لعب الطب العربي دوراً كبيراً ولازال في علاج الكثير من الأمراض على مستوى العالم وقد وصل الى أوج ازدهاره إبان سطوع نجم الحضارة الإسلامية حيث برزت أسماء لامعة في هذا المجال ومن أبرزها وألمعها الشيخ الرئيس ابن سيناء صاحب كتاب ((القانون في الطب)) وقد كان الطب العربي أو ما يسمى في وقتنا الحاضر بالطب البديل هو الأساس الذي بنت عليه أوروبا تطورها
في مجال الطب الحديث وعبر تعاقب القرون وفي كل زمان ومكان لمعت أسماء ذاع صيتها وسط مجتمعاتها كأطباء لعلاج الكثير من الأمراض في حدود خبراتهم وإمكاناتهم.
(بيت بنت مَدَن)
و (مَدَنْ) تعني المقيم في المكان أو الساكن الذي يعمر المكان. (المصادر: 1-لسان العرب، 2- القاموس المحيط)
ويشاء القدر أن يبرز اسم قرية الدير على خارطة الطب العربي في البحرين هذه القرية الرابضة على شاطئ البحر شمال جزيرة المحرق أو جزيرة سماهيج، كما كانت تعرف سابقا هذه القرية التي ارتبط اسمها بمسجد الراهب والذي كان ديراً قبل الإسلام كما ارتبط اسمها باستخراج اللؤلؤ وصيد الأسماك وارتبط اسم الدير ببيت بنت مدن كمركز لعلاج كثير من الأمراض وفي مقدمتها علاج الكسور. حيث ذاع صيت هذا البيت على مستوى البحرين بأكملها ومنذ أن وعيت على الدنيا في مطلع الخمسينيات كان بيتنا محجة لطالبي العلاج من داخل القرية ومن خارجها منذ الصباح وحتى المساء. وكانت جدتي المرحومة مدينة بنت محمد بن مدن بن عيسى هي الأبرز في هذا المجال. ولدت رحمها الله في حدود عام 1900م في بيت بسيط ككل البيوت في فريق الراهب ووالدتها هي المرحومة خديجة بنت علي بن محمد النصوح ولقد تعلمت العلاج على يد والدها محمد بن مدن والذي ورثه عن أبيه عن جده. كانت رحمها الله لصيقة بوالدها لا تفارقه أينما حل و ارتحل حتى أطلق عليها لقب ((صْبَي مَدَن)) وكان لجدتي أخ اسمه عبد المحسن كان مشهورا بعلاج أمراض البطن ((الجهاز الهضمي)) ومن أشهرها ما كان يطلق عليه ((النفوس)) وهي الغازات التي تتجمع في المعدة أو الأمعاء إلا أن عبد المحسن (رحمه
الله) لم يعمر طويلا حيث توفي في أربعينيات القرن الماضي وكان لجدتي أخت أكبر منها واسمها فاطمة تزوجها المرحوم الحاج حماد بن أحمد بن حماد إلا أنها لم تتعلم شيئاً من الطب العربي وتوفيت قبل جدتي بفترة طويلة، وكانت المرحومة بنت مدن بالإضافة إلى براعتها في علاج الكسور كانت قابلة متميزة وكانت تقضي الكثير من الليالي خارج البيت حيث كانت تلازم النساء حديثات الوضع بل كانت تمكث بعض الأيام خارج الدير إما في سماهيج أو عراد أو المحرق وأحيانا في المنامة. ولقد رافقتها عندما كنت طفلا في العديد من زياراتها خارج الدير ولا زلت أتذكر زيارتنا لبيت المرحوم الحاج عباس كازروني في المنامة في حدود سنة 1955م وهو تاجر مواد غذائية حيث بتنا هناك وفي الصباح أهدوني كلباً من المطاط. وبسبب شهرتها وتقديراً وإعجاباً بمهاراتها الطبية أطلق عليها المرحوم الحاج عبدالله بن عيسى الحمر لقب ((أمريكن)) نسبة الى المستشفى الامريكي في البحرين ولقد حباها الخالق – جل وعلا – بنية جسدية قوية فكانت لها قبضة حديدية كما كانت تتمتع بالشجاعة