مخطوطة تؤرخ نهب الكُتب أثناء الحملات العمانية على البحرين
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد وآله الطيبين الطاهرين.
من المآسي التي مَرّت على علماء البحرين هو نهب كُتبهم أثناء الهجمات التي تعرضت لها جزيرة أوال،
وقد وثّق الشيخ يوسف آل عصفور إحدى هذه الهجمات التي نُهبت فيها كتب والده العلامة الشيخ أحمد آل عصفور، فقال في لؤلؤة البحرين ص443 : (وفي المرة الثالثة حصروا البلد لتسليطهم على البحر ، حيث أنها جزيرة، حتى ضعفوا أهلها وفتحوها قهراً وكانت واقعة عظمى وداهية دهماء، لما وقع من عظم القتل والسلب والنهب وسفك الدماء، فهربت الناس سيما أكابر البلد منها إلى القطيف وإلى غيرها من الأقطار، ومن جملتهم الوالد رحمه الله مع جملة العيال والأولاد، فإنه سافر بهم إلى القطيف، وتركني في البحرين في البيت الذي لنا في قرية الشاخورة، حيث أنّ في البيت بعض الخزائن المربوط فيها بعض الأسباب من كتب وصفر وثياب، فإنه نقل معه جملة إلى القلعة التي قصدوا الحصار فيها وأبقى بعضاً في البيت مربوطاً عليه في أماكن خفية ، فأمّا ما نقل إلى القلعة فإنه ذهب بعد أخذهم القلعة قهراً وخرجنا جميعاً بمجرد الثياب التي علينا، ولما سافر إلى القطيف بقيت أنا في البلد، وقد أمرني بالتقاط ما يوجد من الكتب التي انتهبت في القلعة واستنقاذها من أيدي الشراة، فاستنقذت جملة مما وجدته وأرسلت به إليه مع جملة ما في البيت شيئاً فشيئا).
وذكر المولى عبدالله الأفندي في الفوائد الطريفة ص476 : (ومنها –أي من شروح النهاية- شرح أبي القاسم المحقق صاحب الشرائع، وهو المعروف بنكت النهاية وهو شرح مشهور متداول، ورأيت نسخاً عديدة منه، وكان عند الشيخ سليمان المذكور نسخة عتيقة منه، وقد تلفت في قصة نهب البحرين).
وتحتفظ المكتبة الوطنية في طهران «كتاب خانه ملي» بـمخطوطة لتفسير مجمع البيان تحت رقم «1836163» -كانت في يوم من الأيام في خزانة أحد كبار علماء البحرين- قدر الله لها أن تبقى لتبين لنا فصلاً آخر من فصول هذه المأساة التي تعرض لها علماء البحرين وكتبهم.
فهذه النسخة من تفسير مجمع البيان لأمين الإسلام الطبرسي «رضوان الله عليه»، نسخها «حسن بن محمد بن أحمد الأوالي» في عصر يوم الخميس الثاني والعشرين من شهر ربيع الثاني من السنة التاسعة والستة وألف من الهجرة النبوية لخزانة «الشيخ عبدالله بن الشيخ حسين بن علي بن حسين ابن كنبار النعيمي الأوالي».
ثم انتقلت إلى ملك حفيده «الشيخ محسن بن الشيخ علي بن الشيخ عبدالله بن حسين بن كنبار النعيمي البحراني» سنة 1124 هجـ -لم يُذكر في كتب التراجم-، واستعارها المحدث السماهيجي من الحفيد سنة 1125 هجـ .
ثم تعرضت إلى للنهب أثناء إحدى الحملات العمانية على البحرين، وسار بها القضاء إلى بلاد عمان واستنقذها -مع جملة أخرى من الكتب- اثنان من أهل الصلاح والتقوى هما علي بن محمد بن علي بن عبدالكاظم ومحمد بن أحمد بن محمد بن عبدالحسين العمانيان الصحاريان في سنة 1147 هجـ ، وبذلا في استنقاذه اثنان أو ثلاث عباسيات قربة إلى الله تعالى.
وقد دوّن المستنقذ الثاني -محمد بن أحمد بن محمد بن عبدالله بن عبدالحسين العمقي الصحاري- على الورقة الأولى والأخيرة من الكتاب قصة استنقاذ الكتاب من يد الغاصب، ثم كتب القيمة التي دفعاها للغاصب « بمبلغ قدره تقديراً ثلاث عباسيات أو عباسيتان لأنه في جملة كتب غيره، ولا معلوم له دونهم شيء من الأثمان»، وفي قوله « لأنه في جملة كتب غيره» إشارة إلى تعدد الكتب المنهوبة، وربما كتب أخرى من خزانة أسرة «آل كنبار» العلمية أو غيرهم من علماء البحرين.
