آلات الري قديما في البحرين

الساقيةتناولنا في فصل سابق بعض طرق نقل الماء التي تعتمد على حفر القنوات كالساقية (أو الساب) ونظام القنوات التحت أرضية، بالإضافة لذلك كانت هناك طرق أولية لري الأرض بآلات أولية كان أبسطها الدلو حيث يتم ري الأرض باليد باستخدام الدلو في حال كانت الرقعة الزراعية صغيرة، بالإضافة لذلك كانت هناك آلات ري تقليدية أخرى أهمها الغرافة والزاجرة، وكانت الغرافة تعتمد على جهد الفلاح فقط أما الزاجرة فيستفاد فيها بقوة الحيوان (الثور أو الحمار) لسحب الماء من البئر.

الغرافة
تسمى غرافة أو منزفة وفي مصر تسمى شادوف، وهي تستخدم لاستخراج الماء من البئر القليلة العمق، وهي إحدى الطرق المشهورة في مناطق مختلفة في العالم، وفي منطقة الخليج العربي عرفت هذه الطريقة منذ آلاف السنين. في هذه الطريقة يقوم الفلاح بالغرف من البئر بواسطة قوائم خشبية وحبل موصول بخشبة طويلة موصولة في أحد طرفيها بصفيحة فارغة أو دلو وفي طرفها الآخر يوجد ثقل قد يكون حجرا أو كتلة طينية، و يمكن شرح طريقة عمل الغرافة على مرحلتين، في الأولى يبذل الفلاح جهدا خارقا ليشد الثقل أوالكتلة الطينية الثقيلة ليجعل الدلو ينزل لقاع البئر ويمتلئ بالماء، وفي الثانية يتولى الثقل رفع الدلو حيث يؤدي لعودة الخشبة الطويلة إلى وضعها الأصلي.
الزاجرة
تسمى زاجرة والبعض يسميها جازرة وفي الإمارات تسمي (يازرة) وتسمى في بعض المناطق في رأس الخيمه بالزايره، و في عمان تسمى زاجرة أو منجور. ويرجح البعض أن الاسم «زاجرة» هو الأصح فهو مشتق من الزجر بمعنى الحث على السرعة، حيث أن عملية السقي بالزاجرة تحتاج لزجر الحيوان (الثور أو الحمار) الذي يسحب الحبل. ولكننا لا نستطيع الجزم بصحة ذلك حيث انه في دولة الإمارات العربية وكذلك في مصر تم اشتقاق اسم «جازر» أو «يازر» للشخص الذي يقوم بقيادة الثور لاستخراج المياه.
مكونات الزاجرة
لم يذكر لنا محمد علي الناصري في كتابه من تراث شعب البحرين وصفا مفصلا عن الزاجرة، وإنما اكتفي بذكر أجزائها ومن أهم الأجزاء التي ذكرها هي (أسطوانتان، الدروج، العارض، المنجور، المواقيف، الصوبج، الخب، الأردية، الجباية، الحوض، الجدول، الدلو، الرشا) وغالبية تلك المسميات تتشابه في دول الخليج، وأخرى لها مسميات مختلفة، ولكن أيا كانت التسميات فالوصف النهائي للزاجرة متشابه تماما. تتكون الزاجرة أساسا من المنجور وهو أشبه بالبكرة، وقد تختلف تفاصيل تثبيت المنجور، إلا أن الفكرة واحدة، وعادة ما تتكون الزاجرة من المكونات التالية مع مراعاة اختلاف التسميات والتفاصيل:
1 -التراكيب أو السناطوين: وهي عبارة عن قطعتين خشبيتين تثبتان بصورة عمودية على جانبي البئر، وعادة ما تكون كل سنطوانة مصنوعة من نصف جذع حيث يتم قطع الجذع طوليا إلى نصفين، ثم تثبت السناطوين ويتم وضع في أعلى كل سنطوانة فتحة قدرها نصف دائرة تسمى القرم.
2 – العارضة: وهي عبارة عن قطعة خشب توضع بصورة أفقية لتصل بين السنطوانتين أو التراكيب.
3 – القرون: وهي عبارة عن قطعتين خشبيتين طويلتين يتم وضعها بصورة مائلة بحيث يكون طرفها مثبت في الأرض أمام البئر ويستقر طرفها الآخر فوق العارضة بحيث تواجه فتحة البئر.
