كتب الصحفي راشد الغائب "البلاد" تحتفي بذكرى الإعتراف الرسمي بأول تنظيم سياسي وطني
هيئة الإتحاد الوطني… درس الوحدة بعد الفتنة الطائفية
تعتبر "هيئة الاتحاد الوطني" أول تجمع وطني سياسي يجمع المواطنين من الطائفتين عرفته البحرين طوال التاريخ الحديث.
جمع قادة الهيئة أمور عديدة، لكن أبرزها: حب الوطن، ونبذ الطائفية، والإصرار على تحقيق المطالب الوطنية المشروعة لبناء بحرين أفضل
إضافة الى صد أيّ تدخلات أجنبية في الشؤون المحلية وبما يشتت التحركات لتفرقة أبناء الشعب الواحد.
حصلت الهيئة على الاعتراف الرسمي من الدولة، ممثلة بحاكم البحرين الراحل الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة (1894 – 1961)، في 15 مارس 1954، وذلك من بعد الاتفاق على تغيير الاسم من "الهيئة التنفيذية العليا" إلى "هيئة الاتحاد الوطني".
ولدت الهيئة بعد مخاض من الاستقطابات الطائفية التي شهدتها البحرين في عام 1953، وبخاصة ما بات يُعرف بـ "فتنة محرم"، التي شهدت إحتكاكات طائفية مؤلمة بين مجموعة من المواطنين، خلال إنطلاق موكب عزاء في عاشوراء بالمنامة، قاد ذلك الى شرخ كبير بين الطائفتين، وانقسام عميق في النسيج الوطني، وانتشار العداوات المناطقية وثقافة الكراهية والرغبة في الثأر والانتقام.
وتسلط "البلاد" في ملف ذكرى الاعتراف بهيئة الاتحاد الوطني بما مثلته هذه التجربة السياسية البحرينية من بذرة في إنصهار المكونات الطائفية في تجمع سياسي وطني، سعى من أجل إنتزاع الحقوق للمواطنين، وإلى أيّ مدى تنجح التجمعات السياسية الوطنية العابرة للطوائف من لم شمل الوطن وإحراز التقدم المنشود لتحقيق المطالب الشعبية.
البداية
في أوائل شهر أكتوبر 1954 عقد زعماء الطائفتين والنخبة الشبابية اجتماعا في مسجد خميس بالمنامة.
اتخذ المجتمعون عدة قرارات، من أبرزها: تكوين جبهة موحدة لمواجهة الدكتاتورية المتمثلة في المستشار البريطاني للحكومة تشارلز بلجريف، وعقد اجتماع آخر بعد أسبوع في قرية السنابس يضم جميع العناصر الوطنية لتكوين الجبهة وانتخاب ممثليها.
وبالفعل، وبعد أسبوع، وفي 13 أكتوبر 1954 عقدت العناصر الوطنية من السنة والشيعة ممثلين لجميع المدن والقرى إجتماعا حاشدا في السنابس، ومن أبرز ما قرروه: اختيار هيئة تنفيذية عليا قوامها 120 ينبثق منها لجنة تنفيذية قوامها 8 هم الممثلون للشعب، واجتماع الجمعية العمومية شهريا.
وأكد المجتمعون أن "اللجنة التنفيذية تمثل الشعب لدى السلطات وأمينها العام هو المسؤول المباشر عن تنفيذ مقرراتها".
((بوكس))
قيادة الهيئة بالتناصف بين الطائفتين
زكيت لجنة تنفيذية (مجلس إدارة للهيئة) مؤلفة من: عبدالرحمن الباكر، إبراهيم بن موسى، السيد علي السيد إبراهيم كمال الدين ، عبدالله أبو ذيب، محسن التاجر، إبراهيم فخرو، عبدالعزيز الشملان، وعبدعلي العليوات.
ويلاحظ أنه روعي في تأسيس الهيئة وتأليف إدارتها (اللجنة التنفيذية) التساوي في التمثيل الطائفي فضلا عن توزيع المناصب بشكل متزن.
