مخطوطة نادرة لكتاب (الإصابة) تذكر نفي صعصعة إلى جزيرة أوال من البحرين
يوما بعد يوم تثبت الاكتشافات الجديدة لبعض مخطوطات كتب التراث العربي القديم أن الطبعات السابقة لهذه الكتب التي تمت من دون الحصول على أكبر عدد
ممكن من نسخها المتفرقة في مكتبات وخزانات الكتب في شتى أقطار العالم ينطوي على تقصير كبير، وأحيانا لا يخلو من ظلم وإساءة لهذه الكتب التراثية.
ومن الأمثلة الواضحة على ذلك ما حدث لكتاب (الإصابة في تمييز الصحابة) للحافظ ابن حجر، فهذا الكتاب الهام جدا ورغم طبعاته الكثيرة إلا أن هذه الطبعات لم يراع محققوها تحصيل أكبر عدد من نسخه المخطوطة المتفرقة في مكتبات وخزانات العالم، ولو فعلوا ذلك لما وقعوا في هفوات كثيرة فيه، ومنها ما يتعلق بنفي صعصعة بن صوحان العبدي الزعيم الروحي والمرجع الديني الكبير لقبيلته عبد القيس.
ففي الطبعات المعروفة لهذا الكتاب يجد القارئ رواية نقلها ابن حجر عن العلائي أو الغلابي في كتابه (أخبار زياد) تنص على نفي صعصعة بن صوحان من الكوفة، ولكن في هذه الطبعات ذكرت الرواية حسب اجتهادات محققيه أن نفي صعصعة كان إلى الجزيرة أو أوال أو إلى جزيرة ابن كافان، ومن يقرأ هذه العبارة لا بد أن يذهب به الفكر إلى أن المعني بالجزيرة هي الجزيرة الفراتية، وبالتالي فقد صار نفي صعصعة مشتتا بين ثلاثة مواضع هي:
الجزيرة الفراتية.
جزيرة أوال.
جزيرة ابن كافان.
غير أن العثور على نسخة نادرة لكتاب الإصابة في خزانة المكتبة الرضوية بمشهد تحت الرقم (١٨٦٤١) كان لها دور كبير في تصحيح خطأ كبير وقع في هذه الطبعات، فبالرجوع إلى ترجمة صعصعة في الباب الثالث من حرف الصاد في هذه المخطوطة الرضوية، فإننا سنجد مكتوبا فيها ما هذا نصه:
"وذكر الغلابي في أخبار زياد أن المغيرة نفى صعصعة بأمر معاوية من الكوفة إلى جزيرة أوالي من البحرين، وقيل إلى جزيرة بن كافان، فمات بها".
وفي الواقع فإنّ هذا الكلام الذي ذكرته مخطوطة المشهد الرضوي لم تكن هي المخطوطة الوحيدة التي ذكرته بهذا النصّ، فقد نقل النبهاني ما نقله ابن حجر عن العلائي في كتابه التحفة النبهانية (ط. المكتبة المحمودية – القاهرة 1342هـ؛الصفحة 39)،وهو بهذه الصيغة:
"وذكر العلاء في أخبار زياد أنّ المغيرة نفى صعصعة بأمر من معاوية من الكوفة إلى جزيرة أوال من البحرين، فمات بها"
فظاهر هذا الكلام هو أنّ النبهاني ينقل عن كتاب العلاء (العلائي / الغلابي) المفقود، فإما أن يكون النبهاني قد نقل عن نسخة مخطوطة لديه لهذا الكتاب المفقود، فيكون بقية النصّ لدى ابن حجر، وهو قوله: "وقيل إلجزيرة ابن كافان" نقله ابن حجر عن مصدر آخر غير كتاب (أخبار زياد) للعلائي، أو أنّ النبهاني نقل عن مخطوطة لكتاب الإصابة كانت لديه ورد فيها النصّ بالصيغة التي ذكرها، وهذا الرأي الثاني يبدو أنه هو الأقرب لأنه نقل كلاماً معه عن صعصعة هو موجود في الإصابة.
ويجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ ابن حجر ينقل عن العلائي أو الغلابي في كتابه (أخبار زياد)،وهنا ينبغي الالتفات إلى صحة النقل من عدمه ومقدار هذا النقل لأن ّالقدماء لم يكونوا موضوعيين في نقولاتهم، فتراهم يذكرون كلاماً لغيرهم، ثم يعقبون عليه بكلام مؤرخين آخرين أو بكلام لهم، فيبدو للقارئ أن ّالكلام الآخر هو عن المصدر الأول وهو ليسمنه؛ كما ينبغي الأخذ بعين الاعتبار أيضاً أنّ مخطوطات كتاب الإصابة لابن حجر كثيرة جداً، والنسخ المطبوعة– كما سبق وقلت –لم تأخذ بعين الاعتبار الاطلاع على كل مخطوطات هذا الكتاب الهام، فأغلب الطبعات التي خرجت لهذا الكتاب كان جلّ اعتمادها على نسخة وحيدة أو بضع نسخ فقط في حين إنه من المفترض في طباعة مثل هذه الكتب هو تحصيل كل ما يوجد لها من مخطوطات في مكتبات العالم، ثم كتابة نسخة مصححة عن جميع هذه النسخ وطباعتها، ولكن شئون طبع التراث لدينا في العالم العربي لازال تقاصرة عن الكمال؛ بل حتى عن أقل حد مطلوب من الكمال.
وأيا كان الأمر، فالذي هو واضح لنا الآن هو أن نفي صعصعة كان بين مكانين فقط لا ثالث لهما، وهما
١. جزيرة أوالي من البحرين.
٢. جزيرة ابن كافان.
ولا ذكر لغيرهما، وأنّ لفظة "الجزيرة" التي ظنّ البعض أنها الجزيرة الفراتية إنما كانت بسبب خطأ اجتهادات محققي كتاب الإصابة في قراءة النصّ الأصلي، وعد إلمامهم ومعرفتهم بالمواضع الجغرافية البعيدة عن بلادهم، وهو أمرٌ عانت منه كتب التراث كثيراً.
ومما هو جدير بالذكر هو أن الجزء الشمالي من جزيرة أكل المعروفة الآن بجزيرة النبي صالح من جزر أوال (البحرين) يُسمى (كافلان)، ومن يدري، فلربما كانت جزيرة (ابن كافان) الواردة في النصّ الأصلي هي تحريف لجزيرة (كافلان)، فإن صحّ ذلك، فإن نفي صعصعة ينحصر حينها في جزيرة البحرين فقط، وأما إذا كانت (كافان) تحريف لجزيرة (كاوان) أي جزيرة ابن كاوان الواقعة ضمن جزيرة القشم العمانية، فإن نفي صعصعة حينها يكون محصوراً بين البحرين وعُمان فقط، وأرى أن الأول – أي نفي صعصعة إلى أوال البحرين – هو الأرجح لوجود رواية متواترة بين سكان البحرين القدماء تنص على أن قبر صعصعة يوجد فيها، ثم في قرية عسكر منها، وهي رواية وردت في كتب ووثائق بحرانية يعتد بها مثل كتاب الكشكول للشيخ يوسف البحراني، والتحفة النبهانية كما رأينا، وبعض وثائق الوقف القديمة، وهي كلها ترجح نفي صعصعة إلى جزيرة أوال البحرين، وليس إلى موضع آخر.
بقلم المؤرخ: عبدالخالق عبدالجليل الجنبي
صورة الفقرة من المخطوطة
سؤال للكاتب
لماذا وصفت جزيرة قشم بالعمانية او ليست هي تاريخيا و لحد اليوم جزء من بلاد فارس اي انها جزيرة ايرانية و لست بصدد الوقوف لمن بسطت سيطرته عليها انما ماهي تبعيتها لاي الاقاليم و القصبات؟؟!