ثم كتب بعد ذلك: «هذا التفسير لبعض أهل البحرين، فليرد إلى مالكه، أو حاكم الشرع، فإن سلم الثمن الذي استنقذته كان المراد، وإلا فلا يمنع».
وبهذه العبارات الموجزة وثق لنا مأساة من المآسي التي تعرض لها علماء البحرين وكتبهم، فلولا ذلك لما اطلعنا على تلك القصة المأساوية التي حلت بكتب خزانة أسرة من الأسر العلمية البحرانية «أسرة آل كنبار» النعيمية.
فهذه الأسرة العلمية تعرضت لمآسي عديدة، فقد فقدت علماً من أعلامها في أحد الويلات التي جرت على جزيرة أوال، وهو الشيخ محمد بن يوسف بن علي بن كنبار الضبيري النعيمي الذي هاجر من البحرين إلى القطيف، وبقي مدة من الزمن هناك، ولكنه بسبب ضيق العيش عاد مرة أخرى إلى البحرين، فصادف رجوعه وقوع فتنة بين الخوارج وعسكر العجم أصيب فيها بجروح فاحشة فنقل إلى القطيف، وبقي فيها أياماً ثم توفي رحمه الله شهيداً في سنة 1130هـ ، كما ذكر ذلك المحدث السماهيجي في إجازته والشيخ يوسف البحراني في لؤلؤته.
والشيخ عبدالله بن الشيخ حسين بن كنبار النعيمي لم يُفرد بترجمة في كتب التراجم، وإنما ذُكر ضمناً في ترجمة السيد هاشم التوبلاني، قال في اللؤلؤة ص64: (وتوفي-يعني السيد هاشم- قدس سره في قرية نعيم في بيت الشيخ عبد الله بن الشيخ حسين بن علي بن كنبار؛ لأنه كان متزوجاً بمخلفة الشيخ علي بن الشيخ عبد الله المذكور).
أما الشيخ محسن بن الشيخ علي بن الشيخ عبدالله بن حسين بن كنبار النعيمي البحراني فلم يُذكر في كتب التراجم.
ويحتمل أن يكون سنة استنقاذ الكتاب -1147هجـ- هو نفس سنة غصب الكتاب، فالشيخ يوسف البحراني يذكر في اللؤلؤة ص73 في ضمن ترجمة أستاذه الشيخ عبدالله بن علي بن أحمد البلادي أنه ورد شيراز لإصلاح أمور البحرين لما استولت عليها الأعراب وأوقعوا فيها الخراب فلم يبق إلا مدة يسيرة حتى توفي بها سنة 1148هجـ .
* * *
وإليكم نص ما هو مكتوب على الصفحات الأولى والأخيرة من المخطوطة التي تضمنت هذه الفوائد الهامة:
كتب الناسخ في خاتمتها: (هذا آخر كتاب مجمع البيان لعلوم القرآن لأبي علي الطبرسي، تغمده الله برضوانه واسكنه بحبوحة جنانه، وهو آخر أجزائه العشرة بتجزئة مصنفه، ولله درّه حيث انتصر به للفرقة المحقة الإمامية الإثناعشرية، إذ كشف به القناع عن غامض كلام الله -الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- بحسب الطاقة البشرية،فلاح به ولله الحمد المذهب الحق والمعتقد الصدق من بين سائر معتقدات [الـ]فرق الإسلامية، فليشكر الله أمة أهل الإيمان حيث أن ظفروا بمثل هذا التبيان، فليكثروا الدراية ليزدادوا في الهداية، ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين﴾، جعلنا الله من السالكين سبيل أهل السداد، والمنتظمين مع أهل الرشاد، آمين رب العالمين، تم بتوفيق الله تعالى.
قد حصل هذا الكتاب برمته من فاتحته إلى خاتمته في خزانة الشيخ الأعلم الأعمل، الورع الأكمل، خاتمة المجتهدين حقاً، وبقية المحققين صدقاً، شيخنا بل شيخ الكل في هذا الصقع المحروس والأوان، الشيخ عبدالله بن المقدس المتغمد بالعفو والرضوان شيخ حسين بن علي بن حسين الأوالي – هي دار الأمن والإيمان- أدام الله أيامه، وجعلها مقرونة بما يتمناه في الدارين، وختم له بالخير في النشأتين، نفعنا الله به، ونفعه به، ونفع به من يحب الانتفاع من بعده، خصوصاً ولده وولد ولده من بعده:
من قال آمين أبقى الله مهجته
فإنّ هذا دعاء يشمل البشرا
وقد اتفق إتمام أكثر هذا الكتاب على يد فقير ربه وغريق دينه حسن بن محمد بن أحمد الموالي الأوالي، وكان آخر ذلك عصر يوم الخميس الثاني والعشرين من شهر ربيع الثاني من السنة التاسعة والستين وألف من الهجرة النبوية صـ) . (1069).
