عِشرةٍ ما تمّت يا عِشرةٍ ما تمّت
هذا ما ردده المرحوم الملا عبد الحسين العرادي وهو يمسح على رأس اليتيم ابن الثالثة عشرَ ربيعاً الذي توفي والده عنه وهو في طريقه لعمله في حادث سير يطلب الرزق الحلال له و لعياله بين البلاد القديم و سترة أنهى الحاج رضي 36 عاماً من عمره القصير بسنواته و الكبيربعطائه المليئ بالإخلاص والحب و التفاني لعائلته وعمله وكل من حوله بعد أربعين عاماً ورغم رحيله الا أنه لا زال يُمسك بالمقود !!
إنه المرحوم الحاج رضي بن الحاج أحمد النعيمي الإبن البار للبلاد القديم وأحد رجالاتها وُلد في مسقط رأسه عام 37م وتوفي فيها عام 73م عاش الحاج رضي في كنف والديه في بيت العائلة الكبير و والدته هي كريمة الحاج يوسف الغنّامي الزوجة الثانية لأبيه بعد زواجه الأول من أم سلمان له من الإخوة اثنان و ترتيبه الأصغر بينهم أكبرهم سلمان ويليه سعيد ثم هو
وقد أنجبت والدته عبد الجليل و ماجد لكنهما فارقا الحياة شأنهما شأن الكثير من مواليد الأربعينيات وما قبلها نظراً للفقر وسوء الرعاية الصحية وقلة المستشفيات آنذاك وله من الأخوات غير الشقيقات 7عمل وهو لا يزال صبياً في الزراعة مع اخوته سلمان وسعيد في البساتين التي تضمنها والده الحاج أحمد كبستان معامل العلوي الى جانب هذه المهنة اشتغل ايضاً كبنّاء في وقت فراغه لكسب لقمة العيش و أحد هذه البيوت هو بيت الحاج خليل العويناتي ابو محمد الذي تزوج بكريمة اخيه الحاج سلمان كان المرحوم مثالاً للإبن البار و الشاب الطموح وعلى الرغم من عدم تمكنه من دخول المدرسة إلا إنه كان محباً للعلم والعمل فقد تعلم القرآن الكريم على يد المرحوم المعلم خلف المشهور ولم يمنعه كبر سنه من طلب العلم وبعد ختمه للقرآن أخذ يقرأ القرآن في شهر رمضان في مجلس العائلة بحظور ابيه الحاج أحمد النعيمي وفي السابعة عشر من عمره إلتحق بشركة بابكو في نوفمبر عام 54 م بوظيفة مراسل وبعدها بأشهر قليلة في العام 55م حصل على رخصة السياقة وتحسنت ظروفه المعيشية قليلاً واشترى السيارة التي كانت سبباً في حُب الناس له و سبباً في وفاته في آنٍ واحد وكانت من نوع موريس فكان من أوائل سائقي السيارات في قريته الى جانب الحاج عبدالمهدي البصري والمرحوم الحاج حسن محسن الستراوي و الحاج عبدالله العويناتي وآخرون وبعد عام أكمل نصف دينه و تزوج من كريمة الحاج حسن بن فردان أم حسن و أنجب منها ثلاثة أولاد هم حسن مواليد 60م ومحمد مواليد 63م وجعفر مواليد 67 م وأربع بنات ولا ننسى أن نذكر دوره في خدمة الأهالي وتوصيلهم الى مشاويرهم اليومية كتوصيل المرحومين الحاج ميرزا الصفار و الحاج علي بن عبدالله بن نعمة العاملين في لوندري المنامة أو غيرها من المشاوير بصحبة ابنه الكبير حسن وقد أتمّ المرحوم فريضة الحج في مايو من العام 66م عن طريق ميناء الخبر مستقلاً اللنج برفقة اخته ام الشيخ محمد العصفور والحاج عبدالله العويناتي ابو جعفر مع عمته أم زوجته وابنتها أم علي الشمروخ و كانت آخر سفراته للعتبات المقدسة في العراق مروراً بسوريا و لبنان عام 71م مع الملا عبد الحسين العرادي وحميد وعبدالعزيز ويوسف الشهابية وكان قبل رحيله تاريخ 22 أبريل قد دعا من سافر معهم في يوم الأحد لعزيمة على وجبة الغداء في مجلس بيت المدحوب و ساعد المرحوم أخاه الحاج سعيد في رعاية والدهما و والدتهما وتلبية احتياجتهما فكان رحمه الله قد اشترى قبل