السيد هاشم الصياح الستري البحراني أصالة و إبداع

الصياحقبل اكثر من مائه واثنين وسبعين عاماً ابدع العالم الجليل والاديب البحريني البارزالسيد هاشم الستري والمعروف بالصياح رحمه الله في قصيدته الخالدة التي يصوّر فيها لسان حال العقيلة زينب (ع) وأهل بيت الامام الحسين (ع) عند عودتهم من الشام إلى كربلاء يوم أربعينية استشهاد الإمام الحسين (ع) وأنصاره .هذه القصيدة التي نفث من خلالها لواعج حزنه ولوعته ، وعبر فيها عن لسان حال الملايين من المسلمين الذين فجعهم هذا المصاب الجلل الذي لحق باهل بيت النبوة ومعدن الرسالة هذه القصيدة تستحق ان تعلق على ضريحه وهي بالفعل موجودة هناك مثبتة على باب الحجرة التي تضم قبره في مسجد الشيخ ناصر في منطقة الكورة في البحرين . وقد سمعت اخيراً من شاهد بعينه شريط الكتروني مضيء يحيط مشهد الامام الحسين (ع ) في كربلاء المقدسة يتضمن هذه القصيدة ويعرض في مناسبة الاربعين .

وليس الهدف من مقالنا هذا استعراض القصيدة فهي معروفة ومشهورة الا انّ الشعور الصادق من السيد هاشم يجعلها تفرض نفسها في ذكرى هذا الحدث ونقصد به اربعينية الامام الحسين ( ع ) وهي لا شك تهز الوجدان وتعصر الدموع من العيون خاصة وقد اتقن

السيد عرض صورة المشهد الماساوي لتلك الحادثة الاليمة وجعلها تتجسد بوضوح امام العين ، ونحن نجد هنا ان بعض فقرات القصيدة لا يمكن تجاوزها مثل مطلعها هذا : قم جدد الحزن في العشرين من صفر ففيـــــــه ردت رؤوس الآل للحفر

ثم يمضي الشاعر في استعراض الاحداث حتى يصل ذروة المأساة في هذا البيت :

خذوا لكم من دم الأحباب تحفتكـــــم    وخاطبوا الجد هذي تحفة الســــــــــفر .

كما تصل الفجيعة منتهاها في هذا المقطع :

لا تغسلوا الدم من اطراف لحيتــــــه خلوا عليها خضاب الشيب والكـــــــبر
لا تخرجوا أسهماً في جسمه نشـــبت خوفاً يفور دمٌ يطفو على البشــــــــــر
رشوا على قبره ماءً فصاحــــــــــبه معطش بللوا أحشاه بالقطـــــــــــــــــر
لا تدفنوا الطفل إلا عند والـــــــــــده فانه لا يطيق اليتم في الصـــــــــــــغر

نقول ان ما سطره هذا الاديب الفذ في قصيدته ليس كما يفهم البعض دعوة للحزن السلبي و انما هو قمة الحزن الخلاق الذي يجعل الانسان يتكامل في هذه الحياة ويصل الي اقصى درجات المثالية ، وهذا مع الاسف خلاف ما يراه البعض من ان الحزن والبكاء على الامام الحسين يعتبر حزناً مدمراً ! وقد صرح بها المعنى احد الكتاب قبل اكثر من ثلاثة عقود ووضعة تحت هذا العنوان " هذا الحزن المدمر الى متى ؟ " ولا ندري ما هو التدمير الذي يسببه هذا الحزن ! وفي المقابل من هذا الطرح نجد الشاعر عبد الرحمن المعاوده رحمه الله ينتهز مناسبة الاربعين في منتصف الخمسينات من القرن الماضي ليترجم فعلياً مفهوم الوحدة الوطنية ويصدح في جمع غفير من الطائفتين الكريمتين بقصيدة رائعة نختار مطلعها فقط :

ضربت للحق فينا اروع المثل        ولم تبال بما لاقيت يا بن علي
عليك منا سلام الله ما هتفت            ورقاء او غرد الحادي علي الابل
قد قمت في نصرة الاسلام متخذاً       من هدي جدك طه اقوم السبل
فيا بن فاطمة الزهراء حسبك من       مجد بأنك من ابطالنا الاول

ان زمن المناسبة في سجل التاريخ هي اربعين يوماً ولكن في عمق الزمن تتفرع الى فرعين اساسيين ونقصد ما قبل هذه المأساة وما بعدها ، فالوقائع التاريخية والاحداث في البيت العلوي كلها تشير بان هذه الفاجعة ليست مفاجأة للبيت النبوي الشريف ووقائعها كانت معروفة منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فكثير من الروايات تشير الي ذلك ، وكيف ان الرسول ( ص ) قد بكى في يوم ولادة الامام الحسين عليهما السلام فمما ينقل " انه لمّا بُشِّر الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) بسبطه المبارك، خفّ مسرعاً إلى بيت بضعته فاطمة(عليها السلام) وهو ثقيل الخطوات، وقد ساد عليه الحزن، فنادى: «يَا أسماء، هَلُمِّي ابني».

