم تركب ولم يُجز لها وَبر وبُحرت أذن ابنتها أي خُرقت، والبحيرة هي ابنة السائبة وهي تجري عندهم مَجرى أمها في التحريم، و الثاني: ويجوز أن يكون البحرين من قول العرب قد بحرَ البعيرُ بحراَ إذا أولعَ بالماء فأصابه منه داء. ألاّ أن الحموي، و ابن منظور في لسان العرب، والقلقشندي في كتابه صبح الأعشى، اعتمدا وجهاً آخر وهو رأي أبو منصور الأزهري: إنما سموا البحرين لأن في ناحية قراها بحيرة على باب الإحساء وقرى هجر، بينها وبين البحر الأخضر عشرة فراسخ، وقدرت هذه البحيرة بثلاثة أميال في مثلها، ولا يغيض ماؤها، وماؤها راكد زعاق. والبحيرة المشار إليها هي البحيرة المعروفة الآن بالأصفر، في آخر قرى الإحساء الشرقية، معروفة مشهورة.
و نحن نستطيع أن نرجح رأيان آخران، الأول: أن البحرين تقع بين بحر فارس وبحر عمان ولذا أطلق عليها هذا الإسم ، الثاني و هو الأكثر ترجيحاً لما تتصف به هذه المنطقة والمياه المحيطة بها من ظاهرة نبع المياه العذبة من وسط المياه المالحة ، ولذلك تكثر العيون في هذه المنطقة ، وقد كان الغواصة قديما يعرفون الأماكن التي ينبع منها الماء العذب فيقصدونها للشرب أثناء رحلات غوصهم.
النسبة إليها
أن النسبة المشهورة إلى البحرين هي "بحراني" و قد اشتقت من الاسم الشائع قديما وهو "البحران" ، إذ من المعروف نحويا أن النسبة عادة تكون باضافة "ياء" في آخر اسم البلد ، فيقال عراقي نسبة إلى العراق ومصري نسبة إلى مصر وغيرها ، وعلى أساس هذه القاعدة يبدو أن النسبة "بحراني" اشتقت من البحران ، وهو من الأسماء القديمة للبحرين ، ومما يؤيد ذلك أن هذه النسبة "بحراني" تعتبر من الشواذ في مجال النسب ، بمعنى أن العرب تقول لساكن العراق عراقي ، فيجب أن تقول لساكن البحرين بحريني ، ولكن العرب لم تقل هذه النسبة أبدا ، وإنما كانت تصف ساكن البحرين بأنه "بحراني" ، وقد اعتبروا النسبة إلى البحرين من شواذ قاعدة النسبة ، وكون النسبة إلى البحرين تعتبر من الشواذ يجعلنا نتساءل عن السبب في ذلك ، فلماذا أصبحت النسبة إلى البحرين من الشواذ ؟ إن الاجابة على هذا السؤال قد تؤكد لنا إطلاق اسم "البحران" على "البحرين" ، فحينما نعلم بأن البحرين كانت تعرف قديما باسم "البحران" نعرف تبعا لذلك أن النسبة الطبيعية للبحران هي بحراني ، ولا شواذ ولا خروج على القاعدة النحوية في ذلك ، ولكن بسبب هجران الاسم القديم وهو "بحران" والاقتصار على "البحرين" التبس الأمر وأصبحت "بحراني" وكأنها من الشواذ في عالم النسب ، في حين أنها لم تكن شاذة في وقتها ، لأنها كانت مطابقة لاسم البحرين القديم وهو "البحران" .