4 – المنجور: وهو عبارة عن بكرة خشبية كبيرة تثبت في القرون بواسطة خشبة تسمى (حطبة المنجور). و يوجد على طرفيه 15 أصبعا يسمون الواحدة لعبة أو لسان. ويكون المنجور هو مصدر الصوت الذي يطرب له صاحب الزاجرة أو من يمر بجانبها حيث يتغنى له بأغنيات خاصة بصاحب المزرعة أو النخل ويكون له لحن معين وينتج الصوت جراء حركة المنجور وكذلك عن احتكاك الحبل الذي يجره الثور والذي يكون مربوطا بالدلو ويمر على المنجور.
5 – الدلو: وهو الإناء الذي يستخدم لاستخراج الماء من البئر ويكون له شكل خاص، وعادة ما يصنع من جلد البقر.
6 – الرشا: وهو عبارة عن حبل سميك يربط بالدلو من الأعلى ويعتبر الحبل الأساسي للدلو عندما يتدلى داخل البئر وهو يمتد من الثور مارا على المنجور لتحريكه حتى يصدر صوتا.
7 – المرص: وهو عبارة عن حبل رفيع يوضع في أسفل الدلو ويعتبر الحبل المساعد للرشا وأحيانا يطلق عليه (المساعد). ويكون أحد طرفي هذا الخيط مربوطا بالرشا والطرف الآخر بالدلو ولا يمر هذا الخيط بالمنجور، وتكمن أهمية هذا الخيط في أنه يقوم بشد الدلو من أسفل لكي يتم تفريغ الماء من الدلو (شاهد الصورة).
8 – الصوبج (أو الصوبي): وهو عبارة عن قطعه مستديرة من الخشب تصنع بواسطة شخص مختص وتوضع لها قطعتان من الحديد من الجانب حيث يوضع المرص على الصوبي ويساعد الثور في رفع الدلو.
9 – الوي: وهو عبارة عن قطعه من الخشب تكون على ظهر الثور عندما يدخل الخب.
10 – الخب: وهو عبارة عن منخفض أو حفره كبيرة وعميقة قليلا حيث يتم فيها انزال الثور لأن حركة الثور في النزول والصعود تساعد على جلب الماء من البئر، وهنا نجد أن الشخص الذي يعمل على الزاجرة يقوم بمساعدة الثور عن طريق ما يسمى بالزالوي أو حبل الزالوي.
11 – الجابية وتسمى أيضا المغيلة (بكسر الغين): وهي عبارة عن المكان الذي يصب فيه الدلو الماء.
أنماط متعددة من الزاجرة
بالإضافة للنمط الكلاسيكي البسيط من الزاجرة هناك أنماط مختلفة من الزاجرة لكنها مبنية على نفس الأساس السابق وهو وجود المنجور، وفي هذه الأنماط الأخيرة يتم الاستغناء عن العارضة والتراكيب والقرون حيث يتم بناء أجزاء البئر بالحجارة والجص ويعلق به المنجور.
كيفية عمل الزاجرة
يعتد عمل الزاجرة على وجود حيوان قد يكون ثورا أو حمارا يتم ربط خشبة على ظهره يشد إليها حبل يمر عبر المنجور دورهما تسهيل عملية صعود إناء السقي من البئر ويقوم الحيوان بالذهاب والعودة في ممر مائل أمام البئر إذ يتم خلال مرحلة الذهاب جر الإناء مملوء بالماء من البئر لتفريغه في الجابية، أما خلال رحلة العودة فإن الإناء يعود فارغا إلى البئر ليملأ بالماء مرة أخرى. وقد يكون هناك مساعدون للسقاي مهمتهم استقبال الإناء المملوء بالماء وتفريغه في الساقية وبعدها إعادته إلى البئر. المشهد يستمر طويلا وقد يستغرق وقتا لا حدود له لكنه كان في ذلك الزمن عنوان الحياة فكلما استمر صوت المنجور تدفق الماء وارتوت المزروعات لتنتعش.
التغني على ألحان صوت المنجور
صوت المنجور قصة اخرى من أساطير ألف ليلة وليلة وسمفونية تدغدغ كل الحواس وتشد كل من يسمعها ليتابعها باهتمام فهي تشد الهمة وتفجرالإرادة وتدفع للمزيد من العطاء ورغم أن عزفها لا يتطلب آلات خاصة أو عازفين مهرة إلا أن صوتها الذي يصدر من احتكاك الخشب مع الحبال له وقع خاص ومع أصوات الحث على العمل تكتمل الصورة، لقد ألهمت تلك الموسيقى الساقي فبدأ يتغنى ويشعر الأشعار وهم يحثون ثيرانهم على سرعة الحركة، مثله مثل شعر الهزج عند العرب، الذي يترنمون به على ظهور أبلهم.