وجسارة القلب فما كان يهمها بكاء المريض وصراخه مهما علا (وهذا أمر مهم بالنسبة للطبيب) لأنه يهتم بمصلحة المريض أولاً وقبل كل شيء. فكانت – رحمها الله- تضطر أحياناً لكسر العظم السليم في اليد كي تجعل العظمين في استقامة واحدة. وكانت – رحمها الله – عندما تقوم بالإشراف على ولادة أي امرأة تبقى تتابع حالتها حتى تتجاوز الأربعين يوما وبالمصطلح الشعبي ((تطلع من الأربعين)) وعندما تكون هذه المرأة لاعون لها من أهل أو صديقات تقوم هي بنفسها بإعداد العصيد لها ((وهو طعام يعد
للمرأة عندما تلد)) وهو عبارة عن دقيق يطبخ ويوضع عليه دهن البقر مع نوع خاص من البهارات يطلق عليه ((محررات)) وهو مكون من:(فلفل أسود – جلجلان – سنوت – كركم – زنجبيل – دارسين – قرص القمر – حبة البركة – رشاد – نبات). كما يتم
توزيع صحون العصيد على الأهل والجيران والأصدقاء وهم بالمقابل يقدمون البيض، حيث كان متوفراً في كل بيت. ومن الأشياء التي كانت تقوم بها -رحمها الله – بالنسبة للمرأة النفساء وضع قطع من الملح بيضاوية الشكل بحجم بيضه الحمامة في فرج المرأة وهذه القطع تقوم بدور المطهر (المعقم) وعندما تقترب المرأة من نهاية فترة النفاس تقوم -رحمها الله- بمريختها أي تدليك جسدها بالدهن وهي كلمة عربية فصيحة، ويتم التركيز في هذه العملية على البطن وبالأخص منطقة الحوض وهذه العملية تعيد الرحم لوضعه الطبيعي حيث تكون المرأة مهيأة للحمل مرة أخرى. ومن الأمور التي امتازت بها جدتي -رحمها الله- الكرم فهي مع كونها الطبيبة المعالجة إلا أنها كانت تعتبر المرضى ضيوفا لديها وكانت تقدم لهم ما يسمى بالقدوع وهو مكون من عدة أصناف، ولم تكن -رحمها الله- تطلب من أي مريض أو مريضة أجرة وما يقدم لها من مال تقابله بعبارة أنعم الله دون أن تنظر إليه أو تعده. رحم الله تلك الأيام، اليوم إذا دخل أحدنا إلى عيادة طبيب خاص لا يخرج إلا بعد أن تخلوا محفظته مما فيها من نقود!!!. ومن الأمور التي لازلت أتذكرها ذلك الصندوق البمباوي ((هي صناديق مصنوعة من التنك تجلب من الهند عليها رسومات نباتية زاهية الألوان)). كانت -رحمها الله – تضع فيه أنواع من البسكوت وعلب الأناناس والخوخ الذي يقدم لزوارها من طالبي العلاج وكانت تضعه تحت السجم ((السرير)) في الكوخ الذي كانت تسكن فيه. ومن غرائب الصدف أنها رحمها الله كانت قد زرعت سدرة في القسم الجنوبي من البيت عندما كانت طفلة وبقيت هذه السدرة وارفة الظلال مثمرة وكثيرا ما جلس تحت ظلالها الرجال والنساء انتظارا للعلاج ، هذه السدرة ماتت في نفس العام الذي انتقلت فيه جدتي المرحومة مدينة بنت محمد بن مدن بن عيسى إلى جوار ربها وهو اليوم السابع والعشرون من شهر شعبان سنة 1389هــ الموافق الثامن من نوفمبر سنة 1969م عن عمر قارب السابعة والستين عاما أو تجاوزها لتطوى آخر صفحة في سجل امرأة نذرت نفسها لخدمة مجتمعها الصغير ووطنها الكبير تاركة خلفها تاريخا عطرا تتوارثه الأجيال وبصمات بارزة لم يخل منها بيت من بيوت الدير وكثير من بيوت البحرين. رحمك الله يا جدتي العزيزة وأسكنك فسيح جناته مع محمد المصطفى(ص) وآله الاطهار (ع).