وشرعت الهيئة في جمع تواقيع المواطنين لتأكيد شرعية تمثيلها لشعب البحرين، ونجحت في الحصول على 25 ألف توقيع، وهو عدد كبير من التوقيعات مقارنة بعدد المواطنين السكان بالبحرين في تلك الفترة الذين لا يتجاوزون 80 ألف مواطن.
سلمان نجل القيادي بالهيئة سيد علي كمال الدين:
قادة الخمسينات أنهوا الفتنة واليوم نشهد نكبة تأجيج عفريت الطائفية
عناوين إضافية للمقابلة:
– قادة الهيئة شكلوا كتلة وطنية مخلصة
– ماكينة المال والاعلام تعترض تكرار نموذج الهيئة
– كمال الدين أمَّ الصلاة بمساجد سنية وشيعية
– رفض دفن الوالد بمقبرة النعيم ووري الثرى بالعاصمة
قال سلمان نجل القيادي البارز بهيئة الاتحاد الوطني المرحوم سيد علي كمال الدين إن السر الأساسي في قوة الهيئة التي قادت لإنهاء شرارة الفتنة الطائفية في عقد الخمسينات من القرن الماضي هي الكاريزما القيادية لدى قادتها والصفاء الوطني والشعور بالمسؤولية الوطنية التي تحلوا بها وعلى رأسها نكران الذات والقدرة على التضحية من أجل إنجاز مشروع الوحدة الوطنية.
وأوضح كمال الدين، وهو اليوم يرأس الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، أن الهيئة تمثل نموذجا وطنيا للإقتداء أمام ما نشهده من فشل ونكبة لأننا تركنا الملوثة جيوبهم بمال السحت والحرام في أن يعيثوا في نسيجنا الوطني، وهم بالتالي مدفوعون بشهوة المال وصحوة الخنوع في ذاتهم للدينار، كذلك أسهم مع الأسف الاعلام المرئي والمقروء والمسموع من جهات عديدة في تأجيج عفريت الطائفية الذي مات منذ زمن بعيد فأعادوه لساحة الوطن يفتك به وبأهله.. وفيما يلي نص الحوار مع سلمان عن الهيئة:
سر الهيئة
– ما سر قوة هيئة الاتحاد الوطني.. وكيف استطاعت أن تجمع زعماء الطائفتين وتؤسس لنموذج فريد في التاريخ البحريني؟
– السر الأساسي يكمن في قوة الهيئة هي الكاريزما القيادية لدى قادتها وكذلك الصفاء الوطني والشعور بالمسؤولية الوطنية التي تحلوا بها وعلى رأسها نكران الذات والقدرة على التضحية من أجل إنجاز مشروع الوحدة الوطنية، ويتجلى في سرعة إنهائهم لشرارة الفتنة الطائفية، والتي إفتعلها المستشار البريطاني آنذاك بلجريف، ومن ثم شكلوا فريقا ونسجوا سجادة خضراء للوطن تزهو بين ساحتها وأطرافها ورود وزهور جميلة، تحت مظلة الدين لله والوطن للجميع، وتحت مظلة الوحدة الوطنية الشامخة التي تجلت في ذلك الوقت، وأحبطت مشروع الفتنة الطائفية.
الوحدة بعد الفتنة
– الهيئة نموذج في الوحدة بعد الفتنة الطائفية.. كيف استطاع زعماء الهيئة أن يعبروا المشاكل الطائفية المشتعلة في تلك الفترة؟
– الشعور الوطني في ذلك الوقت هو السائد والغالب، ولم يكن على الرغم من التباين المذهبي من ضمن أجندات خفية أو أصابع ملوثة بالمصالح تحرك لذلك نجحوا في إحتواء تلك الفتنة في ذلك الوقت.
نحن اليوم أمام فشل ونكبة لأننا تركنا الملوثة جيبوبهم بمال السحت والحرام في أن يعيثوا في نسيجنا الوطني، وهم بالتالي مدفوعون بشهوة المال وصحوة الخنوع في ذاتهم للدينار، كذلك أسهم مع الأسف الاعلام المرئي والمقروء والمسموع من جهات عديدة في تأجيج عفريت الطائفية الذي مات منذ زمن بعيد فأعادوه لساحة الوطن يفتك به وبأهله.