ومما يؤكد هذا المعنى أيضا أن الكتب الجغرافية واللغوية المتوفرة لدى الكاتب تجمع على أن النسبة إلى البحرين "بحراني" ولا تذكر النسبة الثانية "بحريني" من قريب ولا من بعيد ، ومن ذلك ما ذكره ياقوت الحموي في قوله :"قال أبو محمد اليزيدي سألني المهدي وسأل الكسائي عن النسبة إلى البحرين وإلى حصنين لم قالوا حصني وبحراني ؟ فقال الكسائي كرهوا أن يقولوا حصناني لاجتماع النونين ، وإنما قلت : كرهوا أن يقولوا بحري فتشبه النسبة إلى البحر" ، ومن الجدير بالملاحظة هنا أن السائل والمجيب لم يذكرا كلمة "بحريني" ، فالسائل ذكر كلمة "بحراني" والمجيب رجح "بحراني" على "بحري" خشية أن تشبه النسبة إلى البحر، ولم يرجحها على "بحريني" مثلا ، على الرغم من قرب هذه النسبة لنا هذه الأيام ، وهذا يدفع إلى القول بأن نسبة "بحريني" كانت مستبعدة جدا وليست واردة لا على لسان السائل ولا على لسان المجيب ، وكأنها أمر متفق على عدم صلاحه ، وهذا الاتفاق يمنع من ورودها في السؤال والجواب. و أن ياقوت الحموي في ذكر النسب قال: وينسب إلى البحرين قوم من أهل العلم، منهم محمد بن معمر البحراني بَصري ثقة حدث عنه البخاري، والعباس بن يزيد بن أبي حبيب البحراني يعرف بعباسُويه حدث عن خالد بن الحارث وابن عيينة ويزيد بن زُريع وغيرهم، روى عنه الباغندي وابن صاعد وابن مخلد وهو من الثقات مات سنة 258، وزكرياءُ بن عطية والبحيراني وغيرهم" (13). وقد نسب إليها بهذه النسبة بعض التابعين وهو نصر بن نضير البحراني، وهذا يروي عن أبيه عن جابر بن عبدالله الأنصاري (رض) عن رسول الله (ص). قال الشيخ المفيد قدس سره في كتاب (الأمالي) «عن محمد جابر بن الحسين البصير عن محمد بن إسماعيل الحاسب عن سليمان بن أحمد الواسطي عن احمد بن إدريس عن نصير بن نضير البحراني (رض) عن أبيه عن جابر بن عبدالله الأنصاري (رض) قال رسول الله (ص): «أيها الناس اتقوا الله واسمعوا…» إلى آخر الحديث. ونسب إليها بهذه النسبة بعض أصحاب الأئمة (ع)، وهو محمد بن سهيل البحراني، والظاهر أنه في عصر الكاظم (ع) – استشهد في 799 م – فإنه يروي عن الإمام الصادق (ع) بواسطة، وروى عنه الصدوق القمي في «العلل» هكذا: «حدثنا محمد بن علي ما خيلو (رض) قال حدثنا محمد بن يحيى العطار قال حدثنا محمد بن يحيى الأشعري قال حدثني العباس بن معروف عن محمد بن سهل البحراني عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (ع) قال: «ينادي منادٍ يوم القيامة…» إلى آخر الحديث.(14)
جغرافية البحرين:
الجغرافية الحالية ليست هي الجغرافية التي عرفت فيها البحرين، حتى الجغرافيين اختلفوا في اسم "البحرين" و"هجر" وعدم استقرار كل اسم بمنطقة خاصة به ، إذ يلاحظ أحيانا وكأن هناك تبادل بين الاسمين إذ يطلق أحيانا اسم البحرين على منقطة هجر والعكس صحيح ، وكأمثلة على ذلك ، يقول ابن خرداذبة في القول الذي أرودنا سابقا:"قرى البحرين وهي الخط والقطيف والآرة وهجر" ، "فهجر" هنا ما هي إلا "قرية" من قرى البحرين ، أما "المقدسي" في كتابه "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" فله رأي آخر إذ يقول :"ومن المدن ما لها أكثر من اسم نحو مكة وبكة ، المدينة ويثرب ، ….. البحرين (و) هجر" ، "فهجر" هنا "مدينة" وليست قرية ، ومن الملاحظ هنا أن "المقدسي" يعد البحرين مدينة أيضا ، فالبحرين وهجر اسم لمدينة واحدة كما يرى ، لا يقال بأنه ربما قصد بالمدينة الإقليم على أساس أن اللغة الجغرافية القديمة لا تفرق بين المدينة والإقليم مثلا ، لأن ذلك يرد (بضم الياء) بأن المقدسي قبل ذكره للبحرين وهجر ذكر مكة والمدينة وهما مدينتان وليس إقليمان كما هو واضح ، ووحدة السياق بين مكة والمدينة والبحرين تقتضي أن يكون المقصود بالبحرين وهجر هنا المدينة وليس الإقليم ، ويؤيد ذلك ما ذكره الحموي حيث قال: "هجر : مدينة وهي قاعدة البحرين" ، نعم قد يكون من المعقول القول بأن الفرق بين المدينة والقرية ليس واضحا تماما في لغة الجغرافيا القديمة ، فالحموي هنا يذكر بأن "هجر" مدينة ، في حين أن ابن خرداذبة ذكرها ضمن قرى البحرين ، والقول بأن هجر قرية ومدينة في آن واحد غير معقول إلا إذا أقيم الدليل على أن هجر كانت قرية في بداية أمرها ثم شيئا فشيئا أصبحت مدينة ، فإن تحول القرية إلى مدينة من الأمور التي نلاحظها حتى في هذه الأيام .(14)
و يذكر الميرزا الخوانساري (1970م) "ان البحرين – كما في ( تلخيص الاثار ) – ناحية بين البصرة وعمان على ساحل البحر ، بها مغاص الدرر ، ودرة أحسن الأنواع ، ينتهي اليها قفل الصدف في كل سنة من مجمع البحرين ، ويحمل الصدف بالدر منه اليها ، وليس لأحد من الملوك مثل هذه الغلة.