فناولته أسماء، فاحتضنه النبي(صلى الله عليه وآله) وجعل يُوسعه تقبيلاً وقد انفجر بالبكاء، فذُهِلت أسماء وانبرت تقول: فِداك أبي وأُمّي، ممّ بكاؤك؟!

فأجابها النبي(صلى الله عليه وآله) وقد غامت عيناه بالدموع: «على ابني هذا»، فقالت: إنّه وُلد الساعة!!

فأجابها الرسول(صلى الله عليه وآله) بصوتٍ متقطّع النبرات حزناً وأسىً قائلاً: «تَقتُلُه الفِئةُ البَاغية من بعدي، لا أنَالَهُمُ اللهُ شفاعَتي».

وكما كان يعلم الرسول من علم الله بتلك الفاجعة يعلم بها الامام علي والامام الحسن والمقربين من اهل بيت رسول الله وقد تقبلها الجميع بكل استسلام لان فيها رضا الله سبحانه وتعالى وهي ترفد وتعزز مسيرة الاسلام الخالدة ، و الامام الحسين كذلك كان على يقين بذلك المصير فتراه يخاطب اخيه محمد بن الحنفية: "شاء الله أن يراني قتيلاً وأن يراهن سبايا"، وحيث يخاطب ربه في ساحة الحرب وهو ينظر الى الدماء تتدفق من نحر عبدالله الرضيع الذي ذبح بسهم : "اللهم إن كنت حبست عنا النصر فاجعل ذلك لما هو خير لنا"، ويقول أيضاً: "هون علي ما نزل بي أنه بعين الله".

اما في واقعها الفعلي فقد ابتدات من العاشر من المحرم سنة 61 هجرية حيث قدمت القرابين الطاهرة التي تقبلها الله بقبول حسن واصطبغت تلك الارض المقدسة بدمائهم الزكية بعد ان فاضت ارواحهم الى خالقها وادو ما عليهم احسن اداء لخدمة الاسلام الحنيف ، واخذت بعد استشهادهم النساء المؤمنات والاطفال اليتامي من ذرية رسول الله سبايا الى ارض الكوفة والشام في اغرب عملية تغفيل تاريخي مورست على الناس ، ولا زالت هذه الحادثة تتفاعل عبر السنين ولا يمكن ان تفتر ابداً فالحسين يختزل بوجوده في ساحة كربلاء وجود رسول الله رسول الله صلى الله عليه و آله ، ووجود أمير المؤمنين عليه السلام ، ووجود السيدة الزهراء عليها السلام، ووجود سيد شباب اهل الجنة، ووجود القرآن والشريعة المطهرة، بل ويختصر وجود سائر الأنبياء .

الصياح

تصوير الكاتب: صورة تبدو فيها القصيدة معلقة على باب الحجرة التي تضم قبر السيد هاشم الصياح

بقلم الباحث: حسن الوردي

5 أفكار عن “السيد هاشم الصياح الستري البحراني أصالة و إبداع”