"والدي المرحوم الحاج حسن بن ابراهيم بن صالح"
في يوم من أيام عام 1921م أو 1922م رزقت عائلة المرحوم ابراهيم بن صالح بن سالم بمولود ذكر يبدو من مخايله أنه سيكون طويل القامة قوي البنية يميل لونه الى السمرة وهو اللون الغالب على عائلة آل مدن حيث أن والدته هي المرحومة مدينة بنت محمد بن مدن بن عيسى. تاريخ ولادة الوالد في البطاقة السكانية عام 1918م إلا أنني رجحت عام 1921م أو 1922م لأنه – رحمه الله – قد ذكر لي أكثر من مرة أنه في سنة الطبعة والتي وقعت في يوم الجمعة الموافق 28 سبتمبر 1925م ذهب مع والدته إلى السيف بانتظار معرفة خبر والده إبراهيم بن صالح الذي كان في الغوص مع النوخذه الحاج حماد بن أحمد بن حماد وكان كما قال – رحمه الله – بلا ملابس تستر جسده ولو اعتمدت على تاريخ البطاقة وهو أنه مولود سنة 1918م يكون عمره سنة الطبعة سبع سنوات وابن سبع سنين
لا يمكن أن يخرج بلا ملابس. وعندما بلغ العاشرة من عمره اصطحبه والده إلى الغوص تَبَّاب على جالبوت بيت الحاج حماد بن أحمد ((والتباب بفتح التاء وتشديد الباء والجمع تبابة يخدم في السفينة ويتدرب على العمل في البحر والتباب ليس له سهم إنما يعطى إكرامية من النوخذه وبعض البحارة كما يبحث في المحار المغلق والمفتوح لجمع صغار اللؤلؤ (السحتيت) ويبيعها لحسابه[1].
كما يتدرب التباب على ما يقوم به الغاصة والسيوب من أعمال وقد يسمح له بالنزول إلى البحر وكثير من التبابة برزت لديهم مواهب وإمكانيات جعلت منهم رجالا بارزين يشار إليهم بالبنان على سفن الغوص. وكان الوالد – رحمه الله – قد لازم والدته وأحب هذه الصنعة فتشرب منها كل ما لديها من خبرة وما تقوم به من أعمال وما تصفه من أدوية لعلاج المرضى. وقد ذاع صيت الوالد – رحمه الله – في مختلف مناطق البحرين حتى أصبح بيتنا أشبه ما يكون بعيادة يقصدها المرضى من كل مكان وبالإضافة إلى براعة الوالد -رحمه الله – في علاج الكسور كان يعالج أمراضا أخرى مثل الليته وهي شد عضلي يصيب إحدى عضلات الظهر إما اليمنى أو اليسرى، وكذلك العقصة (العگصة باللهجة الدارجة) وهو ألم في إحدى الإليتين، كما كان – رحمه الله – يعالج عرق النسا بالكي وكذلك الانقطاع ويسمى باللهجة المحلية "النقطاع" ويطلق عليه حديثا (مرض المظلات) حيث يعجز المريض عن المشي أو ينقطع عن المشي ويتوقف ليستريح قليلا ثم يواصل سيره كما يعالج مرض أبو صفارة
"اليرقان" عن طريق شرب اللبن الحامض وكذلك طبخ عروق العاقول "الحيج" ويطلق عليه العاقول وشوك الجمال (ص1) ثم شرب مائه مع كيتين خفيفتين إحداهما في خنصر الكف الأيمن والأخرى في خنصر الكف الأيسر. كما كان- رحمه الله – يعالج النفوس "الغازات" عن طريق المريخه كما كان يقوم بعلاج بعض الأورام والتي تتكون في أعلى العنق عن طريق الكي ويطلق عليها خنزيرة وكذلك الورم الذي يكون في الحالب ويطلق عليه "طلع" كما كان يعالج عن طريق الكي بعض الالتهابات التي تصيب بعض أصابع الكفين ويطلق عليها استضراب كما يعالج الغاصة الذي يصابون بلدغة من الدجاجة ويطلق عليها أيضاً السمكة المخططة والسمكة الفراشة والسمكة النارية والسمكة الأسد والسمكة الريشية (ص2)، و من يتعرض للدغة اللخمة (ص3) ، يقوم بكيه مكان الإصابة.
