جلجامش والخبابة ودلمون وعبد القيس

73142307_bf8df8711f_odtمن.هو جلجامش ؟ القليلون الذين لايعرفون جلجامش ، أو لم يسمعوا عن ملحمته ، ( ملحمة جلجامش ) الشهيرة التي يعدها مؤرخو الأدب أقدم ملحمة في تاريخ الانسانية ، وقد سبقت الالياذة والأوديسة ، . اكتشفها الأستاذ جورج سمث عام 1853 مكتوبة على اثني عشر لوحا طينيا بالخط المسماري ، وعرف فيما بعد بأن مكان اكتشافها كان مكتبة شخصية لل ملك الآشوري هانيبال في نينوى بالعراق، وكانت الملحمة مكتوبة باللغة الأكدية اعتمادا على نسخة سومرية يرجع تاريخها الى 2100 قبل الميلاد .

وجلجامش هذا هو ملك اوروك في محافظة المثنى بالعراق ، وكانت أمه فيما تحكي الأسطورة من البشر أما أبوه فهو من الآلهة ألتي لاتفنى ؛ لذالك عاش جلجامش في صراع بين الفناء والخلود .
كان جلجامش ملكا جبارا عتيدا سيء السلوك ؛ حتى أنه كان يشتهر باغتصاب النساء .قبل دخولهن على أزواجهن ، فطال الرعية منه شرٌ مستطير وضجّت من تصرفاته وبطشه … وطلبت من الآلهة أن تخلصها من هذا الوضع .فاستجابت الآلهة بخلق رجل وحش كثيف الشعر ، ويعيش مع الحيوانات اسمه ( أنكيدو ). فاشتكت له الرعية تصرف جلجامش وبدأالصراع بين الاثنين ، ولكن في النهاية اصبحا صديقين ،وتراجع جلجامش عن أعماله المشينة ،وأراد أن يقوم بعمل عظيم يكفّر به عن أعماله السابقة ، فعرض على صديقه أنكيدو عزمه على قتل الوحش المخيف فى الغابة الذي يمثل القبح والشر ، ويثير الرعب في قلوب الناس ، انه الخــــبابا ، فحذره أنكيدو من هذا الوحش فهو قوي لايرحم ، ولكن جلجامش أصر على مصارعته ، وفعلا حدث ما حدث وصرع جلجامش الخبابا وارداه قتيلا .
انتشر اسم جلجامش بعد هذا الحدث العظيم في الآفاق وعمت الأفراح . وعلى اثر ذلك تقدمت الآلهة عشتار بطلب الزواج من جلجامش ، لكن جلجامش يرفض هذا الزواج ، ؛؛؛ تغضب عشتار وتحاول الانتقام لنفسها من هذه الاستهانة ، فتعقد الآلهة اجتماعا طارئا وتقرر انهاء حياة أنكيدو ليظل جلجامش وحيدا ضعيفا ؛ لأنها لاتقدر عليه لأن دم الآلهة يسري في عروقه ، فينزال المرض على أنكيدو ويموت أمام ناظري جلجامش .
حزن جلجامش على صديقه حزنا شديدا ؛ حتى أنه لم يوار جثمانه الابعد ستة أيام . وتزداد كراهيته للموت ويظل يفكر في طريقة للخلود ، ولكن كيف ؟ من الذي يمتلك حقيقة الخلود على الأرض ليعرف منه كيف يمكنه من التمكن من ذالك؟
وبعد البحث والسؤال ،أِخبر جلجامش بأن هناك رجلا نجا من الطوفان العظيم اسمه اوتنابشتم اذ صنع سفينة أثناء الطوفان فنجا هو وزوجته ، فكافأته الآلهة بأن منحته الخلود وأسكنته دلمون بالبحرين( أرض الخلود ).
كيف يصل جلجامش اليه وبينهما بحر عميق – مياه الخليج – ؟ لقد حذروه من المخاطر والمغامرة ، ولكنه أصر على الرحلة ..والتقى بأحد الملاحين ( البحارة ) واستشاره في ذالك ، فطلب منه لكي يقوم بهذه الرحلة أن يذهب الغابة ويقطع 120 عمودا طول كل عمود 60 ذراعا للابحار في مياه الخليج .
رافقه الملاح (اور شنابي ) في الرحلة حتى وصل دلمون ، والتقى هناك اوتنابشتم وسأله عن طريقة يمكن بها امتلاك سر الخلود ، فأجابه اوتنا بشتم : سأقدم لك امتحانا فاذا اجتزته فسوف تملك سر الخلود ، فوافق جلجامش ، فطلب اوتنابشتم من جلجامش أن يظل مستيقظا ستة أيام وسبع ليال ، ولكن جلجامش لم يستطع مقاومة النوم ففشل في الامتحان ،