  1. قم جدد الحزن في العشرين من صفر *** ففيه ردت رؤوس الآل للحفر
    آل النبي التي حلت دماؤهم *** في دين قوم جميع الكفر منه بري
    يا مؤمنون احزنوا فالنار شاعلة *** ترمى على عروة الإيمان بالشرر
    ضجوا لسفرتهم وابكوا لرجعتهم *** لا طبتِ من رجعةٍ كانت ومن سفر
    تذكروا مبتدأ أيام رجعتهم *** وأعقبوا سوء ما لاقوا بذا الخبر
    فسلهم هل رجعتم للجسوم وقد *** تركتموها مزار الذئب والنسر
    وسلهم عن رؤوس الآل هل نشفت *** دماؤها أم لها التقطير كالمطر
    وسل أراس حسينٌ غاب رونقه *** أم نوره مخجلٌ للشمسٍ والقمر
    وسل عن اللؤلؤ المنظوم في فمه *** لعله بعد قرع غير منتشر
    وسلهم عن جبين كان منتجعاً *** من الرسول بتقبيل الرسول حري
    واستحكِ عن شعرات في كريمته *** فديت طلعة ذاك الشيب في الشعر
    هل الطرواة في الوجه الوجيه له *** أم غيرتها ليالي السود بالغير
    وقد رووا أنه لما يزيد قضى *** مآرباً من بني المختار بالضرر
    دعا يزيد علي أبن الحسين إلى *** مقامه في علوٍ أي مفتخر
    وقال معتذراً يا أبن الحسين لقد *** كان الذي كان أمراً صار في القدر
    أبوك قاومني في الملك مفتخراً *** يقول أني بتقديمٍ عليك حري
    وكان يعلم أني لا أطيع له *** لا أترك الملك لو خلدت في سقر
    والآن إذ كان ما قد كان وازدهرت *** لآل سفيان دور الفتح والظفر
    أن كنت تهوى ديار الشام تسكنها *** فانزل بها مستقراً غير محتقر
    وأن أردت رجوعاً للمدينة سر *** مؤيداً سالماً من بعد مزدجر
    وخذ المال ما تختاره ديةً *** عن الحسين وعن أخوانك الغرر
    فعند ذاك بكى السجاد منتحباً *** وقال لازلتُ في ذل وفي ضرر
    لقد قتلت أبي ظلماً على ظمأً *** وأخوتي وبني عمي ومفتخري
    والآن تطعمني في الحال من دمهم *** فيالك الويل لا بوركت من بشر
    لقد صنعت بنا ما شئت من نكدٍ *** فاعطنا رخصة من هذه الحجر
    لعل أمضي بأهلي والحريم إلى *** ديار طيبة نقضي العمر بالكدر
    ومطلبي منك أن مر لي برأس أبي *** ورؤؤس قومي أهديها إلى الحفر
    ومر بأن يسلكوا بي في الطريق على *** سمت الطفوف لأقضي بالبكا وطري
    فقال إنا وهبالك الرؤوس فسر *** بها لما شئت أن تدفن وأن تذر
    هناك نادى بنعمان وقال له *** أنت الأمير على تسييرهم فسر
    واستخرج السيد السجاد نسوته *** من بلدة الشام بالإكرام والسرر
    ورأس والده كانت بضاعته *** من شامهم ورؤوس العزوة الغرر
    لهفي على النسوة الحزنا محملةً *** على النياق تشيع النعي في السفر
    يا واردي كربلا من بعد رحلتهم *** عنها إلى بقع التهتيك والشهر
    يا زائري بقعة أطفالهم ذبحت *** فيها خذوا تربها كحلاً إلى البصر
    والهفتا لبنات الطهر حين رنت *** إلى مصارع قتلاهن والحفر
    رمين بالنفس من فوق النياق على *** تلك القبور بصوت هائل ذعر
    فتلك تدعوا حسيناً وهي لأطمةً *** منها الخدود ودمع العين كالمطر
    وتلك تصرخ واجداه وأبتاه *** وتلك تصرخ وايتماه في الصغر
    فلو تروا أم كلثوم مناشدةً *** ولهىً وتلثم ترب الطف كالعطر
    يا دافني الراس عند الجثة احتفظوا *** بالله لا تنثروا ترباً على قمر
    لا تدفنوا الرأس إلا عند مرقده *** فأنه روضة الفردوس والزهر
    لا تغسلوا الدم من اطراف لحيته *** خوا عليها خضاب الشيب والكبر
    لا تخرجوا أسهماً في جسمه نشبت *** خوفاً يفور دمٌ يطفو على البشر
    رشوا على قبره ماءً فصاحبه *** معطش بللوا أحشاه بالقطر
    لا تدفنوا الطفل إلا عند والده *** فانه لا يطيق اليتم في الصغر
    لا تدفنوا عنهم العباس مبتعداً *** فالرأس عن جسمه حتى اليدين بري
    لا تحسبوا كربلا قفراء موحشةً *** أضحت تفوق رياض الخلد بالزهر
    يا راجعين السبايا قاصدين إلى *** ارض المينة ذاك المربع الخضر
    خذوا لكم من دم الأحباب تحفتكم *** وخاطبوا الجد هذي تحفة السفر
    يا أم كلثوم قدي الجيب صارخةً *** على أخيك وفوق المرقد أعتفري
    قولوا لعابده ان لا يفارقه *** فكربلا منزل الأحزان والضجر
    يا كربلا أي جسم في ثراك ثوى *** لو تعلمين لنلت العرش في القدر
    لآلئ كعبة الهادي لهم صدف *** لديك ما بين مكسور ومنفطر
    شككتِ من نقط المرجان من دمهم *** قلائداً نورها يعلو على الدرر
    ضممتِ أشباح أنوار فواعجباً *** عن ساحة الأرض فوق العرش لم تصر
    وطتكِ أقدامهم فأرتاح من شرف *** ثراك يعطي حياة الجن والبشر