وبعد كي تلك الأورام وخروج ما فيها من صديد كان – رحمه الله – يضع مادة الخلتيت أو الحلتيت (ص4)، وهي مادة سوداء لزجة كريهة الرائحة (تستورد من الهند) يتم دسها داخل الورم ويعمل الخلتيت على التنظيف والتعقيم.
ومن الأدوية التي تلازم الوالد – رحمه الله- في العلاج (دهن البقر و شمع العسل) (ص6،5) ويستورد من تركيا وإيران والهند، و (ميم الكسر) (ص7) ويستورد من أفغانستان وروسيا ويقوم بمزجها ليضعها على العضو المكسور كما يضعها على قطع القماش الذي يلف به العضو المكسور وفي البدايات لم تكن هناك لفافات طبية فكان – رحمه الله- يستخدم ما حصل: إزار قديم أو غترة قديمة أو أجزاء من ثوب قديم ومن ضمن أدوات العلاج عدد من المسامير بأشكال مختلفة للكي (ص8)، وقطع من العصي أو الأخشاب الصغيرة متساوية الأحجام يتم ربطها بقطع من القماش لتشكل مايشبه الجبيرة وكان يطلق عليها غميلة وهي كلمة عربية فصيحة (ص9). والغميلة مجموعة من قطع الخشب أو العصي الصغيرة تربط بعضها مع بعض بقطع من القماش لتلف حول الذراع أو الرجل المكسورة بعد أن تلف بالقماش المغمى بدهن البقر وشمع العسل وميم الكسر حتى تجعل العظم المكسور ثابتا ليتواصل التئامه ويجبر . جاء في المعاجم اللغوية: غمل غملا : التف وركب بعضه بعضا. غمل الشيء: ستره وأصلحه. و الغميل: المتراكب من النبات. (المصادر: 1- الصحاح في اللغة، 2-لسان العرب ، 3- القاموس المحيط).
وكان الوالد -رحمه الله – يشتري معظم الأدوات من دكان الحواج المرحوم الحاج عبدالله المخلوق في سوق المنامة. سار الوالد -رحمه الله- على نهج والدته في نكرانه لذاته واهتمامه بمرضاه دون طلب لمال أو حرص على ثروه وفي كثير من الأحيان كان يكتفي برحمة الوالدين وكان – رحمه الله – يتمتع بروح الدعابة فإذا جاءه شاب قد انكسرت يده أو رجله أثناء اللعب غالبا ما يبادره قائلا ((هاه إن شاء الله بس سجلت كول)) كما كان – رحمه الله - يتمتع بخبرة في علاج بعض الأمراض التي تصيب الحيوانات كالأغنام أو الخيول وكثيرا ما يتم استدعاؤه لبعض الاصطبلات لعلاج الخيول المصابة ومن الطرائف التي لا أنساها أن شخصا من البديع قد أصيب ولده بكسر في يده فجاء به الى الوالد – رحمه الله – لعلاجه ولما شفي من الكسر أهدانا غنمة عربية مع حمل سيارة بيكب من التمر والشوار.
"الوجه الآخر للوالد المرحوم الحاج حسن بن إبراهيم بن صالح"
لكل شخصية وجهان وجه معروف ومشهور لدى الغالبية من أفراد المجتمع وقد تتعدى هذه الشهرة المجتمع المحلي، وهناك وجه آخر يعرف المقربون من الشخص جزءا منه وهناك جوانب لا يعرفها الا أقرب المقربين من أفراد الأسرة.
والوجه المعروف للوالد – رحمه الله – أنه طبيب عربي بارع وخاصة في مجال علاج الكسور، إلا أنَّ هناك وجه آخر متعدد الجوانب سأحاول تسليط الضوء عليه ولو بصورة مختصرة.
1) كان غيصا متميزا وقد دخل الغوص مع بيت جدي المرحوم الحاج حماد بن أحمد بن حماد فالوالد – رحمه الله – ارتبط بهذا البيت العريق لكونه متزوج من فاطمة بنت المرحوم الحاج عبدالله بن علي بن سلطان ((والدتي)) كما أن عماتي الأربع قد تزوجن في بيت الحاج حماد. وكان مقدما على السفينة وهي جالبوت يطلق عليها (الموتر) لسرعتها والمقدم أو (المقدمي) بالاصطلاح المحلي هو المسؤول عن جميع العاملين على ظهر السفينة أمام النوخذه وكان – رحمه الله – رباناً يعرف مفاصات اللؤلؤ وأماكن صيد الأسماك وقد سمعت هذه الأمور من الكثيرين ممن عاشروه وزاملوه في الغوص.
