توضيح حول الزعم بثورة أهل البحرين ضد البرتغاليين بين عامي 1521-1529م.
هناك اناس غير متخصصين في التاريخ وبالذات البرتغالي في الخليج والبحرين، لذلك فهم يهرفون بما لا يعرفون، فيختلط الحابا بالنابل بين من هو مختص ومدرك لما يقرأ ويكتب ويستطيع ايصال فكرته للناس جميعاً وذاك الشخص الذي يهرف بما لا يعرف.
كل المعلومات في الفيلم خاطئة تماماً ونستطيع اثبات ذلك بالوثائق الصحيحة، وحتى الصور المصاحبة لا علاقة لها بالفيلم، وحسين الجبري بعد هزيمة الجبور في جزر البحرين والقطيف عام 1521، غدا حاكماً لصحار بعد أن ولاه البرتغاليون حكم ذلك الميناء العُماني الذي كان يتبع مملكة هُرمز في امتدادها العربي على الساحل الغربي للخليج. ويبدو جليًا أن الأخ كتب مادة الفيلم لا يعرف شئ عن تاريخ الوجود البرتغالي في الخليج ولا يستطيع قراءة الوثائق البرتغالية. لذلك جاء بهذا الكلام الخاطئ عن ما كتبه غيره عن ترجمات خاطئة ومشوهه بشأن الغزو والوجود البرتغالي في الخليج والبحرين، قام بها بعض العرب من خارج الخليج، استعانة بمحرك الترجمة في نظام (الجوحل) عبر (الانترنت) وهم ليس لهم علاقة قريبة بتاريخ البرتغاليين في المنطقة. فالأمير مقرن بن زامل الجبري، أو الملك، كما سماه البرتغاليون، استُشهد في صيف عام 1521م في جزر البحرين إثر تصديه للغزو البرتغالي لها ضمن جيشه المكون من بعض مجموعات من قبائل عربية مختلطة ومتباينة المشارب والأهداف وقد جلبهم من شبه الجزيرة معه، ولم يستعن بأهل البحرين في قتاله للبرتغاليين كانت قوات الجبور مُختلَطة ومؤلفة من عدد من فرسان العرب، والرماة الفرس، وعدد قليل من الفرسان الأتراك، وحوالي 11,000 – بحسب المصدر البرتغالي- من المقاتلين العرب المزودين بأسلحة مختلفة( ). صحيح أن قادة جيش مقرن كانوا من ذوي الخبرة والممارسة الحربية؛ لكنهم لم يواجهوا من قبل جيشًا أوروبيًا مسلحًا بشكل جيد مثل الجيش البرتغالي.
وبعد استشهاده سقطت دولة الجبور نهائيًا وتفرق زعمائها في أصقاع شبه الجزيرة والعراق وعُمان. ومنهم حسين الجبري الذي ظهر قرب صحار في ثورة الخليج الأولى بقيادة شاه هُرمز ضد البرتغاليين في 30 نوفمبر عام 1521م، واتفق البرتغاليون معه على أن يُحكم صحار اذا ساعدهم في احباط ثورة الخليج بزعامة هُرمز. وتم له هذا. ولذلك لا علاقة له بحكم البحرين ولا توليته عليها من قبل البرتغاليين بل من قلة عقل البرتغاليين وسفههم أن يولوا جبري على جزر البحرين بعد أن تم طردهم منها عسكريًا قبل 3 أشهر فقط من تلك الثورة الخليجية الكبرى. لكننا أمام من يهرف بما لا يعرف!!
أما بالنسبة لمملكة هُرمز فلم تكن فارسية ولا صفوية كما يتصور كاتب تقرير الفيلم، فهي مملكة عالمية السكان والتوجه والنظام الاقتصادي، ومفتوحة للجميع. أم عن أصولها، فكما وفقا لما ذكره (توران شاه) أحد ملوك هُرمز؛ فإنه في عام 1100م (493هـ) تقريبًا، كان لهُرمز القديمة سلالة خاصة من الحكام العرب( ). وأفضل وصف لهُرمز قبل وخلال الفترة البرتغالية يمكن العثور عليه في كتابات البرتغالي دوارتي باربوسا (The Book of Duarte Barbosa)، ورحلات بيدرو تيشيرا (The Travels of Pedro Teixeira). فكلاهما كان لديه اطلاع واسع عن المدينة، والجزيرة.