ذكريات الوالد
– والدكم سيد علي كمال الدين من قادة الهيئة، وأختير في لجنتها التنفيذية (مجلس الادارة).. بم تحتفظ من ذكريات عن الدور الوطني الذي قاده الوالد في تلك الفترة؟
– الوالد سيد علي كمال الدين لا يختلف عن دور بقية زعماء الهيئة، هم جميعا يشكلون كتلة وطنية مخلصة ذات أفق وطني كبير، وإن تباينت لتأثير بعضهم بدرجات أدنى أو أعلى، ولكنهم مكملون لبعضهم البعض. أكثر وأجمل ما أحتفظ به في ذاكرتي وأنا طفل صغير كنت أرى السيد الوالد الجليل يؤم مختلف المذاهب الاسلامية في صلاة واحدة سواء كانت في مساجد المحرق أو في مساجد المنامة وبقية القرى أم في بيتنا.
أعتز كثيرا بأول خطبة ألقاها الوالد في مسجد مومن حينما بدأت الفتنة، وكان عنوان الكلمة "الطائفية حجاب بين العبد وربه"، ومما ينسب له بأننا إفتقدنا نص هذه الكلمة.
كما أن الوالد كان ذو نظرة بعيدة مع زملائه قادة الهيئة، حيض شخصوا بأن مصادر الفتنة هو الاستعمار البريطاني، وبالتالي ركزوا كل جهدهم على هذا العدو.
كان الوالد المرحوم على علاقة واسعة مع جميع أهالي البحرين، من حدها الى رفاعها، ومن كرزكان الى المنامة الى البديع، وكانت له علاقات واسعة وجميلة، حتى مع الغير مسلمين، والجميل في ذاكرتي ومن وفاء هذا الشعب العظيم بأنه حينما توفي الوالد أصر الجميع على أن لا يدفن في مقبرة النعيم وإنما يدفن في مقبرة المنامة (الحورة) عام 1974، حيث هو الملكية الجمعية لهذا الشعب، وكانت جنازته أكبر جنازة في تاريخ البحرين في ذلك الوقت.
وكان الوالد محط اعتزاز حينما تخرج المواكب الحسينية في يوم العاشر من محرم، يقف موكب العزاء قبالة المنزل ويتوقفون عن الشعارات الحسينية، ويهتفون بهتافين "ألف رحمة على السيد" و"الله يرحمك يا سيد علي"، وهكذا هو شعب وفي وجميل ويستحق من السيد وأبنائه وقادة ومناضلي الهيئة أن يفتدى بأرواحهم. أليس جدير بنا بأن نجعل هذا الوطن محضون بين عيوننا، ومخزون في مكنون وجداننا، وألا يستحق هذا الشعب أن نكون معاونين له في تجاوز المحنة أم أننا نقف أسرى بأصوات نشاز نتعيش على آلام هذا الوطن وجراحات الشعب وليحفظ الله وطننا كان فيه أمثلة الهيئة وقادتها والبركة والخير فيمن يتبعهم على منهج الخير فيمن يتبعهم على طريق الحق الى اليوم.
الورثة
– هل يمكن أن تتكرر تجربة الهيئة في البحرين بوقتنا الحاضر من أجل تجاوز ما خلفته الأحداث المؤسفة من شروخ في النسيج الوطني وهل يوم اليوم من يرث الهيئة من القادة السياسيين؟
– يوجد موروث من ثقافة الهيئة، ومن أمثال قادة الهيئة، ولكن يعترض طريقهم الآن عوامل عديدة، منها: تدخل أطراف كثيرة لها مصلحة في تشظية المجتمع وتقسيمه، وماكينة المال التي لازالت تعمل، والماكينة الاعلامية التي لازالت تدور، وبالتالي أصبح أمثال ونماذج الهيئة في الوقت الراهن أقل قدرة على الحركة والتأثير، ولكنني لا أستبعد مطلقا بأن ينهض المارد الوطني ويحتويه من جديد، ويقبر كل دعاة الطائفية والفرقة والفتنة الى الأبد.
بقلم الصحفي والباحث: راشد الغائب
صور لقادة الهيئة ولتجمعاتها الوطنية