2) بعد أن دالت دولة الغوص بعد ظهور النفط انتقل إلى العمل في البناء في المملكة العربية السعودية في ((الخبر)) ثم عاد إلى البحرين وعمل في نفس المهنة وقد بنى عددا من البيوت في الدير وبعضها لازال قائما حتى اليوم كما هو موضح في الصورة.
ثم عمل في المعسكرات البريطانية في البحرين متنقلا بين المحرق والجفير والهملة حتى استقلال البحرين في بداية السبعينات.
3) عمل في البحر ((صيد الأسماك)) مع بيت جدي الحاج حماد بن أحمد الى أن اشترينا سفينة صيد من الإمارات فترك العمل معهم، كما استأجر دكانا لبيع الخضروات في بداية الثمانينات قرب مدرسة عبد الرحمن الناصر بالمحرق ولم يمكث فيه طويلاً.
4) كان ماهرا جدا في صناعة فكوك القراقير وخاصة الكبيرة منها والفك (الفچ باللهجة الدارجة) هو المدخل الذي تدخل منه الأسماك إلى بطن القرقور ولكنها
لاتتمكن من الخروج.
5) كان – رحمه الله- ماهراً في تفصيل الشرع ومفردها شراع وقد شهدت ذلك مرات عديدة في بيتنا حيث الأرض الرملية.
6) كان- رحمه الله – قارئا للقرآن، حفظه وهو في سن الطفولة وكان حريصا على تلاوته كل صباح بعد صلاة الفجر لم يترك هذه العادة حتى أقعده المرض في الفترة الأخيرة من حياته كما كان – رحمه الله – حريصا أشد الحرص على صلاة الليل.
7) كان – رحمه الله – يهتم كثيراً بالأوقات الشرعية فكان يحرص يومياً على الذهاب إلى الساحل لمطالعة الشمس وضبط الساعة على الثانية عشرة وهو مايعرف بالتوقيت العربي حيث إن الغروب موقوف على الساعة الثانية عشرة فإن تقدمت الساعة أُعيدت إلى الثانية عشرة وإن تأخرت أعيدت وفي الحقيقة فإن الشمس هي التي يتغير توقيت غروبها حسب فصول السنة وكان أذان المغرب دائما عند الساعة الثانية عشرة والربع صيفا أو شتاءا طال النهار أو قَصُر وكان لهذا التوقيت فائدة كبيرة في الاستفادة من الوقت في الليل، ولمراقبة الشمس عند الطلوع كان يذهب شرقي مزرعة رية أو على بلط نصر ((التينة)) والبلط هو كاسر الأمواج وتقع التينة شرقي مقبرة الدير، وكان يرافقه المرحوم الحاج علي بن حسن ((أبو مكي)) مؤذن الراهب.
8) كان – رحمه الله – خبيراً بالأنواء أو مطالع النجوم أو مايطلق عليه عند البحاحير الضربات وكان – رحمه الله – يحفظ هذه المطالع عن ظهر قلب ويعرف توزيعها على البوصلة ((الديرة)).
9) كان قائد حلقة في الموكب ((شيال)) أو رادود بمصطلح هذه الأيام وكان ترتيبها الثانية بعد حلقة المرحوم الحاج محمد باقر بن الحاج أحمد بن مهدي.
10) كان – رحمه الله – من المبادرين لتغسيل الموتى وكذلك حفر القبور.
11) كان حريصا على مطالعة الرسالة العملية ((كتاب السداد)) وفي عمود الدين الكتيب الذي ألفه المرحوم الشيخ ابراهيم آل مبارك.