يذكر ج.ج لوريمر في دليل الخليج أن جزيرة البحرين كانت تسمى أوال. و هي أكبر جزيرة في مجموع جزر البحرين و تقع في وسط الخليج غير معروف الاسم ويفصل هذا الخليج الأقاليم التركية في الحسا و القطيف عن رأس قطر الداخلة في البحر.(15) و حين الحديث عن "إمارة البحرين" يذكر أن اصطلاح كلمة البحرين في وقت ما يشمل قطر و واحات القطيف و الحسا كما يشمل جزر الأرخبيل. و يضيف أيضاَ " في الحقيقة تغزو بعض المراجع إليها في الماضي تسمية تشمل أكثر من ذلك ، مؤيدة أنها كانت تشير في و قت ما إلى الجانب الغربي كله للخليح من روس الجبال إلى محيط مصب شط العرب.* (16)
العهود التي مرت بها البحرين:
قسمت البعثة النمركية المكلفة بالتنقيب العهود التاريخية للبحرين إلى ستة عهود، سمت العهود الثلاثة الأولى بعهد دلمون: العهد الغابر و يمتد إلى3000 سنة، أي قبل بناء معهد باربار، و العد الذي عاصر بناء معابد باربار، و العهد التالي ليس له إلاّ آثار قليلة. و العهد الرابع، و هو عهد تايلوس، يبدأ من عام 700 قبل الميلاد حتى الأعوام التي سبقت ميلاد المسيح، و العهد الأغريقي الذي دلت علية الآثار، و العهد الخامس و هو عهد أوال وكان في فترة القرامطة، و يرجع تاريخه غل القرنين 10 و 11 الميلادي، و الأخير وهو السادس عهد البرتغاليين.(17)
البحرين والقبائل العربية
ساهم موقع البحرين المتميز لأن يكون منزلاً للعديد من قبائل الجزيرة العربية، و قد يكون ذلك في 1200 قبل الميلاد. و قبل الإسلام سكن منطقة البحرين (القديمة) قبائل عربية عديدة ، كالأزد الذين استقروا بكثافة في عمان، وأياد التي هاجرت من الحجاز، وقبائل تنوخ ـ وهي قبائل جاءت من تهامة وعقدت حلفاً فيما بينها على الاقامة (التنوخ) ـ .. غير ان قبائل ربيعة مثل (عبد القيس وبكر بن وائل) بمختلف افرعهما، أزاحت أياداً والأزد عنها وسيطرت على البحرين جميعاً، فكانت الواحات بيد أفرع من عبد القيس، ثم يليهم إلى الغرب بنو بكر بن وائل، وإلى غربيهم في البادية بنو تميم. و القبائل الثلاث الأخيرة عدنانية:
1. بكر بن وائل: وهي قبيلة تنتسب الى بكر بن وائل ابن قاسط ابن هنب بن أفصي بن دعمي ابن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. و قد كانت ديار بكر بن وائل من اليمامة الى البحرين ، الى سيف كاظمة الى البحرين ، فأطراف سواد العراق . كانت تعبد اصناما يقال لهم "ذو الكعبين" و"المحرق" و"أوال" و"عوض" وكانت تعبد "كعبة شداد" .. واعتنق قسم من بكر النصرانية . وقد غزت هذه القبيلة تخوم الامبراطورية الفارسية فجهز الملك شابور حوالي سنة 330 م جيشا لمعاقبتها ، فقتل وسبى عددا كبيرا من الأسرى. و يذكر عد من المؤرخين، و منهم "عبد الرحمن عبد الكريم النجم، (1973) "أن بكر بن وائل استوطنت البحرين قبيل الإسلام وخاصة بعد يوم قضة وهو آخر أيام حرب البسوس، وقد امتدت مساكن بكر إلى اليمامة وكذلك إلى أطراف العراق الغربية. و من بطون بكر التي إستوطنت البحرين بنو قيس بن ثعلبة بن عكابة".
2- تميم بن مرة، قبيلة من العدنانية ، تنتسب الى تميم بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان . كانت منازلهم بأرض نجد دائرة من هنالك على البصرة واليمامة ، حتى يتصلوا بالبحرين وانتشرت الى العذيب (من أرض الكوفة) ثم تفرقوا في الحواضر ولم تبق منهم باقية .