الحادث بأسبوع نوافذ خشبية لتركيبها في حجرة والدته ولكن الأجل سبقه قبل أن يتمكن من تركيبها وقام بتركيبها بعد وفاته أخوه الحاج سعيد وعن تفاصيل الحادثة التي أودت بحياته وهو لا يزال في السادسة و الثلاثين من عمره يقول ابنه الحاج حسن ابو رضا كبرت على يد والدي الحنون الذي رباني أنا و إخواني وتربينا أفضل تربية وعشت تحت ظله سنين العز و الرغد لم يبخل خلالها علينا بشيء ولم يضربني قط إلا مرّةً واحدة وذلك عندما اشترى لنا ذات يوم مصابيح للنوم وقام إخوتي محمد وجعفر باللعب بها وكسروها حينها ضربني ليس لشيء سوى انني كنت الأكبر وشاهدتهم دون أن أحرك ساكناً وفي يوم واحد انقلب كل هذا الرغد و تحولت حياتنا الى جحيم كنت حينها مازلت فتىً صغيراً في الثالثة عشر من عمري في الصف الأول الإعدادي و كان أبي يوم الحادث الاربعاء 25 ابريل 73م ذاهباً لعمله في عوالي وهو يقود سيارته من سترة متجهاً لمصنع التكرير الروفينري بعد أن انتهى من توصيل الأكل لكافيتريا الموظفين في خزانات بابكو ستره تانك و وقع الحادث وجهاً لوجه في دوار النويدرات مع الحاج عيسى من سكنة سترة الذي توفي في الحال وهو ابو النائب السابق الشيخ حسن عيسى وتم نقله على إثر الاصابات الخطيرة الى مستشفى عوالي وفي صباح اليوم التالي استفقدته والدتي وحين وصلنا الخبر يوم الخميس ظهراً ذهبنا على الفور مع خالي المرحوم الحاج عيسى العويناتي أنا و والدتي وخالتي أم سعيد و رفيق أبي السيد محمد بن السيد علوي البلادي الى المستشفى لكننا تلقينا خبر وفاته كالصاعقة بسبب نزيف في الرأس و تمّ تسليمنا جثته عصراً وبدأ التشيع في جنازة كبيرة مهيبة متجهة لمقبرة أبو عنبره وصار الكل يمسح على رأسي و يقبلني وبعد دفن أبي ومع غروب شمس ذلك اليوم اسودت الدنيا في عيني وقاسيت مرارة اليُتم و صار في عنقي تحمّل مسؤولية اخواني الستة و أمّ ثاكلة وعلى منكبيّ الصغيرين حِمل ثقيلٌ يصعب حمله وقد كان عمي الحاج سعيد حينها فقيراً وهو يرعى جدي وجدتي وصرنا في كفالة خوالي الحاج عيسى العويناتي و هلال وجواد فردان ومرّت عليّ خمس سنوات عجاف قاسيت فيها ضنك الحياة و مُرها لذلك اضطررت للعمل بعد المدرسة كحمالي ومن ثم عملت في العُطل الصيفية بواسطة خالي عيسى و قريبنا الحاج جمعه عبد الوهاب الشعباني كمراسل في الأوقاف السنية وفي المحكمة الى أن تخرجت عام 78 م بمجموع يؤهلني للدراسة في الخارج ولكني لم أكن أملك المال الكافي حينها فقررت أن أعمل في بابكو وأخبرت بذلك خالي عيسى الذي ففرح كثيراً و كان يحتفظ ببطاقة أبي الوظيفية البيج وأخذني لعوالي لتقديم طلب التوظيف وبعد اسبوع تقريبا تم قبولي في الشركة بوظيفة عامل اوبريتر مُشغل أجهزة براتب يعتبر جيداً يومها و قدره 125 دينار مقارنة براوتب الحكومة التي لا تتعدى السبعين او الثمانين دينار وإذكر انني لا أملك بانطلون للعمل فاستعرت واحداً من خالي خليل العويناتي ووجدت كل الاحترام و التقدير من اصحاب أبي في العمل و تدرجت في عملي و ابتعثتني الشركة للدراسة في جامعة ويلز في لندن و أخذت الشهادة حتى وصلت الآن لمنصب مسؤول في الشركة وزرت معظم بلدان العالم و قضيت اكثر من 35عاما فيها فكأنني حققت حلم أبي وقدوتي الذي كان مثالاً للموظف المخلص و الأب الحاني والإبن البار فرحمك الله يا والدي و إسكنك فسيح جناته. بقلم علي النعيمي.
بقلم : علي النعيمي بسرد من حسن النعيمي