12) كان – رحمه الله – صاحب خبرة بأنساب العوائل في الدير وصلة هذه العوائل بأهل سماهيج كما كان – رحمه الله – صاحب اطلاع ودراية بأمور التاريخ فلقد سمعت منه الكثير من الحوادث التاريخية في البحرين وخارجها ومن تلك الأحداث قصة خروج الملك عبد العزيز مع والده من الرياض ووصولهم إلى البحرين حتى قيام المملكة العربية السعودية وبالتفصيل الدقيق ولما كبرت وقرأت قصة قيام المملكة العربية السعودية وجدته مطابقا لما سمعته من الوالد – رحمه الله – ومن الأحداث التي سمعتها منه قصة الغزوات التي كانت تتعرض لها البحرين ومن أشهرها قصة العماني والمجزرة التي ارتكبها الغزاة في سماهيج في مصلى العيد وكذلك أحداث جزيرة النبيه صالح وقصة الشيخ محمد أبو رمانة وحادثة الطبعة وفتنة محرم في الخمسينات وموضوع هيئة العمل الوطني ((الهيئة)) وكذلك الخطباء الذين عرفتهم المنابر في الدير، لقد كان رحمه الله موسوعة تاريخية – وللأسف الشديد – لم نكن في تلك الفترة نهتم بهذه الأمور ولم نكن ندون الكثير مما نسمع.
13) ومن الأمور التي قد تبدو غريبة بالنسبة لشخص لديه كل هذه الاهتمامات هو موضوع الطبخ كان الوالد – رحمه الله – طباخاً ماهراً وكثيرا ما كان يعد لنا الطعام عندما تكون الوالده – حفظها الله – مريضة أو في حالة وضع، ومن الأكلات التي لازلت أتذكرها ((العقيلي)) وهو نوع من الكيك الذي كان – رحمه الله – يصنعه لنا في أيام الجمع.
وكان – رحمه الله – عزيز النفس زاهدا في أمور الدنيا وبهرجها ولا أتذكر في يوم من الأيام سأل أحدنا عن الأمور المالية كعادة بعض الأباء الذين يدققون ويحققون في أمور رواتب أبنائهم.
"وترجل الفارس"
في اليوم الأول من شهر ربيع الأول سنة 1412هـ الموافق للعاشر من شهر أكتوبر سنة 1991م انتقل إلى رحمة الله تعالى الوالد العزيز الحاج حسن بن إبراهيم بن صالح عن عمر تجاوز السبعين عاما بقليل بسبب جلطة في المخ أدخلته في غيبوبة استمرت أسبوعا واحدا لقد عاش – رحمه الله – عاملاً مكافحاً في خدمة مجتمعه حتى آخر أيام حياته، لقد كان بالنسبة لنا الخيمة التي تظلنا والمشعل الذي أنار طريقنا كان – رحمه الله – رمزاً للقناعة ومثالاً رائعا لغنى النفس، غادر هذه الحياة الفانية تاركا خلفه ذكرا حسنا وتاريخا عطرا وخمسة من الأبناء وابنتين.
رحمك الله يا أبي وأسكنك فسيح جناته مع محمد (ص) وآله الطيبين الطاهرين إنه سميع مجيب.
عمتي الحاجة فاطمة بنت إبراهيم بن صالح "أم حماد"
هي أرملة المرحوم الحاج علي بن حماد بن أحمد وهي أصغر من والدي المرحوم الحاج حسن بن إبراهيم بن صالح، ولادتها في
حدود 1925م وهي أخت لثلاث بنات جمعيهن تزوجن في بيت المرحوم الحاج حماد بن أحمد بن حماد وقد توفاهن الله. نشأت الحاجة فاطمة في أحضان والدتها المرحومة مدينة بنت محمد بن مدن وهي كما أسلفت طبيبة عربية متميزة فتشربت منها هذه المهنة ولما أقعد المرض المرحومة والدتها برز نجمها وذاع صيتها وصارت مقصداً لطالبي العلاج واستمرت تمارس هذه المهنة حتى أقعدها المرض في السنوات الأخيرة حفظها الله ورعاها وأطال في عمرها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] كتاب تاريخ الغوص على اللؤلؤ ج1 للمؤلف سيف بن مرزوق الشملان منشورات دار ذات السلال دولة الكويت.
ملاحظة: هذا الموضوع موجود في كتاب "الدير سيرة ذاتية للدكتور علي أحمد هلال".
بقلم: إبراهيم حسن إبراهيم صالح –الدير