منجورنا صاح ومنجور العشگ غنى
اوحس مجنون ليلى صاح ما غنى
وفراگ لحباب منا للضلع حنى
وايدنا نجلت من قلة الحنا
والدهر غدار فرقنا ولا ونه
لا صيحة منا سمع أبدا ولا ونه
والحزن بحشاي تسمع له الإذن ونه
ومنهاب لگروم من أهل الفزع حنا
وهكذا أنتجت لنا مهنة السقاية ثقافة وإرثا شعبيا، وكما كبيرا من الأهازيج، وهذا النوع من الإرث الشعبي لم يكن حصريا على البحرين وشرق الجزيرة وباقي دول الخليج العربي بل يتعدى ذلك لباقي الدول العربية كمصر والسودان وفي أي ثقافة أخرى استخدمت في هذه الآلة، لم تأتِ تلك الثقافة الشعبية في البحرين والخيج العربي من عدم بل هي إمداد للموال الشعبي، فتلك الأهازيج ما هي إلا ضروب مختلفة من الموال وهو ضرب من الشعر يعتقد أنه بدأ ظهوره بصورة واضحة في القرن الثاني الهجري في مدينة واسط في العراق وتطور على يد العاملين بتلك المدينة وبالأخص المزارعين الذين كانوا يغنون به في رؤوس النخيل وعلى سقي المياه، وتطور حتى وصل لنا بصورته الحالية. وقد اشتهر في البحرين عدد كبير من منشدي الموال حيث يذكر لنا محمد علي الناصري في كتابه «من تراث شعب البحرين» قائمة طويلة بأهم القرى التي اشتهرت بكثرة الزواجر فيها مع إحصائية لعدد الزواجر في كل قرية، وكذلك تبيان لأشهر الناشدين حيث اختار الناصري ثلاثة أسماء من كل قرية لأشخاص تميزوا بالصوت الرخيم والحفظ الجم لأناشيد الزاجرة.
وقفة مع ثور الزاجرة
من أهم الأسباب لشيوع أهازيج ومواويل الزاجرة في البحرين على حد زعم أهل الصنعة أنه بالإضافة إلى تسليتهم بالشعر بالنسبة للعمل كغيرهم يأتي احتياجهم الخاص إلى تطريب الثور الذي يستعينون به على السقي بالزاجرة. ويذكر لنا الناصري بعضا من حكايات الساقي مع الثور منها أن احد السقائين أنشد الأهزوجة التالية:
أسگي على الثور وآكل من لحم راسه
الثور عيار وإله گرنين محتاسه
وإله رمامين كل وحده كبر طاسه
يا دابح الثور جربني لحم راسه
فلما سمع الثور ذلك غضب وتمطى وقطع الحبل وقصد الساقي فولى الساقي هاربا. وعلى هذا كانوا يتجنبون غضب الثور ويتطلبون رضاه بكلمات يكررونها أثناء السقي منها: «دور يا الأحمر» و»دور يا الأبرگ» أو «دور يا أبو سنينة العودة» يقول ذلك وهو يمسح بيده على ناصية الثور وجسمه للتدليل، ومن الأهازيج المشهورة في تدليل الثور :
هذا الملا في ويل
دور يا الأبرگ دور
لول ملافع شيل
واليوم ملافع تور
وكذلك تعمدوا أن يكون للمنجور صوت فيه نظام الثور لحركات السقي ويطربه ويطرب الساقي ويسليه. والبعض يئول صوت المنجور إلى كلام حيث يتشابه أحيانا نغم الصوت مع كلمة معينه.
وقد كان لبعض الثيران شهرة كبيرة ضربت بهم الأمثال في القوة، وقد كانت تسمى الثيران بأسماء العيون أو بألقاب أخرى، ومن تلك الثيران المشهورة: «ثور السمبري» في جد حفص و «ثور هرته» نسبة لعين هرتة في الماحوز و»ثور أبو البراشيم» في السقية، وغيرها، وقد أصبحت هذه الأسماء مضربا للأمثال.
المنامة – حسين محمد حسين

 

الساقية

 

الساقية 1

 

الساقية 2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*