فطلب جلجامش فرصة أخرى وطريقة ثانية للحصول على سر الخلود ، فأشفق عليه اوتنا وقال له : إن في أعماق البحر نبتة خاصة اذا استخرجتها وذقت منها فانك ستظفر بخاصية الخلود ، ووصف له المكان والنبتة ، امتلأ جلجامش سرورا وقام بربط حجر كبير في رجليه ليهوي به في أعماق البحر بسرعة .
نجح جلجامش في استخراج النبته وقبل أن يتذوقها أراد أن يأتي بها ألى أهل مملكته ليذوقها كبار السن فيعودوا كلهم شبابا .
وفي أثناء عودته ، نزل عند ماء نهر ليغتسل ووضع النبتة على مشارف النهر ، ففوجىء بثعبان يهجم على النبتة ويلتهمها ومن ثم يتخلص من جلده القديم ويعود شبابا ( وهذا أصل ما نراه (.الثعبان وهو يتلوى ويلتف على الكأس )وهو رمز الشفاء ) .على أبواب الصيدليات
يؤمن بعد ذلك جلجامش بأن لاخلود إلا للآلهة فقط.أو من تمنحهم ألخلود ، ويقضي باقي حياته في حزن وألم حتى الممات .
( اعتمدنا في هذا العرض على كثير من المراجع ، ولكن الأكثر اعتمدنا فيه على ترجمة الدكتور سامي الأحمد أستاذ التاريخ القديم بجامعة بغداد الذي عرض الملحمة بلغتها الأكدية .الأصلية وترجمها حرفا حرفا الى اللغة العربية جنبا الى جنب و ممكن الاطلاع عليها لمن أحب)
. ما يهمنا مما سبق طرحه إلى جانب الأسطورة ، هو الموروث الثقافي أو الامتداد الثقافي الذي عبر الينا من السومريين ثم الدلمونيين سكان البحرين الأصليين ثم إلى بني عبد القيس الذين استقروا مع بقايا الدلمونيين كما سيتضح لاحقا متمثلا بعضه في مفردة ( الخبابا )التي توحي بالكثير من تداعيات التاريخ وتختزن في خفاياها وما وراءها لونا من المشاعر والأحاسيس .
وتحت عنوان : هل يقدم علم الجينات تفسيرا للتاريخ ؟ جاء في لقاء مع الباحث الدكتور حسين محمد حسين في صحيفة ألأيام العدد4409/30 مارس عام 2001 م ، . ما يوأكد ذلك ؛ فتحت عنوان جانبي :الدلمونيون ما زالوا ممتدين وموجودين : يتحدث الباحث عن الوحش( الخبابا ) قائلا :" ولكن من المذهل هو أن نعرف أن في بعض قرى البحرين ( وخاصة قرانا ) وحتى وقتنا الحاضر ، ينصح كبار السن الصغار بعدم الدخول الى أحراش النخيل لأن بها الخبابا " كما تخوف .ألأمهات أبناءها من الخبابا حتى تنام ، ( الخبابا في النخيل ودعيـــــدع في البحر ) . وبعد أن يؤكد هذا الامتداد الثقافي يذهب الى امتداد آخر حتى يثبت مصداقية العنوان الفرعي من خلال الدراسات، فيتحدث عما يسميه الطفرة الجينية. الدلمونية الخاصة بمرض الثلاسيما والسكلر وأن منشأ هذا الجين هم الدلمونيون ، وقد كانت البحرين في التاريخ القديم تشتهر بأعراض هذا المرض وهو تضخم الطحال ، حتى قيل لاتذهب الى البحرين حتى لايتضخم طحالك " كما جاء فيهذا الصدد على لسان بعض الشعراء : .
ومن يسكن البحرين يعظم طحالهٍُ. ويكبر فيها بطنه وهو جائعُ
ثم يواصل الباحث تحليله قائلا في تفسير التاريخ الجيني وانتقال هذا الجين :ان في التحول والذوبان الذي حدث لقبائل عبد القيس ( التي انتقل اليها هذا الجين ) لايمكن أن يتم الا بالعيش مع شعب آخر يملك خاصية التأثير هذه وأن خاصية التأثير كانت للسكان الأصليين ( وهم الدلمونيون ) .
الخلاصة من هذا العرض : أن بني عبد القيس عاصروا بقايا السكان الأصليين وهم االدلمونيون ، وورثوا عنهم ليس الامتداد الثقافي فحسب بل الامتداد الجيني أيضا .

بقلم: د. علي هلال- الدير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*