«أبو جرجور»… القرية المحذوفة من التاريخ البحريني دليل الخليج وضَعها على بُعد 5 أميال من جبل الدخان.
لو تساءلنا، مجرد تساؤل عابر، عن عدد مدن وقرى البحرين منذ القدم، فيمكن أن نصل إلى أنه في الغابر من السنوات، كانت البحرين تضم (36) بلدة، والأكثر من ذلك، كان بها (331) قرية.
ووفقاً للباحث التاريخي وصاحب موقع «سنوات الجريش» جاسم حسين آل عباس، فإنه نظراً إلى كثرة تداول الحكام عليها ووقوع الحروب بها وزوال الحضارة منها، زال عمرانها، وخربت أكثر تلك المدن والقرى، ولم يبقَ منها
سوى ثماني مدن وبعض القرى التابعة إليها، كما يشير إلى ذلك صاحب التحفة النبهانية، محمد بن خليفة النبهاني في الصفحة 42، ولو ذهبنا إلى كتاب: «تاريخ البحرين: عيون المحاسن ومحاسن أعلام العلماء والشعراء»، للشيخ
محمد علي آل عصفور، لوجدنا أنه كتب في العام 1901: «كان عدد قرى البحرين في الزمن القديم بعدد أيام السنة، وبظلمهم ما بقي الآن سقوفها وفروشها (فتلك بيوتهم خاوية) على عروشها، والقرى المعمورة الآن أزْيَد من مئتين».
قرية أبو جرجور المندثرة
ومن تلك القرى، قرية «أبو جرجور» حيث يقول الباحث جاسم آل عباس «إن هناك الكثير من القرى المندثرة التي تقع على الساحل الشرقي لجزيرة البحرين، وقد اعتمدنا على ما توافر لدينا من معلومات وصور ميدانية للآثار والموقع، وقد أبدى البعض استغرابه من وجود قرى بحرانية مندثرة مازالت تحتفظ ببعض آثارها، مع العلم بأن أغلب القرى المندثرة التي هُجرت لم يبقَ لها أثر! فقد أصبحت بين عشية وضحاها أثراً بعد عين، ولم يبقَ منها إلا الأسماء في كتب التاريخ.
ولهذا، فإن البحث عن مواقع القرى وتوثيق المتبقي منها يحتاج إلى وقت وجهد، وقد عزمت شخصياً منذ عدة أعوام على زيارة بعض مواقع القرى المهجورة للوقوف على أي أثر أو لقى أثرية تدل على وجود قرية كانت عامرة بالسكان والبناء والنخيل والعيون العذبة وغيرها من مقومات الحياة، وخلال الزيارات التي قمت بها عثرت على آثار بعض القرى، وكذلك بعض اللقى الأثرية كقطع الفخار والعُمَل القديمة، وعثرت على بعض آثار المخططات الزراعية كالسابات أو السيبان (الأنهر الصغيرة)، والجذوع المتآكلة وبقايا الأسوار والبيوت والعيون، وغيرها من الآثار التي تدل على أن هناك استيطاناً بشرياً في الموقع وأن هناك قرى سادت ثم بادت».
سبب تسمية القرية
وعن أصل تسمية القرية المندثرة «أبو جرجور»، يقول آل عباس: «في الواقع لم أقف في المصادر على سبب تسمية قرية أبو جرجور بهذا الاسم، ولكن يبدو من خلال بعض المعطيات الميدانية والشفوية أن التسمية تعود لطبيعة البحر المحيط برأس أبو جرجور، والذي يشتهر بكثرة أسماك القرش والتي يطلق عليها محلياً اسم (جرجور) وجمعها (جراجير)، وفي فترة السبعينيات وما قبلها، وقعت بعض الحوادث التي ذهب ضحيتها أفراد من أهالي المناطق المجاورة حيث اختفى بعضهم في البحر أثناء الصيد أو السباحة، ويُرجَّح سبب اختفائهم هو تعرضهم لهجوم من قبل أسماك القرش المفترسة».