أضف إلى ذلك؛ أن ملك هُرمز”توران شاه الرابع”، هو الذي شجع في عام 1521 البرتغاليين على احتلال البحرين، من أجل القضاء على خطر الجبور فيها. كانت الدوافع بجانب هذه القضية، هي طمع الهرامزة والبرتغاليين بثروة البحرين من منتجات زراعية، ومياه عذبة، ولؤلؤ، وهو ما تفتقر إليه هُرمز تمامًا. من جانبه، يبدو أن مقرن كان لديه طموح خفي في العمل على السيطرة على مضيق هُرمز. وفقا لما ذكره المؤرخ البرتغالي (باروش):”سافر الملك [مقرن] إلى مكة المكرمة سعيًا وراء هدفه المتمثل في جلب حرفيين أتراك لبناء سفن من نوع “فوشتا” (fustas)، وأيضًا جنود بحرية يعملون فيها( )”، وهي عبارة عن سفن صغيرة مجوفة تقارب السفن الإيطالية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، ولكنها أكثر رشاقة وأسرع( ). قام قائد الجيش البرتغالي في هُرمز، جارسيا كوتينهو (Garcia Coutinho)، بمساعدة ملك هُرمز “توران شاه الرابع”، عن طريق إرسال حملة عسكرية بعدد سبعة سفن ضد البحرين لفرض دفع الجزية عليها. أعطيت قيادة الحملة إلى أنتونيو كوريا (António Correia)، ابن أخ قائد هُرمز (كوتينهو). تكونت الحملة من 400 جندي برتغالي، وعدد 3000 مقاتل هُرمزي ومن العرب أيضًا، تم نقلهم في أسطول مكون من 200 قارب من هُرمز تحت قيادة الوزير شرف الدين الفالي. أي ليس للصفويين علاقة بهذا الأمر لأن جزر البحرين لم تقع تحت السيطرة الفارسية الصفوية إلا عام 1602 فقط.
أما ما يخص تمرد البحرين عام 1529م، فليس له علاقة بأهل الجزر من الناس العاديين، بل من قاد هذا التمرد وثائقيًا هم الهرامزة أيضًا، إلا اذا إذا اعترفنا بأنهم هم أهل البحرين وليسوا غزاة طامعين بها كالبرتغاليين تمامًا. وهذه هي الحكاية: تمرد جزر البحرين عام 1529؛ الكتابة عنه وكذلك الحملة البرتغالية ضده؛ في رسالة مؤرخة في نوفمبر عام 1529، كتبها كريستوفاو دي ميندونسا (Cristóvão de Mendonça)، القبطان الخامس لهُرمز( ). كان لهذه الانتفاضة نتيجة غير متوقعة – فقد نفي شرف الدين الفالي وزير هُرمز إلى البرتغال، لأنه، وبحسب المصادر البرتغالية، أظهر عداءً للمصالح البرتغالية في الخليج. من بين أقوى العلاقات بين شرف الدين وأفراد عائلته المنتشرين في أجزاء مملكة هُرمز؛ كانت علاقته بابن أخيه، الرئيس بدر الدين( ) حاكم البحرين، الذي قاوم كل محاولات البرتغاليين في الحصول على الضرائب منه. إضافة لذلك، انتقم بدر الدين من البرتغاليين لما فعلوه بعمه بعد نفيه من هُرمز بمذلة واضحة، من خلال ذبح الحامية البرتغالية في البحرين وشنق قائدها على إحدى أشجار النخيل في هذا التمرد عام 1529( ).
