وثيقة اليوم لها علاقة مباشرة بأحد أبرز وأغنى رجال الأعمال في البحرين بين أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين. كان يسمي يوسف الكبير أو (العود) باعتباره كبير العائلة المعروفة إلي اليوم. إنه كما دون في رسالة "بيت الدولة" البريطاني، في البحرين بتاريخ 9 أبريل عام 1917، هو المكرم الأفخم الأمجد يوسف بن عبدالرحمن فخرو. والوثيقة تتحدث عن جزء من تجارة يوسف الكبير بين الهند والبحرين ورأي "بيت الدولة" فيها.. ولنقرأ الوثيقة أولاً، ونصها الذي يقول:
"من بيت الدولة في البحرين
الي جناب الاكرم المكرم الافخم الامجد يوسف بن عبدالرحمن فخرو المحترم
بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام؛ اُعرف جنابكم ان سعادة الباليوز صاحب يفهم ان جنابكم تحبون ان تجلبون ليرات من بمبى وان هُوَ يُأمل ان تعرفونه لاجل أي شغل جنابكم تريدون هذه اليرات وهل ما يمكن تجلبون نقود فى الفضه مثل روبيات عوض ذلك من حيث منذ ايام ماضيه وجدنا ان الذهب يروح في ايادي اعداء الدولة البهية القيصريه الانكليس؛ نرجو من لطفكم تعرفون سعادة الباليوز صاحب لاجل أي شغل تحبون جلب اليرات من بمبى وكذلك جواب السؤال الثاني وتجعلونا ممنونين؛ هذا ما لزم ودمتم حروسين والسلام.
حرر فــ 9 ابريل 1917 مطابق فــ 17 جمادى الثاني 1335
صحيح
ميرزه عبدالحسين
ترجمان الباليوز في البحرين
يتضح إذن من الرسالة التي كتبها كاتب وترجمان الباليوز في البحرين، (ميرزا عبدالحسين)، أن هناك طلباً من قبل يوسف فخرو قد سبقها، لا نملك وثيقته حالياً، وهذا الطلب موجه للمعتمد السياسي البريطاني في البحرين في تلك الفترة لاستيراد الذهب. ولم يكن ذاك المعتمد من العرب أو الخليجيين كما ذكرنا سابقاً، حيث تحول النظام البريطاني إلي تعيين مواطنين انجليز ذوي رتب عسكرية عالية في هذا المنصب الحساس بدءاً من عام 1900. فأُرسل الطلب المذكور إلي "الباليوز صاحب"، كما ذكرته الرسالة، وهو (Lt-Col. Percy Gordon Loch)، الذي تولي هذا المنصب في البحرين بين نوفمبر 1916- فبراير 1918، ثم تولي نفس المنصب في الكويت من مارس 1918 إلي سبتمبر 1918. بينما كان المقيم السياسي البريطاني في الخليج في ذاك العام هو (ميجر آرثر بريسكوت – تريفور) الذي تولى منصبه من أبريل/ نيسان 1915 حتى سبتمبر/ أيلول 1917، وهو نفسه كان معتمداً سياسيا في البحرين بين نوفمبر/ تشرين الثاني 1912 – مايو/ أيار 1914.
وكما هو واضح من الوثيقة فإن تاجر اللؤلؤ يوسف بن عبدالرحمن فخرو كان يرغب في استيراد الذهب على شكل ليرات مصقولة بعد أن منعت بريطانيا الاشتغال بكافة أنواع التجارة الأخرى من البارود ومستلزماته خوفاً على وجودها العسكري في المنطقة. ولذا فقد كانت تدقق حتى في هذه التجارة المدنية البعيدة عن أي خطر. فطلبت من يوسف فخرو تقديم كافة التبريرات لسبب توجهه لاستيراد ذهب وليس "نقود فضة مثلاً على شكل روبيات عوضاً عن ذلك، لأن الذهب يروح في ايادي اعداء الدولة البهية القيصريه الانكليس".
ومن المعروف أن يوسف بن عبد الرحمن فخرو، ولد بمدينة المحرق وإن أُختلف في عام ولادته بين 1871 و عام 1873م. لكنه نشأ في أسرة ثرية فوالده، عبدالرحمن فخرو، كان من كبار التجار. وقد عمل إلى جانب والده في عدة أنواع من التجارة من بينها البارود، والتمر، واللؤلؤ، والنقل البحري للبضائع بين مناطق الخليج والهند.
ويقال الحاج يوسف بن عبد الرحمن فخرو، انه كان يملك أكثر من خمسين سفينة شراعية تجوب الخليج والمحيط الهندي. ومن أشهر سفنه الشراعية في منطقة المحرق تحديداً، "سمحان" أو (أبو الكباب)! وهي من نوع "بوم"، وقد اُشتهر بطوله، ويحمل حوالي مائة من البحارة. كما تذكر بعض الروايات المحلية أنه كان يملك كذلك "جالبوت" باسم البصرة، و "سنبوك" باسم المحمدي، و"بوم" باسم تيسير.
كما كان فخرو، ضمن الـ 30 شخصية بحرينية الذين تقدموا بعريضة لافتتاح أول بنك في البحرين في أغسطس 1918، بل والإسراع في تلبية هذا المطلب الملح لإنقاذ الاقتصاد البحريني المتدهور.
وقد عاصر الحاج يوسف فخرو عهوداً لثلاثة من حكام البحرين هم الشيوخ، عيسى بن علي، وحمد بن عيسى، و سلمان بن حمد. كما كان من أعضاء مجلس إدارة التعليم الخيري لمدرسة الهداية الخليفية عام 1920م، وعضواً في المجلس العرفي لعام 1920م، كما توضحها وثيقة الميجور الباليوز ( هارولد باتريك ديكسون) سنعرض لها لاحقاً.
الوسط: د. محمد حميد السلمان