وماذا عن الموقع؟
ومن المهم أن نتعرف على موقع القرية، ويعتمد الباحث آل عباس على كتاب «دليل الخليج… ج.ج. لوريمر في قسمه الجغرافي بالجزء الأول في الصفحة رقم 265»، حيث كتب أن «أبو جرجور» تقع على الساحل الشرقي على بعد خمسة أميال شرق الشمال الشرقي لجبل الدخان، فالقرية المندثرة تقع في الطرف الجنوبي من الساحل الشرقي لجزيرة البحرين، وموقعها تحديداً في الجهة الشمالية من ساحل قرية عسكر، وتبعد عنها كيلومتراً واحداً، وشمالها تقع منطقة زويد الزراعية – غرب الفارسية بمسافة 1200 متر – وغربها بنصف كيلومتر يحدها الشارع العام المؤدي إلى عسكر وجو ورأس البر وشرقاً يحدها ساحل البحر.
قرية على رأس برّي
واشتهرت هذه المنطقة المميزة منذ القدم باسم (رأس أبو جرجور)، وذلك بسبب أن اليابسة ممتدة لداخل البحر كرأس العكر ورأس حيان ورأس البر وغيرها، ولكن هذا الرأس نشأت فوقه قرية قديمة لفترة من الزمن ثم اندثرت، وبقيت آثارها كالجدران المبنية من الصخور والحجارة البحرية وبعض الأنهار التي كانت توزع مياه الري على المزارع حتى فترة متأخرة، إلى أن قامت الحكومة بإنشاء محطة أبو جرجور حيث ردمت موقع القرية وآثارها القديمة.
ساحل السمك
ساحل أبو جرجور يمتاز بأنه منبسط مع بعض التعرجات وأطرافه قريبة من مستوى سطح البحر كسواحل القرى الممتدة على الساحل الشرقي لجزيرة البحرين، كما أنه مفتوح على البحر من الجهة الشرقية، وقديماً كانت رماله ذات لون أبيض بعكس اليوم حيث يغطي أطرافه الطين والوحل الأسود، وبعض جوانبه تغطيها الصخور والحجارة البحرية الحادة، كما أنه من أغنى السواحل بالعديد من أنواع السمك ولاسيما الروبيان والميد وأسماك القرش، وقديماً كانت توجد بالقرب منه جزيرة صغيرة ولكنها ردمت حيث اتصلت باليابسة وأقيمت عليها محطة التحلية.
ركوب البحر والمزارع
ويضيف الباحث آل عباس: «لم نجد مصدراً يذكر المهن التي كان يشتغل بها أهالي قرية أبو جرجور، ولكن من خلال العديد من القرائن، نستطيع التأكيد على أن مهنهم كمهن غيرهم من أهالي القرى المجاورة كصيد البحر وصناعة اللؤلؤ، ومن خلال مسمى القرية المرتبط بالبحر علاوة على مجاورة أهلها للبحر يتبيّن أن البحر مصدر رزق أهلها».
ومن جهة أخرى، نستطيع الجزم بأن بين أهلها من كان يعمل في مجال الزراعة، فموقع القرية مجاور لغابات النخيل الممتدة التي كانت تغطي القرى القريبة من أبو جرجور كالفارسية وزويد – غرب الفارسية – وسلباء وغيرها، وموقع القرية نفسه يحوي آثاراً للأنهار التي تنقل المياه من العيون إلى المزارع، وكانت تلك الأنهار أو (السيبان) موجودة بوضوح حتى فترة متأخرة إلى أن زحفت عليها المنشآت الصناعية والردم، ومازالت بعض الجوانب في القرية تدل على وجود مزارع قديمة فيها وهذا يتبيّن من خلال التربة الخصبة والسيبان المتبقية.