3- عبد القيس بن أفصي: قبيلة من العدنانية أيضاً ، تنتسب الى عبد القيس بن أفصي بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان . كانت مواطنهم بتهامة ثم خرجوا الى البحرين وبها أناس كثيرون من بكر بن وائل وتميم ، ولما نزل بها عبد القيس ، زاحموهم في تلك الديار وقاسموهم في المواطن . (راجع : كحالة : عمر رضا ، معجم قبائل العرب القديمة والحديثة ، الجزء الأول والثاني ، الطبعة الخامسة ، 1985م ) . يذكر عبد الرحمن عبد الكريم النجم (1973) "إن كثرة مدن وقرى عبد القيس التي ذكرتها المصادر اظهر مدى إنتشارهم ودورهم في البحرين. ومن زعمائهم المشهورين عند ظهور الإسلام الأشج العصري الذي تزعم وفد عبد القبس الأول إلى الرسول (ص) في المدينة، والجارود العبدي الذي رأسهم في الوفادة الثانية، ومن بطونهم المشهورة نكرة، وقد وصفهم ابن قتيبة بأنهم أهل البحرين وفيهم العدد والشرف".
المصادر
1- الأسطورة هي حكاية مقدسة، ذات مضمون عميق يشف عن معاني ذات صلة بالكون والوجود وحياة الإنسان." الأسطورة – المصطلح و الوظيفة- فراس السواح. http://www.maaber.org/third_issue/mythology_1.htm
2- من نصوص الشرق القديم إنكــي وننخرســـاج أسطـــــورة الفـــــردوس- فراس السواح. http://www.aleftoday.info/?option=content&view=article&id=558&mid=1
3- مجموعة من الباحثات
4- غلوب، ب .ف، غلوب و جنة الفردوس – البعثات الدنماركية في الخليج العربي،دلمون هي جنة الفردوس الأزلية، ص42.
5- حضارة دلمون www.marefa.org/index.php
6- دلمون- http://ar.wikipedia.org/
7- المصدر السابق نفسه.
8- كتاب "تاريخ العرب قبل الإسلام"، تأليف: د. جواد علي.
9- الحموي، ياقوت، معجم البلدان ، موقع الحكواتي
http://www.alhakawati.net/arabic/civilizations/book14b7.as –
10- حسن عبدالله، http://www.alwasatnews.com/2296/news/read/171564/1.
11- الفيومي، العلامة أحمد بن محمد بن علي، المصباح المنير، باب الباء، ص14.
12- حسن عبدالله، http://www.alwasatnews.com/2296/news/read/171564/1.
13- الحموي، ياقوت، معجم البلدان ، موقع الحكواتي
14- http://www.alhakawati.net/arabic/civilizations/book14b7.as
و انظر: صبح الأعشى للقلقشندي، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم للمقدسي، مختصر كتاب البلدان لابن الفقيه، المسالك والممالك لابن خرداذبة، لسان العرب لابن منظور،الرائد لجبران مسعود، مختار الصحاح للرازي و – دائرة المعارف الإسلامية الشيعية لحسن الأمين .
14 منتديات شيعة الكويت،
http://q8shia.com/forum/showthread.php?s=1c5d451784081c5c378706b98958b16e&p=55656#post55656
15 – ج.ج، لوريمر،دليل الخليج، القسم الجغرافي، الجزء الأول، ص263.
-16المصدرالسابق نفسه، إمارة البحرين ص295-296.
17-حسن عبدالله، http://www.alwasatnews.com/2296/news/read/171564/1.
السلام عليكم …
في هذا المقال أيضا نجد خرافة جديدة من الخرافات التاريخية التي يجب أن تمحص جيدا وهي:
“ساهم موقع البحرين المتميز لأن يكون منزلاً للعديد من قبائل الجزيرة العربية، و قد يكون ذلك في 1200 قبل الميلاد.”
لا يوجد بحث واحد من البحوث التاريخية الحديثة الموثوقة ترجح ذلك وغالبية المراجع تؤكد أن القبائل العربية نزلت البحرين في حدود القرن الرابع بعد الميلاد … أما عن لفظة عرب وعربي فلم تعرف هذه اللفظة في المنطقة إلا في القرن السابع قبل الميلاد ….
الخلاصة أننا لا نملك دليل على هذه المعلومة التي بدأ يتغنى بها العديد ليؤكد بها قدامة العروبة على أرض البحرين ونحن لا نحتاج لذلك …
البحارنة مجموعة تتكون من شقين أنصهرا مع بعضهما في كتلة واحدة متجانسة الأول حضري وهو ما يمثل بقايا الشعوب الحضرية من الحضارات السابقة وهو ما يثبت إمتداد جذور البحارنه في عمق التاريخ … والشق الثاني قبلي عربي تمثله قبيلة عبدو قيس في الغالب والتي نزلت البحرين في حدود القرن الرابع الميلادي ….
هذه هي الحقيقة التي ترجحها المراجع الموثوقة الحديثة …….