من المحال أن يتمكن أي شخص أو أية جهة أن تمحو ذكر أهل البحرين، أو تشوه تاريخهم أو تسلبهم هويتهم، ومن يحاول فعل ذلك فإن عليه أن يتحدى رب العالمين أولاً، وعليه ثانياً أن يدمر مراكز الوثائق التاريخية في بريطانيا وفي البرتغال وفي الهند وفي الإمارات وفي السعودية وفي عمان وفي مصر وفي لبنان، وعليه ثالثاً أن يحرق عدداً كبيراً جداً من أهل البحرين بالأفران النازية، إن استطاع إلى ذلك سبيلا…
ولكن حتى لو كانت لدى هذه الجهة أو تلك كل وسائل الشر فإنها لا تستطيع أن تفعل ذلك؛ لأن الإنسانية – كل الإنسانية – قد تعدت مرحلة إلغاء الآخر، أو إلغاء ذكر التاريخ الذي يلتصق بهوية بلد ما، ولاسيما أننا نتحدث عن شعب أصيل كشعب البحرين.
أهل البحرين لم يوجَدوا فقط منذ العام 1950، ولم يوجَدوا فقط منذ العام 1825، وهذه الأقاويل ربما تصدر من البعض ممن قد يشعر بعقدة النقص عندما يقارن نفسه بأهل البحرين الطبيعيين الذين كانوا ومازالوا وسيبقون عنواناً تاريخياً وحضارياً وأزلياً للبحرين. وإذا كانت مثل هذه المحاولات فاشلة في أساسها، فلماذا إذاً يكررها هذا البعض؟ ولعل الجواب على ذلك متعدد الجوانب، فمن جانب تأتي هذه المحاولات ضمن سياسة التشويش على القضايا الأساسية، ولربما أيضاً أنها تأتي في سياق المماحكات التي يعتقد البعض أنها تنفعه في الاستحواذ على مزيد من النفوذ من خلال تسويق جهوده في سوق النخاسة السياسية.
وعلى رغم أن «الاستعباد» و«السخرة» قد انتهيا في زماننا الحاضر فإن البعض يعتقد أن بإمكانه أن يبتكر وسائل جديدة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء… ولكنه غفل أن الابتكار يحتاج إلى أذكياء وليس إلى أغبياء، ويحتاج إلى علماء وليس إلى جهلاء.
إضافة إلى ذلك، فإنه وحتى الأذكياء عندما يحاولون أن يستخدموا ذكاءهم في مجال غير إنساني فإنهم يفشلون في ذلك فشلاً ذريعاً. فألمانيا قبل نحو 80 عاماً كانت أعظم أمة من ناحية عدد ونوعية العلماء والمبتكرين، ولكنهم لم يتمكنوا أن يمسحوا هوية بعض الفئات المجتمعية غير المرغوبة لدى النازيين آنذاك. وإذا كان الألمان – بكل ذكائهم وقدراتهم – عجزوا عن ذلك فكيف سيتمكن من «لا يعرف كوعه من بوعه» أن يمحو ذكر أهل البحرين الطيبين؟
إن أهل البحرين يطالبون بحقوقهم منذ عقود مضت وسنوات طويلة جداً، ولربما يعتقد البعض بأن أفضل وسيلة للتخلص من مطالب أهل البحرين العادلة هو الإتيان ببعض الأقوال الجاهلة التي تردد بأن أهل البحرين لم يكونوا موجودين من الأساس، وبالتالي فإن غير الموجود ليس له حقوق… مهما يكن، فإن ذكر أهل البحرين باقٍ رغم أنفهم، وحتى يقضي الله أمرًا كان مفعولاً.
منصور الجمري
«البحرين زينة بس فيها الخميس»
تنتاب المرء تساؤلات شتى عن مجريات الأمور في بلادنا، وذلك لأن الكثير من الخطابات والمقالات والقصص والأخبار تبدو متناقضة في فترة قياسية، ولست بحاجة إلى التأكيد على أنني واحد من الأكثرية البحرينية من جميع الفئات التي تؤمن بضرورة تغليب الصالح العام وما هو أفضل للمجتمع على أي اعتبار آخر، ولكننا في الوقت ذاته بحاجة إلى مزيد من الحرية في التعبير عن الرأي لكي نتمكن من معالجة شئوننا بصورة أفضل مما هي عليه الآن.
أستذكر المثل الشعبي الذي يقول «البحرين زينة بس فيها الخميس»، وهو مثل قديم جداً – قبل مئات السنين – وخلفيته أن شخصاً زار البحرين ولكنه اقترف جرماً تطلب معاقبته، وكانت آنذاك «سوق الخميس» تحتوي على ساحة لتنفيذ العقوبات، وعندما سُئل الشخص في وقت لاحق عن رأيه في البحرين، أجاب بأنها «زينة»، إذا استثنينا ساحة تنفيذ العقوبات الموجودة (آنذاك) في سوق الخميس. واليوم أيضاً، فإن البحرين «زينة» من جوانب عدة، ولكن هناك بعض الزوايا والقضايا التي تحتاج إلى معالجة شفافة.
ولكي أبقى في العموميات وأوضّح المقصد، فإن هناك عنصرين يشوشان أجواء البحرين حالياً، أولهما «عنصر المفاجأة» في الأحداث المتتالية، وثانيهما «عنصر التشويش» من خلال تحشيد مسموم موجه لبث الفرقة بين فئات المجتمع، وضد هذا الطرف أو ذاك بأسلوب لا يرقى إلى مستوى البحرين الحضاري. والأمر المخجل أن الذين يبثون الكراهية ويستخدمون خطابات مسمومة يدّعون (ويتفاخرون) بأنهم يمثلون جهات نافذة.
إننا لدينا قضايا مهمة وجادة تحتاج إلى وقفة حكيمة ومعالجة عقلانية محبة للبحرين، من دون تضييق على حرية التعبير والنشر. ينبغي ألا يكون هناك مجال لأساليب طفولية تصل في حماقتها إلى ادعاء عدم وجود أهل البحرين قبل 1825م، وهذا التطفل يُقصد منه استفزاز الشارع العام وجره إلى مستنقعات تبعده عن قضاياه الإساسية. وعندما يحاول المرء أن يبتعد عن التحشيد المتطفل على البحرين، يصطدم بقرارات تمنع النشر وتمنع التحليل وتمنع التعبير عن الرأي في قضايا يصعب على المرء عدم التحدث عنها لأنها تفرض نفسها على الساحة.