    يا دافني الراس عند الجثة احتفظوا *** بالله لا تنثروا ترباً على قمر
    لا تدفنوا الرأس إلا عند مرقده *** فأنه روضة الفردوس والزهر
    لا تغسلوا الدم من اطراف لحيته *** خوا عليها خضاب الشيب والكبر
    لا تخرجوا أسهماً في جسمه نشبت *** خوفاً يفور دمٌ يطفو على البشر
    رشوا على قبره ماءً فصاحبه *** معطش بللوا أحشاه بالقطر
    لا تدفنوا الطفل إلا عند والده *** فانه لا يطيق اليتم في الصغر
    لا تدفنوا عنهم العباس مبتعداً *** فالرأس عن جسمه حتى اليدين بري
    لا تحسبوا كربلا قفراء موحشةً *** أضحت تفوق رياض الخلد بالزهر
    يا راجعين السبايا قاصدين إلى *** ارض المينة ذاك المربع الخضر
    خذوا لكم من دم الأحباب تحفتكم *** وخاطبوا الجد هذي تحفة السفر
    يا أم كلثوم قدي الجيب صارخةً *** على أخيك وفوق المرقد أعتفري
    قولوا لعابده ان لا يفارقه *** فكربلا منزل الأحزان والضجر
    يا كربلا أي جسم في ثراك ثوى *** لو تعلمين لنلت العرش في القدر
    لآلئ كعبة الهادي لهم صدف *** لديك ما بين مكسور ومنفطر
    شككتِ من نقط المرجان من دمهم *** قلائداً نورها يعلو على الدرر
    ضممتِ أشباح أنوار فواعجباً *** عن ساحة الأرض فوق العرش لم تصر
    وطتكِ أقدامهم فأرتاح من شرف *** ثراك يعطي حياة الجن والبشر
    زاروكِ يوماً فأمسى زائروك لهم *** شأن تفوق من حاج ومعتمر
    يا مؤمنون أكثروا للحزن وانتحبوا *** عليهم مدة الآصال والسحر
    حطوا عزاه وقولوا رأس سيدنا *** قد رد في العشرين من صفر
    وابكوه يرنو شطوط الماء ومهجته *** في حرة لم يطقها طاقة البشر
    وابكوه يلثم أطفالاً ويرشفها *** مودعاً ودموع العين كالمطر
    وابكوه إذ صار مأوى النبل جثته *** وصدره مركز الخطية السمر
    وابكوه أذبل وجه الأرض من دمه *** وخرَّ عن متن برج السرج كالقمر
    وابكوه والشمر جاثٍ فوق منكبه *** يخز رأساً سما عن كل مفتخر
    قد مكن السيف في نحرٍ يهبرهُ *** والسبط يفحص رجلاً حال محتضر
    يصيح في شمر أواه واعطشا *** هل شربة التقيها آخر العمر
    وابكوه والذابل الخطى محتملاً *** رأس الجلال ورأس المجد والخطر
    وافدوا نتيجة واطي العرش تحطمه *** الجياد لم يبق عضو غير منكسر
    لا يفجع الدهر إلا من يحس به *** ملجاً مرجى لدفع الضيم والضرر
    كل الثمار على الأشجار باقيةً *** وليس يقطع إلا طيب الثمر
    كل الكواكب في الأفلاك آمنةً *** والكسف والخسف حظ الشمس والقمر
    يا عترة المصطفى المختار يا عددي *** ومن بدولتهم عزي ومفتخري
    أنتم أولوا الفضل إذ جئتم على قدرٍ *** كما أتى ربه موسى على قدر
    يا سادتي أرتجيكم دائماً لأبي *** والأم والأهل أمناً من لظى سقر
    صلى عليكم إلهي حيث خصكم *** بعصمةٍ من جميع الأثم والكدر

  2. بارك الله فيك يا استاذنا الجليل وسدد الله خطاك وجعلها الله في ميزان حسناتك.
    فعلا ان هذه القصيدة من اروع ما كتب في الامام الحسين وحق لها ان تكتب بماء الذهب .رحم الله شاعرنا رحمة الابرار وحشره الله مع الأئمة الأطهار .

  3. بارك الله فيك يا أستاذنا الجليل وجعلها الله في ميزان حسناتك.
    هؤلاء العلماء الأبرار نحتاج الى من يعيد ذكراهم وينشر تراثهم حتى لاتدرس ولكي تعلم الأجيال القادمه رساخة جذورها واصالتها.
    وحقا ان هذه القصيده من افضل ماقيل في رثاء الامام الحسين عليه السلام وجدير بها ان تكتب بماء الذهب.
    ورحم الله السيد هاشم البحراني وحشره الله مع الأمة الأطهار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*