وبالنظر إلى أن بدر الدين قد ألحق أضرارا جسيمة، (muito agravos)، كما تشير المصادر البرتغالية، بالبحرين من وجهة نظر السياسية البرتغالية؛ فقد أرسل نائب الملك في الهند، (نونو دا كونها)؛ قوة تأديبية لقمع التمرد في البحرين واستعادة النظام تحت قيادة شقيقه (سيماو دا كونها)( )، الذي سرعان ما أظهر قلة خبرته العسكرية في هذه الحملة. فعندما وصل في 20 سبتمبر إلى سواحل البحرين، أهدر كمية كبيرة من البارود خلال قيامه بأداء التحية العسكرية أمام الميناء كما تعلم نظريًا( ). لذلك، فوجئ بأن القلعة العسكرية في البحرين كانت هائلة وتحتاج لكميات كثيرة من القنابل للتعامل معها. وليس كما وصفت له في هُرمز؛ بأنها أضحت مجرد أطلال بعد فشل ثورة عام 1521، يسهل ضربها واقتحامها( ). وهذه تُعدُّ واحدة من المناسبات العديدة التي أظهرت فيها المخابرات البرتغالية قلة خبرتها في تحديث معلوماتها القديمة وغير الدقيقة عن المنطقة. هنا وقف بدر الدين مع حوالي 800 مقاتل من الهرامزة تحت تصرفه؛ رافضًا الاستسلام للبرتغاليين( ). أضف إلى ذلك، سوء الحظ والنحس الذي رافق هذه الحملة عند محاولة النزول على أرض جزيرة البحرين؛ إذ تعرض أفرادها إلى ما يمكن أن نُطلق عليه “موسم الأمراض”( ). حدث مثل هذا الأمر أكثر من مرة للبرتغاليين في الخليج، لأنهم لم يدرسوا بعناية ظروف المُناخ عمومًا ومواسم انتشار الأمراض المحلية بشكل صحيح( ). بالإضافة إلى ذلك، كانت المقاومة المحلية في جزيرة البحرين شرسة من قبل الوالي الهُرمزي، مما تسبب في نفاد الإمدادات البرتغالية من البارود. لذا، أرسل (سيماو دا كونها) يطلب المزيد من هُرمز، ولكن بسبب بُعد المسافة على إبحار سفن شراعية آنذاك بين البحرين وهُرمز حتى تصل تلك المعونة؛ كان رجاله قد تعرضوا للأمراض الموسمية والتي لا يعرفون لها علاجًا لقلة خبرتهم بها محليًا. حتى وصل الأمر بهم إلى أنه لم يعد هناك أحد يقوى على حمل المدفعية من وإلى السفن. وفي لوحة مثيرة للشفقة، تم ربط الحبال بأقدام الجنود المرضى، وجرهم إلى القوارب لترحيلهم إلى هُرمز( ). هكذا، كانت الحملة البرتغالية ضد البحرين عام 1529م، كارثة بالنسبة للبرتغاليين. فقد توفي فيها مائتي رجل، بما في ذلك القائد (سيماو دا كونها)، وأصيب تقريبًا نفس العدد بالأمراض. في النهاية، لم يتبق سوى عدد قليل من القوات البرتغالية تمكنت من العودة إلى هُرمز لسرد قصة هذه الحملة الفاشلة بكل معنى الكلمة( ). كانت تلك الخسارة البرتغالية لهذا العدد الكبير من قواتهم ومعهم القائد نفسه؛ تظهر لأول مرة في الخليج منذ وصولهم إليه، وهو حدث ترك ما يُشبه الصدمة على القيادة البرتغالية في المنطقة لأنه وقع خلال مجرد حملة تأديبية قصيرة غير مهمة جدًا، للقضاء على تمرد بسيط في البحرين. وهذا أظهر محدودية القوة العسكرية البرتغالية، ونقاط الضعف في استراتيجيتها.
فهل نصدق الوثائق والتاريخ الحقيقي لما حدث زمن البرتغاليين في الخليج، أم نصدق من يهرفون بما لا يعرفون؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــ
Barros, Ásia, vol. IV, Liv. iii, pp. 174-177; Couto, Décadas, vol. IV, Liv. iv, pp. 23-30; F. Castanheda, História do Descobrimento, vol. VII, pp. 180-186; Correia, Lendas da Índia, vol. III, pp. 325-329.
ANTT, A G., vol. X, Gav. xx, 2-27, p. 255.