وقد كُتب على طرتها: (قد انتقل لحيازة الشيخ البهي والمهذب السَني الشيخ محسن بن الفردوسي الشيخ علي بن عبدالله بن حسين بن كنبار النعيمي البحراني وهو مجلد من تفسير أبو علي الطبرسي نور الله مرقده بتاريخ شهر شوال سنة 1124).
وكتب بجانبه المحدث الشيخ عبدالله السماهيجي بخطه الشريف: (بسم الله، والحمد لله، وهو عارية عندي، وأنا الفقير الجاني عبدالله بن صالح البحراني بتاريخ ذو القعدة 1125).
وكتب بجانبه الشيخ محسن بخطه: (في ملك محسن بن علي بن عبدالله بن حسين بن كنبار) ، وهناك من شطب على هذه العبارة!!
وكتب محمد بن أحمد العمقي([1]) الصحاري الذي استنقذ الكتاب: (هذا التفسير لبعض أهل البحرين فليرد إلى مالكه أو حاكم الشرع، فإن سلم الثمن الذي استنقذته كان المراد، وإلا فلا يمنع، كتب ذلك الأقل محمد بن أحمد بن محمد بن عبدالله بن عبدالحسين العمقي الصحاري).
وعلى ظهر الصفحة الأخيرة من المخطوط أيضا ما يلي: (قد استنقذ هذا الكتاب المعروف بمجمع البيان في تفسير القرآن العبدان الفقيران الحقيران الطالبان برده على أهله رضاء ربهما الديان علي بن محمد بن علي بن عبدالكاظم والأقل محمد بن أحمد بن محمد بن عبدالحسين العمانيان الصحاريان ممن غصبه من أهل أحد نواحي خورفكان([2]) بمبلغ قدره تقديراً ثلاث عباسيات أو عباسيتان لأنه في جملة كتب غيره، ولا معلوم له دونهم شيء من الأثمان، حتى لا يخفى على كافة الإخوان وكل إنسان، كتبه المستنقذ الثاني بيده عصر الثالث والعشرين من ذي الحجة الحرام سنة السابعة والأربعين بعد المائة والألف من هجرة سيد آل عدنان).
وكُتب في جانبه: (يدل مِن بعض [مَن] كتب في هذا الكتاب أنه ملك للشيخ الأكرم حليف المجد والافتخار الشيخ محسن بن شيخ علي بن عبدالله بن حسين بن كنبار النعيمي).
وكتب في وسط المخطوطات: (كتاب مجمع البيان لأهل البحرين، وربما لمحسن ابن كنبار فليرد عليه).
وكتب أيضاً: (كتاب تفسير هو مجمع البيان، لعله لمحسن ابن كنبار البحراني، فليرد إليه، إن ما استنقذناه به 3 محمديات ونصف، وإلا فلا يمنع منه).
* * *
وإليكم صور المخطوطة:
الصفحة الأولى:
الصفحة قبل الأخيرة:
الصفحة الأخيرة:
صفحات من وسط المخطوطة:
صفحات من وسط المخطوطة:
صفحات من وسط المخطوطة:
جدول التواريخ المستفادة من المخطوطة:
التاريخ |
الحدث |
1068 هجـ |
انتهى حسن بن محمد بن أحمد الأوالي من نسخ الجزء التاسع من تفسير «مجمع البيان» في غرة شهر ذي الحجة سنة ثمان وستين بعد الألف. |
1069 هجـ |
انتهى حسن بن محمد بن أحمد الأوالي من نسخ الجزء العاشر من تفسير «مجمع البيان» لخزانة العلامة الشيخ عبدالله بن الشيخ حسين بن علي بن حسين بن كنبار الأوالي في عصر يوم الخميس الثاني والعشرين من شهر ربيع الثاني من السنة التاسعة والستة وألف من الهجرة النبوية. |
1124 هجـ |
انتقل الكتاب لحيازة (حفيد صاحب الخزانة) الشيخ محسن بن الشيخ علي بن الشيخ عبدالله بن حسين بن كنبار النعيمي البحراني بتاريخ شهر شوال سنة 1124. |
1125 هجـ |
استعار الكتاب الشيخ عبدالله بن صالح السماهيجي. |
1147 هجـ |
استنقذ الكتاب علي بن محمد بن علي بن عبدالكاظم ومحمد بن أحمد بن محمد بن عبدالحسين العمانيان الصحاريان ممن غصبه من أهل أحد نواحي خورفكان بمبلغ قدره تقديراً ثلاث عباسيات أو عباسيتان في عصر الثالث والعشرين من ذي الحجة الحرام سنة السابعة والأربعين بعد المائة والألف. |
([1]) «عمق» إحدى قرى ولاية صحار العمانية.
([2]) «خورفكان» هي مدينة ساحلية على شواطئ خليج عمان، تتبع إمارة الشارقة حالياً.
بقلم الباحث: الشيخ إسماعيل الكَلداري
1/6/2015 م