آثار أبو جرجور القديمة
يقول الشيخ محمد علي التاجر في الصفحة 32 من كتابه «عقد الآل في تاريخ أوال»، بعد حديثه عن قرية الفارسية المندثرة: «وجنوبها بمسافة ليست قليلة شبه جزيرة بارزة في الساحل ليس بها نخل ولا سكن وكلها آثار قديمة، يشق طرفها الشمالي خليج داخل فيها يقال لها (رأس أبو جرجور)، وقريباً منها من جهة الشرق جزيرة صغيرة وليس بها سكنى»، ومن خلال ما ذكره التاجر يظهر لنا بوضوح أن هذه القرية كانت تحتفظ بآثارها القديمة حتى فترة متأخرة، وهذا يدل على قدم الاستيطان البشري في موقعها الاستراتيجي والبارز، وللأسف، فإن هذه القرية لم تذكر إلا بالإشارات المختصرة.
«مسكر» لصيد السمك
وفي النص المنقول عن التاجر يقول عن «أبو جرجور»: (يشق طرفها الشمالي خليج داخل فيها)، وهذا له دلالة أخرى ذات أهمية ترتبط بمسألة المهن، فالقدامى من أهل البحرين والخليج كانوا يستوطنون المناطق القريبة من الخلجان البحرية الداخلة في اليابسة حيث يتم استخدامها كمصائد للسمك في حال المد والجزر، إذ يقومون بإغلاق الخلجان بالشبَاك بعد المد، وبعد الجزر تنحصر الأسماك فيسهل صيدها وجمعها.
فترة الاندثار
ويرى آل عباس أنه «من خلال المعلومات المتوافرة، يتضح أن أبو جرجور كانت مسكونة قبل ما يقل عن قرنين من الزمن، ففي مطلع القرن التاسع عشر كان موقعها يحوي آثاراً قديمة كما أشرت سابقاً، ولا أستطيع تحديد الفترة الزمنية للاستيطان في الموقع ولا فترة النزوح بالتحديد، كما أنني لم أقف على سبب هجرة أهلها ولعل أسباب هجرتهم مرتبطة بالأسباب التي أدت إلى هجرة أهل القرى المحاذية لها على الساحل الشرقي».
ويواصل حديثه: «في صباح يوم الجمعة الموافق 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2009، قمت بزيارة لموقع قرية أبو جرجور المندثرة، وعثرت على بعض الآثار الدالة على تلك القرية القديمة علماً بأنني قبل خمسة أعوام، قصدت المكان نفسه بحثاً عن أي آثار للعمران، وقبل ذلك التاريخ زرت الموقع في العام 1991، ولكنني هذه المرة قررت الوصول إلى موقع القرية سيراً على الأقدام، وبعد وصولي لقرب محطة أبو جرجور، التي بنيت تقريباً على موقع القرية القديمة بعد أن أزيلت آثارها التي كانت موجودة وواضحة، قصدت محيطها بحثاً عن أي أثر فتجولت في محيط المحطة، ولكن الدفان والردم سبقني إليها فقد دفنت واختفت تحت الأرض لتختفي معها قصة قرية كانت عامرة، واليوم لم يبقَ منها أي أثر غير الآثار التي تدل على وجود الزراعة كالأنهار والسيبان والتربة الخصبة التي تغطيها الحشائش البرية والقصب».
ويختتم جولته التاريخية لقرية مندثرة من قرى البحرين بالقول… «نعم، هناك على أطراف البحر، كانت توجد قرية عامرة ببنيانها ونخيلها الباسقة وأهلها ذوي البشرة السمراء، ولكن أبو جرجور ذهبت تحت الأنقاض لتذهب معها ذاكرة الزمان والمكان».
سعيد محمد الوسط العدد : 2808 | السبت 15 مايو 2010م الموافق 30 جمادى الأولى 1431هـ
المصدر: http://www.alwasatnews.com/2808/news/read/420816/1.html